تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج المجلد 3

اشارة

سرشناسه : فاضل لنکرانی، محمد، 1310 - 1386.

عنوان قراردادی : تحریر الوسیله .شرح

عنوان و نام پديدآور : تفصیل الشریعه فی شرح تحریر الوسیله [امام خمینی]/ محمد الفاضل اللنکرانی.

مشخصات نشر : قم: حوزه العلمیه قم، مکتب الاعلام الاسلامی، مرکز النشر، 14ق.= 13 -

مشخصات ظاهری : ج.

شابک : 6500 ریال (ج.3) ؛ 10000 ریال (ج.5)

يادداشت : فهرستنویسی براساس جلد سوم، 1415ق. = 1373.

يادداشت : چاپ قبلی: جامعه مدرسین قم، موسسه النشر الاسلامی، 1409ق. = -1368.

يادداشت : چاپ اول: 1374.

يادداشت : ج.5 (چاپ اول: 1418ق.=1376).

مندرجات : .- ج. 3 و 5. کتاب الحج

موضوع : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1368 - 1279. تحریر الوسیله -- نقد و تفسیر

موضوع : فقه جعفری -- رساله عملیه

شناسه افزوده : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1279 - 1368 . تحریر الوسیله.شرح

شناسه افزوده : حوزه علمیه قم. دفتر تبلیغات اسلامی. مرکز انتشارات

رده بندی کنگره : BP183/9/خ8ت30217 1300ی

رده بندی دیویی : 297/3422

شماره کتابشناسی ملی : م 74-6482

[القول في المواقيت]

اشارة

القول في المواقيت و هي المواضع التي عينت للإحرام و هي خمسة لعمرة الحجّ (2).

______________________________

(2) يقع الكلام في معنى الميقات و في عدد المواقيت في مقامين:

المقام الأوّل: في معنى الميقات لا شبهة في ان المراد به هو الموضع الذي عين للإحرام و الجمع مواقيت لكنه ذكر السيد- قده- ان إطلاقه عليه امّا ان يكون مجازا و امّا ان يكون حقيقة متشرعية و مرجعه الى عدم كونه حقيقة في المكان المخصوص لغة مع ان الظاهر اختلاف اللغويين في ذلك فالمحكي عن المصباح المنير و النهاية لابن الأثير ان الوقت مقدار من الزمان مفروض لا مر ما، وكل شي ء قدرت له حينا فقد

وقته توقيتا و كذلك ما قدرت له غاية و الجمع أوقات و الميقات الوقت و الجمع مواقيت و قد استعير الوقت للمكان و منه مواقيت الحج مواضع الإحرام.

لكن في الصحاح للجوهري: الميقات الوقت المضروب للفعل و الموضع يقال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 18

..........

______________________________

هذا ميقات أهل الشام للموضع الذي يحرمون منه و نحوه ما عن القاموس و ظاهرهما ان استعماله في المواضع المذكورة على نحو الحقيقة اللغوية.

و يؤيّده بل يدل عليه انه لو كان هناك حقيقة متشرعية لكان ذلك بالإضافة إلى خصوص كلمة الميقات مع انه يوجد في الروايات الآتية استعمال كلمة التوقيت و الوقت أيضا في الموضع المعين في كلام الامام (ع) و الرواة و هذا يدلّ على كونه كذلك لغة فالحقيقة لغوية.

المقام الثاني: في عدد المواقيت و قد اختلفت كلمات الأصحاب في تعدادها فعن المنتهى و التحرير انّها خمسة و في الشرائع و عن القواعد بل قيل هو المشهور انّها ستّة و عن بعض أنها سبعة و في محكي الدروس أنّها عشرة و قد تبعه صاحبا المستند و العروة لكن كما في الجواهر لكلّ اعتبار امّا الأوّل فباعتبار تعيين الأمكنة المخصوصة و الثاني باعتبار ذكره في التوقيت و ان لم يكن مكانا مخصوصا و الثالث باعتبار زيادة الإحرام من مكّة و الرابع زيادة فخّ لحج الصبيان و محاذاة الميقات لمن لم يمرّ به و ادنى الحلّ أو مساواة أقرب المواقيت إلى مكة لمن لم يحاذ ميقاتا بل في الجواهر يمكن جعلها أحد عشر بنوع من الاعتبار إذا جعل الأخير مغايرا لأدنى الحلّ ثم قال و الأمر في ذلك سهل و الانصاف ان التقييد بعمرة الحج الظاهرة في

عمرة التمتع كما في المتن يوجب ارتفاع الاشكال تقريبا كما لا يخفى لكنه يرد عليه انه لا وجه للتخصيص بالعمرة فإنه مضافا الى أنه حج رسول اللّٰه (ص) و أصحابه من مسجد الشجرة في حجة الوداع و كان حجهم بين قران و افراد لا مجال للارتياب في انه يجوز الإحرام منه للحج غير التمتع استحبابا و الظاهر ان العبارة غلط يمكن ان يكون مستندا الى الطبع و الصحيح للعمرة و الحج، كما لا يخفى و امّا الروايات فبعضها دالّ على انّها خمسة مع التصريح بهذا العدد أو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 19

..........

______________________________

بدونه و بعضها دال على انها ستّة.

امّا الأوّل: فكصحيحة الحلبي قال: قال أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول اللّٰه- ص- لا ينبغي لحاج و لا لمعتمر أن يحرم قبلها و لا بعدها، و وقت لأهل المدينة ذا الحليفة و هو مسجد الشجرة يصلى فيه و يفرض الحج، و وقت لأهل الشام الجحفة، و وقت لأهل النجد العقيق، و وقت لأهل الطائف قرن المنازل، و وقت لأهل اليمن يلملم، و لا ينبغي لأحد ان يرغب عن مواقيت رسول اللّٰه- ص. «1» و مثلها صحيحة أبي أيوب الخراز. «2» من دون التصريح بعنوان الخمسة و هي مشتملة على السؤال عن أبي عبد اللّٰه- ع- بقوله حدثني عن العقيق أ وقت وقته رسول اللّٰه- ص- أو شي ء يصنعه الناس.

و امّا الثاني: فكصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال:

من تمام الحج و العمرة ان تحرم من المواقيت التي وقتها رسول اللّٰه- ص- لا تجاوزها الا و أنت محرم فإنه وقت لأهل العراق

و لم يكن يومئذ عراق بطن العقيق من قبل أهل العراق، و وقّت لأهل اليمن يلملم، و وقّت لأهل الطائف قرن المنازل، و وقّت لأهل المغرب الجحفة و هي مهيعة، و وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، و من كان منزله خلف هذه المواقيت مما يلي مكّة فوقته منزله. «3»

و التعبير بقوله- ع-: من تمام الحج و العمرة إشارة إلى قوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ و ظاهر في ان المراد من الإتمام في الآية الشريفة ليس هو الإتمام الذي يقابل الشروع و الّا لا يلائم مع كون الإحرام من تمامهما كما لا يخفى.

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 3.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 1.

(3) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 20

[الأوّل: ذو الحليفة]

اشارة

الأوّل: ذو الحليفة و هو ميقات أهل المدينة و من يمرّ على طريقهم، و الأحوط الاقتصار على نفس مسجد الشجرة لا عنده في الخارج بل لا يخلو من وجه (1).

______________________________

ثم ان قوله- ع- و لم يكن يومئذ عراق إشارة الى ان ميقات أهل العراق أيضا كان تعيينه من رسول اللّٰه- ص- مع عدم وجوده في زمانه أو عدم وجود مسلم فيه فما عن بعض العامة من عدم كونه منه- ص- واضح الفساد و يدل عليه أيضا رواية أبي أيوب المتقدمة.

(1) يقع الكلام فيه في ثلاثة مقامات:

المقام الأوّل: انه لا شبهة في انّ ذا الحليفة ميقات لأهل المدينة لكن عبارات الأصحاب مختلفة في عنوانها فعن جملة منها التعبير بهذا العنوان و عن جملة أخرى التعبير بمسجد الشجرة كالمحقق في أكثر كتبه و عن جملة ثالثة انه ذو الحليفة و

انه مسجد الشجرة و كيف كان لا اشكال نصّا و فتوى في كونه ميقاتا لأهل المدينة و قد مرّ بعض الروايات و سيأتي البعض الأخر إن شاء اللّٰه تعالى.

المقام الثاني: انّ الروايات الواردة في هذا المقام مختلفة من جهة التعبير بذي الحليفة و بالشجرة و بمسجد الشجرة كما ان في بعضها تفسير ذي الحليفة بالشجرة و في بعضها تفسيره بمسجد الشجرة فاللازم ملاحظتها فنقول:

منها: صحيحة أبي أيوب الخراز المتقدمة المشتملة على قوله- ع-: ان رسول اللّٰه- ص- وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة.

و منها: صحيحة معاوية بن عمّار المتقدمة أيضا.

و منها: رواية على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليهما السلام- المشتملة على قوله

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 21

..........

______________________________

- ع-: و أهل المدينة من ذي الحليفة. «1»

و منها: صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- من اين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة فقال من الجحفة و لا يجاوز الجحفة إلّا محرما. «2»

و منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال من اقام بالمدينة شهرا و هو يريد الحج ثم بدا له ان يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه فليكن إحرامه من مسيرة ستّة أميال فيكون حذاء الشجرة من البيداء. «3»

و ذكر في الوسائل بعد نقل الرواية عن الكليني انه قال و في رواية أخرى يحرم من الشجرة ثم يأخذ أيّ طريق شاء. «4»

و منها: موثقة إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى- عليه السلام- قال سألته عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد و كثرة الأيّام يعني الإحرام من الشجرة و أرادوا ان يأخذوا منها الى ذات عرق

فيحرموا منها فقال لا و هو مغضب من دخل المدينة فليس له ان يحرم الّا من المدينة. «5»

و منها: مرسلة الحسين بن الوليد عمّن ذكره قال قلت لأبي عبد اللّٰه- ع- لأيّ علّة أحرم رسول اللّٰه- ص- من مسجد الشجرة و لم يحرم من موضع دونه فقال لانه لمّا اسرى به الى السّماء و صار بحذاء الشجرة نودي يا محمّد قال: لبيك قال أ لم أجدك يتيما فآويتك و وجدتك ضالّا فهديتك فقال النبي- ص- ان الحمد و النعمة

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 5.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الخامس ح- 3.

(3) وسائل أبواب المواقيت الباب السابع ح- 1.

(4) وسائل أبواب المواقيت الباب السابع ح- 2.

(5) وسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 22

..........

______________________________

و الملك لك لا شريك لك فلذلك أحرم من الشجرة دون المواضع كلّها. «1»

و امّا ما وقع فيه التفسير فروايات أيضا.

منها: صحيحة الحلبي المتقدمة في تعداد المواقيت التي وقع فيها تفسير ذي الحليفة بمسجد الشجرة.

و منها: رواية الأمالي قال انّ رسول اللّٰه وقّت لأهل العراق العقيق الى ان قال:

و وقت لأهل المدينة ذا الحليفة و هو مسجد الشجرة. «2»

و منها: رواية المقنع قال: وقت رسول اللّٰه لأهل الطائف قرن المنازل الى ان قال و لأهل المدينة ذا الحليفة و هو مسجد الشجرة «3» و الظاهر اتحاد الروايتين و قد عرفت اعتبار هذا النحو من الإرسال.

و منها: صحيحة علىّ بن رئاب قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن الأوقات التي وقّتها رسول اللّٰه- ص- للناس فقال ان رسول اللّٰه- ص- وقت لأهل المدينة ذا الحليفة و هي الشجرة و وقّت

لأهل الشام الجحفة و وقت لأهل اليمن قرن المنازل و لأهل نجد العقيق. «4»

ثم انه ذكر السيد- قده- في العروة ان الأحوط الاقتصار على المسجد إذ مع كونه هو المسجد فواضح و مع كونه مكانا فيه المسجد فاللازم حمل المطلق على المقيّد.

و أورد عليه بانّ نسبة المسجد إلى ذي الحليفة بناء على انه المكان الذي فيه المسجد نسبة الجزء الى الكلّ لا الفرد إلى الكلّي التي هي نسبة المقيد الى المطلق فيكون المراد من ذي الحليفة جزءه مجازا مع ان مقام التفسير و التعريف لا يلائم

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 13.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 11.

(3) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 12.

(4) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 23

..........

______________________________

الحمل المذكور و لو مع قطع النظر عن الجزئية و الكلية فلا مجال للحمل المذكور في مثل قوله: البيت مجموع الدار و البيت بيت من الدار كما ان الظاهر ان الحمل على المجازية لا يناسب التفسير و التعريف.

فاللازم ان يقال بثبوت التعارض و حيث ان التفسير بمسجد الشجرة أظهر من التفسير بالشجرة لأن ظهورها في مدخلية المسجد أقوى من ظهور الأخر في عدم المدخلية و عليه فالظاهر هو ان المراد بذي الحليفة هو المسجد لا المجموع منه و من سائر المواضع الذي يطلق عليه عنوان الشجرة.

ثم انه ذكر السيد- قده- بعد كلامه المتقدم: «لكن مع ذلك الأقوى جواز الإحرام من خارج المسجد و لو اختيارا و ان قلنا ان ذا الحليفة هو المسجد و ذلك لان مع الإحرام من جوانب المسجد يصدق الإحرام منه عرفا إذ فرق بين الأمر بالإحرام

من المسجد أو بالإحرام فيه، هذا مع إمكان دعوى ان المسجد حدّ للإحرام فيشمل جانبه مع محاذاته، و ان شئت فقل: المحاذاة كافية و لو مع القرب من الميقات» و حاصل كلامه ان المسجد قد أخذ مبدأ لا ظرفا و معنى المبدئية عدم جواز الإحرام قبل الوصول اليه أو بعده فلا يلزم ان يقع الإحرام في نفس المسجد بل لو كان من خارجه المتصل به كما إذا أحرم قرب جداره يصدق الإحرام من المسجد بل لو كان من محلّ منفصل عنه و لكنه كان قريبا به يكفي الإحرام منه مع محاذاته لعدم اختصاص جواز الإحرام من محاذي الميقات بالبعيد كما سيأتي البحث عنه إن شاء اللّٰه تعالى.

و في بعض الشروح نفى البعد عن كون مسجد الشجرة اسما لمنطقة فيها المسجد كما هو كذلك في بلدة «مسجد سليمان» لا اسما لنفس المسجد.

و لكن هذا الكلام في غاية البعد بعد كون المعروف عند المتشرعة خلفا عن سلف كون مسجد الشجرة اسما لنفس المسجد المعروف لا لمجموع المنطقة التي فيها المسجد.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 24

..........

______________________________

و امّا أصل جواز الإحرام من خارج المسجد الذي ذهب اليه السيّد و حكى عن المحقق الثاني في حاشية القواعد حيث قال: ان جواز الإحرام من الموضع المسمّى بذي الحليفة و ان كان خارج المسجد لا يكاد يدفع. و مال اليه صاحب الجواهر في مبحث المحاذاة مستشهدا بإطلاق الإحرام مع المحاذاة لمسجد الشجرة في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة نظرا إلى انه لو وجب الإحرام من نفس المسجد لوجب الأمر به فيها فاللازم التكلم فيه و على تقدير ثبوته لا يبقى مجال للإيجاب على الحائض و

الجنب ان يحرما من المسجد مجتازين لانّه لا موجب له بعد جواز الإحرام من الخارج لغيرهما اختيارا كما هو ظاهر.

أقول: الظاهر انه لا يجوز الإحرام من الجوانب المتصلة بالمسجد بدعوى صدق الإحرام من المسجد عليه لان المسجد أخذ مبدأ لا ظرفا و ذلك لبطلان هذه الدعوى فان المتفاهم عند العرف من الإحرام من المسجد هو الإحرام من داخل المسجد لا خارجه و لا يقاس الإحرام بمثل الصلاة التي إذا أريد وقوعها في المسجد لا بد من استعمال كلمة «في» الظاهرة في الظرفية فإن الصلاة أمر لا يتجاوز الإتيان بها عن ساعة- مثلا- و ليس لها دوام و استمرار بخلاف الإحرام الذي إذا تحقق في المسجد يكون شروعه فيه و لا بد من دوامه و استمراره الى الدخول في مكة و الإتيان بمناسك العمرة أو الى الذهاب الى عرفات و قضاء مناسك الحج و عليه فإذا أريد وقوعه و شروعه من المسجد فلا سبيل إلى افادة ذلك سوى استعمال كلمة «من» و عليه فهذه الكلمة ظاهرة في الشروع لا في المبدئية المكانية و يدل عليه مضافا الى ما عرفت من المتفاهم العرفي خصوصا بعد كون الإحرام عبادة و المسجد محلّها انه لا شبهة في استحباب وقوع إحرام حج التمتع في مسجد الحرام و كونه أفضل من الإحرام خارج المسجد مع انّ الرواية الدالة على ذلك قد وقع فيها استعمال كلمة «من» ففي صحيحة عمرو بن حريث قال قلت لأبي عبد اللّٰه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 25

..........

______________________________

- عليه السلام- من أين أهلّ بالحج؟ فقال ان شئت من رحلك و ان شئت من المسجد و ان شئت من الطريق. «1» على

نقل الشيخ و هو الذي ذكره السيّد- قده- في العروة و و في نقل غيره بدل «من المسجد» «من الكعبة» و قد استظهر بعض الأعلام صحة نقل الشيخ معلّلا بعدم تمكّن إحرام الحاج من الكعبة نوعا و- ح- يرد على العروة و الشارح انه مع ظهور كلمة «من» في المبدئية دون الظرفية كيف حكم باستحباب الإحرام من خصوص داخل المسجد و كيف يصح التعليل المذكور.

و ليس ذلك إلّا لأجل ان المتفاهم من هذه العبارة في مثل الإحرام الذي مضافا الى كونه عبادة يكون له دوام و استمرار يوما بل أيّاما هو تحقق الشروع من داخل المسجد و عليه فلا يجزى الإحرام من الجوانب المتصلة بالمسجد لهذه الجهة و أمّا من الجوانب المنفصلة المحاذية فسيأتي البحث عنها إن شاء اللّٰه تعالى في باب المحاذي الذي جعل أحد المواقيت فانتظر و لعلّه لما ذكرنا ذكر سيدنا الأستاذ الماتن- قدس سره الشريف- في التعليقة على العروة ان ما في المتن فيه مناقشة بل مناقشات.

المقام الثالث: في حكم من يمرّ على طريق أهل المدينة و ان ميقاتهم مسجد الشجرة كميقات أهل المدينة و الدليل على ذلك ان الروايات الواردة في المواقيت التي وقّتها رسول اللّٰه- ص- و ان كان ظاهر أكثرها كون تلك المواقيت لأهالي بلد خاص كالمدينة و الطائف أو مملكة خاصة كالعراق و اليمن و الشام الّا انه بعد ملاحظة ان وجوب الحج على المستطيع أمر عام شامل لجميع المستطيعين في أقطار العالم و لو كان في

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الواحد و العشرون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 26

..........

______________________________

أقصى نقاطه كالايرانيين و غيرهم و بعد ملاحظة أن وظيفتهم

حج التمتع الذي لا بدّ و ان يكون شروع عمرته من الميقات فاللازم ان يقال بعدم اختصاص المواقيت بخصوص من وقت له بل هي ميقات لهم و لمن يمرّ على طريقهم خصوصا بعد ملاحظة كون المواقيت ملحوظة بالإضافة الى جميع جوانب مكّة و ان من يريد الدخول فيها لا بدّ و ان يمرّ عليها أو على ما يحاذيها كما سيأتي.

هذا مضافا الى دلالة بعض الروايات الخاصة عليه كصحيحة صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرّضا- عليه السلام- قال كتبت اليه ان بعض مواليك بالبصرة يحرمون ببطن العقيق و ليس بذلك الموضع ماء و لا منزل و عليهم في ذلك مئونة شديدة و يعجلهم أصحابهم و جمالهم من وراء بطن عقيق بخمسة عشر ميلا منزل فيه ماء و هو منزلهم الذي ينزلون فيه فترى ان يحرموا من موضع الماء لرفقة بهم و خفة عليهم فكتب ان رسول اللّٰه- ص- وقّت المواقيت لأهلها و من اتى عليها من غير أهلها و فيها رخصة لمن كانت به علّة فلا تجاوز الميقات الّا من علّة. «1»

و موثقة إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى- عليه السلام- قال سألته عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد و كثرة الأيام يعني الإحرام من الشجرة و أرادوا أن يأخذوا منها الى ذات عرق فيحرموا منها فقال: لا و هو مغضب من دخل المدينة فليس له ان يحرم الّا من المدينة. «2»

و صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليهما السلام- قال سألته عن إحرام أهل الكوفة و أهل خراسان و ما يليهم و أهل الشام و مصر من اين هو؟

فقال: امّا أهل الكوفة و خراسان و ما يليهم فمن

العقيق، و أهل المدينة من ذي

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الخامس عشر ح- 1.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 27

[مسألة 1- الأقوى عدم جواز التأخير اختيارا إلى الجحفة]

مسألة 1- الأقوى عدم جواز التأخير اختيارا إلى الجحفة و هي ميقات أهل الشام، نعم يجوز مع الضرورة لمرض أو ضعف أو غيرهما من الأعذار (1).

______________________________

الحليفة و الجحفة و أهل الشام و مصر من الجحفة، و أهل اليمن من يلملم، و أهل السّند من البصرة يعنى من ميقات أهل البصرة. «1»

و غير ذلك من الروايات الدالة عليه فلا شبهة في الحكم.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:

المقام الأوّل: في انه هل يجوز التأخير اى تأخير الإحرام في حال الاختيار و عدم الضرورة عن مسجد الشجرة إلى الجحفة التي هي واقعة أيضا في طريق المدينة إلى مكّة و هي ميقات أهل الشام أم لا فيه قولان فالمشهور شهرة عظيمة هو الثاني و عن الجعفي و ابن حمزة في الوسيلة هو الأوّل و يدل على المشهور طائفتان من الروايات:

الطائفة الأولى: ما يدل بنحو العموم على عدم جواز التجاوز عن الميقات مع ارادة الحج أو العمرة من دون إحرام.

كصحيحة الحلبي المتقدمة «2» المشتملة على قول أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول اللّٰه- ص- لا ينبغي لحاج و لا لمعتمر ان يحرم قبلها و لا بعدها.

و صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة أيضا «3» المشتملة على قوله- ع- من تمام الحج و العمرة ان تحرم من المواقيت التي وقتها رسول اللّٰه- ص- لا تجاوزها الّا و أنت محرم.

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 5.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح-

3.

(3) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 28

..........

______________________________

و صحيحة على بن جعفر عن أخيه- عليه السلام- قال سألته عن المتعة في الحج من أين إحرامها و إحرام الحج قال: وقّت رسول اللّٰه- ص- لأهل العراق من العقيق و لأهل المدينة و من يليها من الشجرة، و لأهل الشام و من يليها من الجحفة، و لأهل الطائف من قرن و لأهل اليمن من يلملم، فليس لأحد ان يعدو من هذه المواقيت الى غيرها «1» و الظاهر ان إطلاق كلمة «الغير» يشمل الميقات الأخر أيضا.

الطائفة الثانية: ما ورد في خصوص المقام و يدل على عدم الجواز في حال الاختيار مثل:

رواية أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام- خصال عابها عليك أهل مكة قال: و ما هي؟ قلت: قالوا: أحرم من الجحفة، و رسول اللّٰه- ص- أحرم من الشجرة قال الجحفة أحد الوقتين فأخذت بأدناهما و كنت عليلا. «2»

و رواية أبي بكر الحضرمي قال: قال أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- انّى خرجت بأهلي ماشيا فلم أهلّ حتى أتيت الجحفة و قد كنت شاكيا فجعل أهل المدينة يسألون عني فيقولون: لقيناه و عليه ثيابه و هم لا يعلمون، و قد رخّص رسول اللّٰه- ص- لمن كان مريضا أو ضعيفا ان يحرم من الجحفة. «3»

و قد استدلّ لغير المشهور بروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمّار انه سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل من أهل المدينة أحرم من الجحفة فقال لا بأس. «4»

فإن مقتضى ترك الاستفصال و إطلاق السؤال انّه لا فرق بين كونه في حال

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 9.

(2) وسائل أبواب المواقيت

الباب السادس ح- 4.

(3) وسائل أبواب المواقيت الباب السادس ح- 5.

(4) وسائل أبواب المواقيت الباب السادس ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 29

..........

______________________________

الاختيار أو في غيره.

و منها: صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- من اين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال من الجحفة و لا يجاوز الجحفة إلّا محرما. «1» و لكنها لا دلالة لها على جواز التجاوز عن الشجرة من دون إحرام فإن موردها صورة تحققه و امّا الجواز فلا.

و منها: صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليهما السلام- المشتملة على قوله- ع-: و أهل المدينة من ذي الحليفة و الجحفة. «2»

فإنّها ظاهرة في التخيير بين الميقاتين الّا ان يناقش في ثبوت الإطلاق لها بعدم كونها في مقام البيان بل في مقام الإجمال فالعمدة- ح- هي الصحيحة الأولى التي لا بد من الالتزام بثبوت الإطلاق لها و لكن إطلاقها قابل للتقييد بالروايات المتقدمة الدالة على القول المشهور فاللازم تقييدها بها و الحكم على وفق دليل التقييد كما لا يخفى.

المقام الثاني: في انه بعد عدم جواز تأخير الإحرام من مسجد الشجرة إلى الجحفة في حال الاختيار و اختصاص الجواز بصورة الضرورة يقع الكلام في اختصاص الجواز بخصوص صورتي المرض و الضعف اللتين وقع التصريح بهما في رواية أبي بكر الحضرمي المتقدمة كما لعلّه يظهر من صاحب الجواهر حيث فسّر الضرورة في عبارة الشرائع بالمرض و الضعف أو عمومه و شموله لمطلق الاعذار من دون ان يختص بهما كما اختاره السيد و الماتن- قدس سرّهما-

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب السادس ح- 3.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة

- الحج، ج 3، ص: 30

..........

______________________________

و التحقيق في المقام ان يقال انه ان كان الإحرام من مسجد الشجرة امرا حرجيّا على المكلّف فمقتضى قاعدة نفى الحرج الحاكمة على الأدلة المتضمنة للأحكام الأوليّة ارتفاع حرمة التجاوز عن الميقات من دون إحرام بعد كون الحرمة تكليفية لا وضعيّة و لذا لو تجاوز في حال الاختيار و أحرم من الجحفة يصح إحرامه و ان ارتكب محرّما كما استظهره صاحب الجواهر و حكى عن بعض الناس انه قال ينبغي القطع بذلك و بالجملة دليل نفى الحرج يرفع الحكم بالحرمة و معلوم ان الحرج الموضوع للقاعدة هو الحرج الشخصي لا النوعي كما ان الظاهر ان المراد به هو الحرج العرفي و عليه فاللازم الإحرام من الجحفة و لا حاجة في مشروعيته إلى أزيد من كونه ميقاتا و هو مارّ عليه فما افاده بعض الاعلام من ان المرجع- ح- إطلاق ما دلّ على التخيير بين ذي الحليفة و الجحفة كصحيح على بن جعفر المتقدّم نظرا إلى انه إذا سقط وجوب أحد العدلين يثبت العدل الأخر فيتعين عليه الإحرام من الجحفة لعلّه يكون في غير محلّه فإنه مضافا الى ما عرفت من عدم ثبوت الإطلاق في الصحيحة المذكورة لا حاجة إليها أصلا فإنه لو لم تكن الصحيحة في البين و لم يدل دليل على التخيير لكان الحكم أيضا كذلك لان جواز الإحرام من الجحفة بعد المرور عليه خصوصا بعد جواز التجاوز عن مسجد الشجرة بغير إحرام على ما هو المفروض من ثبوت الحرج لا يتوقف على وجود دليل على كونها احدى العدلين في الواجب التخييري بل يكفى مجرد كونها ميقاتا هذا كله بالإضافة إلى مورد الحرج.

و امّا بالإضافة إلى المرض و الضعف

فقد عرفت صراحة الرواية في الترخيص معهما، و امّا غيرهما من الأعذار فان لم يكن في البين الّا مجرد تلك الرواية المرخصة لكان الأمر دائرا بين احتمال الاختصاص و بين احتمال العموم نظرا إلى إلغاء الخصوصية و ان ذكرهما كان من باب المثال و الظاهر- ح- هو الثاني لأن العرف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 31

..........

______________________________

لا يفهم منها الاختصاص.

و امّا مع عدم انحصار الدليل بتلك الرواية بل وجود رواية أخرى في هذه الجهة يشكل الأمر فاللازم ملاحظتها فنقول هي عبارة عن رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى- عليه السلام- قال سألته عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد و كثرة الأيام يعني الإحرام من الشجرة و أرادوا ان يأخذوا منها الى ذات عرق فيحرموا منها فقال: لا و هو مغضب من دخل المدينة فليس له ان يحرم الّا من المدينة. «1»

وجه الاشكال دلالتها على المنع عن التجاوز عن مسجد الشجرة من دون إحرام مع كثرة البرد و كثرة الأيام مع ان الأوّل حرجي و الثاني عذر عرفي و مجموع الأمرين لا يخرجه عن الحرجيّة بعد كون أحدهما كذلك.

الّا ان يناقش في اعتبار الرواية من حيث السند كما صرّح بضعفها السيد- قده- في العروة لكنك عرفت سابقا اعتبارها لأن إبراهيم المذكور موثق بالخصوص و الراوي عنه و هو جعفر بن محمد بن حكيم من رجال كامل الزيارات.

و يمكن ان يقال انّ قوله- ع-: من دخل المدينة .. لا يراد من الإحرام من المدينة فيه هو الإحرام من بلدها لعدم كونه ميقاتا كما انه لا دليل على كون المراد هو الإحرام من خصوص مسجد الشجرة فاللازم ان يحمل

على انّ المراد هو الإحرام من طريق المدينة الذي يسلك نوعا للورود في مكة و الدخول فيها و عليه فلا تدلّ الرواية على المنع من الإحرام من الجحفة الواقعة في نفس ذلك الطريق بل غرضها عدم جواز الانحراف منه و المرور الى ذات عرق الذي هو ميقات أهل العراق و عليه فلا توجب الرواية إشكالا في المقام نعم يكون مفادها عدم جواز الانحراف من

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 32

[مسألة 2- الجنب و الحائض و النفساء جاز لهم الإحرام حال العبور عن المسجد]

مسألة 2- الجنب و الحائض و النفساء جاز لهم الإحرام حال العبور عن المسجد إذا لم يستلزم الوقوف فيه بل وجب عليهم- ح-، و لو لم يمكن لهم بلا وقوف فالجنب مع فقد الماء أو العذر عن استعماله يتيمّم للدخول و الإحرام في المسجد و كذا الحائض و النفساء بعد نقائهما، و امّا قبل نقائهما فان لم يمكن لهما الصبر الى حال النقاء فالأحوط لهما الإحرام خارج المسجد عنده و تجديده في الجحفة أو محاذاتها (1).

______________________________

طريق المدينة لمن قدمها مع ان الظاهر فيه الجواز أيضا لكنه أمر آخر لا يرتبط بما نحن فيه و من الممكن كما قيل هو الحمل على الكراهة و ان كان يبعّده كونه مغضبا في مقام الجواب لعدم ملاءمة الغضب مع الكراهة كما لا يخفى.

(1) البحث في هذه المسألة تارة يقع بناء على القول بعدم تعيّن المسجد للإحرام و ان أخذه انّما هو بعنوان المبدئية لا الظرفية فلا مانع من الإحرام من خارجه مع الاختيار و عدم الضرورة و اخرى يقع بناء على القول بتعين المسجد للإحرام امّا على القول الأوّل الذي قد عرفت انه قوّاه السيد- قده-

في العروة و تبعه بعض الشرّاح فالحكم في الجنب و الحائض و النفساء واضح لعدم تعين الإحرام من المسجد مطلقا فيتحقق الإحرام منهم خارج المسجد من دون اشكال.

و لكنه ذكر السيد- قده- انه يدل عليه- مضافا الى ما مرّ- مرسلة يونس في كيفية إحرامها- يعني الحائض- و لا تدخل المسجد و تهلّ بالحج بغير صلاة.

أقول: أوّلا ان الرواية مسندة معتبرة لا مرسلة قد رواها الكليني عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمّد عن ابن فضّال عن يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن الحائض تريد الإحرام قال: تغتسل و تستثفر و تحتشي بالكرسف و تلبس ثوبا دون ثياب إحرامها و تستقبل القبلة و لا تدخل المسجد و تهلّ بالحج بغير الصلاة. «1»

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الثامن و الأربعون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 33

..........

______________________________

و ثانيا انّ الاستدلال بالرّواية لما رامه السيد- قده- يتوقف على ثبوت أمرين و ان كان الظاهر منه و من بعض الاعلام- قده- في الشرح كفاية أمر واحد لكن الظاهر عدمها و لزوم ثبوت كلا الأمرين:

أحدهما: ان يكون إطلاق السؤال و شموله لإحرام العمرة أيضا و ترك الاستفصال في الجواب قرينة على ان يكون المراد من قوله: و لا تدخل المسجد أعمّ من المسجد الحرام و شاملا لمسجد الشجرة أيضا و على ان يكون المراد من قوله- ع-:

و تهل بالحج شاملا لعمرة التمتع أيضا بلحاظ كونها مرتبطة بحجه و عدم كون كل من حجّه و عمرته عملا مستقلا بل المجموع عمل واحد بخلاف العمرة المفردة.

ثانيهما: إطلاق جواز الإحرام من خارج المسجد للحائض و عدم تقييده بصورة الضرورة من جهة

ضيق الوقت أو عدم الرفقة أو غيرهما نظرا إلى انه لو لم يكن خارج المسجد ميقاتا أيضا لكان اللازم التقييد المذكور لانه لا مجال للحكم بجواز الإحرام من غير الميقات مع عدم ثبوت الضرورة المقتضية لذلك خصوصا مع وجود ميقات آخر في الطّريق.

و مع قطع النظر عن هذا الأمر لا يكون مجرد تجويز الإحرام للحائض خارج المسجد دليلا على كونه ميقاتا مطلقا كما هو غير خفيّ ثم ان الأمر الثاني و ان كان غير قابل للمناقشة الّا أن الأمر الأول قابل لها فان ظهور الجواب في كون المراد من المسجد هو المسجد الحرام و كذا التعبير بالإهلال بالحج يمكن ان يكون قرينة على اختصاص السؤال بإحرام الحج و عدم شموله لإحرام العمرة.

و امّا على القول الثاني الذي نفى في المتن خلوّه عن القوة و هو لزوم كون الإحرام من داخل المسجد و انه لا يجوز من خارجه عنده فان قلنا بجواز الاجتياز و المرور لهم في المسجد من دون وقوف و ان خرج من الباب الذي دخل منه أو الباب الملاصق له و أمكن لهم الإحرام في حال الحركة و المرور من دون استلزام للوقوف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 34

..........

______________________________

في المسجد فالظاهر الجواز بهذه الكيفية بل الوجوب لانحصار الطريق بذلك.

و امّا ان قلنا بعدم جواز مثل هذا النحو من الاجتياز نظرا الى ان المستثنى في قوله تعالى وَ لٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ هو العنوان الذي لا يتحقق الّا مع كون المسجد طريقا و سبيلا و لا يشمل مثل الاجتياز في المقام، أو قلنا بالأوّل و لكنه لم يمكن له الإحرام في حال المرور و الاجتياز لزحام أو

ضعف أو غيرهما فالمسئلة مشكلة و لا بدّ في استكشاف حكمها بعد ملاحظة فرض المسألة من كون الميقات هو المسجد بنحو الظرفية و عدم إمكان تحقق الإحرام فيه شرعا أو عادة من ملاحظة ما مرّ من انه لا يجوز التجاوز عن الميقات لمن يريد الحج أو العمرة و الدخول في مكة إلّا محرما و كذا ملاحظة ما تقدم أيضا من جواز التعدي عن مسجد الشجرة بلا إحرام للمريض و الضعيف بل في حال الضرورة مطلقا و تأخير الإحرام إلى الجحفة غاية الأمر ان الجنابة و الحيض و النفاس لا تكون من مصاديق الضرورة لأن الضرورة المبيحة للتأخير هي ما تكون مرتبطة باستمرار الإحرام و طول زمانه و مكانه و من المعلوم انّ مشكل مثل الجنب لا يكون ذلك بل مربوط بإنشاء الإحرام و إيجاده في المسجد كما لا يخفى و عليه فالخصوصية المذكورة في روايات التأخير إلى الجحفة من المرض و الضعف و ان كانت ملغاة و الحكم شامل لمطلق الضرورة الّا ان موارد المقام ليست من مصاديقها و عليه فتصير المسألة مشكلة.

لكن وردت في قصّة إحرام أسماء بنت عميس بعض ما يمكن استفادة الحكم منه مثل صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام.

قال: ان أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن أبي بكر بالبيداء لأربع بقين من ذي القعدة في حجة الوداع فأمرها رسول اللّٰه- ص- فاغتسلت و احتشت و أحرمت و لبّت مع النبي- ص- و أصحابه فلمّا قدموا مكّة لم تطهر حتى نفروا من منى و قد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 35

..........

______________________________

شهدت المواقف كلّها عرفات و جمعا و رمت الجمار و لكن لم

تطف بالبيت و لم تسع بين الصّفا و المروة، فلما نفروا من منى أمرها رسول اللّٰه- ص- فاغتسلت و طافت بالمبيت و بالصّفا و المروة، و كان جلوسها في أربع بقين من ذي القعدة و عشر من ذي الحجّة و ثلاث أيام التشريق. «1»

فإنّها ظاهرة في ان إحرامها كان مع النبيّ و أصحابه الذين أحرموا من مسجد الشجرة غاية الأمر قيام الدليل الخارجي على عدم كون إحرامها في المسجد و ان المراد بالمعيّة هو عدم التأخير إلى الجحفة و عليه فتدل الرّواية على توسعة ميقات النفساء و جواز إحرامها من خارج المسجد بل وجوبه و اشتمالها على امتداد النفاس إلى ثمانية عشر يوما مع انه خلاف ما هو المشهور في ذلك الباب لا يقدح في الاستدلال بها للمقام و من المعلوم انه لا خصوصية للنفاس بل الظاهر انه لا فرق بينه و بين الحيض نعم مورد الرواية صورة عدم إمكان تأخير الإحرام إلى النقاء لأنّ المفروض ادامة نفاسها الى آخر أيّام التشريق و في بعض الروايات الحاكية لهذه القصّة التصريح بامتداد نفاسها ثمانية عشر يوما.

و كيف كان فلا يستفاد من الرّواية الجواز في صورة إمكان التأخير إلى النقاء لان موردها صورة عدم الإمكان لامتداد النفاس الى آخر أيّام الحج و من الواضح انه لا فرق بين النفاس و الحيض من هذه الجهة.

و لعلّ هذه الرواية مستند جماعة من الأصحاب كالشهيد الثاني و صاحبي المدارك و الذخيرة القائلين بوجوب الإحرام من خارج المسجد و منه يظهر الاشكال على صاحب المستند حيث استظهر تأخير الإحرام إلى الجحفة لهما حيث قال: «و إذا عرفت تعين الإحرام من مسجد الشجرة فلو كان المحرم جنبا أو حائضا

______________________________

(1) وسائل أبواب

الإحرام الباب التاسع و الأربعون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 36

[الثاني: العقيق]

الثاني: العقيق و هو ميقات أهل نجد و العراق و من يمرّ عليه من غيرهم و اوّله المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق و الأقوى جواز الإحرام من جميع مواضعه اختيارا و الأفضل من المسلخ ثم من غمرة، و لو اقتضت التقيّة عدم الإحرام من اوّله و التأخير إلى ذات العرق فالأحوط التأخير بل عدم الجواز لا يخلو من وجه (1).

______________________________

أحرما منه مجتازين لحرمة اللبث فان تعذر بدونه فهل يحرمان من خارجه كما صرّح به الشهيد الثاني و المدارك و الذخيرة لوجوب قطع المسافة من المسجد إلى مكة محرما أم يؤخّر أنه إلى الجحفة لكون العذر ضرورة مبيحة للتأخير؟ الأحوط الإحرام منهما و ان كان الأظهر الثاني لما ذكر و لعدم الدليل على توقيت الخارج لمثلهما و منع وجوب قطع المسافة محرما عليه و تمثيل الضرورة في الاخبار بالمرض و الضعف لا يوجب التخصيص بعد اتحاد العلّة قطعا و لعدم القول بالفصل ظاهرا».

و يرد عليه- مضافا الى ما عرفت من عدم شمول الضرورة في الاخبار للمقام- ان الدليل على التوقيت هي الصحيحة المذكورة غاية الأمر توقيت بالإضافة إلى أشخاص خاصة كما انّه منه يظهر ان ما أفاده في المستمسك من ان الاشكال في بدليّة الخارج لعدم الدليل عليها في محلّه غير تامّ نعم لا إشكال في ان مقتضى الاحتياط هو الجمع بين الإحرام من خارج المسجد و من الجحفة.

ثم ان الفرق بين الجنب و بين الحائض و النفساء بعد اشتراكهما في جواز التيمم بدلا عن الغسل بعد حصول النقاء لهما و دخول المسجد للإحرام انّما

هو فيما إذا لم يحصل لهما النقاء فان الجنب يتيمّم كذلك و الحائض و النفساء لا يجوز لهما التيمم قبل النقاء لعدم وجوب المبدل حتى ينتقل الى البدل بخلاف الجنب.

(1) الكلام في هذا الميقات يقع في مقامات:

المقام الأوّل: في أصل كونه ميقاتا و انه من المواقيت التي وقّتها رسول اللّٰه- ص- و يدل عليه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 37

..........

______________________________

الروايات المتضافرة التي تقدم بعضها و قد حكى الإجماع عليه جماعة كثيرة من الأصحاب بل الظاهر انه لا خلاف فيه بين المسلمين في الجملة بناء على كون ذات عرق من العقيق.

المقام الثاني: فيمن يكون هذا ميقاتا له ففي جملة من الروايات انه ميقات لأهل نجد و في جملة اخرى انه ميقات أهل العراق و في بعض هذه الطائفة انه وقت لأهل العراق و لم يكن يومئذ عراق و هل المراد تصريح رسول اللّٰه- ص- بعنوان العراق مع عدم ثبوت هذا العنوان و عدم وجوده فاللازم الالتزام بكونه مبتنيا على علمه- ص- بالغيب أو ان المراد جعله هذا ميقاتا لجانب صار العراق بعد وجوده واقعا في ذلك الجانب و هذا هو الأظهر.

و في بعض ثالث من الروايات انه وقّت رسول اللّٰه- ص- لأهل المشرق العقيق و لا منافات بين الروايات بوجه أصلا نعم في صحيحة عمر بن يزيد الآتية ان قرن المنازل ميقات لأهل نجد و حكى عن صاحب الحدائق حملها على التقية لما رووا عن ابن عمران رسول اللّٰه (ص) حدّ لأهل نجد قرن المنازل و سيأتي البحث عنه في ميقات أهل الطائف و امّا من يمرّ عليه من غيرهم فسيأتي البحث فيه بنحو الإطلاق.

المقام الثالث: في حدّ العقيق و

المشهور بل في محكي الحدائق: صرّح الأصحاب بأنّ أوّل العقيق المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق و ان الأفضل الإحرام من الأوّل ثم من الوسط.

و يدل على المشهور روايتان:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 38

..........

______________________________

إحديهما: مرسلة الصدوق قال: قال الصادق- عليه السلام- وقّت رسول اللّٰه- ص- لأهل العراق العقيق و اوّله المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق و أوّله أفضل. «1» و قد مرّ غير مرّة اعتبار هذا النحو من الإرسال من مثل الصدوق بل لعلّ اعتباره يكون أقوى من المسند المشتمل على ثقات الروات فتدبّر.

و ثانيتهما: ما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن حسن بن محمد عن محمد بن زياد عن عمّار بن مروان عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- يقول حدّ العقيق اوّله المسلخ و آخره ذات عرق. «2»

و ربما يناقش في سندها تارة من جهة الحسن بن محمد و انه مجهول الحال و اخرى من جهة عمّار بن مروان المردّد بين الثقة و بين غيره و لكنّه أجيب عن الأوّل بأن المراد من محمد بن زياد هو محمد بن أبي عمير المعروف و الحسن الذي يروى عنه كثيرا هو الحسن بن محمد بن سماعة و هو ثقة ليس بمجهول.

و عن الثاني بأن إطلاق مروان ينصرف الى مروان الثقة و غيره ليس بمعروف و لا له كتاب بل الشيخ لم يذكره أصلا لكن الذي يسهّل الخطب ان استناد المشهور الى الروايتين يكفي في اعتبارهما و في انجبار ضعفهما على تقديره و لا تصل النوبة إلى تكلف التصحيح كما لا يخفى.

لكن في مقابل الروايتان طائفتان من الاخبار:

الطائفة الأولى: ما

يقابلهما من حيث المنتهى و هي رواية أبي بصير عن أحدهما- عليهما السلام- قال: حدّ العقيق ما بين المسلخ الى عقبة غمرة. «3» و لكن في سندها مضافا الى سهل بن زياد على بن أبي حمزة البطائني المعروف الكذاب فالرواية غير

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الثاني ح- 9.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الثاني ح- 7.

(3) وسائل أبواب المواقيت الباب الثاني ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 39

..........

______________________________

معتبرة. و صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال وقّت رسول اللّٰه- ص- لأهل المشرق العقيق نحوا من بريد ما بين بريد البعث إلى غمرة، و وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة و لأهل نجد قرن المنازل و لأهل الشام الجحفة و لأهل اليمن يلملم. «1»

هكذا في الطبعة الحديثة من الوسائل و لكن المحكي عن التهذيب الذي هو المنقول عنه في الوسائل نحوا من بريدين و هو الظّاهر و يدلّ عليه صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال آخر العقيق بريد أوطاس و قال بريد البعث دون غمرة ببريدين «2»، و صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال أوّل العقيق بريد البعث و هو دون المسلخ بستّة أميال مما يلى العراق و بينه و بين غمرة أربعة و عشرون ميلا بريدان «3».

و كيف كان فهذه الصحاح الثلاث مشتركة في الدلالة على ان منتهى العقيق غمرة امّا الصحيحة الأولى فدلالته على ذلك ظاهرة بلحاظ التعبير ب إلى بالإضافة إلى غمرة و امّا الثانية فظاهرة في ان بريد أوطاس الذي صرّح فيها بكونه آخر العقيق هو غمرة لعدم الوجه للتعرض لها مع عدم كونها بريد

أوطاس و امّا الثالثة فإن المصرح بها فيها و ان كان هو الأوّل الّا ان تقدير الفصل بينه و بين غمرة ظاهر في كونها هي المنتهى كما لا يخفى و عليه فيقع التعارض بينها و بين الروايتين المتقدمتين الدالتين على ان المنتهى هو ذات عرق و ان غمرة وسط العقيق.

و يمكن الجمع الدلالي بين الطائفتين بحمل هذه الروايات على الأفضلية لظهورها في عدم جواز تأخير الإحرام من غمرة و هما صريحتان في الجواز و مشروعية

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 6.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الثاني ح- 1.

(3) وسائل أبواب المواقيت الباب الثاني ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 40

..........

______________________________

الإحرام من ذات عرق خصوصا بعد ملاحظة بعض الروايات المتقدمة في المباحث السابقة الدالة على انّ الصادق- ع- بعد ما خرج من مكة للقاء بعض هؤلاء أحرم حين الرجوع من ذات عرق.

و التصريح في الصحيحة الأولى لمعاوية بن عمار بآخر العقيق لا ينافي ما ذكرنا لظهوره في كون بريد أوطاس هي الغمرة من دون تصريح به مع ان الظاهر عدم كونها رواية أخرى غير روايته الثانية بل هما متحدتان و ان جعلهما في الوسائل اثنتين و على تقدير الاتحاد لم يعلم صدور التصريح بكلمة «أخر» من الامام- ع- لعدم وقوع هذا التعبير في الرّواية الثانية.

هذا و مع عدم إمكان الجمع الدلالي و ثبوت التعارض لا بد من الأخذ بالروايتين لموافقتهما لفتوى المشهور و استنادهم إليهما بل ربما يقال بأنّ مخالفة المشهور و ان نسبت الى على بن بابويه و ولده في المقنع و الشيخ في النهاية و حكى عن الدروس متابعتهم و استظهر من المدارك الميل اليه الّا

ان كلمات أكثرهم لا تدل على المخالفة فالمحكي عن الحدائق انه استظهر ان على بن بابويه افتى بمضمون الرضوي المحكي عنه المشتمل على قوله بعد ذكر ان العقيق اوّله المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق و ان أوّله أفضل ثم ذكر المواقيت الأخرى: و لا يجوز تأخيره عن الميقات الّا لعلل أو تقية فإذا كان الرجل عليلا أو اتّقى فلا بأس ان يؤخر الإحرام إلى ذات عرق.

فان الجمع بين الصدر و الذيل لا يتحقق الّا بالحمل على الأفضلية و الّا فالظاهر هي المنافاة و مثل ذلك ما عن المقنع و النّهاية و امّا الشهيد فآخر كلامه صريح في تجاوز العقيق عن عمرة الى ذات عرق و عليه فلم تثبت مخالفة المشهور بوجه هذا بالإضافة إلى المنتهى.

الطائفة الثانية: ما يقابل فتوى المشهور من حيث المبدء و هي صحيحتا معاوية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 41

..........

______________________________

بن عمار المتقدمتان بل الثانية صريحة في ان بريد البعث دون المسلخ بستة أميال ممّا يلي العراق و كذا صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة أيضا.

و حيث انه لم ينقل الخلاف من أحد من جهة المبدء فاللازم الالتزام بأن الإعراض موجب لسقوطها عن الحجيّة و الاعتبار نعم ربما يقال بوجود الجمع الدّلالي و هو الالتزام بان مبدأ العقيق و ان كان هو بريد البعث الّا انه لا دلالة لما يدل على ذلك على جواز الإحرام منه أيضا فيمكن ان يقال بلزوم الإحرام من المسلخ الذي هو بعد بريد البعث و ان كان المبدء هو البريد و يؤيّده التعبير في بعض الروايات بان رسول اللّٰه- ص- وقّت لأهل العراق و لم يكن يومئذ عراق بطن العقيق

من قبل أهل العراق. «1» فان الظاهر كون البطن غير المبدء و لكنّه هو الميقات دونه فلا ينافي ما عليه المشهور.

ثم انّك عرفت ان المشهور ان الإحرام من المسلخ و هو مبدأ العقيق أفضل ثم من غمرة و يمكن ان يكون الوجه فيه هو طول الإحرام- زمانا و مكانا- فلا محالة يكون أفضل و كذا الغمرة في المرتبة الثانية كما انه يمكن ان يكون الوجه خصوصية المحلّ و ثبوت الأفضلية له كمسجد الشجرة بالإضافة إلى خارجه على تقدير القول بعدم تعيّن المسجد للإحرام و جوازه من خارجه في حال عدم العذر أيضا و كيف كان فيدل على ما ذكره المشهور روايات متعددة جمعها في الوسائل في باب عقده بهذا العنوان:

منها مرسلة الصدوق المعتبرة المتقدمة المشتملة على ان الإحرام من أوّل العقيق و هو المسلخ أفضل.

و منها صحيحة يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته عن

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 42

..........

______________________________

الإحرام من اى العقيق أحرم قال من اوّله و هو أفضل «1».

و منها موثقة إسحاق بن عمار قال سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن الإحرام من غمرة قال ليس به بأس و كان بريد العقيق أحبّ الىّ. «2» و لكن الظاهر ان المراد ببريد العقيق هو بريد البعث الذي قد عرفت انه دون المسلخ و قبل الميقات لعدم كون المسلخ بريدا.

المقام الرّابع: فيما لو اقتضت التقية تأخير الإحرام إلى ذات عرق الذي هو ميقات أهل السنّة و قد احتاط في المتن وجوبا التأخير ثم قال بل لا يخلو عدم الجواز من وجه.

و في هذا المقام جهات من الكلام:

الجهة

الاولى: انه لا شبهة بناء على ما ذكرنا وفاقا للمشهور ان تأخير الإحرام إلى ذات عرق جائز و لو في صورة الاختيار و عليه فالتأخير تقية لا يقتضي الإخلال بشي ء مما يعتبر عندنا و ليس مثل المسح على الخفين الموجب لذلك.

الجهة الثانية: انّه ذكر السيّد- قده- في العروة انه يجوز في حال التقية الإحرام من اوّله قبل ذات عرق سرا من غير نزع ما عليه من الثياب الى ذات عرق ثم إظهاره و لبس ثوبي الإحرام هناك بل هو الأحوط ثم قال: و ان أمكن تجرده و لبس الثوبين سرّا ثم نزعهما و لبس ثيابه الى ذات عرق ثم التجرد و لبس الثوبين فهو أولى.

أقول: ان قلنا بان لبس ثوبي الإحرام لا يكون من مقومات الإحرام و دخيلا في

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الثالث ح- 2.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الثالث ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 43

..........

______________________________

حقيقته بل هو عبارة عن مجرد النية و التلبية و لبس الثوبين من أحكام الإحرام و واجباته كما ان له أحكاما تحريمية ترتبط بمحرمات الإحرام فالتقية لا تنافي الإحرام بوجه لأن النيّة أمر قلبي و التلبية لا يعتبر فيه الإجهار بوجه بل التقية على تقدير عدم إمكان رعاية شي ء من الطريقين المذكورين في كلام السيّد تتحقق بترك اللبس الذي هو واجب في الإحرام و هي كافية في رفع الوجوب و تجويز الترك و التأخير.

و ان قلنا بان لبس الثوبين داخل في مهيّة الإحرام و حقيقته كالامرين الآخرين فالظاهر انه غير متمكّن من الإحرام من المسلخ و يمكن الفرق بين الطريقين بوجود التمكن في الثاني دون الأوّل فتدبّر.

الجهة الثالثة: انه قد وردت

في هذا المقام رواية رواها الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد اللّٰه بن جعفر الحميري مرسلة و الشيخ- قده- في كتاب الغيبة مسندة بالإسناد المشتمل على احمد بن إبراهيم النوبختي انه- اى الحميري- كتب الى صاحب الزمان- عجل اللّٰه تعالى فرجه- يسأله عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء و يكون متصلا بهم يحج و يأخذ عن الجادة و لا يحرم هؤلاء من المسلخ، فهل يجوز لهذا الرجل ان يؤخر إحرامه إلى ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف الشهرة أم لا يجوز الا ان يحرم من المسلخ؟ فكتب إليه في الجواب: يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب و يلبّي في نفسه فإذا بلغ الى ميقاتهم أظهره. «1»

و الرواية- مضافا الى ضعف سندها بالإرسال و بجهالة الرجل المذكور- تدل على مفروغية تعيّن المسلخ بخصوصه للميقات و هو مخالف لما قدّمناه تبعا للمشهور من سعة العقيق للميقات و انه لا فرق بين اوّله و وسطه و آخره من جهة الصّحة و ان

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الثاني ح- 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 44

..........

______________________________

كان بينها الاختلاف من حيث الفضيلة.

و امّا مع قطع النظر عن هذه الجهة فيجري في مفادها و مدلولها احتمالان:

أحدهما: ان يكون المراد بلبس الثياب هو لبس الثياب العادية غير ثوبي الإحرام و يؤيده التعبير بالجمع دون التثنية و عليه فالمراد هي التلبية في النفس بدون الإظهار كما ان المراد بقوله: أظهره هو لبس ثوبي الإحرام و إظهار التلبية و الإجهار بها.

ثانيهما: ان يكون المراد بالثياب ثوب الإحرام و يؤيده العطف بثم و الجمع بينه و بين حصول التقية امّا من طريق ما أشار إليه السيد من لبس

الثوبين تحت الثياب و على هذا التقدير يمكن ان يقال بان قوله: في نفسه متعلقا بالتلبية و اللبس معا و امّا من جهة تعارف لبس الثوبين قبل الإحرام و الوصول الى الميقات تمهيدا له و استعدادا لتحقّقه لكن الأمر سهل بعد ضعف سند الرواية و كون مفادها من جهة تعين المسلخ للميقات معرضا عنه عند الأصحاب مع انه لا يستفاد منها شي ء في باب التقية نعم لو كان مدلولها لبس الثياب العادية التي تكون مخيطة نوعا تدل على عدم الكفارة في لبسها في حال التقية و ان كانت ثابتة في سائر الموارد و ان كان في حال الضرورة و الوجه في دلالتها هو السكوت عنها مع كونها في مقام البيان.

الجهة الرّابعة: انه لو أحرم من المسلخ مع اقتضاء التقية عدمه و ظهور كونه مخالفا لها فهل يكون جائزا من جهة الحكم الوضعي و صحيحا أم لا قد عرفت انّ الماتن- قدس سره- نفى خلو البطلان عن الوجه.

و البحث في ذلك امّا من جهة القاعدة فالظاهر انّها لا تقتضي البطلان بوجه لأنّ متعلق الوجوب انّما هو عنوان التقية و قد حققنا في محلّه انّ هذا العنوان مغاير لعنوان الاضطرار الذي وقع في حديث الرفع كما انه مغاير لعنوان المداراة و حسن المعاشرة و جلب المودة و معنى التقية هو كتمان المذهب و عدم اذاعته و إظهاره من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 45

[الثالث: الجحفة]

الثالث: الجحفة و هي لأهل الشام و مصر و مغرب و من يمرّ عليها من غيرهم (1).

______________________________

دون فرق بين ما إذا خيف الضرر على الترك و بين غيره و بالجملة فالمتعلّق للوجوب هو عنوان التقية و عدم

رعايتها بإظهار التلبية لا يقتضي إلّا مخالفة تكليف وجوبي و لا يكون في البين سوى ذلك التكليف و عليه فلا يبقى مجال للحكم بالبطلان بالإضافة إلى الإحرام لعدم تعلق النهى به حتى يوجب فساده لعدم اقتضاء الأمر بالشي ء للنهى عن الضد مطلقا- الضد العام و الضد الخاص- و لا مجال للحكم بالبطلان من جهة عدم الأمر مع وجود الأمر بالتقية و كونها أهم من الإحرام من المسلخ خصوصا بعد عدم تعينه و التخيير بينه و بين الوسط و بين المنتهى لما حقق في محلّه من عدم توقف صحة العبادة على تعلق الأمر الفعلي بها و كفاية الملاك و المناط فيها و على تقدير التوقف يكون الأمر بالمهم ثابتا امّا من طريق الترتب و امّا من الطريق الآخر الذي سلكه سيدنا الأستاذ المحقق الماتن- قدس سره الشريف- في مباحثه الأصولية و عليه فالقاعدة لا تقتضي البطلان نعم ورد في باب الوضوء الذي لم يراع فيه التقية رواية دالة على بطلانه و بإلغاء الخصوصية ربما يستفاد منها الحكم في جميع الموارد لكن الإشكال في سند الرواية و قد انقدح من جميع ما ذكرنا صحة الإحرام المخالف للتقية و ان كان مقتضى الاحتياط الاستحبابي في المقام تجديده في ذات عرق.

(1) قال في الجواهر: و انما سميت الجحفة لإجحاف السّيل بها و بأهلها، و هي على سبع مراحل من المدينة و ثلاث من مكّة و لا خلاف و لا إشكال في كونها ميقاتا للمذكورين في المتن و يدل عليه النصوص و الروايات المتكثرة المشتمل كثير منها على كونه ميقاتا لأهل الشام كصحيحة الحلبي «1» و بعضها على كونه ميقاتا لأهل المغرب كصحيحة أبي أيوب الخراز و فيها: و وقت

لأهل المغرب الجحفة

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 46

[الرّابع: يلملم]

اشارة

الرّابع: يلملم و هو لأهل يمن و من يمرّ عليه (1).

[الخامس: قرن المنازل]

الخامس: قرن المنازل و هو لأهل الطائف و من يمرّ عليه (2).

______________________________

و هي عندنا مكتوبة: مهيعة. «1» و بعضها على كونه ميقاتا لأهل الشام و مصر كصحيحة على بن جعفر- عليهما السلام- «2» و لا منافاة بينها بعد اشتراكهم في كون الجحفة واقعة في مسيرهم إلى مكّة خصوصا بعد عدم اختصاص شي ء من المواقيت بخصوص من وقّت له بل يشمل كل من يمرّ عليه من غيره.

(1) المحكيّ عن القواعد و المسالك و غيرهما ان يلملم جبل و عن شرح الإرشاد للفخر انه واد، و هو الظاهر المناسب للميقاتية لصعوبة الإحرام من الجبل بالإضافة إلى مثل المريض و الضعيف و الهرم، و يقال له ألملم و قد يقال له يرمرم و هو على مرحلتين من مكّة و لا خلاف في كونه ميقاتا لأهل اليمن و يدل عليه كثير من الروايات الواردة في المواقيت التي وقّتها رسول اللّٰه- ص.

(2) قرن المنازل بفتح القاف و سكون الراء قرية عند الطائف أو اسم الوادي كلّه كما في القاموس و عنه انه اعترض على الجوهري صاحب الصحاح من جهة تحريك راء القرن أوّلا و من جهة نسبة أويس القرني اليه مع انه منسوب الى قرن الذي هو اسم شخص ينسب إليه القبيلة من قبائل اليمن لا اسم مكان و محلّ، و عن كشف اللثام انه اتفق العلماء على تغليطه فيهما لكن في المستند نفي تصريح الجوهري بشي ء من الأمرين مع ان المحكي عنه في أكثر كتب اللغة التصريح بهما و بان قرن ميقات أهل نجد و الظاهر ان صاحب مجمع البحرين قد أخذ منه و صرح بكلا الأمرين و

انه ميقات لأهل نجد و يرد عليه ان كونه ميقاتا لأهل نجد انما هو على رأى فقهاء غير الشيعة و امّا فقهائنا فهم متفقون في كونه ميقاتا لأهل الطائف

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 2.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 47

[مسألة 3- تثبت تلك المواقيت مع فقد العلم بالبينة الشّرعية]

مسألة 3- تثبت تلك المواقيت مع فقد العلم بالبينة الشّرعية أو الشياع الموجب للاطمئنان، و مع فقد هما بقول أهل الاطلاع مع حصول الظن فضلا عن الوثوق، فلو أراد الإحرام من المسلخ- مثلا- و لم يثبت كون المحل الكذائي ذلك لا بد من التأخير حتى يتيقن الدخول في الميقات (1).

______________________________

و قد وقع التصريح به في كثير من نصوص المواقيت نعم في مقابلها روايتان:

إحديهما: صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة المشتملة على قول الصادق- ع-: و وقت لأهل المدينة ذا الحليفة و لأهل نجد قرن المنازل. «1»

ثانيتهما: صحيحة عليّ بن رئاب المشتملة على قوله- ع-: و وقت لأهل اليمن قرن. «2»

و قد عرفت ان المحكي عن صاحب الحدائق انه حمل الصحيحة الأولى على التقية للرواية العامية المتقدمة و يمكن ان تحمل على انّ لأهل نجد طريقين أحدهما يمرّ بالعقيق و الآخر بقرن المنازل كما ان هذا الحمل يجري في الصحيحة الثانية أيضا و على تقدير ثبوت المعارضة و عدم إمكان الجمع الدلالي و عدم وصول النوبة إلى الحمل على التقية تكون موافقة تلك الروايات المتكثرة للشهرة المحققة بل الإجماع كافية في الاعراض عن الروايتين و عدم العمل بهما فلا محيص عما ذكر.

(1) تثبت المواقيت الخمسة المتقدمة مع فقد العلم و اليقين بأمور:

أحدها: البينة الشرعية التي قام الدليل على اعتبارها في الموضوعات و

الظاهر عدم كون شهادة العدل الواحد بحجّة فيها كما حقّق في محلّه.

ثانيها: الشياع الموجب للاطمئنان و في الحفيقة تثبت بالاطمينان سواء حصل من الشياع أو من غيره و الوجه فيه كون الاطمئنان حجة عقلائية شرعيّة امّا كونه حجة عقلائية فواضح ضرورة ان العرف يعامل مع الظن المتاخم للعلم الذي يعبر

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 6.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 48

..........

______________________________

عنه بالاطمينان معاملة العلم و امّا كونه حجة شرعيّة فلأنه مع عدمها لا بد ان يرجع في مورده إلى الأصول الشرعية مع ان العناوين المأخوذة في أدلتها لا بد و ان يرجع في تشخيص معناها و مفادها الى العرف فهو المرجع في معنى: ما لا يعلمون المأخوذ في حديث الرفع و في معنى لا تنقض اليقين بالشك الواقع في روايات الاستصحاب و من الواضح انه مع حصول الاطمئنان بحرمة شرب التتن- مثلا- لا تكون الحرمة غير معلومة و كذا مع الاطمئنان بخلاف الحالة السابقة في باب الاستصحاب لا يصدق نقض اليقين بالشك عرفا و مع عدم شمول أدلة الأصول لا بد من الالتزام بثبوت الحجة الشرعية له كما لا يخفى هذا و لكن ذكر صاحب الجواهر- قده- في ذيل بحث ميقات العقيق ان غير واحد من الأصحاب اكتفى في معرفة هذه المواقيت بالشياع المفيد للظن الغالب ثم قال و لعلّه لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- يجزيك إذا لم تعرف العقيق ان تسأل الناس و الاعراب عن ذلك «1». و الظاهر ان المراد السؤال لحصول المعرفة التي أقلها الظّن الغالب المعبر عنه بالاطمينان.

ثالثها: قول أهل الخبرة

و الاطلاع مقيّدا بحصول الظن و قد عبّر في المتن بعده بقوله: فضلا عن الوثوق مع ان الظاهر ان هذا التعبير إنما يلائم القضية الإيجابية المشتملة على الاكتفاء بالظنّ لا القضية السّلبية التي يقتضيها التقييد بحصول الظن كما في المتن فيصح ان يقال: يكفى مجرد الظن فضلا عن الوثوق و لا يصح ان يقال لا يكفى ما دون الظن فضلا عن الوثوق كما هو ظاهر و امّا الاكتفاء بالظن فقد ذكر صاحب الجواهر- قده- في مسألة المحاذاة انهم صرحوا بكفاية الظنّ ثم قال و لعلّه للحرج و الأصل و انسياق ارادة الظن في أمثال ذلك.

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الخامس ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 49

..........

______________________________

و لكن الظاهر انه لا دليل على اعتبار مجرد، الظنّ في ذلك و استلزامه للحرج ممنوع كاقتضاء الأصل له فإن الأصل في باب الظنون التي لم يدل دليل على اعتبارها عدم الحجيّة و الظاهر عدم شمول. صحيحة معاوية بن عمّار المتقدمة لهذا الأمر بعد ما عرفت من ان ظاهرها حصول المعرفة التي لا تنطبق على أقل من الظن الغالب فتدبر.

و عليه فمقتضى الاحتياط اللازم الإحرام من المحلّ الواقع فيه بالنذر فإنه ان كان ميقاتا يصح الإحرام منه كما انه يصحّ نذره و لو فرض عدم صحة نذره لا يقدح في صحة الإحرام بوجه أصلا و ان لم يكن ميقاتا فسيأتي في أحكام المواقيت إن شاء اللّٰه تعالى انه يصح الإحرام قبل الميقات بسبب النذر فعلى اىّ تقدير يكون الإحرام صحيحا.

و امّا الإحرام في موضع يظن أو يحتمل كونه ميقاتا احتياطا و الإحرام قبل الميقات و ان كان محرّما كالتجاوز عن الميقات من دون

إحرام لمن يريد دخول مكة و الإتيان بالمناسك الّا ان الظاهر ثبوت الفرق بين الحرمتين و ان حرمة التجاوز عن الميقات حرمة ذاتية كحرمة أكثر المحرمات و حرمه الإحرام قبل الميقات حرمة تشريعية متقومة بقصد التشريع و من الواضح انها لا تكون مانعة عن الإتيان به رجاء و بعنوان الاحتياط.

بقي الكلام في قوله- قده- في الذيل فلو أراد الإحرام من المسلخ- مثلا- و يرد عليه انه لا ارتباط بينه و بين الاكتفاء بالظنّ فلا وجه لتفريعه عليه و يحتمل قويّا ان تكون «الواو» مكان «الفاء».

و كيف كان فالوجه فيه ان العقيق حيث يكون ميقاتا وسيعا اوله المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق فلا مجال للاكتفاء بالظن بالمسلخ- مثلا- مع العلم بأنه لو سلك مقدارا آخر من الطريق يتحقق له الإحرام من الميقات قطعا و ان لم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 50

[مسألة 4- من لم يمرّ على أحد المواقيت جاز له الإحرام من محاذاة أحدها]

مسألة 4- من لم يمرّ على أحد المواقيت جاز له الإحرام من محاذاة أحدها، و لو كان في الطريق ميقاتان يجب الإحرام من محاذاة أبعدهما إلى مكّة على الأحوط، و الاولى تجديد الإحرام في الأخر (1).

______________________________

يعرف كونه أوّلا أو وسطا أو آخرا فان الملاك هو إحراز كونه ميقاتا لا كونه أوّلا- مثلا- و عليه ففي مثل العقيق لا بد و ان يحرم من موضع يتيقن كونه ميقاتا و لا وجه للاكتفاء بالظنّ أصلا كما لا يخفى.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:

المقام الأوّل: أصل جواز الإحرام من محاذاة الميقات مع عدم كونها ميقاتا من المواقيت التي وقتها الرسول- ص- و قد نسب الجواز إلى الشهرة بل إلى الشهرة العظيمة بل قيل لا يظهر مخالف

صريح في ذلك و ان استشكل فيه في المدارك و الذخيرة و الحدائق و بعض الكتب الآخر تبعا لما في مجمع البرهان للمقدس الأردبيلي- قده- لكن عنوان المسألة في الشرائع بنحو يكون فيه إبهام و إجمال حيث قال: «و لو حجّ على طريق لا يفضي الى أحد المواقيت قيل يحرم إذا غلب على ظنّه محاذاة أقرب المواقيت إلى مكّة».

و نسبته الى القول و ان كان فيها الاشعار بالتضعيف و لا أقل من الترديد الّا انه حيث يكون القول المزبور مشتملا على خصوصيات ثلاثة: أصل الإحرام من المحاذي و كون الملاك أقرب المواقيت إلى مكّة و الاكتفاء بغلبة ظن المحاذاة لا يعلم ان التضعيف أو الترديد ناظر إلى الخصوصية الأولى التي هي محلّ البحث هنا أو الى إحدى الخصوصيتين الآخرتين.

و قد وقع الاختلاف في معني العبارة بين صاحبي المسالك و المدارك و كيف كان لا تكون صريحة بل و لا ظاهرة بل و لا مشعرة بالمخالفة في هذا المقام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 51

..........

______________________________

و قد استدل للجواز بصحيحتي عبد اللّٰه بن سنان:

إحديهما: ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عنه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال من اقام بالمدينة شهرا و هو يريد الحج ثم بدا له ان يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه فليكن إحرامه من مسيرة ستّة أميال فيكون حذاء الشجرة من البيداء «1».

ثانيتهما: ما رواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن محبوب عنه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: من اقام بالمدينة و هو يريد الحج شهرا أو نحوه ثم بدا له ان يخرج في غير

طريق المدينة فإذا كان حذاء الشجرة و البيداء مسيرة ستة أميال فليحرم منها. «2»

و من الواضح وحدة الروايتين خصوصا مع كون الراوي عن ابن سنان في كلتيهما هو الحسن بن محبوب و لازم الوحدة عدم الاعتبار إلّا بالإضافة إلى خصوص ما اتفقتا عليه فان اشتملت إحديهما على أمر زائد لم يعلم صدوره منه- ع- و لا دليل على الاعتبار بعد العلم بالوحدة فتدبّر.

و لا إشكال في دلالة الروايتين على أصل جواز الإحرام من المحاذاة في الجملة و ان كان فيهما قيود يأتي البحث عنها إن شاء اللّٰه تعالى لكن في مقابلهما روايتان ظاهرتان في الخلاف.

إحديهما: مرسلة الكليني حيث قال بعد نقل صحيحة ابن سنان: و في رواية أخرى: يحرم- اى الشخص المفروض في الصحيحة- من الشجرة ثم يأخذ أيّ طريق شاء. «3»

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب السابع ح- 1.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب السابع ح- 3.

(3) وسائل أبواب المواقيت الباب السابع ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 52

..........

______________________________

و لكنها لأجل الإرسال لا تنهض في مقابل الصحيحة.

ثانيتهما: ما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن جعفر بن محمد بن حكيم عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى- عليه السلام- قال سألته عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد و كثرة الأيام يعني الإحرام من الشجرة و أرادوا ان يأخذوا منها الى ذات عرق فيحرموا منها فقال: لا و هو مغضب من دخل المدينة فليس له ان يحرم الّا من المدينة. «1»

و جعفر بن محمد بن حكيم من رجال كامل الزيارات الذين ورد فيهم التوثيق العام و هو حجة مع عدم تضعيف خاص في مقابله و الظاهر انّ

المراد من قوله- ع- الّا من المدينة ليس هي البلدة بل ميقاتها الذي هو مسجد الشجرة و الجمع الدلالي بينها و بين الصّحيحة ممكن لان مفاد هذه الرواية هو المنع عن العدول من الشجرة إلى ميقات آخر و لا دلالة لها على نفى الجواز من محاذاتها أصلا و على تقدير عدم إمكان الجمع و وقوع التعارض لا بد من الأخذ بالصحيحة لموافقتها للشهرة المحققة فلا يبقى مجال للإشكال في أصل المسألة إنّما الإشكال بعد تعين الصحيحة لكونها مستندة للحكم الذي هو على خلاف القاعدة المستفادة من أدلة المواقيت و نصوصها، يقع في جهات:

الجهة الاولى: ان مفاد الرواية جواز الإحرام من محاذاة مسجد الشجرة و لا تعرض لها لغيرها مع انّ المشهور هو الجواز بالإضافة الى جميع المواقيت و ذكر السيد- قده- في العروة انه لا يضر اختصاص الروايتين بمحاذاة مسجد الشجرة بعد فهم المثالية منهما و عدم القول بالفصل و قد تبع في الثاني جماعة منهم صاحب المستند.

و امّا الأوّل و هو إلغاء الخصوصية فإن كانت الرواية مشتملة على نفس

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 53

..........

______________________________

هذا الحكم فقط من دون أخذ قيود و خصوصيات اخرى لكان لإلغاء الخصوصية مجال و ان كان الحكم على خلاف القاعدة الّا انّ أخذ قيود و شروط في ترتب الحكم بصورة القضية الشرطية التي لا محيص عن الالتزام بثبوت الارتباط بينها و بين الحكم و ان كان الارتباط مخفيّا عندنا غير معلوم لنا مع ملاحظة كونها مأخوذة في كلام الامام- ع- دون الراوي لأنه ليس في الرواية سؤال أصلا يوجب الترديد في إلغاء الخصوصية من مسجد الشجرة

فإن اعتبار الإقامة بالمدينة شهرا أو نحوه و اعتبار كونه مريدا للحج حال الإقامة دون غيره من التجارة و نحوها و كذا اعتبار ان يبدو له ان يخرج من غير طريق أهل المدينة الذي يمرّ على الميقات و ظاهره اعتبار عدم كون إرادته لخروج من غير ذلك الطريق من أوّل الأمر مع ان هذه الأمور مما لا نعلم ارتباطها بالحكم المذكور في الرواية يوجب ان لا يكون مجال لإلغاء الخصوصية بالإضافة إلى مسجد الشجرة خصوصا مع كونه أفضل المواقيت فيحتمل الاكتفاء بمحاذاته لأجل هذه الجهة فتدبر و كيف كان في الرواية خصوصية تمنع عن إلغاء الخصوصية و لأجله يشكل الحكم من جهة عدم فصل المشهور بين المواقيت أصلا و عدم التعرض لشي ء من القيود المذكورة في الرّواية مع كونها هي المستندة الوحيدة في الباب و لا يمكن الالتزام بحجية فهم المشهور من الرواية و ان كانت الشهرة جابرة لضعف السند في مورده و مرجحة لأحد المتعارضين على الآخر كما تدل عليه المقبولة المعروفة الّا ان فهمهم لا دليل على اعتباره.

الجهة الثانية: انّ ظاهر الرواية لزوم الإحرام من محاذاة مسجد الشجرة لكل من يريد الخروج من غير طريق أهل المدينة مع ان الظاهر اختصاص ذلك بخصوص من أراد الخروج من طريق واقع في جهة طريق أهل المدينة بأن كان موازيا له و الّا فمن كان مريدا للخروج من جهة المغرب من دون ان يمرّ على المسجد أو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 54

..........

______________________________

محاذاته فميقاته الجحفة كما انه إذا أراد الخروج من جهة المشرق فميقاته العقيق و هذا أيضا اشكال على الرّواية.

الجهة الثالثة: انه ذكر بعض الاعلام- قدّس سره- ان الرواية

على نقل الصّدوق تدل على لزوم الإحرام في خصوص مسيرة ستّة أميال في دائرة المحاذاة و مقتضاه انه إذا بلغ السّير إلى سبعة أميال أو أكثر لا يجوز له الإحرام و لو كان محاذيا كما إذا سار سبعة أميال بالخط غير المستقيم مع ان ظاهرها على نقل الكليني ان العبرة بمطلق المحاذاة و ان السّير ستة أميال انّما هو على نحو القضية الشخصية الخارجية و لعلّ وجهه ان السّير المتعارف في ذلك الزمان كان ستة أميال و بالخط المستقيم.

و يرد عليه أوّلا: ان حمل الرواية على نقل الصدوق على ما افاده مبنى على ان تكون كلمة «حذاء الشجرة» اسما لكان و خبره ستة أميال فتدل على تقييد المحاذاة بذلك مع ان الظاهر كون كلمة «حذاء ..» خبرا لكان و قوله: ستة أميال عطف بيان بالإضافة إلى الحذاء و يؤيده الرواية على النقل الآخر و عليه فلا اختلاف بين النقلين.

و ثانيا: انّه على تقدير تسليم ما افاده ليس المراد من قوله: ستة أميال هي الستة التي سارها المريد للإحرام بل ستة أميال بالسير المتعارف و ان كان هذا الشخص سارها أزيد من ذلك فان ظاهر الستّة كونها الطريق المتعارف لا الطريق الخاص الذي سلكه مريد الإحرام كما لا يخفى.

الجهة الرّابعة: ظاهر الرواية عدم اختصاص جواز الإحرام من محاذاة مسجد الشجرة بمن لا يتمكن من الذهاب الى المسجد و المرور عليه بل يعمّ صورة التمكن أيضا كما هو ظاهر إطلاق الأصحاب كما في الجواهر و الوجه فيه ان قوله- ع- ثم بدا له ان يخرج .. يشمل كلتا الصورتين لو لم نقل بظهوره في صورة الاختيار و التمكن من المرور بالمسجد و عليه فالحكم شامل غير مختصّ

كما هو ظاهر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 55

..........

______________________________

المقام الثاني: فيما لو كان في الطريق ميقاتان و لا محالة يكون أحدهما أبعد إلى مكّة و الآخر أقرب. و قد فسر صاحب المدارك عبارة الشرائع التي تقدم نقلها في صدر المسألة بان ظاهرها ان القول الذي حكاه المحقق انه مع تعدّد المواقيت التي يتحقق محاذاتها في الطريق يجب الإحرام من محاذاة أقربها إلى مكة دون الأبعد و لكن حمل ثاني الشهيدين العبارة على ما لو لم يحاذ ميقاتا في الطريق أصلا و معنى محاذاة أقرب المواقيت- ح- بلوغ محلّ بينه و بين مكة بقدر ما بين مكة و أقرب المواقيت إليها و هو مرحلتان علما أو ظنا ثم تصدى لتوجيهه و بيان وجهه.

و لكن ذكر صاحب الجواهر انه بناء على تفسير صاحب المدارك انه لم يتحقق القائل الذي حكاه المحقّق- ح- إذ المحكيّ عن ابن إدريس انه أطلق: إذا حاذى أحد المواقيت أحرم من المحاذاة و ابن سعيد ان من قطع بين الميقاتين أحرم بحذاء الميقات بل عن المبسوط التصريح باعتبار أقرب المواقيت إليه- يعنى من يريد الإحرام من المحاذي.

أقول نعم حكى عن القواعد التصريح باعتبار أقرب المواقيت إلى مكّة و لكنه مع تأخره عن المحقق لا يمكن ان يكون مرادا للمحقق و من هنا يشكل الحكم من جهة انّ صاحب الشرائع لم ينقل غير هذا القول و ان كان نقله مشعرا بالتضعيف أو الترديد و من جهة ان الصحيحة التي هي المستندة في أصل الحكم ظاهرة في لزوم الإحرام من محاذي مسجد الشجرة الذي هو أبعد الميقاتين بالإضافة الى من يريد الحج من المدينة و المتفاهم منها عرفا ان المحاذاة

يعامل معها معاملة الميقات فكأنّها بمنزلة الدليل الحاكم على أدلّة كون مسجد الشجرة ميقاتا و مفسرة لها و مبينة لأوسعية دائرة الميقات و شمولها للمحاذاة و عليه فيترتب عليها ما يترتب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 56

[مسألة 5- المراد من المحاذاة أن يصل في طريقه الى مكة إلى موضع]

مسألة 5- المراد من المحاذاة أن يصل في طريقه الى مكة إلى موضع يكون الميقات على يمينه أو يساره بخط مستقيم بحيث لو جاوز منه يتمايل الميقات الى الخلف، و الميزان هو المحاذاة العرفية لا العقلية الدقية، و يشكل الاكتفاء بالمحاذاة من فوق كالحاصل لمن ركب الطائرة لو فرض إمكان الإحرام مع حفظ المحاذاة فيها فلا يترك الاحتياط بعدم الاكتفاء بها (1).

______________________________

عليها فكما انه لا يجوز التجاوز عن الميقات بغير إحرام كما مرّ البحث فيه مفصّلا كذلك لا يجوز التجاوز عن المحاذاة كذلك فالمستفاد من الصحيحة ترتب حكم الميقات عليها فيتعين الإحرام منها الّا في صورة الضعف و المرض بل مطلق الضرورة كما مرّ بحثه أيضا.

و لعلّه لما ذكرنا من الاشكال احتاط في المتن وجوبا بالنسبة إلى الإحرام من أبعد المواقيت و استحبابا بالإضافة إلى تجديد الإحرام في الميقات الأخر و لكن الأقوى بمقتضى الدليل هو الأوّل.

(1) بعد الحكم بجواز الإحرام من محاذاة الميقات وقع الكلام في معناها و المراد منها و قد ذكر السيد- قده- في العروة وجهين في هذا المقام.

أحدهما: بعد إسقاط التحريف بالزيادة التي وقع في العبارة ظاهرا ان يصل في طريقه الى مكّة إلى موضع يكون بينه و بين مكّة كما بين ذلك الميقات و مكّة بالخطّ المستقيم.

و توضيحه على ما في بعض الحواشي و الشروح انا لو رسمنا دائرة و جعلنا النقطة المركزية مكة المكرمة فكل جزء

من أجزاء محيط تلك الدائرة نسبته الى المركز نسبة واحدة لأن الخطوط الخارجة من المحيط الى المركز المسماة بالشعاع متساوية و عليه فلو فرض وقوع الميقات في جزء من أجزاء المحيط فلا محالة تكون سائر الأجزاء متساوية المسافة و الفاصلة إلى مكة الواقعة في مركزها مع الميقات و عليه فجميع الاجزاء غير الميقات متصف بالمحاذاة معه لتساوى نسبتها إلى مكة مع نسبة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 57

..........

______________________________

الميقات لان المفروض وقوع الجميع حتى الميقات في محيط الدّائرة.

هذا و لكن هذا الوجه لا يمكن الالتزام به و لم يدل عليه دليل فان مقتضاه انه لو وقف من الدائرة في النقطة المقابلة التي يكون بينها و بين الميقات مائة و ثمانين درجة يكون محاذيا للميقات مع انه لا يعد ذلك من المحاذاة بوجه بل يصدق انه أحرم من مقابل الميقات لا من محاذيه كما هو ظاهر بل لا يصدق فيما إذا أحرم من مورد يكون الفصل تسعين درجة بل أقلّ من ذلك فهذا الوجه لا يكون محقّقا للمحاذاة بوجه.

ثانيهما: ان يكون الخط من موقفه الى الميقات اقصر الخطوط في ذلك الطّريق.

و أورد عليه في المستمسك مضافا الى ان هذا الوجه لا يتّحد مع ما سبقه عملا و لا يلازمه خارجا بان الطريق إذا كان يمرّ خلف الميقات بمسافة معينة ثم يبعد عنه- حينما يكون عن يمينه أو يساره- يكون اقصر الخط خلفه و لا يكون الشاخص- ح- محاذيا بل يكون خلفه.

كما انه أورد عليه بعض الاعلام- قده- بأنه لو فرضنا انه توجه إلى مكّة من موقفه الواقع على الخط المحيط للدائرة على درجة خمس و أربعين من الدائرة أي نصف الربع

فدخل في الدائرة فيكون بينه و بين مسجد الشجرة خطّا وهميّا موصلا بينهما و يشكّل بذلك زاوية من الخطوط المارّة في طريقه الى مسجد الشجرة و لا ريب ان الخط المارّ من وسط المثلث أقرب الخطوط و أقصرها من الضلعين الى الميقات مع انه خارج عن المحاذاة.

و يمكن الجواب عنه بمنع كون الخط المارّ من وسط المثلث أقرب من الخط الخارج من الموقف الى الميقات فان ظاهر هذا الوجه كون الميقات واقعا في أحد الجانبين من قاعدة المثلث و الموقف واقعا في الجانب الآخر و الخط المستقيم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 58

..........

______________________________

بينهما اقصر الخطوط بالإضافة إلى الخطوط الواقعة في الدائرة و الخطوط قبلها كما لا يخفى «1».

و كيف كان فهذا الوجه أيضا غير تام و الحقّ في المسألة ما افاده الماتن- قدس سرّه الشّريف- من اعتبار كون المحاذاة واقعة في يمين الميقات أو يساره و كان الخط الموصل بينهما هو الخط المستقيم و يدل عليه- مضافا الى ان المتفاهم عند العرف من معنى المحاذاة اعتبار ان يكون في اليمين أو اليسار و لا يتحقق من الخلف أو القدام و الّا فاللازم ان تكون نفس المدينة محاذية لمسجد الشجرة لوجود الخط المستقيم الموصل بينهما مع انّه لا مجال لتوهّمه- الصحيحة المتقدمة الواردة في أصل مسألة المحاذاة فإن قوله- ع- فيها: فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال فيكون حذاء الشجرة من البيداء ظاهر في ان مسيرة ستة أميال من المدينة إلى سمت مسجد الشجرة و جهتها مع ان مسافة المدينة الى المسجد هي هذا المقدار محققة للمحاذاة مع انه لا محالة يقع عن يمين المسجد أو يساره فان الجمع بين

مسيرة هذا المقدار و بين كونها في جهة المسجد و سمته و بين كون الفصل بين المدينة و المسجد هذا المقدار لا يتحقق الّا بكون المحاذاة مرتبطة باليمين و اليسار مع كون الموصل هو الخط المستقيم غاية الأمر الخط المستقيم بنظر العرف لا بالدقة العقليّة.

و بعبارة أخرى قوله- ع- فيكون حذاء الشجرة إرجاع إلى المعنى العرفي في باب المحاذاة لا اعمال حكم تعبدي و ان للشارع في باب المحاذاة نظرا خاصا و عليه فالمسير ستة أميال في جانب المسجد و لا محالة يكون عن يمينه أو يساره مع عدم ارادة الخروج من طريق أهل المدينة يكون محاذاة عرفية.

______________________________

(1) لكن بعد ترسيم الشكل المثلث و ملاحظة الفواصل مع الإله المعينة لذلك ظهر أن الحقّ معه- قدّس سرّه- منه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 59

..........

______________________________

كما ان ظاهر الرواية هو المسير بالمقدار المذكور في جانب المسجد و سمته و جهته و ان استشكلنا فيها من جهة إطلاق قوله- ع- ثم بدا له ان يخرج في غير طريق أهل المدينة الّا ان ما ذكرنا من انّ قوله: حذاء الشجرة إرجاع إلى المعنى العرفي قرينة على تقييد الإطلاق و اختصاصه بخصوص السمت و الجهة كما لا يخفى.

و الظاهر ان الفصل البعيد يمنع عن تحقق المحاذاة و ان كان عن يمين الميقات أو يساره و كان الموصل هو الخط المستقيم بل اللازم اعتبار القرب و على تقدير العدم فالرواية لا تدل على أزيد من الاكتفاء بالمحاذاة إذا كان قريبا فان مسيرة ستة أميال من جهة مسجد الشجرة عن يمينه أو يساره لا يتحقق الّا مع القرب و لا يعقل تحققه مع البعد فلا دليل على جواز

الإحرام من المحاذي البعيد.

و يؤيّد ذلك ان أهل العراق يجب عليهم الإحرام من وادي العقيق مع محاذاتهم ظاهرا لمسجد الشجرة قبل العقيق على بعد و كذا أهل الشام بالإضافة إلى الجحفة مع محاذاتهم لمسجد الشجرة قبلها فيدل ذلك على عدم الاكتفاء بالمحاذاة مع البعد و الّا لكان اللازم عليهم الإحرام من محاذي مسجد الشجرة قبل العقيق و الجحفة فتدبّر.

فانقدح ان المراد بالمحاذاة ما أفيد في المتن مع ضمّ عدم الفصل كثيرا و عدم كون المحاذاة بعيدا.

و امّا ما في ذيل المسألة من الاستشكال في المحاذاة من فوق كالحاصل لمن ركب الطّيارة مع فرض إمكان الإحرام من المحاذاة فيها و لا يتصور عادة إلّا بالإضافة إلى مثل العقيق الذي له مسافة طويلة نسبتا و امّا بالنسبة إلى مثل مسجد الشجرة فلا يمكن عادة إلّا إذا كان الطائر مثل ما يسمّى به (هليكوبتر) القادر على التوقف في الفضاء بمقدار الإحرام بل أزيد.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 60

[مسألة 6- تثبت المحاذاة بما يثبت به الميقات]

مسألة 6- تثبت المحاذاة بما يثبت به الميقات على ما مرّ بل بقول أهل الخبرة و تعيينهم بالقواعد العلمية مع حصول الظنّ منه (1).

______________________________

فمنشؤه الإشكال في صدق المحاذاة على مثله و لكن الظاهر ان العرف لا يأبى عن ذلك و اعتبار اليمين أو اليسار على ما عرفت انّما هو بالإضافة إلى الخلف أو القدام لا في مقابل الفوق أيضا.

و يمكن ان يستأنس لذلك بمرسلة الصدوق في العلل عن الحسين بن الوليد عمن ذكره قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام- لأيّ علّة أحرم رسول اللّٰه- ص- من مسجد الشجرة و لم يحرم من موضع دونه فقال: لانه لما اسرى به الى السماء و صار

بحذاء الشجرة نودي يا محمد قال لبيك، قال: أ لم أجدك يتيما فآويتك و وجدتك ضالا فهديتك، فقال النبي- ص- انّ الحمد و النعمة و الملك لك لا شريك لك فلذلك أحرم من الشجرة دون المواضع كلّها. «1»

فان التعبير بالحذاء فيها بالإضافة إلى الفوق و الإتيان بالتلبية فيه يلائم مع ما ذكرنا و لا ينافي ذلك عدم حجية الرواية لأجل الإرسال فتدبر.

و كيف كان لا يبعد دعوى الاكتفاء بالمحاذاة من فوق في صورة الإمكان على ما عرفت و ان كان مقتضى الاحتياط خلافه.

(1) لاخفاء في انه تثبت المحاذاة بما يثبت به الميقات و لكنك عرفت الإشكال في ثبوته بقول أهل الاطلاع بمجرد حصول الظن منه لعدم الدليل على حجيّة مثل هذا الظنّ و أضاف في المتن هنا امرا آخرا و هو قول أهل الخبرة الناشئ من القواعد العلميّة الهندسية أو الهيويّة بشرط حصول الظنّ منه و يرد عليه ما أوردناه على قول أهل الاطلاع من عدم الدليل على الحجيّة و انه ان كانت الخبروية ملاكا للاعتبار و الحجية فلا حاجة الى حصول الظن الشخصي من قول

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 61

[مسألة 7- ما ذكرنا من المواقيت هي ميقات عمرة التمتع]

مسألة 7- ما ذكرنا من المواقيت هي ميقات عمرة التمتع و هنا مواقيت أخر. الأوّل مكة المعظمة و هي لحج التمتّع، الثاني دويرة الأهل اي المنزل و هي لمن كان منزله دون الميقات إلى مكة بل لأهل مكّة و كذا المجاور الذي انتقل فرضه الى فرض أهل مكّة و ان كان الأحوط إحرامه من الجعرانة فإنهم يحرمون بحج الافراد و القران من مكة، و الظاهر ان الإحرام من المنزل للمذكورين

من باب الرّخصة و الّا فيجوز لهم الإحرام من أحد المواقيت، الثالث ادنى الحلّ و هو لكلّ عمرة مفردة سواء كانت بعد حج القران أو الافراد أم لا و الأفضل ان يكون من الحديبية أو الجعرانة أو التنعيم و هو أقرب من غيره إلى مكة (1).

______________________________

أهل الخبرة و ان لم تكن كذلك فالظنّ الحاصل منه لم ينهض أيضا دليل على اعتباره و قد ذكرنا في طرق ثبوت الميقات طريق الاحتياط الموصل الى تحقق الإحرام الصحيح جزما و يزيد هنا انه في فرض التمكن من الذهاب الى الميقات يكون مقتضى الاحتياط ترك الإحرام من المحاذاة مع عدم ثبوتها.

(1) ذكر في المتن ان المواقيت الخمسة أو الستّة- بضميمة المحاذاة- السابقة انّما هي ميقات عمرة التمتع و المراد ان عمرة التمتع لا بد و ان يقع إحرامها من أحد هذه المواقيت لا انّ غير عمرة التمتع لا يصح ان يقع إحرامها منه ضرورة انّ من يريد العمرة المفردة من المدينة- مثلا- لا بد و ان يحرم من مسجد الشجرة كما ان من يريد حج القران أو الافراد منها لا بد و ان يحرم منه كما إذا اتى بحجة الإسلام بصورة التمتع ثم أراد الحج استحبابا بإحدى الصورتين الآخرتين فإنه لا بدّ من الإحرام من مسجد الشجرة و في المتن انّ هنا مواقيت أخر:

الأوّل: مكة المعظمة و هي ميقات لحج التمتع بالمعنى الذي ذكرنا في كون المواقيت المتقدمة ميقاتا لعمرة التمتع فكون مكّة ميقاتا لحج التمتع معناه عدم وقوع إحرام الحج بعد الفراغ عن عمرة التمتع من غير مكة و قد عرفت ان الأفضل مسجد الحرام و لا يكون معناه عدم صحة إحرام غير حج التمتع من مكّة كيف

و قد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 62

..........

______________________________

صرح في المتن بعد سطر بأن أهل مكة- مع كون وظيفتهم القران أو الافراد يكون ميقاتهم دويرة الأهل اى المنزل و ان كان يجوز لهم الإحرام من أحد المواقيت فكون مكة ميقاتا لحج التمتع معناه ما ذكر و لا اشكال و لا خلاف في ذلك و قد مرّ البحث عنه مفصّلا.

الثاني: دويرة الأهل اى المنزل و هي ميقات لمن كان منزله دون المواقيت إلى مكة و لا شبهة فيه فتوى و نصا امّا الفتاوى ففي الجواهر: بلا خلاف فيه بل الإجماع بقسميه عليه بل عن المنتهى: انه قول أهل العلم كافة إلّا مجاهدا.

و امّا الروايات فكثيرة و قد عقد في الوسائل بابا لذلك.

منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال من كان منزله دون الوقت إلى مكّة فليحرم من منزله. «1»

و منها: ما رواه الشيخ بعد روايته الصحيحة الأولى قال: و قال في حديث آخر إذا كان منزله دون الميقات إلى مكة فليحرم من دويرة اهله. «2»

و منها: صحيحة مسمع عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق إلى مكّة فليحرم من منزله. «3»

و منها: رواية أبي سعيد قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عمن كان منزله دون الجحفة إلى مكة قال: يحرم منه. «4»

و منها: مرسلة الصدوق المعتبرة قال: و سئل الصادق- ع- عن رجل منزله خلف

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 1.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 2.

(3) وسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 3.

(4) وسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 4.

تفصيل

الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 63

..........

______________________________

الجحفة من اين يحرم؟ قال: من منزله. «1»

و منها: ما رواه الصدوق أيضا قال: و في خبر آخر من كان منزله دون المواقيت ما بينه و بين مكّة فعليه ان يحرم من منزله. «2»

إذا عرفت ذلك فالكلام يقع في أمر و هو انّه:

هل المعتبر هو القرب إلى مكة أو الى عرفات فالمشهور هو الأوّل و المحكي عن الشهيد في اللمعة هو الثاني و في المدارك نقله عن المحقق في المعتبر و عن الشهيد الثاني في المسالك: «لو لا النصوص أمكن اختصاص القرب في العمرة بمكة و في الحج بعرفة إذ لا يجب المرور على مكة في إحرام الحج من المواقيت».

هذا و لكن مقتضى الروايات اعتبار القرب إلى مكة أوّلا كما ان مقتضى إطلاقها انه لا فرق في ذلك بين الحج و العمرة ثانيا و قال سيّد المستمسك في الاشكال على قولي الشهيدين: «العمدة في الاشكال ان المراد من القرب إلى مكة أنه دون الميقات إلى جهة مكّة و هذا يلازم كونه أقرب الى عرفات من الميقات فلا تفاوت بين العبارتين عملا و لا خارجا و ان كان بينهما تفاوت مفهوما».

و أورد عليه بان الظاهر هو الفرق بين التحديد بالقرب إلى مكّة أو الى عرفات لانه لو فرض وقوع عرفات بين منزله و مكّة و كان الفصل بين منزله و عرفات ثلاثة عشر فرسخا و فرض وقوع أقرب المواقيت في الجهة المقابلة لعرفات فح يتحقق الفرق بين الأمرين فإنه على تقدير كون المعيار هو القرب الى عرفات لا بد من الإحرام من منزله لكونه أقرب الى عرفات من أقرب المواقيت الذي يكون الفصل بينه و بين

مكة ما يقرب من ستّة عشر فرسخا و على تقدير كون المعيار هو القرب

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 6.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب السابع عشر ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 64

..........

______________________________

إلى مكّة لا يجوز الإحرام من المنزل لأنه بملاحظة كون الفصل بين عرفات و مكة أربعة فراسخ يصير الفصل سبعة عشر فرسخا فيزيد على أقرب المواقيت.

كما انه لو فرض وقوع مكة بين منزله و عرفات فاللازم ان يحرم من الميقات على تقدير كون المعيار هو عرفات إذا كان الفصل بين منزله و مكة ثلاثة عشر فرسخا كما ان اللازم هو الإحرام من المنزل على تقدير كون المعيار هي مكّة فالتفاوت بين العبارتين واضح.

و الحق ان يقال انه ليس المعيار و المناط هو القرب و البعد من جهة الفصل و المسافة أصلا بل المعيار انّ في طريق مريد الحج أو العمرة إلى مكّة لا بد من ملاحظة أن منزلة هل يكون واقعا قبل الميقات أو واقعا بعده ففي الصورة الاولى لا بد و ان يحرم من الميقات و ان لا يتجاوز عنه من دون إحرام و في الصورة الثانية لا يجب عليه الرجوع الى الخلف لإدراك الميقات بل يجوز الإحرام من المنزل و هذا من دون فرق بين ان يكون الفصل بين منزله و بين مكة أقلّ من أقرب المواقيت أو أكثر فمن يكون منزله بعد الجحفة في طريق مكّة يحرم منه و ان كان الفصل بينه و بين مكة عشرين فرسخا- مثلا- مع ان أقل المواقيت ما يقرب من ستّة عشر فرسخا كما عرفت و عليه فالمناط ما ذكرنا من وقوع منزله في طريق

مكّة قبل الميقات أو بعده و يدلّ عليه ان قوله: دون الوقت إلى مكّة في بعض الروايات لا دلالة له على المقايسة بين منزله و بين أقرب المواقيت و لو لم يكن واقعا في طريقه و مسيره بل مدلوله ملاحظة الميقات و ان منزلة قبله أو بعده كما ان بعض الروايات وارد فيمن كان منزله دون الجحفة أو خلفها مع انّك عرفت انّ إطلاقه يشمل ما هو أبعد من أقرب المواقيت فيستفاد منه ان الملاك ما ذكر لا القرب و البعد أصلا.

و قد ظهر مما ذكرنا انه إذا كان في طريقه ميقاتان فجواز الإحرام من المنزل ينحصر بما إذا كان خلف الميقات الثاني و لا يجوز إذا كان المنزل واقعا بين ميقاتين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 65

..........

______________________________

لان المستفاد من الروايات ان الحكم بجواز الإحرام من المنزل حكم تسهيلى وضع للتسهيل بعدم إيجاب السير الى الوراء لإدراك الميقات فإذا كان الميقات قدّامه في طريق مكة فلا موجب للإحرام من المنزل فتدبّر.

بقي الكلام في هذا الميقات في أمرين: أحدهما: ميقات أهل مكة بالإضافة إلى حج القران أو الافراد في مقابل حج التمتع و في مقابل العمرة المفردة فالمحكي عن صريح ابني حمزة و سعيد و ظاهر الأكثر ان إحرامهم من مكّة بل في محكي الرياض بعد نسبته إلى الشهرة حاكيا لها عن جماعة من الأصحاب قال: بل زاد بعضهم فنفى الخلاف فيه بينهم مشعرا بدعوى الإجماع عليه كما حكاه في الذخيرة عن التذكرة.

و قد استدلّ لذلك بالنصوص المتقدمة الدالة على ان من كان دويرة أهله دون الميقات إلى مكة فليحرم من منزله نظرا الى انّ إطلاقه يشمل أهل مكة لأن

منازلهم دون الميقات.

و لكن الظاهر عدم تمامية الاستدلال لأنّ ظاهرها محاسبة الدويرة و الميقات بالإضافة إلى مكة فهنا أمور ثلاثة و امّا بالنسبة إلى مكة فلا يبقى مجال لهذه المحاسبة لعدم ثبوت أزيد من أمرين.

نعم يمكن الاستناد إلى الأولوية خصوصا بعد ظهور كون الحكم بالإضافة إلى دويرة الأهل حكما تسهيليّا كما عرفت نظرا إلى انّه إذا لم يرد الشارع رجوع من كان منزله دون الميقات الى الميقات للإحرام و اكتفى له بالإحرام من منزله فمن كان منزله في مكة يجوز ذلك له بطريق اولى.

و لكن حيث ان الحكم تعبدي و الأولوية غير قطعية لا يمكن الاستناد إليها بوجه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 66

..........

______________________________

نعم قد استدل بمرسلة الصدوق المعتبرة المتقدمة الدالة على ان من كان منزله خلف الجحفة يحرم منه نظرا الى ان المعيار هو مجرّد كون المنزل خلف الجحفة من دون ان تكون مكة طرف المحاسبة و عليه فيشمل إطلاق السؤال و ترك الاستفصال في الجواب لمنازل أهل مكة لأنّها بأجمعها خلف الجحفة.

و لكنه أورد بعض الاعلام- قده- على الاستدلال بها بان الخلف و القدام أمران إضافيان اعتباريان و لا بد في صدقهما من فرض موضعين و فرض شخص يريد الذهاب من أحدهما إلى الآخر فإذا ذهب من هذا المكان و توجه الى مكان آخر فالمكان الأوّل يكون خلفا له و لو انعكس انعكس و عليه فلا يصدق عنوان الخلف على من كان منزله في مكة مطلقا بل في خصوص ما إذا توجه من الجحفة إلى مكة فإنّ الجحفة- ح- خلفه.

و الجواب عنه: انّ ظاهر الرواية ان اتصاف المنزل بكونه خلف الجحفة لا يتوقف على وجود ذاهب بالفعل و

متحرك كذلك بل المنزل متصف بذلك في نفسه و السرّ فيه ان الخلفية و ان كانت متوقفة على مسألة الذهاب و الحركة الّا انه إذا كانت الحركة إلى مكان من جهة خاصة و سمت مخصوص و بعبارة أخرى كانت من جهة واحدة تلاحظ الخلفية و القدامية بالإضافة إلى خصوص تلك الجهة فإذا كان طريق قرية منحصرا بالعبور من قرية أخرى كانت القرية البعيدة واقعة خلف القرية الاولى القريبة و هي قدّام تلك، و في المقام أيضا كذلك فإن الحركة إلى الميقات انما تكون من طرف قبل الميقات لأجل الإحرام منه و لا تكون الحركة من مكة إلى الميقات بمعهودة لعدم الحاجة الى الميقات من مكة نوعا و عليه فعنوان الخلفية انما يلاحظ بالإضافة إلى تلك الحركة المتعارفة المعهودة و عليه يمكن دعوى إطلاق المرسلة و شمولها لمنازل مكة لوقوعها خلف الميقات بالإضافة المذكورة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 67

..........

______________________________

و لكن الاعتماد على مثل هذه الدعوى في إثبات الحكم خصوصا لأهل مكة الذين تكون شدة ارتباطهم بالبيت و بمناسك الحجّ بمرتبة لا يقاس بهم غيرهم في غاية الإشكال بل لو كان الإطلاق ظاهرا أيضا لا تكون المناسبة مقتضية لبيان حكمهم من طريق الإطلاق و أشباهه بل اللازم التصريح و تبيين حكمهم من جهة الإحرام بصورة واضحة كما لا يخفى.

و من هنا يمكن ان يقال ان عدم تعرض شي ء من الروايات لبيان حكمهم أصلا و عدم وجود السؤال من الرواة في هذا المجال لعلّه يكون قرينة على وضوح حكمهم عند الجميع و ان إحرامهم لا بد و ان يقع من مكة خصوصا بعد ملاحظة وجود السؤال بالإضافة إلى المجاور و الى من

وقع منزله بين مكة و الميقات و الى الجهات الواقعة في الحاشية و لم تقع إشارة في شي ء من الروايات الى حكم المتن و هو أهالي مكة فمن ذلك يستكشف كون وظيفتهم ظاهرة عند الجميع و ليست الّا ما ذكر من الإحرام من مكة.

و مع قطع النظر عن هذه القرينة تصير المسألة مشكلة لعدم وضوح الإطلاق حتى في المرسلة و عدم شمول ما ورد في المجاور لمن تكون مكة وطنه الأصلي كما سيجي ء.

و ثانيهما: ميقات المجاور بمكّة و هو تارة يكون ممن انتقل فرضه الى فرض أهل مكّة كما إذا جاورها سنتين و دخل في السنّة الثالثة على ما تقدم البحث فيه مفصّلا و اخرى لا يكون كذلك كما إذا كانت المجاورة أقلّ من المقدار المذكور كما إذا كانت سنة واحدة- مثلا- كما انه في الصورة الأولى قد يكون متوطنا بان قصد الإقامة في مكة إلى آخر العمر و قد لا يكون كذلك كما إذا قصد الإقامة خمس سنين مثلا.

و الذي يظهر من المتن و غيره ان المجاور الذي انتقل فرضه و تبدلت وظيفته

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 68

..........

______________________________

يكون ميقاته ميقات أهل مكة من دون فرق بين المتوطن و غيره غاية الأمر ثبوت الاحتياط الاستحبابي بالإضافة إلى الإحرام من الجعرانة و ان المجاور غير المنتقل لا بد و ان يحرم من الجعرانة و لا يجوز له الإحرام من مكّة لحج القران أو الافراد.

و يدل على كون المجاور الأوّل ميقاته مكة ما دلّ على ان أهل مكة يحرمون منها فان الملاك كون المنزل دون الميقات أو كونه خلف الجحفة و من الواضح عدم اختصاص عنوان المنزل بمن كان المحلّ

وطنا أصليّا له بل يشمل المقيم و المجاور فانّ منزله أيضا كذلك فأدلة ميقات أهل مكة تشمل المجاور و لا تختص بهم.

نعم ما ذكرناه أخيرا من ان عدم تعرض الروايات سؤالا و جوابا لميقات أهل مكة صريحا قرينة مفيدة للاطمئنان يكون حكمهم واضحا لا يحتاج الى التعرض و البيان لا يجري في المجاور بل يختص بأهل مكّة كما هو ظاهر.

لكن ورد في ميقات المجاور روايتان هما منشأ الاحتياط المذكور في المتن و العروة و هو الاحتياط بالإحرام من الجعرانة و لا بد من إيرادهما و البحث في مفادهما فنقول:

الرواية الأولى: رواية أبي الفضل قال كنت مجاورا بمكّة فسئلت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- من أين أحرم بالحج؟ فقال من حيث أحرم رسول اللّٰه- ص- من الجعرانة أتاه في ذلك المكان فتوح: فتح الطائف و فتح خيبر و الفتح، فقلت متى اخرج قال إذا كنت صرورة فإذا مضى من ذي الحجة يوم، فإذا كنت قد حججت قبل ذلك فإذا مضى من الشهر خمس. «1»

و قد استظهر العلامة المجلسي- قده- في «المرآت» كون الرواية صحيحة و ان

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب التاسع ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 69

..........

______________________________

أبا الفضل هو سالم الحناط و يؤيده رواية صفوان عنه كثيرا و روايته عن الصادق- ع- مع ان المحكي عن الحدائق ذكر سالم الحناط عقيب أبي الفضل في نقل الرواية و كيف كان فالظاهر انه لا تنبغي المناقشة في صحة سندها.

و امّا متنها فالظاهر ان خيبر مصحف حنين و لعلّه لأجل كون كتابة «نون» بالخط المنكسر يشبه كتابة «الراء» و يدلّ على التصحيف التصريح بحنين في جملة من الروايات الواردة في

عمر رسول اللّٰه- ص- و لكنه ذكر المجلسي في الكتاب المزبور انه على ما في الكتاب- يعنى ثبوت خيبر- لعلّ المراد ان فتح خيبر وقع بعد الرجوع من الحديبية و هي قريبة من الجعرانة أو حكمها حكم الجعرانة في كونها من حدود الحرم. و لكنه كما ترى.

و كيف كان فالسؤال في الصحيحة مطلق شامل للمتوطن و المجاور الذي انتقل فرضه و المجاور غيره و دعوى عدم شمولها للمتوطن مدفوعة بأن استعمال المتوطن في مقابل المجاور انّما هو اصطلاح فقهي لا يرتبط بما هو المفهوم من المجاور عند العرف و لعلّ صدقه على المتوطن- أي الذي لم يكن من أهل مكة و لكن اتخذها وطنا له دائما- أظهر من صدقه على المجاور الموقت كما ان دعوى ان القدر المتيقن منه هو المجاور الذي لم ينتقل فرضه كما ادعاها السيد- قده- في العروة واضحة المنع فان ثبوت القدر المتيقن انّما هو في كلّ إطلاق لأن كل إطلاق له افراد ظاهرة و تكون هي القدر المتيقن منه مع انك عرفت منع الصغرى أيضا فإن القدر المتيقن من المجاور هو المجاور غير الموقت.

و امّا ما في ذيل الرواية من التفصيل بين الصرورة و غيره من جهة زمان الإحرام و الخروج إلى الجعرانة فمحمول على الاستحباب لعدم لزوم الخروج بمجرد مضي يوم من ذي الحجة أو خمس منه كما هو ظاهر.

و كيف كان فظاهر الرواية لزوم خروج المجاور مطلقا إلى الجعرانة و الإحرام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 70

..........

______________________________

منها لحج القران أو الافراد.

الرواية الثانية: صحيحة عبد الرّحمن بن الحجّاج قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام- انّى أريد الجوار بمكة فكيف اصنع؟ فقال: إذا

رأيت الهلال هلال ذي الحجة فاخرج الى الجعرانة فأحرم منها بالحج (الى ان قال) ان سفيان فقيهكم أتاني فقال: ما يحملك على ان تأمر أصحابك يأتون الجعرانة فيحرمون منها؟ قلت له: هو وقت من مواقيت رسول اللّٰه- ص- فقال: و اىّ وقت من مواقيت رسول اللّٰه- ص- هو؟ فقلت: أحرم منها حين قسّم غنائم حنين و مرجعه من الطائف فقال:

انّما هذا شي ء أخذته عن عبد اللّٰه بن عمر كان إذا رأى الهلال صاح بالحج فقلت:

أ ليس قد كان عندكم مرضيّا؟ فقال بلى و لكن اما علمت ان أصحاب رسول اللّٰه- ص- أحرموا من المسجد فقلت: إنّ أولئك كانوا متمتعين في أعناقهم الدّماء و ان هؤلاء قطنوا مكّة فصاروا كأنّهم من أهل مكّة و أهل مكّة لا متعة لهم فأحببت أن يخرجوا من مكّة الى بعض المواقيت و ان يستغبوا به أيّاما فقال لي و انا أخبره أنها وقت من مواقيت رسول اللّٰه- ص-: يا با عبد اللّٰه فإنّي أرى لك ان لا تفعل فضحكت و قلت و لكني أرى لهم ان يفعلوا (الحديث) «1».

قال في «المرآت» قوله- ع- و ان يستغبوا به اي يهجروا و يتأخروا مجازا قال في النهاية فيه «زر غبّا تزدد حبّا» الغبّ من أوراد الإبل ان ترد الماء يوما و تدعه يوما ثم تعود فنقله إلى الزيارة و ان جاء بعد أيام يقال: غب الرجل إذا جاء زائرا بعد أيام و قال الحسن في كل أسبوع.

و ظاهر السؤال و ان كان مطلق الجوار بل القدر المتيقن منه هو المجاور الذي لم ينتقل فرضه و لعلّه المنشأ لدعوى السيد- قده- في العروة وجود هذا القدر المتيقن إلّا

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج

الباب التاسع ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 71

..........

______________________________

ان الجواب بملاحظة قوله- ع- ان هؤلاء قطنوا مكة .. ظاهر في ان المراد هو المجاور الذي صار كأهل مكة في وجوب القران أو الافراد عليه و- ح- لا مجال لدعوى الإطلاق في السؤال فضلا عن كون القدر المتيقن المجاور الذي لم ينقلب فرضه كما ان ظاهر صدر الجواب و ان كان هو وجوب الخروج من مكة إلى الجعرانة للإحرام الّا ان قوله- ع- في الذيل فأحببت أن يخرجوا .. لا يلائم الوجوب كما ان قوله- ع- بعد ذلك ارى لهم ان يفعلوا مكان عليهم ان يفعلوا يلائم الاستحباب فربما يصير الذيل قرينة على عدم كون المراد بالصدر هو الوجوب خصوصا مع اقترانه بكون الزمان بعد رؤية هلال ذي الحجة مع انه ليس بواجب قطعا ضرورة جواز الخروج في اليوم الثاني و الثالث و هكذا الى زمان إدراك الوقوف بعد الإحرام من الجعرانة و عليه فربما تصير هذه الرواية قرينة على التصرف في الرواية الأولى فيتمّ ما في المتن من كون الاحتياط في الخروج إلى الجعرانة استحبابيّا لا وجوبيّا.

و في هذه الرّواية إشكال آخر و هو دلالتها على ان كل من لا متعة له يخرج إلى الجعرانة مع ان أهل مكّة لا يجب عليهم الخروج إليها- كما ان في الروايتين اشكالا مهمّا نتعرض له بعد التعرض لحكم المجاور الذي لم ينتقل فرضه و الظاهر انه لا إشكال في ان حكمه الخروج إلى الجعرانة و الإحرام منها و يدل عليه مثل صحيحة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّٰه- ع- انه قال: من حجّ معتمرا في شوال و من نيّته ان يعتمر

و يرجع الى بلاده فلا بأس بذلك و ان هو أقام إلى الحج فهو يتمتع لأن أشهر الحج شوال و ذو القعدة و ذو الحجة فمن اعتمر فيهن و اقام إلى الحج فهي متعة، و من رجع الى بلاده و لم يقم الى الحج فهي عمرة، و ان اعتمر في شهر رمضان أو قبله و اقام إلى الحج فليس بمتمتع و انما هو مجاور أفرد العمرة، فإن هو أحبّه أن يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز عسفان فيدخل متمتعا بالعمرة (بعمرة) إلى الحج، فان هو أحبّ ان يفرد الحج فليخرج إلى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 72

..........

______________________________

الجعرانة فيلبي منها. «1»

و ظهور ذيلها في وجوب خروج المجاور الذي لم ينتقل فرضه لان المفروض فيها المجاورة من شهر رمضان أو شعبان أو رجب مثلا إلى الجعرانة للإحرام منها واضح نعم لا بد من الالتفات الى ان ذلك بالإضافة إلى حج الإفراد الذي لا فرق بينه و بين حج القران و امّا المجاور المتمتع فلا بد له ان يخرج لإحرام عمرته الى أحد المواقيت كما ان إحرام حجّه من مكة على ما عرفت و امّا الإشكال المهمّ الذي أشرنا إليه فهو ان الروايتين المتقدمتين قد دلتا على ان الجعرانة وقت من مواقيت رسول اللّٰه- ص- و انه أحرم منها الرسول الأعظم مع ان إحرامه منها كان بعد رجوعه عن الطائف بعنوان العمرة المفردة فلا ملاءمة بحسب الظاهر بين كون إحرامه- ص- منها للعمرة المفردة و بين وجوب الإحرام منها للحج في القران أو الافراد بالإضافة إلى المجاور مطلقا أو في الجملة مع ان

الجعرانة أحد مواضع ادنى الحلّ و قد أحرم الرسول- ص- من الحديبية أيضا و هي أيضا من تلك المواضع فأية مناسبة بين تعيّن وجوب الإحرام منها للحج في المورد المذكور و بين كون إحرامه- ص- للعمرة المفردة و عدم تعيّنها لإحرام العمرة و جوازه من سائر المواضع المزبورة.

كما انه يرد على الأصحاب و الفقهاء- رض- ان أكثرهم مع التعرض لجميع المواقيت حتى عدوّها عشرة و ذكروا من جملتها الفخّ للصبيان مع انه محل خلاف لوقوع الاختلاف في ان إحرام الصبيان هل يكون شروعه منه أو يكون التجريد فيه و شروع الإحرام من سائر المواقيت كيف لم يذكروا الجعرانة بعنوان ميقات الحج أصلا مع انه لا شبهة في كونه ميقاتا لحج القران و الافراد تعينا بالإضافة إلى

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب العاشر ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 73

..........

______________________________

المجاور في الجملة و استحبابا بالنسبة إلى المجاور الآخر فلم لم يتعرضوا لها نعم ذكروها بعنوان أحد مواضع ادنى الحلّ في إحرام العمرة المفردة.

بقي الكلام في هذا الميقات فيما أفاده في الذيل من ان الإحرام من المنزل للمذكورين انّما هو من باب الرخصة و الا فيجوز لهم الإحرام من أحد المواقيت بل في محكيّ. كشف اللثام: «و في الكافي و الغنية و الإصباح ان الأفضل لمن منزله أقرب الإحرام من الميقات و وجهه ظاهر لبعد المسافة و طول الزمن» لكنه ربما يقال بأنه ظاهر الإشكال فإن ظاهر الأمر بالإحرام من المنزل الإلزام و التعيين.

و يدفعه- مضافا الى ما عرفت من ظهور الروايات في كون الإحرام من المنزل انّما هو للتسهيل و الترخيص و هو ينافي التعيين- ان الأمر بالإحرام من

المنزل أو دويرة الأهل وارد في مقام الحظر أو توهمه و لا دلالة له- ح- على التعيين بوجه هذا مضافا الى دلالة بعض الروايات على مجرد كون ميقاته أو وقته منزله و هو لا ينافي الرجوع الى ميقات قبل هذا الميقات لان كل واحد من المواقيت ميقات لمن جعل له و لمن يمرّ عليه و عدم جواز تأخير الإحرام إلى ميقات أخر انما هو لاستلزامه التجاوز عن الميقات من غير إحرام و مع عدم الاستلزام كما إذا رجع من كان منزله جنب الجحفة إلى مسجد الشجرة لأن يحرم منه فلا مانع منه أصلا نعم في بعض الروايات الواردة في هذا الباب التعبير بقوله: عليه ان يحرم من منزله و لكنه مخدوش من حيث السّند و كيف كان فالظاهر انه لا مانع من الإحرام من الميقات بل ربما يكون أفضل لما ذكر من بعد المسافة و طول الزمن.

الثالث: من المواقيت ادنى الحلّ و هو ميقات العمرة المفردة و حيث انه قد تقدّم منّا البحث في هذا المجال تفصيلا فلا جدوى في الإعادة و البحث فيه ثانيا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 74

..........

______________________________

(تكملة) لا بدّ لتتميم البحث في المواقيت من التعرض لأمرين:

الأمر الأوّل: صرح الفاضلان في الشرائع و القواعد بل و غيرهما بأنه لا فرق في جواز الإحرام في المحاذاة بين البرّ و البحر و لكن المحكيّ عن ابن إدريس انه قال ان ميقات أهل مصر و من صعد البحر جدّة و ظاهره كونها ميقاتا من المواقيت التي وقّتها الرسول (ص) مع انه لا يظهر ذلك من شي ء من النصوص مع تعددها و تكثرها و لا من الفتاوى.

فاللازم ان يقال- كما في

الجواهر- بانّ مراده هي المحاذاة و انّ جده محاذية لبعض المواقيت فمن يمرّ عليها كاهل مصر و من صعد البحر يحرم منها لأجل المحاذاة و أورد عليها بوجهين:

أحدهما: ان الميقات الذي يحتمل كونها محاذية له هو يلملم أو الجحفة مع ان كليهما ممنوعان: امّا الأوّل فلان يلملم واقعة في جنوب مكة و جدة واقعة في شرق مكة فلا تكون محاذية لها و امّا الثاني فلان مقتضى بعض الخارطات المصورة للحجاز و ان كان هو ان الواصل الى قريب جدة في البحر يكون محاذيا للجحفة لكن وجود البعد الكثير بينهما يمنع عن الاكتفاء بذلك.

ثانيهما: ان ما عليه عمل الإمامية في الأزمنة الماضية التي كان السفر من طريق البحر كثيرا جدّا لكونه أهون من السفر من طريق البرّ هو الإحرام من محاذي الجحفة إذا كان واردا من المغرب لأنّها- كما قيل- قرب رابغ و تبعد عن البحر ستة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 75

..........

______________________________

أميال أو ميلين- على اختلاف- فيكون الراكب في السفن عند توجهه من رابغ الى جدة محاذيا لها، و إذا كان واردا من جهة اليمن كان محاذيا ليلملم عند وصوله الى الموضع الذي بين قمران و جدة.

و مقتضى ذلك استمرار العمل على الإحرام قبل الوصول الى جدة نظرا الى المحاذاة و عليه فلا تصل النوبة الى جدة و لو فرض ثبوت المحاذاة لها.

و لكنه اعترض سيّد المستمسك- قده- على هذا الوجه بان الواصل الى ذلك المكان إذا توجه إلى مكة المكرمة تكون يلملم بينه و بين مكة فيكون مواجها لها لا انّها عن يمينه أو يساره مع كونه معنى المحاذاة و مثله الواصل الى قرب رابغ في البحر فإن

الجحفة لا تكون عن يساره إذا توجه إلى مكة قال: نعم الواصل الى الموضع الأول في البحر تكون يلملم عن يمينه بلحاظ طريق السفر، و كذا الواصل الى قرب رابغ تكون الجحفة عن يساره بلحاظ طريق السفر لكن لا اعتبار بذلك.

و الجواب عن هذا الاعتراض ان الملاك في باب المحاذاة هو مجرد كون المحاذي واقعا عن يمين الميقات أو يساره في طريق السفر الذي ينتهي إلى مكة و يكون المراد منه الوصول إليها و هذا لا يفرق فيه بين تحقق المواجهة المذكورة و عدمه و بعبارة أخرى الملاك من ناحية هو الميقات و كون المحاذاة من جهة اليمين أو اليسار و من ناحية أخرى هو طريق السفر الذي يريد طيّه و المفروض تحقق المحاذاة من هذه الناحية فالظاهر صحة ما استمر العمل عليه من الإحرام في البحر قبل الوصول الى جدة من المحاذاة و قد ظهر من جميع ما ذكرنا انه لم يثبت كون جدّة ميقاتا و لا محاذيا لميقات.

الأمر الثاني: فيمن لم يمرّ على ميقات و لا على محاذيه و البحث فيه تارة من حيث الموضوع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 76

..........

______________________________

و اخرى من حيث الحكم.

امّا من الجهة الأولى فقد ذكر صاحب الجواهر ان هذا الفرض ساقط لانه لا يخلو طريق من محاذات ميقات من المواقيت إذا لم يمرّ على نفس الميقات لأنّها محيطة بالحرم، و مراده ان المواقيت كأنها واقعة في دائرة محيطة بالحرم و كل جزء من أجزائها امّا ان يكون ميقاتا أو محاذيا له و لا يتصور جزء فاقد للوصفين فهذا الفرض ساقط من البين.

أقول: بعد وضوح ان المراد بالمحاذاة ما يصحّ الإحرام منها لا

مطلق المحاذاة و ان لم تكن كافية في صحة الإحرام انه يمكن تصوير الفرض بالإضافة إلى الطرق الثلاثة: الهوائى و البحري و البرّي.

امّا من طريق الهواء المتداول في هذه الأزمنة بالنسبة إلى كثير من الممالك الإسلامية سيّما مملكة إيران الإسلامية الواقعيّة فواضح انه يمكن بل يقع غالبا ان الطيارة لا تمرّ على ما يحاذي الميقات لان مرورها من فوق الميقات قلّ ما يتفق و ان قلنا بكفاية الإحرام من المحاذي من الفوق، و مرورها من فوق المحاذي لا يجدي لأن الاعتبار بمحاذى الميقات لا بما يحاذي المحاذي و عليه فالراكب على الطيارة لا يمرّ على ميقات و لا على محاذيه نوعا.

و العجب من الفقهاء المعاصرين انهم كيف لم يتوجّهوا إلى إمكان الفرض من هذا الطريق و وقوعه نوعا و تسلموا ما افاده الجواهر من سقوطه مع وجود هذا الطريق في زمانهم دون زمانه.

و امّا من طريق البحر فمن الواضح ان جميع طرق البحر المنتهية الى جدّة ليست بنحو تبلغ إلى محاذي الميقات و لا يكون الطريق منحصرا بما يسلك من اليمن حتى يكون في طريقه محاذاة يلملم أو بما يأتي من قبل المغرب حتى يكون في طريقه محاذاة الجحفة فإذا سلك طريقا من غير هذين الطريقين فلا محالة لا يكون فيه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 77

..........

______________________________

محاذاة لشي ء من المواقيت أصلا.

و امّا من طريق البرّ فسقوط الفرض مبنى على سعة دائرة المحاذاة من جهة الشمول لجميع المواقيت و عدم الاختصاص بحذاء الشجرة و من جهة الشمول للمحاذي البعيد و عدم الاختصاص بخصوص القريب و نحن و ان اخترنا السعة من الجهة الأولى لكن لم نقل بها من الجهة الثانية

بل قلنا بالاختصاص بالقريب و عليه فلا يسقط الفرض إذا كان المحاذي بعيدا و لذا أورد على السيد- قده- في العروة حيث جمع بين ما اخترناه في الجهة الثانية و بين سقوط الفرض تبعا لصاحب الجواهر- قده.

و قد تحصل مما ذكرنا في هذا المقام إمكان الفرض و وقوعه خصوصا بالإضافة إلى طريق الهواء نوعا فاللازم البحث في حكمه.

و امّا من الجهة الثانية و هي الحكم فاللازم أوّلا ملاحظة أن المواقيت التي وقّتها رسول اللّٰه- ص- و قام دليل كفاية المحاذاة على سعتها و شمولها للمحاذي و عدم الاختصاص بخصوصها هل يكون مرجع توقيته- ص- إيّاها إلى لزوم المرور عليها بالإضافة إلى قاصد الحج فهي كسائر المشاعر و المواقف كعرفات و مشعر يجب على المكلف ان يأتيها من اىّ مكان كان فاللازم على المكلف المرور على الميقات أو المحاذي للإحرام و مرجع التوقيت الى هذا أو انّ معنى التوقيت يرجع الى قضية تعليقية و هي انه لو مرّ المكلف القاصد للحج عليه لا يجوز ان يتجاوز عنه من غير إحرام و لكن المرور عليه ليس بواجب فعلى الأوّل يكون الواجب على من نزل من الطائرة في جدة ان يأتي ميقاتا من المواقيت أو ما بحكمه فيحرم منه كما انه على الثاني لا يجب عليه ذلك لعدم مروره على الميقات على ما هو المفروض.

و قد ورد في روايات المواقيت تعبيران ربما استفيد منهما الاحتمال الأول:

أحدهما: ما ورد في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- من قوله- ع-

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 78

..........

______________________________

بعد بيان المواقيت التي وقّتها رسول اللّٰه- ص-: و لا ينبغي لأحد ان يرغب عن مواقيت رسول اللّٰه-

ص. «1»

ثانيهما: ما ورد في صحيحة على بن جعفر عن أخيه- ع- من قوله- ع- بعد بيان تلك المواقيت: فليس لأحد ان يعدو من هذه المواقيت الى غيرها. «2»

أقول: الاستفادة المذكورة من التعبيرين غير واضحة أمّا التعبير الثاني فربّما يكون ظاهره التعدي من هذه المواقيت الى الغير و جعل الغير ميقاتا في مقابل المواقيت التي وقتها الرّسول- ص- و لا دلالة له على لزوم الرجوع الى الميقات بعد عدم مروره عليه أصلا و امّا التعبير الأوّل فهو و ان لم يكن بهذه المرتبة من الظهور الّا انه أيضا لا دلالة له على لزوم الرجوع المذكور لأن الرغبة و الاعراض عن مواقيت الرّسول مرجعها الى جعل ميقات مقابلا لتلك المواقيت و امّا المرور من طريق لا يكون فيه ميقات و لا محاذاة فلا دلالة له على عدم الجواز إلّا إذا رجع الى الميقات و أحرم منه.

و بالجملة فلا ظهور للتعبيرين فيما استفيد منهما و يؤيد عدم الظهور أمران:

أحدهما: ان لزوم العود و الرجوع الى الميقات لم يذكر في كلام المتعرضين لفرض من لم يمرّ على ميقات أصلا بصورة الاحتمال أيضا فضلا عن القول الذي به قائل بل ترى ان مثل صاحب الجواهر يقول ان فيه احتمالين بل قولين:

الإحرام من ادني الحلّ و الإحرام من مقدار أقرب المواقيت الذي هو مرحلتان كما اختاره جماعة منهم الشهيد الثاني في المسالك في تفسير عبارة الشرائع المتقدمة في مسألة المحاذاة و لم يحتمل لزوم العود الى الميقات و الرجوع اليه مع كون هذين التعبيرين الواقعين في روايات المواقيت بمرئي و منظر منهم و ليس ذلك إلّا لأجل

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 3 و 9.

(2) وسائل أبواب المواقيت

الباب الأوّل ح- 3 و 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 79

..........

______________________________

انهم لم يفهموا منهما كون المواقيت كسائر المواقف التي يجب الإتيان إليها بل اللازم فيها الإحرام منها أو من محاذيها مع المرور و العبور.

ثانيهما: انه ان كان المراد من التعبيرين عدم جواز الإحرام من غير المواقيت الخمسة التي وقّتها رسول اللّٰه- ص- كما يؤيده التعبير في الصحيحة الأولى بمواقيت رسول اللّٰه- ص- مع التصريح في صدرها بأنها خمسة و في الصحيحة الثانية باسم الإشارة فمن الواضح جواز الإحرام من غيرها كادني الحل بالإضافة إلى العمرة المفردة خصوصا بناء على ما قدمناه من الجواز بالإضافة الى من لم يمرّ على ميقات أصلا و كمكة بالإضافة إلى إحرام حج التمتع أو حج القران أو الافراد بالنسبة إلى أهل مكة و قسم من المجاورين كما انه يتعين الخروج إلى الجعرانة بالإضافة إلى المجاور الذي لم يتبدل فرضه.

و ان كان المراد منهما عدم جواز الإحرام من غير مطلق المواقيت التي وقّتها الرّسول- ص- فمن الواضح ان ادنى الحلّ من جملة تلك المواقيت و قد مرّ في بعض الروايات انّ الصادق- عليه السلام- أجاب عن اعتراض سفيان عليه بأنه لم يأمر أصحابه بالخروج إلى الجعرانة بأنّها وقت من مواقيت رسول اللّٰه- ص- و عليه فلا دلالة للتعبيرين على لزوم العود الى خصوص واحد من المواقيت الخمسة كما هو ظاهر.

و كيف كان فلا دلالة للتعبيرين في الروايتين على لزوم الرجوع الى الميقات على من لم يمرّ عليه أصلا و بعد ذلك فاللازم ملاحظة القولين في المسألة فنقول:

امّا القول بلزوم الإحرام من مقدار أقرب المواقيت فقد استدل له بان المحرمين من المواقيت الخمسة يشتركون في إحرام

هذا المقدار سواء أحرم من أبعد المواقيت و هو مسجد الشجرة أو من أقربها أو من أوسطها و عليه فاللازم الاتصاف بهذا العنوان و لا يتحقق إلّا بالإحرام من المقدار المذكور.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 80

..........

______________________________

و يرد عليه ان اشتراك المحرمين من تلك المواقيت في الإحرام في ذلك المقدار لا يستلزم وجوب الإحرام منه بالإضافة الى غير المحرمين من تلك المواقيت كما هو ظاهر.

و امّا القول بلزوم الإحرام من ادنى الحلّ الذي استظهره السيّد- قده- في العروة فقد استدلّ له بالروايات الدالة على عدم جواز دخول الحرم بلا إحرام أو عدم جواز دخول مكة كذلك و المراد منهما واحد لعدم ثبوت حكمين بعد كون الحرم محيطا بمكة و هي واقعة فيه بضميمة أصالة البراءة عن وجوب الرجوع الى المواقيت الخمسة أو الإحرام من مقدار أقرب المواقيت.

و يرد عليه ان اجراء أصالة البراءة في بعض أطراف العلم الإجمالي بثبوت التكليف ممنوع لمعارضته بأصالة البراءة في غيره مع ان اجراء أصالة البراءة عن وجوب الإحرام من الميقات أو من مقدار أقرب المواقيت لا يثبت لزوم الإحرام من ادنى الحلّ بوجه.

هذا مع ان المقام من موارد دوران الأمر بين التعيين و التخيير لأن الإحرام من الميقات يجزى قطعا و الإحرام من غيره مشكوك الاكتفاء و قد حققنا في الأصول ان جريان أصالة البراءة فيه و ان كان محتملا الّا ان الظاهر جريان أصالة الاحتياط المقتضية للأخذ بالمعيّن فإذا شككنا يوم الجمعة ان الواجب بعد الزوال هل هو خصوص صلاة الجمعة أو هي مع صلاة الظهر بنحو التخيير فالواجب هو الأخذ بالمعين و الإتيان بصلاة الجمعة نعم هذا بناء على ما اخترناه في

الواجب التخييري من انه سنخ من الوجوب غير سنخ الواجب التعييني و امّا بناء على سائر المباني فيه فيختلف الحكم و التحقيق في محلّه.

ثم ان مسألة الدوران بين التعيين و التخيير غير مسألة دوران الأمر بين الأقل و الأكثر الذي اختار المشهور فيه جريان البراءة و غير مسألة الدوران بين العام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 81

..........

______________________________

و الخاصّ الذي اختار المحقق الخراساني- قده- فيه الاحتياط و الدوران بين الجنس و النوع و الدوران بين المطلق و المشروط و الدوران بين الطبيعي و الفرد بل هي مسألة مخصوصة لم يقع التعرض لها في كلام المحقق الخراساني- قده- في الكفاية بوجه و ان كان أشار إليها في بعض الموارد و قد ظهر من جميع ما ذكرنا ان الحكم فيمن لم يمرّ على ميقات أصلا كالراكب على الطائر النازل في جدّة انه يجب عليه الرجوع الى الميقات مثل الجحفة و نحوها امّا لأجل دلالة الرواية عليه و امّا لأجل كونه مقتضى الاحتياط اللازم هذا تمام الكلام في بحث المواقيت.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 83

[القول في أحكام المواقيت]

اشارة

القول في أحكام المواقيت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 85

القول في أحكام المواقيت

[مسألة 1- لا يجوز الإحرام قبل المواقيت و لا ينعقد]

اشارة

مسألة 1- لا يجوز الإحرام قبل المواقيت و لا ينعقد و لا يكفى المرور عليها محرما بل لا بد من إنشائه في الميقات و يستثنى من ذلك موضعان:

[أحدهما: إذا نذر الإحرام قبل الميقات]

أحدهما: إذا نذر الإحرام قبل الميقات فإنه يجوز و يصحّ و يجب العمل به، و لا يجب تجديد الإحرام في الميقات و لا المرور عليها، و الأحوط اعتبار تعيين المكان فلا يصحّ نذر الإحرام قبل الميقات بلا تعيين على الأحوط، و لا يبعد الصحّة على نحو الترديد بين المكانين بان يقول: للّٰه عليّ ان أحرم امّا من الكوفة أو البصرة و ان كان الأحوط خلافه، و لا فرق بين كون الإحرام للحج الواجب أو المندوب أو للعمرة المفردة، نعم لو كان للحج أو عمرة التمتع يشترط ان يكون في أشهر الحجّ (1).

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات:

المقام الأوّل: في انه لا يجوز الإحرام قبل المواقيت و الظاهر ان المراد به هي الحرمة التشريعية دون الحرمة الذاتية و ذلك لانه مضافا الى انه لو كان المراد به الثانية لكان اللازم التعرض لها في مثل الشرائع لاحتياجها الى البيان بخلاف الحرمة التشريعية التي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 86

..........

______________________________

لا تحتاج الى البيان نوعا كما هو ظاهر، لا دليل على ثبوت الحرمة الذاتية لأن، ما يستفاد منه ذلك بين ما يكون مفاده عدم الانعقاد و عدم ثبوت الإحرام له و بين ما يكون النهي فيه ظاهرا في الإرشاد إلى البطلان مثل النهي عن الصلاة في وبر ما لا يؤكل لحمه الظاهر في الإرشاد إلى الشرطية أو المانعية فلا يكون ما يدل على الحرمة الذاتية بمتحقق أصلا.

المقام الثاني: في عدم انعقاد الإحرام قبل

الميقات و يدل عليه مع انه نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر النصوص المتعددة: منها قوله- ع- في صحيحة الحلبي الواردة في المواقيت: الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول اللّٰه- ص- لا ينبغي لحاج و لا معتمر ان يحرم قبلها و لا بعدها. «1» و المراد من قوله: لا ينبغي و ان كان هو عدم الجواز دون الكراهة الّا ان عدم الجواز إرشاد إلى البطلان و عدم الانعقاد كالمثال الذي عرفت.

و منها: قوله- ع- في صحيحة ابن أذينة في حديث: و من أحرم دون الوقت فلا إحرام له. «2» بناء على ان يكون المراد من كلمة «دون» هو القبل و القدام أو يكون المراد منه هو الغير الشامل لقبل الميقات أو يكون المراد به هو بعد الميقات كما يدل عليه التعبير به في بعض الروايات الواردة في دويرة الأهل بضميمة عدم الفصل في هذا الحكم بين البعد و القبل فتدبّر.

و منها: معتبرة ميسر قال دخلت على أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- و انا متغير اللّون

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الأوّل ح- 3.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب التاسع ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 87

..........

______________________________

فقال لي: من أين أحرمت؟ قلت من موضع كذا و كذا فقال: ربّ طالب خير تزلّ قدمه ثم قال: يسرّك ان صليت الظهر أربعا في السفر قلت: لا قال فهو و اللّٰه ذاك. «1» و الرواية تدل أيضا على ان الحرمة تشريعية لا ذاتية و الظاهر ان النظر في الروايات الى ردّ العامة القائلين بجواز الإحرام قبل الميقات و لعلّ منشأ حكمهم بالجواز هو اعتقاد كونه أعظم أجرا و أكثر ثوابا باعتبار طول زمان الإحرام

و مكانه و قد استدل الامام- ع- على بطلانه بما في هذه الرواية.

المقام الثالث: في انه يجب إنشاء الإحرام في الميقات و لا يكفى المرور عليها محرما و يدل عليه مضافا الى ما عرفت من انه لا ينعقد الإحرام قبل الميقات فلا يتحقق المرور عليه كذلك مثل قوله- ع- في صحيحة الحلبي المتقدمة: الإحرام من مواقيت .. فان التعبير بكلمة «من» ظاهر في لزوم شروع الإحرام من الميقات و عدم كفاية المرور عليه كذلك.

المقام الرّابع: فيما إذا نذر الإحرام قبل الميقات و البحث فيه من جهات:

الجهة الاولى: في أصل صحة نذر الإحرام كذلك و قد نسب الى أكثر المتأخرين بل إلى الأكثر بل الى المشهور و قد خالف فيه الحلّي و العلامة في المختلف، و عن المحقق في المعتبر الميل اليه و قوّاه كاشف اللثام و حكى الحلّي الخلاف عن السيد و الشيخ في بعض كتبه و ابن أبي عقيل و الصدوق و لكن المحكي عن العلامة أنه

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الحادي عشر ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 88

..........

______________________________

خطّأه في ذلك و كيف كان فالدليل على الصحة لا يتجاوز عن ثلث روايات:

الرواية الأولى: موثقة أبي بصير التي رواها الشيخ بطريقين عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سمعته يقول: لو ان عبدا أنعم اللّٰه عليه نعمة أو ابتلاه ببليّة فعافاه من تلك البلية فجعل على نفسه ان يحرم بخراسان كان عليه ان يتم. «1»

الرواية الثانية: رواية على بن أبي حمزة قال كتبت الى أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- اسئله عن رجل جعل للّٰه عليه ان يحرم من الكوفة.

قال: يحرم من الكوفة. «2» و لكنها ضعيفة بعلي

بن أبي حمزة البطائني الكذاب.

الرواية الثالثة: ما رواه الشيخ- قده- بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حمّاد عن الحلبي «علىّ» قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل جعل للّٰه عليه شكرا ان يحرم من الكوفة قال: فليحرم من الكوفة و ليف للّٰه بما قال. «3» هكذا في الوسائل و المعروف في التعبير عن الرواية انّما هي الصحيحة المضافة إلى الحلبي و لكن المحكيّ عن صاحب منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح و الحسان المناقشة في صحة الخبر:

تارة يكون الراوي مجهولا لكونه مرددا بين الحلبي الذي هو ثقة و بين عليّ الذي يكون المراد به هو على بن أبي حمزة البطائني الكذاب و المذكور في نسخ التهذيب القديمة هو الثاني و تصحيف علي ب «الحلبي» قريب لقربهما و شباهتهما في الكتابة و عليه فلا يكون الراوي مشخصا.

و اخرى بأن المراد من حمّاد ان كان هو حمّاد بن عثمان فالحسين بن سعيد لا يمكن له ان يروى عنه بغير واسطة جزما و ان كان هو حماد بن عيسى تكون

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الثالث عشر ح- 3.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الثالث عشر ح- 2.

(3) وسائل أبواب المواقيت الباب الثالث عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 89

..........

______________________________

روايته عن الحلبي الذي يكون إطلاقه منصرفا الى عبيد اللّٰه بعيدة غير معهودة في الاخبار ثم قال في آخر كلامه المحكي: «و بالجملة فالاحتمالات قائمة على وجه ينافي الحكم بالصحة و أعلاها كون الرّاوي على بن أبي حمزة فيتضح ضعف الخبر».

و أجيب عن المناقشة بأن الظاهر ان ذكر «عليّ» في السند اشتباه و المصرح به في النسخة الجديدة من التهذيب و الاستبصار

«الحلبي» فقط فالاشتباه انما وقع من النّساخ.

و بان الظاهر ان المراد من حمّاد هو حمّاد بن عثمان الذي يروي عن الحلبي كثيرا و ما ذكره المنتقى من ان الحسين بن سعيد لا يروي عنه فهو غير تام فإنه قد روى عنه في بعض الموارد و ان كان قليلا.

و يمكن ان يكون المراد به هو حمّاد بن عيسى و عليه فالمراد من الحلبي هو عمران الحلبي لا عبيد اللّٰه و دعوى كون المراد من إطلاقه هو الثاني ممنوعة إذ قد يطلق و يراد به عمران.

مع انه لو سلم ان الراوي هو علىّ فلم يقم دليل على ان المراد به هو على بن أبي حمزة فيمكن ان يكون المراد به بل الظاهر انّه هو على بن يقطين أو علىّ بن المغيرة ثم قال المجيب: لا ينبغي الريب في صحة السند.

أقول: و يؤيد ما ذكره المجيب ما افاده سيدنا الأستاذ العلامة البروجردي- قده- في كتاب تنقيح أسانيد التهذيب من ان الحسين بن سعيد قد روي عن حماد بن عثمان في كتاب التهذيب ثلاث روايات و ان كانت روايته عن حماد بن عيسى كثيرة جدّا تزيد عن مائتين.

مع ان حمّاد بن كليهما واقعان في الطبقة الخامسة و الحسين من الطبقة السابعة فان لم يمكن له النقل عن ابن عثمان لم يمكن له النقل عن ابن عيسى أيضا و قد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 90

..........

______________________________

حقق في محلّه إمكان النقل و ان كان الطبقة السادسة واسطة بين الطبقتين.

هذا و لكن التحقيق ان المراد من حمّاد هو حماد بن عيسى و الراوي هو علي بن أبي حمزة البطائني و ذلك لانه مضافا الى وحدة متنها

مع متن رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة و ان كان بينهما اختلاف يسير ذكر صاحب الوسائل بعد نقل رواية على بن أبي حمزة بإسناد الشيخ عن احمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل عن صفوان عنه قال: «و بإسناده- يعني الشيخ- عن الحسين بن سعيد عن حمّاد بن عيسى عن على بن أبي حمزة مثله» و ظاهره كون الرواية بعينها قد رواها علىّ المذكور و قد روى عنه حماد بن عيسى و قد روي عنه الحسين بن سعيد فيدل ذلك على ان الشيخ رواها في التهذيب بالسند المذكور في موضعين غاية الأمر انه اقتصر في أحد النقلين على إجمال السند و التعبير ب حمّاد فقط و علىّ كذلك و فصل في النقل الأخر بالتصريح بابن عيسى و بابن أبي حمزة و عليه فكما يظهر المراد من السند و يرتفع الإجمال و لا يبقى للمناقشة و الجواب عنها مجال أصلا يظهر عدم كونها رواية أخرى غير رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة بل الظاهر اتحادها معها و عدم التعدّد بوجه و المفروض ضعف سندها و ما في ذيل الوسائل المطبوعة الجديدة من ان الشيخ- قده- روى هذه الرواية عن على بن أبي حمزة و هو عن أبي الحسن- عليه السلام- و عليه فلا تتحد مع رواية الحلبي بوجه لأنها مروية عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- فلا مجال للاتحاد يبعّده مضافا الى انه لو كان كذلك لكان اللازم على صاحب الوسائل الإشارة إليه بل جعلها بصورة رواية مستقلة لوضوح تعدد الرواية باعتبار تعدد الإمام المرويّ عنه و المسئول عنه مع ان ظاهرها مجرد الاختلاف في السند ليس الّا انّ علي بن أبي حمزة

مع سؤاله عن الصادق- عليه السلام- هذه المسألة و ضبطها و نقلها على من يروي عنه من الرّواة و هو صفوان في الرواية لا يبقى وجه لسؤاله نفس هذه المسألة من الامام المتأخر و نقلها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 91

..........

______________________________

على حمّاد بن عيسى كما لا يخفى إذ لا موجب لتكرار السؤال فكما انه لا وجه للتكرار عن امام واحد لا وجه له بالإضافة إلى الإمامين أو أزيد و عليه فالظاهر كما في الوسائل من كون الرواية مروية عن الصادق- عليه السلام.

ثم انه لو كانت الشهرة الفتوائية المحققة بين القدماء من الفقهاء موجودة لكانت جابرة للضعف على ما هو مقتضى التحقيق و لكن الظاهر عدم ثبوتها و ان الشهرة بين المتأخرين و لكن حيث ان رواية أبي بصير موثقة و ان كان الراوي عنه سماعة و هو واقفي و المختار حجّية خبر الثقة و ان لم يكن إماميّا عدلا، فاللازم الحكم على طبقها و الفتوى على وفقها.

الجهة الثانية: في انه لا شبهة في ان نهوض الرواية المعتبرة على حكم يقتضي لزوم الأخذ به و ان كان على خلاف القاعدة نعم لو كانت على خلاف حكم العقل لكان اللازم التصرف فيها و حملها على ما لا يخالف حكم العقل بوجه كما انه يوجب التصرف في ظاهر الكتاب و عليه فينبغي البحث في المقام في هذه الجهة و ان الدليل الدال على صحة نذر الإحرام قبل الميقات موقعه ما ذا؟ فنقول:

انّ هنا ثلاثة أنواع من الدليل.

النوع الأوّل: الدليل الدالّ بإطلاقه على عدم صحة الإحرام قبل الميقات في حال النذر أيضا مثل ما في صحيحة الحلبي المتقدمة: لا ينبغي لحاج و لا

معتمر ان يحرم قبلها و لا بعدها فان مقتضى إطلاقه عدم الصحة في حال النذر بحيث لو لم يكن ما يدل على صحته فيه لقلنا بعدم الصحة نظرا إلى الإطلاق.

النوع الثاني: ما يدل على اعتبار الرجحان في متعلق النذر و انه مع عدمه لا يكاد ينعقد و لا يجب الوفاء به.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 3، ص: 91

النوع الثالث: ما دلّ على صحة نذر الإحرام قبل الميقات مثل موثقة أبي بصير المتقدمة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 92

..........

______________________________

و الجمع بينها يمكن بوجهين:

أحدهما: جعل الدليل الثالث مقيّدا لإطلاق الدليل الأوّل و الحكم بأنه في مورد النذر لا يقتضي الدليل الأوّل البطلان و لازمة ان يقال بثبوت الرجحان في الإحرام قبل الميقات غاية الأمر ابتلائه بوجود مانع يرتفع بالنذر.

ثانيهما: حفظ الإطلاق في الدليل الأول و الحكم بعدم ثبوت الرجحان في الإحرام قبل الميقات بوجه و- ح- ان قلنا بان المراد من الدليل الثاني هو اعتبار الرجحان في نفس المتعلق مع قطع النظر عن تعلق النذر بحيث كان المعتبر هو ثبوت الرجحان في المتعلق في نفسه و في جميع الحالات كصلاة الليل- مثلا- فاللازم ان يقال بان الدليل الثالث يكون بمنزلة المخصّص بالإضافة إلى الدليل الثاني و يكون مقتضى الجمع عدم اعتبار الرجحان في الإحرام قبل الميقات إذا تعلق النذر به.

و ان قلنا بان المراد منه هو اعتبار الرجحان و لو كان جائيا من قبل النذر و ناشيا من تعلّقه فربما يقال- كما قال به صاحب

المستمسك- قده- بالاستحالة نظرا الى ان صحة النذر مشروطة بمشروعية المنذور فلو كانت مشروعيته مشروطة بالنذر لزم الدور.

و الجواب عنه ان المشروط بمشروعية المنذور و رجحان المتعلق انّما هي صحة النذر لا مطلق الصحة بل الصحة المطلقة و من جميع الجهات بمعنى انّ النذر الصحيح من سائر الجهات إذا أريد وقوعه صحيحا من جميع الجهات فاللازم اشتماله على رجحان المتعلق كاشتراط صحة الصلاة بالطهارة- مثلا- و امّا ما يتوقف عليه الرجحان فليس هي الصحة المطلقة بل الصحة مع قطع النظر عن رجحان المتعلق بمعنى انّ النذر إذا كان صحيحا من سائر الجهات ينشأ منه رجحان المتعلق و يترتب عليه الرجحان فالاختلاف متحقق و الدور غير واقع.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 93

..........

______________________________

فانقدح انه لا يلزم من الالتزام بصحة النذر المذكور محذور أصلا.

الجهة الثالثة: في ان مفاد دليل الصّحة هو كون المحلّ الذي تعلق النذر بالإحرام منه بمنزلة الميقات و ان الإحرام منه يكون كالإحرام من الميقات يترتب عليه آثاره فشروع الحج أو العمرة انما يتحقق بنفس ذلك الإحرام و عليه فلا يجب بعد تحقق الإحرام منه، المرور على الميقات أو محاذيه كما انه لا يجب تجديد الإحرام إذا مرّ على أحدهما و ان كان الأحوط المرور عليه و تجديد الإحرام منه خروجا من خلاف من عرفت.

الجهة الرّابعة: في انه لا شبهة في انّ القدر المتيقن من مورد المشروعية و الجواز، ما إذا كان المنذور الإحرام من مكان معين كالكوفة و خراسان على ما ورد في الروايات فإنه و ان لم يكن للعنوانين خصوصية على ما هو المتفاهم عند العرف بل يكون الحكم شاملا لجميع الأمكنة المعيّنة الّا ان خصوصية المكان

المعين لا دليل على إلغائها بعد كون الحكم على خلاف القاعدة للزوم الاقتصار في التقييد أو التخصيص على القدر المتيقن فيما إذا تردد بين الأقل و الأكثر فالقدر المتيقن هو المكان المعين و عليه فلو نذر الإحرام قبل الميقات من دون تعيين مكان خاص فالظاهر انه لا دليل على مشروعيته و صحته.

و امّا لو نذر الإحرام من الكوفة أو البصرة بنحو الترديد الذي مرجعه الى التخيير بينهما فقد نفى البعد في المتن عن الصحة و ان احتاط بالخلاف و لكن الظاهر انه لا فرق بينه و بين نذر الإحرام قبل الميقات بنحو الإجمال و الإبهام لعدم شمول دليل المشروعية له أيضا و لم يعلم وجه الفرق بين الصّورتين بعد خروج كلتيهما عن مورد الدليل.

الجهة الخامسة: في ان مقتضى إطلاق السؤال و ترك الاستفصال في الجواب انه لا فرق بين كون الإحرام الذي تعلق النذر بإنشائه من مكان قبل الميقات إحرام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 94

..........

______________________________

حج أو عمرة تمتعا كانت أو مفردة كما انه لا فرق بين ان يكون واجبا أو مستحبّا نعم مقتضى الدليل هي المشروعية بالإضافة إلى المكان و التقديم على الميقات و لا دلالة له على المشروعية بالإضافة إلى التقديم الزماني و عليه فإذا كان الإحرام للحج أو للعمرة المتمتع بها فاللازم ان يكون في أشهر الحج لما عرفت من اعتبارها فيهما نعم لا فرق بين ان يكون زمان النذر قبل أشهر الحج أو فيها فإذا نذر في رمضان ان يحرم من بلده لعمرة التمتع- مثلا- في شوال لا مانع من ذلك أصلا كما انه لو كانت العمرة مفردة لا فرق بين وقوع إحرامها في أشهر

الحج أو في غيرها على ما عرفت.

الجهة السادسة: فيما لم يتعرض له في المتن و هو انه هل يلحق العهد و اليمين بالنذر أولا؟ فيه وجوه ثالثها إلحاق العهد دون اليمين و قد حكى عن المسالك انه استظهر الإلحاق و يظهر من الجواهر الميل الى العدم و هو ظاهر كل من اقتصر على النذر و جعله السيد- قده- في العروة مقتضى الاحتياط و الظاهر ان مراده منه هو الجمع بين الإحرام من المحلّ المعين و تجديد الإحرام من الميقات لا الاقتصار على خصوص الثاني حتى يرد عليه انه خلاف الاحتياط من جهة مخالفة النذر لان المقام من قبيل الدوران بين المحذورين.

و كيف كان فالظاهر ان التعبير في روايتي الحلبي و علي بن أبي حمزة ظاهر في خصوص النذر لأنّ مفاد صيغته هو جعل شي ء للّٰه على النفس المذكور في الروايتين.

و امّا الموثقة فحيث انها تشتمل على مجرّد جعل الشي ء على النفس من دون كونه مضافا الى اللّٰه حتى ينطبق على خصوص النذر فالظاهر عدم اختصاصها بالنذر و شمولها للعهد و امّا اليمين فربما يقال كما نفى البعد عنه في العروة بالشمول لها أيضا نظرا الى ان الحالف أيضا يجعل على نفسه و يجعل نفسه ملزمة بشي ء غاية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 95

[مسألة 2- لو نذر و خالف نذره عمدا أو نسيانا و لم يحرم من ذلك المكان]

مسألة 2- لو نذر و خالف نذره عمدا أو نسيانا و لم يحرم من ذلك المكان لم يبطل إحرامه إذا أحرم من الميقات و عليه الكفارة إذا خالفه عمدا (1).

______________________________

الأمر بكيفية خاصة مضافة اليه تعالى بإضافة مخصوصة.

و لكن حيث انّ المعيار هو فهم العرف و الظاهر عدم وضوح فهم الإطلاق بنحو يشمل اليمين أيضا يكون إلحاقها

بالنذر مشكلا و ان كان إلحاق العهد به قويّا فالوجه الثالث من الوجوه المذكورة في كلام السيّد- قده- غير بعيد.

(1) قال في المستمسك: «امّا في النسيان- يعني صحة الإحرام من الميقات- فظاهر لوقوع الإحرام على الوجه المشروع فيصحّ و امّا في العمد فمشكل لأنّ النذر يقتضي ملك اللّٰه سبحانه للمنذور على وجه يمنع من قدرة المكلف على تفويته، و الإحرام من الميقات عمدا لما كان تفويتا للواجب المملوك كان حراما فيبطل إذا كان عبادة».

و أورد عليه بعض الاعلام- قده- بان النذر انما يوجب خصوصية زائدة في المأمور به كما إذا نذر ان يصلى جماعة- مثلا- فإنه و ان كان يجب عليه الإتيان بتلك الخصوصية لأجل النذر الّا ان هذا الوجوب انما نشأ من فعل المكلّف و نذره فهو تكليف آخر غير الوجوب الثابت لذات الفعل و المأمور به انّما هو الطبيعي الجامع بين الافراد و النذر لا يوجب تقييدا و لا تغييرا في المأمور به الأول بحيث لو اتى بغير المنذور كان آتيا بغير المأمور به فهو واجب في واجب.

أقول: في كلا المطلبين نظر و إشكال:

امّا الأوّل: فقد عرفت في مبحث نذر الحج ان مفاد صيغة النذر ليس بأزيد من الالتزام بالإتيان بالمنذور للّٰه تبارك و تعالى بمعنى انه يوجب على نفسه من ناحية اللّٰه العمل بمتعلق النذر و هذا الإيجاب بضميمة قيام الدليل الشرعي على وجوب الوفاء بالنذر يقتضي لزوم العمل به و لو لم يكن هناك دليل شرعي على الوجوب المذكور لم يترتب على هذا الإيجاب أثر أصلا و مجموع الصيغة و الدليل الشرعي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 96

..........

______________________________

يقوم مقام مثل قوله تعالى لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ

حِجُّ الْبَيْتِ فدعوى كون النذر مقتضيا لثبوت الملكية للّٰه تعالى بالنحو المذكور مدفوعة جدّا و قد مرّ التفصيل في ذلك المبحث.

و امّا الثاني: فيرد عليه- مضافا الى انّ النذر قد يتعلق بنفس إتيان الواجب أو إتيان المستحب كصلاة الليل و لا مجال في مثله لدعوى كون النذر موجبا لخصوصية زائدة في المأمور به أصلا- انه لا شبهة في كون النذر متعلقا في المقام بغير ما هو المأمور به لأن المأمور به انّما هو الإحرام من الميقات و النذر تعلق بالإحرام من الكوفة- مثلا- كما في بعض الرّوايات فهو متعلّق بغير ما هو المأمور به.

و لأجل ذلك لا بد في المقام من ملاحظة الدليل الدال على صحة نذر الإحرام من الكوفة- مثلا- و ان مفاد الدليل المذكور هل هو مجرد المشروعية و بيان انّ النذر يجعل ما هو غير مشروع مشروعا و يوجب اتصاف الإحرام قبل الميقات بالصحة من دون ان يترتب عليه الوجوب و لزوم الوفاء به و عليه فاللازم ان يكون الناذر مخيّرا بين ان يحرم من الميقات أو من الكوفة مع انه خلاف النص و الفتوى الظاهرين في اقتضاء النذر لوجوب الوفاء مضافا الى الصحة و المشروعية، أو ان مفاد الدليل المذكور تعين الإحرام من الكوفة في صورة النذر كتعين الإحرام من الميقات في غير هذه الصورة و عليه فاللازم بطلان الإحرام من الميقات لان مرجع الدليل الى ان ميقات الناذر هو المحلّ الذي تعلق النذر بالإحرام منه فلا مساغ للإحرام من غير ذلك المحلّ فإذا خالف و لم يحرم منه عمدا يجب عليه العود مع الإمكان و لا يجزى الإحرام من الميقات بالإضافة اليه.

و لا يبعد ان يقال بان ظاهر قوله- ع-

فليحرم من الكوفة هو الثاني و ليس هذا التعبير دالّا على مجرد وجوب الوفاء بالنذر و الّا كان اللازم الاقتصار عليه لما عرفت مرارا من ان تعلق النذر بشي ء لا يقتضي تعلق الوجوب به بل الواجب هو عنوان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 97

[ثانيهما: إذا أراد إدراك عمرة رجب و خشي فوتها إن أخّر الإحرام إلى الميقات]

ثانيهما: إذا أراد إدراك عمرة رجب و خشي فوتها إن أخّر الإحرام إلى الميقات فيجوز ان يحرم قبل الميقات و تحسب له عمرة رجب و ان اتى ببقية الاعمال في شعبان، و الأولى الأحوط تجديده في الميقات، كما ان الأحوط التأخير إلى آخر الوقت و ان كان الظاهر جوازه قبل الضيق إذا علم عدم الإدراك إذا أخّر إلى الميقات، و الظاهر عدم الفرق بين العمرة المندوبة و الواجبة و المنذور فيها و نحوه (1).

______________________________

الوفاء بالنذر فالتعبير بقوله: فليحرم .. الظاهر في تعلق الوجوب بنفس عنوان الإحرام منها و كونه بنحو التعيين لا يكاد يلتئم إلّا مع تغير المأمور به و تبدل ميقات الناذر و مع التبدل لا يبقى مجال للحكم بصحة الإحرام من الميقات مع إمكان العود إلى الكوفة و الإحرام منها و هذا ظاهر في صورة العمد و الالتفات و لا يبعد ذلك بالإضافة إلى صورة النسيان أيضا كما إذا نسي الإحرام من الميقات في غير صورة النذر فإنه يجب عليه العود مع الإمكان نعم الاختلاف في المقام بين الصورتين انما هو في الكفارة حيث انّها لا تترتب الّا على المخالفة العمدية.

ثم ان قوله- ع- عليه ان يتم في موثقة أبي بصير أيضا راجع الى ما ذكرنا بعد كون المراد بالإتمام هو الإحرام من خراسان فتدبر.

(1) الظاهر اتفاق المتعرضين لهذه المسألة على جواز التقديم

فيها إجمالا فعن المعتبر: عليه اتفاق فقهائنا، و عن المنتهى: على ذلك فتوى علمائنا، و عن المسالك:

هو موضع نص و وفاق، و في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه.

و لكن المحكيّ عن كشف اللثام ان هذا الحكم لم يتعرض له كثير من الأصحاب و لعلّه يستشمّ منه رائحة الخلاف و ان كان يمكن ان يكون الوجه في عدم التعرض كون الموضوع هي العمرة الرجبيّة و هي تقع مستحبة غالبا و لكن مع ذلك كان ينبغي التعرض له تبعا للنص الوارد فيه و لأجله يتحقق الموضوع للاحتياط غير اللزومي بتجديد الإحرام في الميقات على ما في المتن و كيف كان فالدليل على الحكم روايتان:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 98

..........

______________________________

إحديهما: موثقة إسحاق بن عمّار قال سألت أبا إبراهيم- عليه السلام- عن الرجل يجي ء معتمرا ينوي عمرة رجب فيدخل عليه الهلال (هلال شعبان) قبل ان يبلغ العقيق فيحرم قبل الوقت و يجعلها لرجب أم يؤخّر الإحرام إلى العقيق و يجعلها لشعبان قال يحرم قبل الوقت لرجب فانّ (فيكون) لرجل فضلا و هو الذي نوى. «1» و قد عبّر عنها في العروة تبعا لصاحب الجواهر بالصحيحة و جعل المروي عنه هو أبا عبد اللّٰه- ع- مع انّ الرواية قد رواها الكليني و الشيخ بطريقين صحيحين عن إسحاق بن عمّار و هو موثق و هو يروي عن أبي إبراهيم- ع.

ثانيتهما: صحيحة معاوية بن عمار التي رواها الشيخ و الكليني أيضا قال سمعت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- يقول ليس ينبغي ان يحرم دون الوقت الذي وقّته رسول اللّٰه- ص- الّا ان يخاف فوت الشهر في العمرة «2».

و عليه فلا يبقى مجال للإشكال في أصل الحكم

و بعده يقع الكلام في جهات:

الجهة الاولي: ان مقتضى إطلاق الصحيحة عدم اختصاص الحكم بالعمرة الرجبيّة و شموله لجميع الأشهر كشعبان و نحوه لان لكل شهر عمرة لكن الأصحاب خصّصوا الحكم برجب و ذكر في الجواهر انه لم يجد به عاملا في غير رجب ثم قال: و لعلّه للعلّة التي أشار الإمام- ع- إليها في الصحيح الآخر- يعني الموثقة- مضافا الى ما روي من ان العمرة الرجبية تلي الحج في الفضل و يكفي في إدراكها إدراك إحرامها فيه كما دلّ عليه الصحيح.

أقول: صلاحية العلة المذكورة في الموثقة و هي قوله- ع- فانّ لرجب فضلا، لتقييد الإطلاق في الصحيحة الذي لا مجال للخدشة فيه تبتنى على ان يكون المراد

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الثاني عشر ح- 2.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الثاني عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 99

..........

______________________________

بها هي مقايسة العمرة الرجبية مع عمرة سائر الشهور و انّ لها فضلا بالإضافة إليها و ذات مزيّة زائدة عليها لأنها تلي الحج في الفضل فمرجعها الى ان جواز تقديم إحرامها على الميقات لإدراك الشهر انّما هو لأجل اختصاص عمرته بمزية زائدة لا توجد في غيرها من عمر سائر الشهور.

و امّا لو كان المراد منها هو ثبوت الفضل في مقابل ترك العمرة و انه لو أخر الإحرام إلى الميقات يفوت عنه عمرة الشهر مع ان لكل شهر عمرة كما تقدم في بحث العمرة المفردة فلا تصلح العلة المذكورة للتقييد بوجه بل مرجعها الى احتفاظ العمرة في كل شهر و عليه فان ثبت ظهور العلّة فيما ذكره صاحب الجواهر أمكن رفع اليد عن الإطلاق في الصحيحة و مع عدم ثبوت الظهور

و تردد العلة بين الاحتمالين لا مجال لرفع اليد عن الإطلاق الّا ان يقال بأن الصحيحة معرض عنها و الموثقة لا دلالة لها على أزيد من جواز التقديم في العمرة الرجبية كما لا يخفى.

الجهة الثانية: انه هل يشترط في جواز التقديم ضيق الوقت بمعنى لزوم التأخير إلى آخر الوقت من الشهر بحيث لو لم يحرم فيه لا يتحقق الإحرام في رجب أو انه يجوز الإحرام قبل الضيق مع العلم بعدم إدراك الإحرام في رجب لو أخره إلى الميقات و لو كان في وسط الشهر كما إذا كان الفصل بينه و بين الميقات كثيرا و يعلم بعدم الإدراك مع التأخير إلى الميقات فإنه يجوز له الإحرام من محلّه و منزله و ان كان في وسط الشهر بل ربما يكون اولى لطول زمان الإحرام الذي هو عبادة فيه وجهان لا ينبغي الارتياب في ان مقتضى الاحتياط هي رعاية الضيق و لكن المستفاد من النص ان الملاك في جواز التقديم خوف فوت عمرة الشهر أو دخول هلال شعبان قبل ان يبلغ العقيق و هو متحقق قبل الضيق أيضا فلا دلالة له على اعتبار الضيق أيضا مضافا الى الخوف المذكور.

الجهة الثالثة: استظهر في المتن انه لا فرق بين العمرة المندوبة و الواجبة- يعني

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 100

[مسألة 3- لا يجوز تأخير الإحرام عن الميقات]

مسألة 3- لا يجوز تأخير الإحرام عن الميقات فلا يجوز لمن أراد الحج أو العمرة أو دخول مكّة ان يجاوز الميقات اختيارا بلا إحرام، بل الأحوط عدم التجاوز عن محاذاة الميقات أيضا و ان كان امامه ميقات أخر، فلو لم يحرم منه وجب العود اليه بل الأحوط العود و ان كان امامه ميقات أخر،

و امّا إذا لم يرد النسك و لا دخول مكّة بأن كان له شغل خارج مكّة و ان كان في الحرم فلا يجب الإحرام (1).

______________________________

الواجبة بالأصل- و المنذور فيها و نحوه و يرد عليه أمران:

الأمر الأوّل: أنّ العمرة المفردة الواجبة بالأصل هي العمرة المفردة بالإضافة إلى المستطيع لها الذي كانت وظيفته حج القران أو الافراد لما عرفت في بحث العمرة المفردة من انها لا تجب على من تكون وظيفته حج التمتع إذا استطاع لها و لأجله لا يجب على النائب ان يأتي بالعمرة المفردة لنفسه بعد الإتيان بالمنوب فيه و من الظاهر ان العمرة المفردة إذا صارت واجبة يكون المعروض للوجوب هو هذا العنوان و لا مدخلية لعنوان الرّجب فيه أيضا و عليه فالجمع بين وجوب العمرة المفردة و بين الإضافة إلى الرجب لا يكاد يتم حتى فيما إذا كانت الاستطاعة لها في شهر رجب و أراد الإتيان بها في نفس ذلك الشهر.

الأمر الثاني: انه على تقدير تسليم الأمر الأوّل ظاهر الموثقة الاختصاص بالعمرة الرجبية المستحبة فإن التعليل بقوله- ع-: فانّ لرجب فضلا ظاهر في ان الموجب لجواز التقديم هو مجرد ثبوت الفضيلة و المزيّة المتحقّقة في العمرة الرجبية و هذا لا يناسب العمرة الواجبة أصلا حتى إذا كان الوجوب ناشيا من قبل النذر و نحوه كما لا يخفى فدعوى الإطلاق ممنوعة جدّا.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في جهات:

الجهة الاولى: عدم جواز تأخير الإحرام عن الميقات و فرع عليه عدم جواز التجاوز عن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 101

..........

______________________________

الميقات اختيارا لمن أراد الحج أو العمرة أو دخول مكة و قد ادّعى الإجماع على أصل الحكم جماعة من فحول

الفقهاء كالفاضلين و صاحب كشف اللثام و صاحب الجواهر و غيرهم و قد ورد فيه نصوص متعددة يأتي التعرض لها و لكن الظاهر بعد ملاحظة ما مرّ في الإحرام قبل الميقات من ان الحرمة فيه تشريعية و لا دليل على الحرمة الذاتيّة انّ هنا عنوانين:

أحدهما: الإحرام بعد الميقات و الظاهر ان الحرمة فيه أيضا تشريعية لاتحاد الدليل الوارد فيه و في الإحرام قبل الميقات مثل قوله- ع- في صحيحة الحلبي المتقدمة في المواقيت لا ينبغي لحاج و لا لمعتمر أن يحرم قبل هذه المواقيت أو بعدها فان ظاهره الإرشاد إلى البطلان و عدم المشروعية فالحرمة في كليهما تشريعية.

ثانيهما: عنوان التجاوز عن الميقات من دون إحرام لمن يريد دخول مكة قاصدا للحج أو العمرة أو غيرهما إلّا في بعض الموارد و يتحقّق افتراق هذا العنوان عن الأوّل فيما إذا لم يحرم الشخص المذكور أصلا لا من الميقات و لا ممّا بعده فإنه لا يتحقق العنوان الأول- ح- فلا موضوع للحرمة التشريعية بوجه.

و الظاهر انّ هذا العنوان الذي تعلّق النهى به كما هو مقتضى التعبير الوارد في النصوص يكون محرّما بالحرمة الذاتية لأنّه لا مجال للحمل على الحرمة التشريعية بوجه لانه لم يتحقق منه تشريع بل المتحقق انما هو ترك الإحرام من الميقات و التجاوز عنه بدونه و بعبارة أخرى إذا كان المتعلق للنهى هو عنوان العبادة كالإحرام و نحوه فالظاهر ان مرجعه إلى الإرشاد إلى البطلان و الفساد سواء كان المتعلق هو عنوان كل العبادة كصلاة الحائض أو إيقاعها مع أمر خاص كالصلاة في وبر ما لا يؤكل لحمه فان ظاهر النهي في مثله الإرشاد إلى الفساد مع ذلك الأمر و مرجعه إلى مانعية ذلك الأمر

عن صحة العبادة أو كان المتعلق هو عنوان جزء العبادة كقراءة سورة السجدة في الصلاة و الإحرام قبل الميقات أو بعده في المقام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 102

..........

______________________________

كما ان ظاهر تعلق النهي بالمعاملة كالبيع إذا أضاف بما ليس عنده هو الإرشاد إلى البطلان و عدم ترتب الأثر المقصود عليها و امّا إذا كان متعلق النهي أمرا خارجا عن العبادة و المعاملة فالظاهر انه لا مجال لحمل النهى فيه على الإرشاد و ان كان للمتعلق ارتباط بالعبادة فإذا تعلق النهى بمسّ المصحف من دون طهارة فالظاهر ان النهى فيه نهى ذاتي دال على الحرمة الذاتية كسائر المحرمات غاية الأمر ارتفاعها بالطهارة كارتفاع سائر المحرمات بالضرورة و نحوها من العناوين الثانوية و المقام بملاحظة الروايات الواردة فيه من هذا القبيل لأنّ منها:

صحيحة صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرّضا- ع- المشتملة على كتابته- ع- في الجواب: ان رسول اللّٰه- ص- وقّت المواقيت لأهلها و من أتي عليها من غير أهلها و فيها رخصة لمن كانت به علة فلا تجاوز الميقات الّا من علة. «1» فإن النهي عن التجاوز تفريعا على الترخيص ظاهر في الحرمة و الجواز الذاتيين كما هو ظاهر.

و منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: من تمام الحج و العمرة ان تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللّٰه- ص- لا تجاوزها الّا و أنت محرم الحديث «2».

و منها: صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- من اين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة فقال من الجحفة و لا يجاوز الجحفة إلّا محرما «3».

و بعد ذلك لا يبقى مجال للإشكال الذي أورده سيد المستمسك

على صاحب العروة و سائر الأصحاب القائلين بتحقق الإثم بترك الإحرام من الميقات الأول إذا كان امامه ميقات آخر حيث قال: «ان الظاهر ان الأمر بالإحرام من الميقات

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الخامس عشر ح- 1.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب السادس عشر ح- 1.

(3) وسائل أبواب المواقيت الباب السادس ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 103

..........

______________________________

إرشادي إلى شرطية الإحرام من الميقات في صحة النسك حجّا أو عمرة فلا تكون مخالفته مستوجبة للإثم».

و ذلك لما عرفت من ان الأمر بالإحرام من الميقات و ان كان كذلك الّا ان النهى عن التجاوز عن الميقات من دون إحرام أمر آخر لا يرتبط بذلك و ليس متعلقه عبادة و لا معاملة و تتحقق مخالفته بالتجاوز عن الميقات بدونه سواء أحرم بعده أم لم يحرم أصلا.

ثم انّ هنا عنوانين آخرين يكون ظاهر النصوص الواردة فيهما تعلق النهي الذاتي بهما سواء قلنا بثبوت الحكمين أم قلنا برجوعها الى حكم واحد و هما عنوان الدخول في الحرم بغير إحرام و ثانيهما عنوان الدخول في مكة كذلك و لا بأس بالتعرض لهما لارتباطه بذيل المسألة المذكورة في المتن أيضا.

فنقول قد ورد فيهما روايات و لكن نقتصر منها على روايتين:

إحديهما صحيحة عاصم بن حميد قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام- يدخل الحرم أحد إلّا محرما؟ قال لا الّا مريض أو مبطون «1».

ثانيتهما صحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر- عليه السلام- هل يدخل الرجل مكة بغير إحرام قال: لا الا مريضا أو من بطن. «2»

ثم ان المحكيّ عن جماعة من الأصحاب، كالعلامة في التذكرة و صاحب الجامع و كاشف اللثام و النراقي في المستند استظهار

ثبوت حكمين أو الميل اليه و حكى عن المدارك انه قال: قد اجمع العلماء على ان من مرّ على الميقات و هو لا يريد دخول مكّة بل يريد حاجة فيما سواها لا يلزمه الإحرام. و ظاهره ثبوت حكم واحد متعلق

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الخمسون ح 1.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الخمسون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 104

..........

______________________________

بدخول مكة.

و قد ذكر بعض الاعلام- قدس سره الشريف- ما ملخّصه أنّ التأمل في الطائفتين من الروايات يقضى بوجوب الإحرام لدخول مكّة فقط و حمل اخبار الحرم على مريد الدخول إلى مكّة لأن جعل الحكمين معا يستلزم اللغوية لأن الحكم بوجوب الإحرام لو كان مختصّا بمن كان داخل الحرم لأمكن جعل الحكمين معا في حقّه الّا ان مقتضى بعض الروايات ثبوت هذا الحكم لعامّة المسلمين و عدم اختصاصه بطائفة دون اخرى فلا يمكن تخصيص الحكم بداخل الحرم و عليه فجعل الحكمين معا يصبح لغوا لانه لو وجب الإحرام لدخول الحرم فإنّما هو لأداء المناسك ضرورة ان مجرد الإحرام بدون الاعمال لا يحتمل وجوبه و من الواضح ان مكة المكرمة محاطة بالحرم فإذا دخل الحرم محرما لأداء المناسك فجعل وجوب الإحرام الثاني لدخول مكة لغو لا اثر له.

و يرد عليه مضافا الى عدم كون الحرم محاطا بمكة في هذه الأزمنة لأن النسبة بينهما عموم من وجه لوقوع مسجد التنعيم الذي هو ادني الحلّ في داخل مكة و قد مرّ انه ليس المراد من مكّة ما كان في زمن صدور الروايات بل يشمل الدور و الأبنية الجديدة الكثيرة الموجبة لاتّساعها جدّا بحيث يكون الفصل بين بعض محلّاتها و المسجد الحرام أزيد من

فرسخين.

انّه على تقدير كون النسبة عموما مطلقا و كون الحرم محيطا بمكة تظهر ثمرة الحكمين فيمن يريد الدخول الى الحرم من دون ان يريد الدخول إلى مكّة فاللازم على تقدير التعدد لزوم الإحرام بالإضافة اليه.

و الظاهر ان منشأ الكلام المزبور تخيل ان الحكم الثابت في المقام هو الحكم الوجوبي المتعلّق بالإحرام لدخول الحرم أو مكّة كما وقع التعبير به في الكلمات و قد مرّ سابقا ان صاحب المدارك وجّهه بالوجوب المقدمي الذي لازمة الانحصار

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 105

..........

______________________________

بصورة وجوب الدخول للإتيان بالمناسك لعدم وجوب المقدمة مع عدم وجوب ذيها كما انه قد سبق ان بعض الاعلام فسّر الوجوب بالوجوب الشرطي الذي مرجعه إلى شرطية الإحرام لصحة الافعال و المناسك و عدم صحتها بدونه كالوضوء بالإضافة إلى صلاة الليل- مثلا- و قد تبع في ذلك صاحب الجواهر- قده.

و الحق انه ليس في المقام حكم وجوبي متعلق بالإحرام أصلا بل الثابت انما هو الحكم التحريمي النفسي المتعلق بالدخول من غير إحرام و مدخلية الإحرام انّما هي لأجل أن وجوده يمنع عن تحقق متعلق النهي لأنه معه لا يتحقق الدخول بغير إحرام فهو رافع للحرمة و مانع عن تحقق متعلقه نظير الوضوء بالإضافة إلى مسّ كتابة المصحف الموجب للتخلّص عن الحرمة و ارتفاعها به و عليه فلا يبقى مجال لرفع اليد عن ظاهر الروايات الدال على ثبوت حكمين تعلق أحدهما بالدخول في الحرم بغير إحرام و الثاني بالدخول في مكة كذلك خصوصا إذا قلنا بما احتمله صاحب الجواهر في صدر كلامه من انه ان لم يكن إجماع على عدم كون الإحرام عبادة مستقلة و يلزم ان يكون امّا بحج أو

عمرة أمكن الاستناد في مشروعية نفسه إلى إطلاق الأدلة في المقام و غيرها و كونه جزء منهما لا ينافي مشروعيته في نفسه فإنه- ح- يكون ثبوت الحكمين ظاهرا لكنه رجع عنه في ذيل كلامه و قال يمكن بعد التأمّل في النصوص استفادة القطع بتوقف الإحلال من الإحرام في غير المصدود و نحوه ممّا دل عليه الدليل على إتمام النسك و ليس هو إلا أفعال عمرة أو حجة.

لكن ما ذكرناه من التعدد لا يبتني على الاحتمال المذكور بل منشأه ما ذكرنا من كون الحكم حكما تحريميّا ذاتيّا منشأه رفعة شأن الحرم و مقام مكة نعم لا بد بعد الإحرام من الإتمام بالدخول في مكة و الطواف و السعي و غيرهما كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 106

..........

______________________________

الجهة الثانية: إذا كان في طريقه الى مكة ميقاتان كطريق المدينة إليها المشتمل على مسجد الشجرة و الجحفة ففيه بحثان:

أحدهما: الحكم الوضعي المتعلق بالإحرام من جهة الصحة و البطلان و قد مرّ البحث عنه في بعض المسائل السّابقة و ان المشهور شهرة عظيمة هو عدم جواز التأخير عن الميقات الأوّل الّا مع الضرورة لمرض أو ضعف أو غيرهما من الاعذار و تقدم ما ورد فيه من الرّوايات.

ثانيهما: الحكم التكليفي التحريمي الذاتي المتعلق بالتجاوز عن الميقات بغير إحرام و الظاهر ان مقتضى إطلاق الروايات الناهية عدم جواز التجاوز عن الميقات الأوّل من دون إحرام لأنه مع التجاوز عنه يصدق انه جاوز الميقات من غير إحرام و ان أحرم من الميقات الثاني فإنّ الإثبات بالإضافة إليه لا ينافي النفي بالنسبة إلى الأوّل نعم في بعض الروايات المتقدمة استثناء صورة العلة من عدم الجواز هنا أيضا

و الانصاف وقوع الخلط بين الحكمين في الكلمات التي منها المتن فتدبّر.

الجهة الثالثة: في المحاذي و فيه بحثان أيضا:

أحدهما: الحكم التكليفي التحريمي المتعلق بالتجاوز عن المحاذي بلا إحرام كالتجاوز عن الميقات و الظاهر انه لا دليل على هذا الحكم لان ما ورد ممّا يدل على المنع عن التجاوز عن الميقات لا يشمل التجاوز عن المحاذي بوجه و الروايات الواردة في المحاذاة و مشروعية الإحرام من المحاذي غايتها الدلالة على لزوم الإحرام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 107

..........

______________________________

منه الذي يكون مرجعه إلى شرطية الإحرام منه في صحته بالإضافة الى من يمرّ في طريقه اليه و امّا حرمة التجاوز عنه من غير إحرام بالحرمة الذاتية فلا دلالة لها عليها.

و بعبارة أخرى غاية ما يستفاد منها كون المحاذي بمنزلة الميقات في صحة الإحرام منه بل لزومه و امّا ترتب جميع احكام الميقات التي منها حرمة التجاوز بلا إحرام فلا يستفاد منها بوجه و عليه فكما انه لا مجال للفتوى بالحرمة الذاتية كذلك لا يبقى مجال للاحتياط الوجوبي الذي يدلّ عليه المتن و ان كان قد عرفت وقوع الخلط فيه بين الحكم التكليفي و الحكم الوضعي كما في سائر العبارات.

ثانيهما: الحكم الوضعي المتعلق بالإحرام من المحاذي لا اشكال بمقتضى ما ذكرنا في بحث المحاذاة في مشروعية الإحرام من المحاذي و صحته مع رعاية الخصوصيات المعتبرة في المحاذاة العرفية التي تكلمنا فيها و قد مر أيضا عدم اختصاص الحكم بخصوص محاذي مسجد الشجرة بل يشمل المحاذي لسائر المواقيت أيضا إنما الإشكال في انه هل يتعين الإحرام من المحاذي و ان كان امامه ميقات آخر أو يجوز له تأخير الإحرام إلى الميقات ربما يقال بالأوّل

نظرا الى ان قوله- ع- في بعض الروايات المتقدمة: فإذا كان حذاء الشجرة و البيداء ستة أميال فليحرم منها، ظاهر في تعين الإحرام من المحاذي مع وجود الجحفة امامه و لكن يمكن ان يقال بأنّه حيث كان الأمر بالإحرام من المحاذي في مقام توهم الحظر لان المعهود بلحاظ توقيت الرسول- ص- مواقيت خاصة هو تعين الإحرام من نفس تلك المواقيت دون غيرها فالأمر بالإحرام من المحاذي لا يكون ظاهرا في التعين بل غاية مدلوله مجرد المشروعية و الصحة و لكن مع ذلك لا يترك الاحتياط بعدم تأخير الإحرام عن المحاذي و ان كان امامه ميقات آخر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 108

..........

______________________________

الجهة الرابعة: في انه لو لم يحرم من الميقات يجب العود اليه مع الإمكان كما في المتن و احتاط فيه وجوبا بالعود فيما إذا كان امامه ميقات آخر و لكن ذكر السيد- قده- في العروة في هذا الفرض انه يجزيه الإحرام من الميقات الأخر و ان أثم بترك الإحرام من الميقات الأوّل و احتاط استحبابا بالعود اليه مع الإمكان.

أقول لا يبقى مجال للعود الى الميقات بعد عدم الإحرام منه و التجاوز عنه بغيره بالإضافة إلى الحكم التكليفي التحريمي لأنه بعد مخالفته و التجاوز عن الميقات بغير إحرام لا يجدي العود في رفع المخالفة و قمع المعصية فاللازم طرح هذا البحث بالنسبة إلى الحكم الوضعي المتعلق بالإحرام و من هذه الحيثية يكون الظاهر بمقتضى أدلّة المواقيت المشتملة على عدم جواز الإحرام من قبلها و من بعدها عدم جواز تأخير الإحرام عن الميقات الأوّل و لازمة العود اليه تحصيلا لشرط الصحة و تحقق المشروعيّة مضافا الى دلالة بعض الروايات المتقدمة على

انّ من دخل المدينة ليس له الإحرام الا من المدينة «1» التي يكون المراد بها هو مسجد الشجرة نعم قد عرفت جواز التأخير بالإضافة إلى المريض و العليل بل مطلق ذوي الأعذار لدلالة بعض الروايات عليه و مقتضاها أيضا عدم الجواز مع عدم العذر خصوصا مع وروده في طريق المدينة التي يكون امام مسجد الشجرة ميقات آخر و هي الجحفة و عليه فالظاهر هو وجوب العود مع الإمكان.

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الثامن ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 109

[مسألة 4- لو أخّر الإحرام من الميقات عالما عامدا و لم يتمكن من العود اليه]

مسألة 4- لو أخّر الإحرام من الميقات عالما عامدا و لم يتمكن من العود اليه لضيق الوقت أو لعذر آخر و لم يكن امامه ميقات آخر بطل إحرامه و حجّه و وجب عليه الإتيان في السنة الآتية إذا كان مستطيعا، و امّا إذا لم يكن مستطيعا فلا يجب و ان أثم بترك الإحرام (1).

______________________________

الجهة الخامسة: فيما يتعلق بذيل المسألة و قد ظهر مما ذكرنا في الجهة الاولى انه كما لا يجوز دخول مكة بغير إحرام كذلك لا يجوز دخول الحرم بغير إحرام و عليه فمن كان له شغل خارج مكة و داخل الحرم يجب عليه الإحرام من الميقات لدخوله و ان كان اللازم الإتيان بالمناسك في مكة فيشكل ما في المتن من عدم لزوم الإحرام في هذه الصّورة.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة التي اجتمع فيها خصوصيات ثلاثة: كون تأخير الإحرام من الميقات عن علم و عمد و عدم إمكان العود اليه للضيق أو لغيره و عدم كون امامه ميقات آخر في مقامين:

المقام الأوّل: في بطلان الإحرام و الحج و عدمه و فيه قولان و الأوّل هو الأكثر المشهور

كما في الجواهر و الثاني قد قواه في كشف اللثام و حكاه عن محتمل إطلاق المبسوط و المصباح و مختصره و اختاره النّراقي في المستند و تبعهم بعض الاعلام- قده- في شرح العروة.

و يدل على الأوّل الروايات المتقدمة الواردة في التوقيت الظاهرة في شرطية الميقات في صحة الإحرام و مقتضاها البطلان مع فقدان الشرط و في بعضها التصريح بأنه لا ينبغي ان يحرم قبلها و لا بعدها و قد خرج عن إطلاق هذه الأدلة الجاهل و الناسي حيث لا يكون التأخير فيهما موجبا للبطلان اتفاقا و امّا العالم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 110

..........

______________________________

العامد فهو باق تحت الإطلاق و ان لم يمكن له العود و لم يكن امامه ميقات آخر.

و استدلّ للثاني يكون المقام نظير ما إذا أراق ماء الوضوء المنحصر اختيارا أو ترك الوضوء الى ان ضاق الوقت فإنه يتيمم و تصح صلوته و ان أثم بترك الوضوء متعمّدا.

و بصحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم فقال يرجع الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم فإن خشي ان يفوته الحج فليحرم من مكانه فان استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج. «1»

و أجاب عن الأوّل السيد- قده- في العروة بان البدلية في المقام لم تثبت بخلاف مسألة التيمم و المفروض انه ترك ما وجب عليه متعمّدا.

و عن الصحيحة صاحب الجواهر بما هذه عبارته: «و إطلاق صحيح الحلبي غير معلوم الشمول له كما اعترف به بعضهم، و دعوى تنزيل إطلاق دليل الشرطية على غير صورة التعذر ليس بأولى من تنزيل إطلاق صحيح الحلبي على غير الفرض بل هو اولى من

وجوه» و ذكر سيد المستمسك- قده- ان مراده من الوجوه شهرة تلك الروايات و كثرتها و شهرة الفتوى بها و الحمل على الصحة فإن حمل الترك على الأعم من العمد خلاف حمل فعل المسلم على الصحة.

و لكنه ذكر نفسه ان الصحيح من قبيل الخاص بالنسبة إلى دليل التوقيت و الخاص مقدم على العام و لأجل ذلك لا مجال للرجوع الى المرجحات المذكورة لو كانت في نفسها من المرجحات قال: نعم الحمل على الصحة ربما يقتضي انصراف الصحيح عن العامد لكنه بدوي لا يعتدّ به و استقرب بعده ان البناء على

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الرّابع عشر ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 111

..........

______________________________

إلحاق العامد بغيره أقرب الى العمل بالأدلة.

و أورد عليه بعض الاعلام- قده- بان الحمل على الصحة انما يكون مورده ما إذا صدر فعل من المسلم و شك في كونه صحيحا أو فاسدا و امّا حمل السؤال عن فعل من الافعال على الصحة فلا معنى له فإنه يمكن السؤال عن الحرام اليقيني كالسؤال عن الرجل إذا زنى مثلا.

و الحقّ ان يقال ان شمول السؤال في الصحيحة للترك عن علم و عمد محلّ نظر بل منع لا لعدم ظهور ترك الإحرام في الترك عن غيرهما لانه يمكن ان يمنع ذلك بل يقال بالظهور في الترك العمدي كما قال به بعض الاعلام- قده- بل لأنّ الترك إذا أخذ مغيّى بغاية مثل ما في السؤال الذي يكون الترك مغيّى بدخول الحرم فاللازم ان يقال بمدخلية الغاية في زوال علة الترك و ارتفاعها و لا مجال لجعل الترك العمدي مغيى بغاية مثل دخول الحرم نعم يلائم ذلك مع الترك الناشئ عن

الجهل أو النسيان الذين ارتفعا بدخول الحرم و دعوى كون الغاية في صورة العلم هي الندامة و العزم على الموافقة مدفوعة بوضوح كون الغاية لا بد و ان يكون له دخل في الحكم و مرتبطا به و من الواضح ان مثل الندامة لا ارتباط له بالحكم أصلا بخلاف زوال النسيان و ارتفاع الجهل و عليه فالظاهر عدم شمول السؤال في الصحيحة لما نحن فيه الذي هي صورة العلم و العمد.

ثمّ: انه لو فرض شمول السؤال في الصحيحة لصورة العلم و العمد فدلالتها على الصحة في هذه الصورة انّما هي بالإطلاق كدلالة أدلة التوقيت على البطلان فيها و في مثله ممّا إذا كان لكل من دليلي المطلق و المقيد إطلاق و كان مورد مشكوكا و انه هل الحكم فيه ما هو مقتضى الدليل المطلق أو ما هو مفاد دليل التقييد لا بد من ملاحظة الأظهر منهما بالإضافة إلى الشمول لذلك المورد و لا مجال لترجيح دليل التقييد بعد كون دلالته أيضا بالإطلاق، و لا ينبغي الريب في ان شمول روايات

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 112

..........

______________________________

التوقيت للعالم العامد و لو لم يتمكن من العود الى الميقات أظهر من شمول الصحيحة له و عليه فالظاهر لزوم الأخذ بمقتضى تلك الروايات بالإضافة إلى المورد المشكوك.

و الذي يحسم مادّة الاشكال ان صاحب الوسائل نقل في هذا الباب رواية أخرى عن الحلبي تتحد مع هذه الرواية في رواية ابن أبي عمير عن حماد و هو عن الحلبي و في المتن أيضا مع اختلاف يسير و قد وقع في سؤاله التصريح بالنسيان مكان الترك قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل نسي أن

يحرم حتى دخل الحرم، قال: قال أبي يخرج الى ميقات أهل أرضه فإن خشي ان يفوته الحج أحرم من مكانه فان استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم. «1»

و مع هذه الرواية التي لا ينبغي الإشكال في اتحادها مع الاولى لا يبقى مجال لدلالة الصحيحة على الصحة في المقام كما هو ظاهر.

المقام الثاني: انه بعد البناء على بطلان الإحرام و الحج مع العلم و العمد يجب عليه الإتيان بالحج في السنة اللاحقة إذا كان مستطيعا في هذه السنّة و تعبير المتن اولى من التعبير بالقضاء كما في أكثر العبارات فان الحج و ان كان واجبا على المستطيع فورا ففورا الّا انّ الفوريّة لا ترجع الى التوقيت و القضاء من شئون الواجب الموقت و قد مرّ توضيح ذلك في بعض المباحث السابقة و كيف كان فلا شبهة في وجوب الإتيان به في العام القابل مع الاستطاعة.

و امّا مع عدم الاستطاعة فالمشهور عدم وجوب القضاء خلافا للشهيد الثاني

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الرابع عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 113

..........

______________________________

قال في محكيّ المسالك: «و حيث يتعذّر رجوعه مع التعمّد يبطل نسكه و يجب عليه قضائه و ان لم يكن مستطيعا للنسك بل كان وجوبه بسبب ارادة دخول الحرم فان ذلك موجب للإحرام فإذا لم يأت به وجب قضائه كالمنذور نعم لو رجع بعد تجاوز الميقات و لما يدخل الحرم فلا قضاء عليه و ان أثم بتأخير الإحرام و ادّعى العلامة في التذكرة الإجماع عليه».

و يرد عليه أوّلا: ما عرفت مفصّلا من انه ليس فيما يرتبط بالميقات حكم تكليفي وجوبي متعلق بالإحرام لمن يريد الدخول في الحرم بل الحكم

الثابت هو الحكم التحريمي المتعلق بالتجاوز عن الميقات من غير إحرام و عليه فالإحرام رافع لموضوع الحكم و موجب لعدم تحققه و من الواضح انه مع مخالفة هذا الحكم و التجاوز عن الميقات من غير إحرام مع العلم و العمد لا مجال للقضاء فان موضوعه هو الحكم الوجوبي و لا يتصور في مثل المقام.

و ثانيا: انه على تقدير كون الواجب هو الإحرام من الميقات و لكنّه لا دليل على ثبوت القضاء و وجوبه في جميع موارد فوت الواجب بل القضاء في موارد ثبوته انّما هو بأمر جديد كالصلاة و الصوم و غيرهما.

و ثالثا: انه على تقدير وجوب القضاء فلا دليل على وجوب قضاء خصوص الحج لان الواجب عند الميقات هو الإحرام لا لخصوص الحج بل للأعم منه و من العمرة و لو فرض كون مورد كلام المسالك هو الإحرام للحجّ بعد التجاوز عن الميقات كما حمله عليه صاحب الجواهر من دون ان يكون له شاهد عليه فلا دليل على وجوب قضاء الحج لعدم وجوبه بالخصوص بسبب المرور على الميقات.

كما انه يرد على ذيل كلامه الوارد فيمن رجع بعد تجاوز الميقات و لم يدخل الحرم من ثبوت الإثم بتأخير الإحرام ان الرجوع كذلك يكشف عن عدم الوجوب من الأوّل فكما انه لا قضاء عليه لا يكون هناك اثم لاختصاص الوجوب بمن يريد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 114

..........

______________________________

دخول الحرم و دخل نعم يتحقق التجري و يترتب عليه حكمه. و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لا مجال لوجوب القضاء مع عدم الاستطاعة في هذه السنة.

ثمّ انّ هنا رواية يمكن ان يستفاد منها البطلان في المقام الأوّل و هي ما

رواه الحميري في قرب الاسناد عن عبد اللّٰه بن الحسن عن على بن جعفر عن أخيه- عليه السلام- قال سألته عن رجل ترك الإحرام حتى انتهى الى الحرم فأحرم قبل ان يدخله قال ان كان فعل ذلك جاهلا فليبن مكانه ليقضى (فليبين مكانه و ليقض) فان ذلك يجزيه ان شاء اللّٰه و ان رجع الى الميقات الذي يحرم منه أهل بلده فإنه أفضل. «1»

فإنّ مفهوم الجملة الاولى عدم الاجزاء مع عدم الجهل فان الحكم في المنطوق هو الاجزاء و قوله: فليبن .. و ان كان معنى مفرداته غير معلوم و لا فرق بين النسختين في ذلك كما انه ربما احتمل ان يكون فليلبي مكان فليبن و لكنه على جميع التقادير يدل على ان الإحرام قبل دخول الحرم مع تحقق الترك في الميقات يكون صحيحا و مجزيا في صورة الجهل و مفهومه العدم مع عدمه.

ثم انّ التعرض لحكم صورة الجهل بنحو المنطوق مع كون السؤال عن مطلق الترك يؤيد ما ذكرناه في صحيحة الحلبي من وجه و ينفيه من وجه آخر امّا الجهة النافية فلأجل دلالته على عدم اختصاص الترك المغيى بغير صورة العلم و امّا الجهة المؤيّدة فكون صورة الجهل هو القدر المتيقن من هذا التعبير فتدبّر.

هذا و لكن حيث ان الرواية ضعيفة سندا بعبد اللّٰه بن الحسن حفيد على بن

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الرابع عشر ح- 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 115

[مسألة 5- لو كان مريضا و لم يتمكن من نزع اللّباس و لبس الثوبين]

مسألة 5- لو كان مريضا و لم يتمكن من نزع اللّباس و لبس الثوبين يجزيه النيّة و التلبية فإذا زال العذر نزعه و لبسهما و لا يجب عليه العود الى الميقات (1).

______________________________

جعفر و دلالة

لاشتمال ذيلها على عدم لزوم الرجوع الى الميقات مع التمكن منه غايته انه أفضل مع ان الظاهر اللزوم في مورد الجاهل و الناسي أيضا كما سيأتي فلا مجال للاعتماد عليها بوجه.

(1) المفروض في هذه المسألة ما إذا كان المريض قادرا على إنشاء أصل الإحرام في الميقات بالنية و التّلبية و لكنه لم يتمكن من نزع اللباس و لبس ثوبي الإحرام و عليه فالظاهر ان المراد من قوله في المتن: يجزيه التلبية و الإحرام هو لزوم الإتيان بهما لا مجرد الاكتفاء كما ان الظاهر هو وجوب لبسهما بعد زوال العذر و انتفاء المرض و عدم لزوم العود الى الميقات و الأصل في هذه المسألة ما حكى عن الشيخ- قده- في النّهاية حيث قال: من عرض له مانع من الإحرام جاز له ان يؤخره عن الميقات فإذا زال المانع أحرم من الموضع الذي انتهى اليه.

و عن ابن إدريس ان مقصوده تأخير كيفية الإحرام الظاهرة من نزع الثياب و كشف الرأس و الارتداء و التوشيح و الائتزار فأمّا النيّة و التلبية مع القدرة عليهما فلا يجوز له ذلك إذ لا مانع له يمنع ذلك و لا ضرورة و لا تقيّة، و ان أراد و قصد شيخنا غير ذلك فهذا يكون قد ترك الإحرام متعمدا من موضعه فيؤدّي إلى إبطال حجّه بلا خلاف. و تبعه على ذلك العلّامة في كثير من كتبه.

أقول البحث في المسألة تارة يقع فيما هو مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن الروايات الخاصّة و اخرى مع ملاحظتها فنقول: امّا من الجهة الأولى: فالظاهر ان مقتضى القاعدة هو ما أفاده في المتن من لزوم الإتيان بالنية و التلبية اللتين يتركب منهما الإحرام و يتقوم بهما كما

سيأتي البحث فيه عن قريب إن شاء اللّٰه تعالى و امّا لبس الثوبين فهو من واجبات الإحرام و غير دخيل في حقيقته فإذا لم يتمكن منه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 116

..........

______________________________

لأجل المرض يرتفع وجوبه و مع زواله يجب اللبس إذا قلنا بلزوم لبسهما بقاء أيضا كالحدوث و عليه فلا مجال للزوم العود الى الميقات بعد تحقق الإحرام منه صحيحا كما هو ظاهر.

و امّا من الجهة الثانية: فمن الروايات:

مرسلة أبي شعيب المحاملي عن بعض أصحابنا عن أحدهما- ع- قال: إذا خاف الرجل على نفسه أخّر إحرامه إلى الحرم. «1»

و ظاهرها تأخير نفس الإحرام و مجموعه عند خوف الرجل على نفسه الشامل للخوف الناشئ عن المرض و الناشئ عن التقية كما لا يخفى و لكنّها باعتبار الإرسال لا تكون معتبرة بوجه.

و منها: صحيحة صفوان بن يحيى المتقدمة في بعض المسائل السابقة المشتملة على كتابته- ع- في الجواب: ان رسول اللّٰه- ص- وقّت المواقيت لأهلها و من اتى عليها من غير أهلها، و فيها رخصة لمن كانت به علة فلا تجاوز الميقات الّا من علّة. «2»

و هذه ظاهرة في الترخيص في ترك أصل الإحرام لمن كانت به علة و مرض و لا مجال لاحتمال كون الترخيص مربوطا بعدم لبس ثوبي الإحرام بعد ان كانت الرواية مسوقة سؤالا و جوابا لبيان أصل الإحرام و إنشائه و احداثه فظهورها في جواز الترك بسبب مجرد العلة و المرض لا ينبغي ان ينكر و دعوى ان المراد بالعلة هي العلة المانعة عن إنشاء الإحرام و إيجاد أصله يدفعها وضوح خلافها و ظهور فسادها خصوصا مع ملاحظة كون العلة الكذائية قليلة التحقق و العروض.

______________________________

(1) وسائل أبواب

المواقيت الباب السادس عشر ح- 3.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الخامس عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 117

..........

______________________________

و ما عن الرياض من طرح الرواية لعدم تصريحها بخلاف القاعدة التي عرفت مقتضاها مدفوع بأنه لا يتوقف الحكم بخلافها على وجود ما يكون صريحا فيه بعد حجيّة الظهور و أصالته كما هو ظاهر ثم ان الحكم بجواز التجاوز عن الميقات مع وجود العلّة و ان كان حكما تكليفيا في مقابل الحرمة الذاتية كما عرفت البحث فيه مفصّلا لكن لازمة نفى اشتراط الإحرام من الميقات في صحته أيضا فلا يتوهّم ان كلامنا في الحكم الوضعي و الرواية ناظرة إلى الحكم التكليفي فتدبّر جيّدا.

و منها: الروايتان المتقدمتان في مسألة تأخير الإحرام إلى الجحفة و التجاوز عن مسجد الشجرة بدون إحرام في مورد الصادق- ع- المشتملتان على التعليل بأن التأخير كان مستندا إلى انه- ع- كان عليلا و انه رخص رسول اللّٰه- ص- التأخير بالنسبة اليه «1».

و من المعلوم ان علّته- ع- لم تكن مانعة عن إنشاء أصل الإحرام و النية و التلبية بل كانت مانعة عن لبس ثوبي الإحرام و كشف الرأس و أمثالهما فلو كانت النيّة و التلبية اللتان هما أساس الإحرام لازمتين في هذه الصورة من مسجد الشجرة لكان اللازم على الامام- ع- التعليل بذلك و انه قد كان أحرم من مسجد الشجرة غاية الأمر انه لم يشتمل إحرامه على الكيفية الظاهرة المذكورة في كلام ابن إدريس لا التعليل بترك الإحرام و انه كان مرخّصا فيه.

و دعوى ان مورد الروايتين ما إذا كان في الطريق ميقاتان فلا يشمل ما إذا كان هناك ميقات واحد ليس امامه ميقات آخر مدفوعة بأن

الظاهر انه لا مدخلية لهذه الخصوصية في هذا الحكم و يدل عليه اشتراكهما مع الرواية المتقدمة في

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب السادس ح- 5- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 118

[مسألة 6- لو كان له عذر عن إنشاء أصل الإحرام في الميقات لمرض أو إغماء]

مسألة 6- لو كان له عذر عن إنشاء أصل الإحرام في الميقات لمرض أو إغماء و نحو ذلك فتجاوز عنه ثم زال وجب عليه العود الى الميقات مع التمكن منه و الّا أحرم من مكانه، و الأحوط العود الى نحو الميقات بمقدار الإمكان و ان كان الأقوى عدم وجوبه نعم لو كان في الحرم خرج الى خارجه مع الإمكان و مع عدمه يحرم من مكانه و الأولى الأحوط الرجوع الى نحو خارج الحرم بمقدار الإمكان.

و كذا الحال لو كان تركه لنسيان أو جهل بالحكم أو الموضوع، و كذا الحال لو كان غير قاصد للنسك و لا لدخول مكة فجاوز الميقات ثم بدا له ذلك فإنه يرجع الى الميقات بالتفصيل المتقدم.

______________________________

التعبير بعنوان «العلة» و استثنائها مع شمول الرواية المتقدمة لجميع المواقيت.

و كيف كان لا تنبغي المناقشة في ان مقتضى الروايات الواردة في المسألة عدم لزوم إنشاء الإحرام بالنية و التلبية أيضا للمريض غير المتمكن من نزع اللباس و لبس الثوبين كما ان ظاهرها عدم لزوم العود الى الميقات و لو مع التمكن منه فإنّه و ان لم يقع فيها تعرض لموقع الإحرام إذا زالت العلة و ارتفعت لكن المنساق منها هو الإحرام بمجرد زوال العلّة من دون لزوم العود الى الميقات و من دون جواز التأخير عن وقت الزوال و يؤيده ما ورد في الناسي و الجاهل من الإحرام حال ارتفاع العنوانين و ان كان يفترق المقام عنهما في

لزوم العود الى الميقات فيهما مع الإمكان و عدمه هنا.

و دعوى انه لا ملاءمة بين المرض و بين ترك النية و التلبية بعد انه لا مئونة فيهما و لا عسر و لا حرج بالإضافة إليهما مدفوعة بأنّه ليس البحث و النظر مقصورا عليهما بل لا بد من ملاحظة ما يترتب على الإحرام من لزوم الاجتناب عن محرماته الكثيرة التي تزيد على عشرين و رعاية ذلك موجبة للمشقة و العسر بالإضافة إلى المريض و عليه فالاعتبار أيضا يساعد ما تفيده الروايات فلا محيص عن الأخذ بمقتضى الروايات و ان كانت المسألة غير منقحة في كثير من الكتب الفقهيّة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 119

و لو نسي الإحرام و لم يتذكر الى آخر اعمال العمرة و لم يتمكن من الجبران فالأحوط بطلان عمرته و ان كانت الصحة غير بعيدة و لو لم يتذكر الى أخر أعمال الحج صحت عمرته و حجّه (1).

______________________________

(1) قد وقع التعرض في هذه المسألة لفروع متعددة:

الأوّل: ما لو كان له عذر عن أصل إنشاء الإحرام في الميقات بمعنى عدم التمكن من النية و التلبية أيضا لمرض أو إغماء أو نحو ذلك قال في الشرائع انه لو أخره عن الميقات لمانع ثم زال المانع عاد الى الميقات فان تعذر جدّد الإحرام حيث زال. و قال في القواعد: و لا يجوز تأخيره عنها الّا لعذر فيجب الرجوع مع المكنة و لا معها يحرم حيث زال المانع. و في الجواهر: ذكر ذلك غير واحد مرسلين له إرسال المسلّمات.

و الظاهر ان مورد كلام الفاضلين صورة إمكان الإحرام بالنية و التلبية دون صورة عدم الإمكان و يدل عليه ما ذكره في القواعد أيضا

من انّه لو لم يتمكن من نية الإحرام لمرض و غيره أحرم عنه وليّه و جنّبه ما يتجنّبه المحرم.

و كيف كان فيدل على جواز التجاوز عن الميقات من غير إحرام في هذه الصورة استثناء صورة العلّة من الحكم بعدم جواز التجاوز عن الميقات و غيره مما تقدم في المسألة السّابقة بل الفرد الظاهر من العلة المجوزة مثل الإغماء و ما يشابهه من المرض.

لكن الظاهر ان الحكم المذكور لا يكاد يشمل مثل المغمى عليه ممن لا يصلح لتوجه الخطاب اليه فضلا عن تنجز التكليف بالإضافة إليه فلا مجال لان يقال انّ العلّة مجوزة لتجاوزه و عليه فاللازم البحث في ان الحكم بحرمة التجاوز هل يشمل وليّ المغمى عليه أو غيره ممن أتاه إلى الميقات لعدم كونه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 120

..........

______________________________

قادرا على إتيان الميقات و عدم كونه شاعرا بذلك أصلا أو لا يشمله فلا يجب الإحرام به و لا الإحرام عنه بخلاف المفروض في المسألة الخامسة و هو المريض القادر على النية و التلبية غير المتمكن من نزع اللباس و لبس ثوبي الإحرام.

و قد عرفت ان كلام المحقق في الشرائع لا يشمل هذا الفرض نعم حكى عنه انه قال في المعتبر: و من منعه مانع عند الميقات فان كان عقله ثابتا عقد الإحرام بقلبه و لو زال عقله بإغماء و شبهه سقط عنه الحج و لو أحرم عنه رجل جاز و لو أخّر و زال المانع عاد الى الميقات ان تمكن و الا أحرم من موضعه.

و الظاهر ان ذيل كلامه ناظر الى الفرض الأول و هو ما كان عقله ثابتا.

و قد استدل لجواز إحرام رجل عنه بمرسلة جميل الآتية

ثم قال: و الذي يقتضيه الأصل ان إحرام الوليّ جائز لكن لا يجزي عن حجة الإسلام لسقوط الفرض بزوال عقله نعم إذا زال العارض قبل الوقوف أجزأه.

و مقتضاه انه مع قطع النظر عن المرسلة يكون مقتضى الأصل أي القاعدة جواز إحرام الوليّ عنه لكن لا يكون مجزيا في إحدى الصورتين و عليه فاللازم التكلم في المرسلة أولا و في مقتضى القاعدة ثانيا فنقول:

امّا الأوّل: فقد روي الكليني عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل بن درّاج عن بعض أصحابنا عن أحدهما- ع- في رجل نسي أن يحرم أو جهل و قد شهد المناسك كلّها و طاف و سعى قال تجزيه نيّته إذا كان قد نوى ذلك فقد تمّ حجّه و ان لم يهلّ، و قال في مريض أغمي عليه حتى اتى الوقت فقال يحرم عنه «1».

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب العشرون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 121

..........

______________________________

و رواه في الوسائل في أبواب المواقيت عن الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما- عليهما السلام- في مريض أغمي عليه فلم يعقل حتى اتى الوقت فقال يحرم عنه رجل «1».

و رواه في أبواب الإحرام عنه بالسند المذكور لكن ذكر مكان الوقت «الموقف» و ذكر الوقت بعنوان النسخة «2» كما انه حكاها في الجواهر و الحدائق مع ذكر الموقف فقط و في الوافي ذكر الوقت كذلك.

و عليه فربما يقال انه حيث تكون الرواية مرددة بين الموقف و بين الوقت و على التقدير الأوّل لا يرتبط بالمقام فتسقط عن صلاحية الاستدلال و لو مع قطع النظر عن الضعف و الإرسال.

هذا

و الظاهر حصول الطمأنينة للنفس بكون الثابت في الرواية هو عنوان الوقت لكونها مروية (هكذا) في الكافي الذي هو أضبط من التهذيب في نقل الرواية مع ان المنقول عن التهذيب في الوسائل في أبواب المواقيت و في الوافي الذي كان صاحبه دقيقا في ضبط الرواية هو الوقت فقط.

ثم انه لا يبعد ان يقال بأنه على تقدير كون الثابت هو عنوان الموقف يكون المراد به هو الميقات لانه موقف الإحرام و نزع اللباس و يشعر بذلك كلام صاحب الجواهر حيث انه مع نقل الرواية بهذا العنوان لا دلالة في كلامه على عدم ارتباطها بالمقام.

و امّا قوله- ع- يحرم عنه أو يحرم عنه رجل فقد ذكر السيد- قده- في العروة أن المستدل بهذه الرواية قال بلزوم نيابة الغير عن المغمى عليه ثم

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب العشرون ح- 4.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الخمسون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 122

..........

______________________________

استظهر خلافه و انه لا دلالة لها على النيابة بل مفادها انه يحرمه رجل و يجنّبه عن محرّمات الإحرام.

هذا و لكن ظاهر العبارة المتقدمة عن القواعد و الذي حكاه في كشف اللثام عن الأحمدي و النهاية و المبسوط و المهذب و الجامع و المحكي عن الدروس هو إحرام الرجل بالمغمي عليه و ان وقع التعبير بكلمة «عن» الّا ان تعقيبها بان يجنّبه ما يتجنّبه المحرم ظاهر في ذلك نعم ظاهر كلام المعتبر المتقدم هي النيابة عنه في الإحرام هذا و لكن حيث ان الرواية مرسلة لا تصلح للاعتماد عليها و ان كان ظاهر الجماعة المتقدمة ذلك بل ظاهر المدارك العمل به و في مرآة العقول للمجلسي- في شرح

الحديث- انه مرسل كالحسن و لكن مع ذلك كلّه لا اعتبار لها و يمكن ان يكون مستند الجماعة خصوصا مثل صاحب المدارك الأصل و القاعدة كما عرفت في كلام المحقّق في المعتبر.

و امّا الثاني: فالظاهر انه لم ينهض دليل على لزوم النيابة عن المغمى عليه في الإحرام بل لا يكون الإحرام بمجرّده قابلا للنيابة و ليس كالطواف الذي يقبلها كما انه لم ينهض على لزوم الإحرام به نعم ثبت الإحرام بالغير في مورد الصبي على ما عرفت البحث فيه سابقا بل لا دليل على المشروعية و الصحة و ان لم يكن لازما نعم ورد في بعض الروايات الإحرام بالمرأة المريضة التي لا تعقل لكن موردها المجنونة التي تكون مجنونة إلى آخر الاعمال و لا تشمل المغمى عليه و ان توهم بعض الشمول لكنه في غير محلّه و عليه إذا زال الإغماء و نحوه يجب عليه العود الى الميقات مع التمكن منه لتوقف الواجب عليه و إمكان الإحرام من الميقات و مع عدم التمكن من العود اليه لا دليل على جواز الإحرام من مكانه و لا دليل على إلغاء الخصوصية مما ورد في الناسي و الجاهل من الدليل الدال على انهما مع عدم التمكن من العود الى الميقات يحرمان من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 123

..........

______________________________

موضعهما كما سيأتي بل الظاهر انه في هذه الصورة لا يتمكن من الحج و لا يكون مستطيعا في هذه السنة و اللازم ملاحظة الاستطاعة بالإضافة إلى السنة الآتية و على ما ذكرنا لا يبقى للأحكام الأخرى المذكورة في المتن للمغمى عليه و نحوه مجال أصلا.

الفرع الثاني: ما إذا كان ترك الإحرام في الميقات لأجل النسيان

أو الجهل و قد ورد فيهما روايات امّا ما ورد في خصوص النسيان فروايتان:

إحديهما: صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم قال: قال أبي: يخرج الى ميقات أهل أرضه فإن خشي ان يفوته الحج أحرم من مكانه، فان استطماع ان يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم «1».

ثانيتهما: صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليهما السلام- قال سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر و هو بعرفات ما حاله؟ قال يقول اللهم على كتابك و سنّة نبيّك، فقد تمّ إحرامه فإن جهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده ان كان قضي مناسكه كلّها فقد تمّ حجّه «2».

و امّا ما ورد في خصوص الجاهل فهي صحيحة معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم فقالوا: ما ندري أ عليك إحرام أم لا و أنت حائض فتركوها حتى دخلت

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الرابع عشر ح- 1.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الرابع عشر ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 124

..........

______________________________

الحرم فقال- ع- ان كان عليها مهلة فترجع الى الوقت فلتحرم منه، فان لم يكن عليها وقت «مهلة» فلترجع الى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها. «1» و فيما رواه الشيخ: بقدر ما لا يفوتها الحج فتحرم.

و مقتضاها لزوم الرجوع الى الميقات مع الإمكان و المهلّة و مع عدمه لزوم الرجوع الى ما قدرت عليه نحو الميقات مع رعاية عدم فوت الحجّ.

لكن في مقابلها روايات ثلاثة:

إحداها: ما رواه الحميري

في قرب الاسناد عن عبد اللّٰه بن الحسن عن على بن جعفر عن أخيه- عليه السلام- قال سألته عن رجل ترك الإحرام حتّى انتهى الى الحرم فأحرم قبل ان يدخله قال: ان كان فعل ذلك جاهلا فليبن مكانه ليقضي (فليبين مكانه و ليقض) فان ذلك يجزيه ان شاء اللّٰه، و ان رجع الى الميقات الذي يحرم منه أهل بلده فإنه أفضل. «2» و هي تدل على عدم لزوم العود الى الميقات و لو مع التمكن منه و لكنها ضعيفة بعبد اللّٰه بن الحسن.

ثانيتها: رواية سورة بن كليب قال: قلت لأبي جعفر- عليه السلام- خرجت معنا امرأة من أهلنا فجهلت الإحرام فلم تحرم حتى دخلنا مكّة و نسينا أن نأمرها بذلك قال: فمروها فلتحرم من مكانها من مكة أو من المسجد «3». و لم يقع التصريح بوثاقة سورة بل روي الكشي عن نفسه انه سئل رجل عن الدليل لامامة الصادق- ع- فبيّن له و إطلاقها يشمل صورة التمكن من العود الى الميقات و لكنّه محمول على صورة عدم التمكن خصوصا في تلك الأزمنة سيّما بالإضافة إلى مرية واحدة.

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الرابع عشر ح- 4.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الرابع عشر ح- 10.

(3) وسائل أبواب المواقيت الباب الرابع عشر ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 125

..........

______________________________

ثالثتها: رواية أبي الصباح الكناني قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل جهل ان يحرم حتى دخل الحرم كيف يصنع؟ قال: يخرج من الحرم ثمّ يهلّ بالحجّ. «1» و إطلاقها أيضا محمول على صورة عدم التمكن كما انّ مثلها يصلح لتقييد إطلاق ما يدل على جواز الإحرام من الحرم و ان استطاع

ان يخرج من الحرم و يوجب اختصاصه بصورة عدم الاستطاعة. و امّا ما ورد في الناسي و الجاهل معا فصحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل مرّ على الوقت الذي يحرم الناس منه فنسي أو جهل فلم يحرم حتى اتى مكّة فخاف ان رجع الى الوقت ان يفوته الحج فقال: يخرج من الحرم و يحرم و يجزيه ذلك. «2»

و ربما يقال بدلالة صحيحة أخرى للحلبي على حكم الناسي و الجاهل بل العامد أيضا قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم فقال: يرجع الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم فإن خشي ان يفوته الحج فليحرم من مكانه فان استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج. «3»

و لكنك عرفت اتحادها مع صحيحته الاولى و عدم كونهما روايتين و عليه فلم يعلم كون مورد السؤال هو خصوص الناسي أو مطلق التارك فلا تكون الرواية حجة فيما عدا الناسي مع انك عرفت أيضا ان الترك المغيّى بغاية مثل دخول الحرم لا يشمل ما تحقق عن عمد. هذه هي مجموع الروايات الواردة في هذا الفرع و المستفاد ممّا اعتبر منها بعد تقييد المطلق منها انه لا شبهة في لزوم العود الى الميقات مع التمكن و ان دخل الحرم كما هو مقتضى إطلاق أدلة المواقيت أيضا كما أنه

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الرابع عشر ح- 3.

(2) وسائل أبواب المواقيت الباب الرابع عشر ح- 2.

(3) وسائل أبواب المواقيت الباب الرابع عشر ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 126

..........

______________________________

لا شبهة في صحة الإحرام من الحرم بل من مكة بل من المسجد

إذا لم يستطع ان يخرج من الحرم الى خارجه و امّا الرجوع نحو الميقات بالمقدار الممكن مع عدم التمكن من العود الى نفسه فقد دل على لزومه صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة الواردة في الحائض الجاهلة الداخلة في الحرم و قد ذكر بعض الاعلام- قدّس سرّه- ان التعدي عنها الى غيرها من ذوي الاعذار و الناسي و الجاهل قياس لا نقول به فيختص بالطامث الجاهلة.

مع ان الظاهر بمقتضى إلغاء الخصوصية عدم كونه قياسا بل يمكن دعوى الأولوية فإن المرأة سيما إذا كان جهلها مستندا الى الحيض و الطمث إذا وجب عليها الرجوع نحو الميقات و الابتعاد عن الحرم بالمقدار الممكن فغيرها بطريق اولى و عليه فدعوى اختصاصها بالحائض الجاهلة مشكلة جدّا.

و لكن أشدّ إشكالا منها التصرف في المطلقات الواردة في خصوص الناسي أو الناسي و الجاهل معا الظاهرة في انه ان استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج فان حملها على خصوص من يكون قادرا على الخروج من الحرم فقط و لا يكون قادرا في خارج الحرم على العود الى جانب الميقات و لو بمقدار قليل في كمال البعد لاقتضائه الحمل على الفرد النادر جدّا لندرة الفرض المزبور و حمل المطلق على المقيد لم يقم عليه دليل مطلقا بل الملاك هي الأقووية في الظهور و من الظّاهر ان التصرف في هذه المطلقات و تقييدها بالصّورة المزبورة ليس بأولى من جعل المطلقات قرينة على التصرف في الصحيحة المزبورة و حملها على الاستحباب حتى بالإضافة إلى موردها و هو الحائض الجاهلة و لعلّ هذا هو الوجه لما يستفاد من المتن من عدم وجوب العود الى جانب الميقات عند عدم التمكن من العود اليه كما يظهر من تشبيه الناسي

و الجاهل بمن كان له عذر عن إنشاء أصل الإحرام كالمغمى عليه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 127

..........

______________________________

و بالجملة ملاحظة الروايات و الجمع بينها من هذه الجهة يمكن بأحد وجوه ثلاثة:

الوجه الأوّل: ما افاده بعض الاعلام- قده- من تخصيص الصحيحة بموردها و التفصيل بين الحائض الجاهلة و بين غيرها من الناسي و الجاهل بالحكم بوجوب الرجوع و العود الى جانب الميقات بالمقدار الممكن في الأول دون الثاني.

الوجه الثاني: جعل الصحيحة بعد إلغاء الخصوصية عن موردها مقيدة للإطلاقات الدالة على انه ان استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج الظاهرة في الاكتفاء بمجرد الخروج و ان كان قادرا على العود الى جانب الميقات و حملها على خصوص غير القادر و لعلّ هذا هو المراد من الوجه الذي قال في المسالك: في وجوب العود الى ما أمكن من الطريق وجه، و ان استدل له بقاعدة الميسور أيضا لكنها ممنوعة جدّا لانه لم ينهض دليل على لزوم كون من مرّ على الميقات محرما في جميع المسافة من جهة المكان و الزمان بل الدليل انما دلّ على لزوم الإحرام من الميقات و توقف الخروج من الإحرام على الحج أو العمرة و من المعلوم ارتفاع اللزوم بسبب الجهل أو النسيان فلا مجال للتمسك بهذه القاعدة في المقام.

الوجه الثالث: جعل المطلقات بعد ظهورها في الإطلاق ظهورا قويّا بحيث يكون تقييدها بعيدا جدّا قرينة على التصرف في الصحيحة و حمل الأمر بالرجوع بالمقدار الممكن على الاستحباب كما عرفت انه مستند المتن ظاهرا و هذا الوجه أظهر الوجوه الثلاثة. ثمّ ان ظاهر ما ورد من الروايات في الجاهل و ان كان هو الجاهل بالحكم الّا ان الظاهر كما في

المتن عدم الاختصاص به بل الشمول للجاهل بالموضوع أيضا لعدم الفرق و الظاهر كما قيل كون الحكم إجماعيّا أيضا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 128

..........

______________________________

الفرع الثالث: ما لو جاوز الميقات من دون إحرام لأجل عدم كونه قاصدا للنسك من حج أو عمرة و عدم كونه قاصدا لدخول مكة و لا لدخول الحرم فبدا له ان يحج أو يعتمر أو يدخل أحدهما فإن تمكن من العود الى الميقات و الرجوع اليه و الإحرام منه فلا إشكال في لزوم الإحرام منه بمعنى اشتراطه في صحة عمله و توقفها على الإحرام من الميقات.

و ان لم يتمكن من الإحرام من الميقات ففي المتن جريان حكم الناسي و الجاهل بالنسبة إليه من الإحرام من خارج الحرم عند القدرة و الاستطاعة و من داخل الحرم عند عدم الاستطاعة و عدم القدرة على ان يخرج الى خارجه.

و ما استدلّ له أو يمكن الاستدلال به وجوه أربعة:

أحدها: الإجماع و يرد عليه مضافا الى انّ صاحب الجواهر- قد- نفى وجدان الخلاف في مساواة حكمه مع الناسي و لم ينقل الإجماع، انه على تقديره لا يكون الإجماع المنقول بحجة و على تقدير كونه محصّلا لا يكون مجديا بعد احتمال كون مستنده بعض الوجوه الآتية.

ثانيها: الأولوية القطعية و قد تمسك بها صاحب الجواهر و بعض شرّاح العروة نظرا الى ان المكلف بالحج إذا سقط عنه وجوب الإحرام من الميقات و جاز له الإحرام من غيره فثبوت هذا الحكم لمن لم يكن مأمورا بالحج من الأوّل واقعا لعدم المقتضي بطريق اولى.

و يرد عليه انه كما ان الحكم في الناسي و الجاهل مطلق شامل للنسك الواجب و المستحب لإطلاق الروايات الواردة في حكمهما

كذلك ما هو المفروض في المقام تارة كان يجب عليه الحج في هذا العام و لكنه لم يكن قاصدا للإتيان به

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 129

..........

______________________________

فيه و لم يكن مروره على الميقات بقصد الإتيان به لكنه بعد التجاوز عنه بدا له ذلك و قصد الإتيان بالواجب و اخرى لا يكون واجبا عليه لكنه بعد التجاوز بدا له ان يحج استحبابا كما انه يمكن تصوير صورة ثالثة و هي تحقق الاستطاعة له بعد التجاوز عن الميقات فأراد أن يحج لأجلها ففي الصورة الاولى لا مجال لدعوى الأولوية الظنية فضلا عن القطعية لأنّ معذورية الناسي و الجاهل العازمين على الإحرام على تقدير عدم النسيان و الجهل لا يستلزم معذورية العاصي المفروض و مروره على الميقات من دون إحرام و ان لم يكن محرّما بالحرمة التكليفية لعدم كونه قاصدا للحج و لا لدخول مكة أو الحرم الّا ان الكلام ليس في هذا الحكم بل في الحكم الوضعي الذي مرجعه إلى مدخلية الإحرام من الميقات في صحة حجّه و عمرته و قد قام الدليل الخاص في الجاهل و الناسي و لم يدل دليل عليه في المقام بل مقتضى الأدلة العامّة الواردة في المواقيت عدم الصّحة و عدم الاكتفاء بالإحرام من غيرها كما انه في الصورة الثانية التي بدا له ان يحج- مثلا- استحبابا لا مجال لدعوى الأولويّة لأن التسهيل الوارد بالإضافة إليهما بمقتضى الروايات الخاصة المتقدمة لا يستلزم التسهيل بالإضافة إلى غيرهما كما لا يخفى.

و امّا الصورة الثالثة فيمكن ان يقال فيها بعدم تحقق الاستطاعة بعد عدم إمكان الإحرام من الميقات و فرض مدخليته في صحة الحج و عدم دلالة ما ورد

في الناسي و الجاهل على حكم غيرهما و منع ثبوت الأولوية بعد عدم التكليف فتدبّر.

ثالثها: صدر صحيحة الحلبي المتقدمة المشتملة على السؤال عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم و يظهر الاستدلال به من صاحب الجواهر نظرا الى ان إطلاق الترك يشمل ما هو المفروض في المقام و هو من لم يكن مريدا للنسك و لا لدخول مكة أو الحرم.

و يرد عليه مضافا الى ما عرفت من اتحاد هذه الرواية مع صحيحته الأخرى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 130

..........

______________________________

المشتملة على السؤال عن خصوص الناسي و عليه فلم يعلم كون المذكور في السؤال هو عنوان الترك المطلق أو خصوص الترك الناشئ عن النسيان انه على تقدير كون مورد السؤال هو الترك لا يشمل المقام و ان قلنا بشموله للترك عن عمد على خلاف ما استظهرنا منه كما مرّ و ذلك لان الظاهر من السؤال و الجواب هو كون المفروض ما لو ترك الوظيفة الثابتة عليه المقررة له و في المقام لا تكون وظيفته حين العبور الإحرام فالرواية لا تشمله بوجه و ان قلنا بشمولها للعامد.

رابعها: ذيل صحيحة الحلبي المتقدمة و هو قوله- ع-: فإن خشي ان يفوته الحج فليحرم من مكانه و قد استدل به بعض الاعلام- قده- في شرح العروة نظرا إلى انه يستفاد منه جواز الإحرام من غير الميقات في كل مورد يخشى ان يفوت الحج منه قال: «و المفروض ان هذا الشخص قد وجب عليه الحج بالفعل و لا يجوز له التسويف و فرضنا انه لا يتمكن من الذهاب الى الميقات لضيق الوقت و غيره من الاعذار فيحرم من غير الميقات الى ان قال مورد السؤال و

ان كان لا يشمل المقام لكن تعليله بخشية فوت الحج شامل له فان المستفاد من التعليل ان المدار في جواز الإحرام من غير الميقات بخوف فوت الحج الواجب عنه».

و يرد عليه مضافا الى ما عرفت من عدم كون الكلام في خصوص الحج الواجب بل في الأعم منه و من الحج المستحب و الرواية مطلقة سؤالا و جوابا ان حمل الفقرة المذكورة على التعليل لا شاهد له بوجه فان المفروض فيها فوت الحج عن الناسي أو مطلق التارك غير الشامل للمقام على ما اعترف به- قده- فان تجويز الإحرام من غير الميقات بالإضافة إليه لئلّا يفوت منه الحج لا دلالة له على التجويز في غير مورده و ليس هذا بمنزلة التعليل الموجب لسراية الحكم بالإضافة الى غير مورده كما لا يخفى.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لم يقم دليل على اتحاد حكم هذا الفرض

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 131

..........

______________________________

مع الناسي و الجاهل فاللازم بمقتضى القاعدة عدم صحة حجّه عند عدم التمكن من العود الى الميقات و الإحرام منه.

الفرع الرّابع: ما لو نسي الإحرام إلى آخر الاعمال و المناسك فتارة يكون ذلك في العمرة و اخرى يكون في الحج، و العمرة في الصورة الأولى قد تكون عمرة مفردة و اخرى تكون عمرة التمتّع و قد وقع عنوان هذا الفرع في المتن بخصوص الناسي و لكن الظاهر بقرينة ما سبق من التشريك بين الناسي و الجاهل في الحكم ثبوت التشريك هنا أيضا و ان الحكم لا يكون مختصّا بالناسي و كيف كان فالمشهور شهرة عظيمة كما في الجواهر بل في محكي الدروس نسبته إلى الأصحاب عدا الحلّي صحة عمله

و عدم وجوب القضاء اى تأدية ما كان يريد الإحرام له من حج أو عمرة ان كان واجبا و المحكي عن الحلّي صاحب السرائر وجوب القضاء في الصورة المذكورة قال فيها بعد ما نسب صحة الحج الى ما روي في أخبارنا:

«و الذي تقتضيه أصول المذهب انه لا تجزى و تجب عليه الإعادة لقوله- ص- إنما الأعمال بالنيّات و هذا عمل ب لا نية فلا يرجع عن الأدلّة بأخبار الآحاد و لم يوردها و لم يقل به أحد من أصحابنا سوى شيخنا أبي جعفر- قده- فالرجوع إلى الأدلة أولى من تقليد الرجال».

أقول: ما ورد من النصوص في هذا الفرع لا يتجاوز عن اثنين:

أحدهما: ما رواه الكليني عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما- عليهما السلام- في رجل نسي أن يحرم أو جهل و قد شهد المناسك كلّها و طاف و سعى، قال تجزيه نيّته إذا كان قد نوى ذلك فقد تمّ حجّه و ان لم يهلّ، و قال في مريض أغمي عليه حتّى اتى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 132

..........

______________________________

الوقت فقال يحرم عنه «1».

و الكلام في الرواية تارة من حيث السند و اخرى من جهة الدلالة:

امّا من الجهة الأولى فالظاهر انه لا يمكن انجبار ضعف السند بالإرسال من طريق كون جميل من أصحاب الإجماع لما مرّ غير مرة من انّ كون الرجل من أصحاب الإجماع عبارة أخرى عن كونه مجمعا على وثاقته و صحة روايته و لا يستلزم ذلك الصحة و ان كان المرويّ عنه مجهولا أو ضعيفا كما ان اعتبار مراسيل ابن أبي عمير على تقدير الشمول

للإرسال مع الواسطة لا دليل عليه أصلا فيبقى انحصار الانجبار من طريق ثبوت الشهرة الفتوائية و استناد المشهور إلى الرواية بناء على كونه جابرا كما هو مقتضى التحقيق و قد عرفت ان صاحب الجواهر ادّعى الشهرة العظيمة و صاحب الدروس نسبه الى الأصحاب عدا الحلّي لكن التعبير عن المشهور ب «قيل» كما في الشرائع ربما يوهن الشهرة كما ان ما عرفت من عبارة الحلّي ربما يؤيّد عدمها و لكن مع ذلك لا مجال لطرح الرواية بملاحظة الفتاوي.

و امّا من الجهة الثانية: فالرواية صريحة بالإضافة إلى صورتي الجهل و النسيان كما انه لا مجال للمناقشة في دلالتها بالإضافة إلى الحج إذا ترك الإحرام فيه جهلا أو نسيانا الى آخر الاعمال و انّه يجزيه و لا يجب عليه الإعادة نعم يأتي البحث بالنسبة إلى التقييد بقوله- ع- إذا كان قد نوى ذلك.

و امّا بالإضافة إلى العمرة المفردة فالظاهر عدم شمول الرواية لها لدلالتها على أجزاء الحج الواقع بدون إحرام كذلك و لا دلالة لها على أجزاء العمرة المفردة من دون فرق بين عمرة القران و الافراد و بين مطلق العمرة المفردة.

و امّا عمرة التمتع فتارة يتحقق نسيان الإحرام فيها الى آخر اعمالها و بعد الفراغ

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب العشرون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 133

..........

______________________________

عنها يرتفع النسيان و يستكشف انها وقعت بأجمعها بلا إحرام و اخرى يستمرّ و يدوم النسيان الى آخر اعمال الحج و في الصورة الأولى تارة يتمكن من إعادتها بالإحرام من الميقات أو مما أمكن و اخرى لا يتمكن منها لضيق الوقت و شبهه.

و الظاهر انه يمكن استفادة الصحة من الرواية في الصورة الثانية بل

يمكن دعوى الأولوية بالإضافة إلى الحجّ و الحكم بالصحة فيها أيضا و امّا الصورة الأولى فاستفادة الصحة منها فيها مشكلة فإن عمرة التمتع و ان كانت مرتبطة بالحج و هما معا عمل واحد مرتبط و لأجله ربما يطلق عليها الحج بلحاظ كونها من اجزائه الّا انه مع ذلك لا مجال لدعوى ظهور الرواية في صحتها أيضا و عليه فمع التمكن من الإعادة تجب عليه الإعادة و مع عدمه لا تبعد دعوى انقلاب وظيفته الى حجّ الافراد كما في مورد الحيض على ما تقدم البحث فيه مفصّلا.

و الظاهر ان المراد من عدم التمكن من الجبران في المتن هو الفرض الثاني من الصورة الأولى كما ان عنوان الجبران انما يكون مورده عمرة التمتع لأن العمرة المفردة قابلة للجبران دائما كما لا يخفى.

ثمّ انّ المنوي في قوله- ع- تجزيه نيّته إذا كان قد نوى ذلك .. هل هو الإحرام أو مجموع الحج بتمام أفعاله و مناسكه؟ الظاهر انه لا سبيل إلى الأوّل لأنه مضافا الى ان الجاهل المفروض في الرواية معطوف على الناسي لا يكاد يتحقق منه نيّة الإحرام لأنه لا يجتمع ذلك مع الجهل كما هو ظاهر لا يعقل تعلّق النيّة بالإحرام كما سيأتي تحقيقه في البحث عن حقيقة الإحرام فاللازم ان يكون المراد بالمنوي هو مجموع أفعال الحج، و الظاهر ان قوله- ع- إذا كان قد نوى ذلك لا دلالة له على مدخلية أمر زائد على قوله تجزيه نيّته و ان كان الظاهر من محكيّ نهاية الشيخ- قده- ذلك حيث قال: «فان لم يذكر أصلا حتى فرغ من جميع مناسكه فقد تمّ حجة و لا شي ء عليه إذا كان قد سبق في عزمه الإحرام» و يدل

على عدم اعتبار قيد زائد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 134

..........

______________________________

ما عرفت من عدم اجتماع ذلك مع الجهل.

ثانيهما: صحيحة على بن جعفر عن أخيه- عليهما السلام- قال سألته عن رجل كان متمتعا خرج الى عرفات و جهل ان يحرم يوم التروية بالحجّ حتى رجع الى بلده قال: إذا قضي المناسك كلّها فقد تم حجّه «1».

و ظهور الرواية في تمامية الحج و صحته في صورة وقوعه بتمامه بدون الإحرام و مع تركه عن جهل لا مناقشة فيه و الظاهر عدم الاختصاص بالجاهل بل الحكم جار في الناسي و لو لم نقل بصدق الجاهل عليه لاتحاد الملاك و المناط و الاشتراك بينهما في الرواية السّابقة و في جميع احكام ترك الإحرام من الميقات على ما تقدم تفصيله.

ثم انّ الحكم بصحة الحج مع وقوعه بدون الإحرام نسيانا أو جهلا لا يستلزم الحكم بصحة العمرة كذلك و لو كانت عمرة التمتع لا من طريق الأولوية و لا من أجل إلغاء الخصوصية و ذلك انّما هو لجهة موجودة في الحج مختصة به و هو تقيّده بوقت مخصوص دون العمرة و لو كانت عمرة التمتع، مع انّ التبدل فيها لأجل الضيق جار دون الحج فتدبر فلا يمكن استفادة حكم غير الحج من الصحيحة نعم الظاهر عدم الاختصاص بحج التمتع بل جريانه في قسيميه أيضا هذا تمام الكلام في أحكام المواقيت.

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب العشرون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 135

[القول في كيفية الإحرام]

اشارة

القول في كيفية الإحرام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 137

القول في كيفية الإحرام الواجبات وقت الإحرام ثلاثة:

[الأوّل: القصد]

اشارة

الأوّل: القصد لا بمعنى قصد الإحرام بل بمعنى قصد أحد النّسك فإذا قصد العمرة- مثلا- و لبّى صار محرما و يترتب عليه احكامه و امّا قصد الإحرام فلا يعقل ان يكون محقّقا لعنوانه، فلو لم يقصد أحد النسك لم يتحقّق إحرامه سواء كان عن عمد أو سهو أو جهل و يبطل نسكه أيضا إذا كان الترك عن عمد، و امّا مع السّهو و الجهل فلا يبطل و يجب عليه تجديد الإحرام من الميقات إن أمكن و الّا فمن حيث أمكن على التفصيل المتقدم (1).

______________________________

(1) أقول قد اختلفت الكلمات في المراد بالإحرام و معناه فعن ظاهر المبسوط و الجمل انه أمر واحد بسيط و هو النّية، و عن ابن إدريس انه عبارة عن النية و التلبية و لا مدخل للتجرد و لبس الثوبين فيه، و عن العلامة- قده- في المختلف انه ماهية مركبة من النية و التلبية و لبس الثوبين، و عن الشهيد انه قال: «و كنت قد ذكرت في رسالة انّ الإحرام هو توطين النفس على ترك المنهيات المعهودة الى ان يأتي بالمناسك و التلبية هي الرابطة لذلك التوطين نسبتها إليه كنسبة التحريمة إلى الصلاة الى ان قال: فعلى هذا يتحقق نسيان الإحرام بنسيان النية و بنسيان التلبية» و ذيله شاهد على انّ مراده من التوطين ليس إلّا النّية فإن قوله يتحقق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 138

..........

______________________________

نسيان الإحرام بنسيان النية قرينة على انّ انّها المراد من التوطين و عليه فاحتمال كون مراده منه هو البناء النفساني

و الالتزام كذلك في غير محلّه و ان- كان المحكيّ عن الشيخ الأنصاري- قده- بل المنسوب الى المشهور ان المراد بالإحرام هو العزم على ترك المحرمات و توطين النفس عليه و لذا ذكروا انه لو بني على ارتكاب شي ء من المحرمات بطل إحرامه لعدم كونه قاصدا للإحرام كما في الصوم إذا لم يقصد الإمساك عن بعض ما يجب الإمساك عنه فإنه لا يتحقق الصوم بوجه.

و لكن يرد عليه ان لازم ذلك العلم بجميع محرمات الإحرام حتى يمكن ان يتحقق العزم على تركها و من الظاهر عدم توقف الصحّة على ذلك بل ربما يتحقق الإحرام من دون توجه إلى شي ء من محرّماته و لا مجال للحكم بالبطلان فيه أصلا مع ان مقتضاه بطلان الإحرام بارتكاب شي ء من محرّماته خصوصا إذا كان عن عمد كما في الصّوم الذي يبطل في مثل هذه الصّورة.

و التحقيق في هذا الباب ان يقال بوقوع الخلط في كثير من الكلمات بين ماهية الإحرام و حقيقته و بين ما يتحقق الإحرام و يتحصل به و يكون سببا موجبا لحصوله خصوصا مع ملاحظة ان الإحرام بعد تحققه بحصول سببه يبقى الى ان يأتي بالأعمال و المناسك و يخرج منه بمثل الحلق أو التقصير و هذا الأمر الباقي المستمر اليه من دون ان يكون له حالة ضعف و قوة و شدة و نقيصة لا يلائم ان يكون عبارة أخرى عن التلبية بل لا يلائم ان يكون عبارة عن نيّة الحج أو العمرة فإنّها و ان كانت باقية الى أخر الاعمال لكن بقائها انّما هو بحسب الارتكاز بمعنى انه لو سئل عن عمله و التفت اليه يقول بأنه مشتغل بالحج أو العمرة كما في باب الصلاة

مع ان الإحرام انما يكون باقيا حقيقة.

و على ما ذكرنا يظهر انّ الإحرام أمر و ما يتحقق به أمر آخر و لا محالة يكون ذلك الأمر أمرا اعتباريا وضعيا و يكون هو الموضوع للأحكام الكثيرة كما في مثل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 139

..........

______________________________

الزوجية التي هي أمر اعتباري كذلك و موضوع للأحكام المتعددة و يتحقق بسبب العقد المؤثر فيها و لقد أجاد بعض الأفاضل الذي حكى صاحب الجواهر- قده- حاصل كلامه و ان ذكر بعده انه لا حاصل معتدّ به له و لكن الحقّ ان كلامه مشتمل على التحقيق في هذا المجال و ان لم يكن بخال عن الإشكال في الجملة حيث قال: الإحرام هنا كالإحرام في الصلاة و من المعلوم ان معني الإحرام فيها الدخول فيها على وجه يحرم معه الكلام و الضحك و نحوهما مما هو مبطل للصّلاة، أو الدخول فيها على وجه يكون مصلّيا و ان لزمه الأوّل كما ان الأوّل يستلزم الثاني و على كل حال يتحقق ذلك بتكبيرة الإحرام بل سميت بذلك لذلك و ان لم تكن هي السبب في الإحرام بل التكبيرة المقارنة للنية السبب فيه الّا انه لمّا كانت الجزء الأخير من العلة نسب إليها الإحرام و- ح- فالإحرام بالعمرة و الحج هو الدخول فيهما و صيرورة الشخص معتمرا أو حاجّا أو دخوله في حالة يحرم عليه معها ما يحرم على أحدهما ما لم يتحلّل و ذلك امّا هو إيقاع التلبية المقارنة لنيّة العمرة أو الحج و لو حكمية، أو غيره من النيّة الفعليّة لأحدهما الواقعة في الموضع المعين أو هي مع لبس الثوبين اى اللبس المقارن لها و امّا مجموع التلبية

و النية و اللبس فهو راجع الى الأوّل لأن المعلول ينسب الى الجزء الأخير من العلة انتهى ما أردنا نقله و الظاهر ان مراده من قوله امّا هو إيقاع التلبية إلخ هو السبب الموجب لتحقق الإحرام لا انه نفس التلبية فقط أو مع شي ء آخر و الّا لا يبقى وجه للتشبيه بالإحرام الصغير المتحقق في الصّلاة و لا للتعبير بأن الإحرام هو الدخول في الحج أو العمرة أو في الحالة المذكورة كما لا يخفى فلا مجال لا يراد صاحب الجواهر- قده- عليه بأنه جعل الإحرام عبارة عن نفس التلبية. فالمستفاد من كلامه ان الإحرام أمر مسبّبي يمكن تحققه من طريق السبّب و بعد تحققه يبقي الى ان يتحلّل و انّ النية بمعنى نيّة الحج أو العمرة دخيلة في السبب لا محالة غاية الأمر ان الكلام انما هو في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 140

..........

______________________________

كونها تمام السبب أو ان لها متممة لا يتحقق تمامية السبب بدونها و هي التلبية أو لبس الثوبين أو هما معا.

و هذا حقّ لا محيص عنه نعم بين المقام و بين الصلاة فرق يسير و هو ان ما هو الجزء في باب الصلاة انّما هو السبب المؤثر في الإحرام الصغير و ما هو الجزء في باب الحج أو العمرة هو الإحرام الذي يكون مسبّبا فان الجزء في الصلاة هي تكبيرة الإحرام و في الحج هو نفس الإحرام.

و يدلّ على ما ذكرنا روايات متعددة:

منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: التلبية و الاشعار و التقليد فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم. «1» و هي تدل بوضوح

على ان مثل التلبية أمر يوجب الإحرام و يؤثر في تحققه لا انه بنفسه عبارة عن الإحرام كما انّها ظاهرة في عدم مدخلية شي ء آخر في حصول الإحرام نعم لا مجال لاحتمال كون مطلق التلبية و لو لم تكن مقارنة لقصد الحج أو العمرة مؤثرة في الإحرام فإن التلبية الصادرة عن غير مريد الحج أو العمرة لا اثر لها في الإحرام ضرورة فالرواية تدلّ على ان التلبية الصادرة عمن يريد أحدهما و كذا الإشعار أو التقليد اللذين هما مكان التلبية في العمرة و في حج التمتع مؤثرة بمجردها في الإحرام.

و منها: صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال من أشعر بدنته فقد أحرم و ان لم يتكلّم بقليل و لا كثير «2».

و منها: صحيحة حريز بن عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- الواردة فيما إذا

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني عشر ح- 20.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني عشر ح- 21.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 141

..........

______________________________

كانت بدن كثيرة و أريد إشعارها المشتملة على قوله- ع- فإنه إذا أشعرها و قلّدها وجب عليه الإحرام و هو بمنزلة التلبية «1». و الظاهر من الوجوب هو الثبوت الذي هو معناه لغة و دلالتها على ان الإحرام غير الاشعار و ان الاشعار موجب لتحقق الإحرام واضحة و كذا التلبية التي يكون الاشعار بمنزلتها.

و أصرح من الجميع المشتمل على التعرض للنية و التلبية معا و مدخليتهما في الإحرام صحيحة معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد اللّٰه- ع- عن التهيؤ للإحرام فقال في مسجد الشجرة فقد صلّى فيه رسول اللّٰه- ص- و قد ترى أناسا

يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل فتحرمون كما أنتم في محاملكم تقول لبيك اللهم لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبّيك بمتعة بعمرة إلى الحج «2».

و دلالتها على مدخلية التلبية المشتملة على التلفظ بالنيّة المستحب في باب الحج كما تقدم واضحة لكن اشتمالها على النهي عن الإحرام في المسجد و لزوم التأخير إلى البيداء يمنع عن الاستدلال بها الّا ان يقال بالتفكيك بين الأمرين و جواز الاستناد إليها بالإضافة الى الأمر الثاني الذي هو المقصود في المقام و ان لم يجز الاستناد بالنسبة إلى الوجه الأوّل أو يقال بانّ المراد هو تأخير الإجهار بالتلبية إلى البيداء حيث الميل لا تأخير الإحرام و لكن على هذا التوجيه لا تدل الرواية على المقام و مثل هذه الرواية من دون اشكال ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلا من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب قال قال ابن سنان سألت أبا عبد اللّٰه- ع- عن الإهلال بالحج و عقدته قال هو التلبية إذا لبّى و هو متوجه فقد

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني عشر ح- 19.

(2) وسائل أبواب الإحرام أورد صدره في الباب الرابع و الثلثين ح- 3 و ذيله في الباب الأربعين ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 142

..........

______________________________

وجب عليه ما يجب على المحرم «1».

ثم انه في مقابل الروايات المتقدمة بعض ما يكون ظاهره الخلاف كمرسلة النضر بن سويد عن بعض أصحابه قال كتبت الى أبي إبراهيم- عليه السلام- رجل دخل مسجد الشجرة فصلّى و أحرم و خرج من المسجد فبدا له قبل ان يلبّي ان

ينقض ذلك بمواقعة النساء أ له ذلك؟ فكتب: نعم أو لا بأس به «2».

و لكنها مضافا الى ضعف سندها بالإرسال يحمل بقرينة الروايات المتقدمة على ان المراد من قوله: أحرم هو التهيّؤ للإحرام و الاستعداد له بالورود في المسجد و لبس الثوبين.

و مثلها ما رواه الصدوق بإسناده عن حفص بن البختري عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- فيمن عقد الإحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على اهله قبل ان يلبّي قال ليس عليه شي ء «3». بل في بعض الروايات الحكم بثبوت الكفارة مع التصريح بالتهيؤ للإحرام و عدم وقوعه و هي رواية أحمد بن محمّد قال سمعت أبي يقول في رجل يلبس ثيابه و يتهيّأ للإحرام ثم يواقع اهله قبل ان يهل بالإحرام قال:

عليه دم «4». فتدل على ان المراد بعقد الإحرام في الرّواية السابقة هو التهيؤ و لبس الثياب كما لا يخفى مع انّ فرض الوقوع على الأهل بعد تحقق الإحرام حقيقة بعد الخروج من المسجد لا يكاد يتّفق بخلاف الوقوع في الفصل بين التهيّؤ و الإهلال ثم انّ سيد المستمسك- قده- بعد نقل الأقوال التي تقدم نقلها في أوّل البحث ذكر ما حاصله: «ان أخذ النية في مفهوم الإحرام غير معقول لانه فعل اختياري يقع عن

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع عشر ح- 15.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع عشر ح- 12.

(3) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع عشر ح- 13.

(4) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع عشر ح- 14.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 143

..........

______________________________

نية تارة و لا عنها اخرى و لذلك اعتبروا في صحّتها النية و من المعلوم ان النية لا تكون موضوعا للنية فالأقوال الثلاثة الأوّل

على ظاهرها غير معقولة و لعلّها مبنية على المسامحة و امّا التوطين فان كان راجعا إلى النية فهو كغيره غير معقول و ان كان راجعا الى البناء النفساني على ترك المحرمات و الالتزام بذلك فهو معقول لانه فعل اختياري يمكن ان يكون موضوعا للنية كغيره من الأفعال الاختيارية النفسانية بل قد تحقق في محلّه ان العقود و الإيقاعات النفسانية كلّها التزامات نفسانية و هذه الالتزامات اختيارية للموقع ثم استشكل في ان الإحرام هل هو نفس الالتزام أو انه الحاصل من التزام ترك المحرمات و استظهر الثاني و ان الالتزام سبب لإنشاء الإحرام و حصوله نظير سائر المفاهيم الإيقاعية التي يكون إيقاعها بالالتزام لا انه نفس الإحرام كما قد يظهر من الشهيد».

و يرد عليه مضافا- الى ان جعل الإحرام مما يتعلق به النية تارة و عدمها اخرى امرا مسلّما مفروغا عنه بحيث يلزم التصرف و الحمل على المسامحة في الكلمات الظاهرة في مدخلية النية في ماهية الإحرام كلّا أو بعضا لعدم إمكان تعلق النية بالنيّة لم ينهض عليه دليل و ليس ظهور الحكم باعتبار النية في الصحّة بأقوى من ظهور تلك الكلمات في مدخليتها في الماهيّة الّا ان يقال بان الحكم باعتبار المذكور مفتى به للجميع و تلك الأقوال قائلها معدود فتدبّر و الى ان العقود و الإيقاعات النفسانية تكون النية المعتبرة في صحّتها هي الرّضا و طيب النفس غير الموجود في البيع- مثلا- الصادر عن إكراه و بدون نية أصل المعاملة من العقد أو الإيقاع لا مجال لدعوى تحقق الالتزام النفساني- ان عمدة ما يرد عليه هو التهافت بين صدر كلامه و ذيله فان مدلول الصدر ان الإحرام يمكن ان يقع عن نية تارة و

لا عنها اخرى و مفاد الذيل ان الإحرام عبارة عن الالتزام النفساني على ترك المحرمات أو الأمر الحاصل من الالتزام المذكور مع ان الالتزام النفساني و البناء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 144

..........

______________________________

و التعهد كذلك كيف يمكن ان يتحقق بدون النية و كيف يجتمع هذا العنوان مع فقد النيّة و لعلّه من الوضوح بمكان مع انه يرد على أصل جعل الإحرام هو الالتزام أو الأمر الحاصل منه ما عرفت في أوّل البحث في الجواب عن الشيخ الأعظم- قدس سره- و ربّما يستدل له ببعض الروايات المشتملة على التعبير في مقام النيّة بأنّه أحرم لك شعري و بشرى و لحمي و دمي و عظامي و مخي و عصبي من النساء و الثياب و الطيب «1». بالحمل على كون المراد به هو إنشاء الالتزام بذلك و يرد عليه انه قد وقع التصريح قبله بقوله اللهم اني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج و التعبير الأول زائد على أصل الإحرام كما لا يخفى.

ثمّ انّه قد وقع التصريح في المتن و في حاشية العروة بأنّه لو كان الدخيل في الإحرام هي نيّة الإحرام يكون ذلك امرا غير معقول قال- قده- في الحاشية: «بل الإحرام من الأمور الاعتبارية الوضعية يتحقق و يعتبر بعد قصد أحد النسكين أو مع التلبية، و تروكه من أحكامه المترتبة عليه بعد التلبية و ليست التروك عينه و لا جزءه و كذا التلبية و لبس الثوبين، و نسبة التلبية اليه كتكبيرة الإحرام إلى الصلاة على احتمال و يترتب على ذلك أمور لا يسع المقام بيانها و تفصيلها و بهذا يكون من الأمور القصدية لا انّ قصد الإحرام محقق عنوانه فإنه غير

معقول و على ما ذكرنا تدل النصوص و عليه ظاهر فتوى المحققين فراجع».

و يمكن الإيراد عليه بان المستفاد من الأدلة المتقدمة و ان كان مدخلية نية مجموع العمل من الحج أو العمرة فيما يتحقق به الإحرام و يتحصل به في عالم الاعتبار الشرعي الّا انه لو فرض كون الدخيل هي نيّة الإحرام بعنوانه دون نية الحج أو العمرة فأيّ محذور يلزم من ذلك فان جعل موضوع الاعتبار و محقّقه هي

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب 16 ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 145

..........

______________________________

نيّة عنوان الإحرام بضميمة التلبية لا يكون فيه محذور و استحالة كما ان الموضوع لاعتبار الزوجية- مثلا- هو نيّة الزوجية بضميمة ألفاظ الإيجاب و القبول و كما في مثل عنوان التعظيم الذي يتحقق بقصده بضميمة العمل الخارجي مثل القيام و نحوه نعم لو كان الإحرام عبارة عن نفس النية كما عرفت في الأقوال الثلاثة يمتنع تعلق النية بها و امّا لو كان الإحرام عبارة عن الأمر الاعتباري الوضعي الذي يتحقق بالنية و التلبية فلا فرق بين ان يكون ما هو بمنزلة السبب المؤثر لتحقق ذلك الأمر الاعتباري هو نية مجموع العمل و بين ان يكون هو نيّة الإحرام بعنوانه فلم يظهر وجه لعدم المعقولية.

ثمّ انّ من الأقوال و الاحتمالات في باب الإحرام هو القول بأنه عبارة عن نفس التروك و سيأتي البحث فيه في المسألة الاولى إن شاء اللّٰه تعالى.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا ان المستفاد من الروايات ان الإحرام أمر اعتباري يتحقق و يعتبر بعد قصد الحج أو العمرة و الإتيان بالتلبية و ليس لغير هذين الأمرين مدخلية في تحققه بوجه.

و يمكن ان يقال

بعدم مدخلية التلبية أيضا فيما يتحقق به الإحرام غاية الأمر ان التلبية لها دخل في لزومه و عدم جواز نقضه و قبلها يجوز نقضه و ان كان قد تحقق بعد النية بمجردها فانّ التعبير بالإيجاب في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة يمكن ان يقال بظهوره في الإلزام بعد التحقق و كذا التعبير بالوجوب في بعض الروايات المتقدمة أيضا كما في مثل قوله- ع- البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا وجب البيع فانّ الوجوب الحاصل للبيع بعد الافتراق ليس الّا لزوم البيع و عدم جواز نقضه و الّا فاصل البيع قد تحقق قبل الافتراق فالوجوب بالمعنى اللغوي الراجع إلى أصل الثبوت و التحقق حاصل قبل التفرق أيضا و عليه فيمكن ان يقال بانّ التعبير بالوجوب في الروايات في مثل هذه الموارد ظاهر في الاستقرار

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 146

[مسألة 1- يعتبر في النّية القربة و الخلوص]

مسألة 1- يعتبر في النّية القربة و الخلوص كما في سائر العبادات فمع فقدهما أو فقد أحدهما يبطل إحرامه. و يجب ان تكون مقارنة للشروع فيه فلا يكفي حصولها في الأثناء فلو تركها وجب تجديدها (1).

______________________________

و عدم إمكان الحلّ و النقض و يؤيده التعبير بعقد الإحرام قبل التلبية و بالنقض كذلك في بعض الروايات السّابقة و يشعر بهذا الاحتمال عبارة الحاشية و ان كان ظاهر المتن خلافه.

ثمّ انه مع فقد النيّة و عدمها لا يتحقق الإحرام بوجه من دون فرق بين العالم و بين الجاهل و الناسي غاية الأمر ان ترك الإحرام عمدا موجب لبطلان الحج أو العمرة بخلاف تركه نسيانا أو جهلا حيث انه يصح النسك على التفصيل المتقدم في أحكام المواقيت.

(1) امّا اعتبار القربة و الخلوص من

مثل الرياء فلأجل كون الحج و العمرة بجميع أفعالهما من العبادات كما هو المتفق عليه بين الأصحاب حيث يجعلونه في عداد الصلاة و الصيام من العبادات و المرتكز عند المتشرعة أيضا كذلك فإنهم يرونه مثلهما فلا بد من رعاية الأمرين فيه كما فيهما و مع فقدهما أو فقد أحدهما يبطل الإحرام.

و امّا اعتبار كون أصل النية الواجبة في الإحرام مقارنة للشروع فيه فالأصل في هذا الأمر و التعرض له ما حكى عن الشيخ- قده- في المبسوط حيث قال:

«الأفضل ان تكون مقارنة للإحرام فإن فاتت جاز تجديدها الى وقت التحلّل».

و أورد عليه العلامة في المختلف بقوله المحكيّ: «الاولى إبطال ما لم يقع بنيّته لفوات الشرط ..».

و لكن جماعة من أعاظم الفقهاء بعد العلامة تصدّوا لتوجيهه:

منهم الشهيد في محكيّ الدروس حيث قال: «لعلّه أراد نيّة التمتع في إحرامه لا مطلق نية الإحرام و يكون هذا التجديد بناء على جواز نيّة الإحرام المطلق كما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 147

..........

______________________________

هو مذهب الشيخ- قده- أو على جواز العدول الى التمتع من إحرام الحج أو العمرة المفردة» و هو يشتمل على توجهين:

أحدهما: انّ المراد بالنيّة الفائتة التي لا تجب ان تكون مقارنة بل الأفضل ان تكون كذلك هي نيّة عنوان التمتع و امّا نيّة الإحرام فاللازم ان تكون متحققة حال الإحرام مقارنة للشروع فيه و هذا انما يكون على مبني الشيخ القائل بعدم لزوم تعيين النوع من الحج عند الإحرام بل يمكن التعيين قبل التحلل و لو بزمان ما.

ثانيهما: انّ المراد انه و ان عين نوعا خاصّا غير التمتع عند الإحرام لكنه يجوز له العدول الى التمتع ما لم يقع التحلّل هذا و لكن

الظاهر ان كلام الشيخ- قده- لا يساعد شيئا من التوجيهين و لا شاهد فيه عليه بوجه كما لا يخفى.

و منهم صاحب كشف اللثام حيث قال في محكيّه: «و قد يكون النظر الى ما أمضيناه من ان التروك لا تفتقر إلى النيّة و لمّا اجمع على اشتراط الإحرام بها كالصوم قلنا بها في الجملة و لو قبل التحلل بلحظة إذ لا دليل على أزيد من ذلك، و لو لم يكن في الصوم نحو قوله- ص-: لا صيام لمن لم يبيت الصيام قلنا فيه بمثل ذلك و انما كان الأفضل المقارنة لأن النية شرط في ترتب الثواب على الترك».

أقول: تصوير صورة المسألة و هي المقارنة و فواتها و تجديد النيّة لا يكاد يتحقق الّا على هذا المبني و هو الالتزام بكون الإحرام عبارة عن مجرّد التروك الخارجية من دون مدخليّة للنّية في أصل تحقّقه فإنه- ح- يمكن ان تكون النية مقارنة للشروع و يمكن ان تكون متأخرة عنه كما انه يمكن الخلو عن النيّة رأسا.

و امّا على غير هذا المبني فلا يكاد يتصور الإحرام و الشروع فيه بدون نيّة سواء قلنا بما اخترناه تبعا للماتن- قده- من ان الإحرام أمر اعتباري وضعي يتحقق و يعتبر بعد نيّه الحجّ أو العمرة أو مع التلبية أيضا أو قلنا بأنه عبارة عن توطين النفس و الالتزام بترك المحرمات المعهودة الثابتة على المحرم كما عرفت انه مختار

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 148

..........

______________________________

الشيخ الأنصاري- قده- بل المنسوب الى المشهور أو قلنا بأنه الأمر الحاصل من التوطين كما عليه سيد المستمسك أو قلنا بأنه الأمر الحاصل من نية ترك المحرمات فإنه على هذه المباني لا يعقل

ان يتحقق الإحرام و يشرع فيه من دون نيّة كما انه لو قلنا بان المعتبر في الإحرام هي نيّة الإحرام التي عرفت التصريح من الماتن- قده- بعدم معقوليته و ناقشنا فيه آنفا و انه يمكن ثبوتا ان يكون المحقق له هي نية الإحرام لا نية الحج أو العمرة لا يبقي مجال للتصوير و عليه فيرد على مثل الماتن- قده- عدم إمكان تصوير الإحرام بدون مقارنة النية حتى يبحث في لزوم اعتبارها و لزوم التجديد عند فوت المقارنة و لا مجال لاحتمال كون المراد من الفوات هو الفوت الناشئ عن الجهل أو النسيان الراجع الى ترك الإحرام كذلك الذي تقدم البحث فيه مفصّلا كما انه لا مجال لاحتمال ارتباط هذا الأمر بمسألة اعتبار القربة و الخلوص ضرورة ظهور الكلمات في ان اعتبار المقارنة انّما هو في عداد اعتبار القربة و الخلوص كما هو واضح و في طول اعتبار أصل النيّة و على ما ذكرنا ينحصر طريق تصوير المسألة بخصوص ما افاده كاشف اللثام من جعل الإحرام عبارة عن مجرد التروك الخارجيّة و عدم الإتيان بشي ء من محرمات الإحرام.

نعم يرد عليه منع المبني و انه لا يمكن الالتزام بكون الإحرام عبارة عن مجرد التروك الخارجية تشبيها له بالصوم و انه لا فرق بينهما إلا في مجرّد كون النية المعتبرة في الإحرام هي النيّة في الجملة و لو قبل التحلل بلحظة و المعتبرة في الصوم هي النية المقارنة للشروع فإنه مستلزم لما لا يمكن الالتزام به.

و الدليل على بطلان هذا المبنى ان ظاهر الأدلة الواردة في محرمات الإحرام و تروكه ان موضوع الحكم بحرمة تلك الأمور هو عنوان «المحرم» فاللازم بمقتضى تقدم الموضوع على الحكم هو الالتزام بثبوت

هذا العنوان قبل هذه الاحكام و متقدما عليها فلا مجال لتوهم كونه عبارة عن نفس التروك و هذا كما في الزوجية فان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 149

..........

______________________________

عنوانها متحقق قبل الحكم بوجوب الإنفاق على الزوج و جواز الاستمتاع من الزوجة و وجوب التمكين على الزوجة و أشباهها من الاحكام التي يكون موضوعها عنوان الزوج أو الزوجة و لا مجال لاحتمال كون الزوجية عبارة أخرى عن نفس تلك الاحكام بل هي أمر اعتباري يتحقق و يعتبر عند حصول موجبه من عقد النكاح نعم بناء على كون الأحكام الوضعية منتزعة من الأحكام التكليفية تصح هذه الدعوى لكن قد تحقق في محلّه بطلان هذا المبني و ان الاحكام الوضعية مثل الزوجية و الملكية و الحرية و الرّقية مجعولات بنفسها و تكون قسيمة للأحكام التكليفية نعم هي موضوعات لهذه الاحكام نوعا.

و يدل على بطلان مبنى كاشف اللثام أيضا ان لازم كون الإحرام عبارة عن التروك عدم تحققه الّا بعد تمامية زمان التروك و تحقق الإحلال ضرورة أن التروك اللازمة هي التروك في جميع مدة الإحرام من الشروع الى الانتهاء و الّا فتحققها في زمان ما لا يكون عبارة عن الإحرام و عليه فكما ان تحقق الصوم يتوقف على الإمساك في مجموع النهار كذلك تحقق الإحرام يتوقف على التروك في مجموع المدة المذكورة مع ان الظاهر عند المتشرعة هو كون الإحرام امرا حادثا مستمرا و باقيا الى حصول الا حلال و به يتحقق الفرق بينه و بين الصيام كما ان بينهما الفرق من جهة انّ ارتكاب بعض المفطرات قادح في الصوم فضلا عن الجميع و هذا بخلاف الإحرام فإن الإتيان بمحرماته لا يترتب عليه

الّا استحقاق العقوبة و ثبوت الكفارة في بعضها و لا يقدح في بقاء الإحرام بوجه بل فيما يوجب الفساد لا يقع التحلل بوجه كالوطي فإن اللازم إتمام الحج الفاسد كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى و من جهة ان الإحرام إذا تحقّق لا يكاد ينحلّ باختيار المكلّف و إرادته بل يبقي الى ان يحصل التحلل بالحلق أو التقصير- مثلا- و الصيام يكون باختياره فإذا نوى القطع بل القاطع على قول يبطل صومه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 150

[مسألة 2- يعتبر في النية تعيين المنوي من الحج و العمرة]

مسألة 2- يعتبر في النية تعيين المنوي من الحج و العمرة، و ان الحج تمتع أو قران أو افراد، و انه لنفسه أو غيره، و انه حجة الإسلام أو الحج النذري أو الندبي فلو نوى من غير تعيين و أو كله الى ما بعد ذلك بطل، و امّا نيّة الوجه فغير واجبة إلّا إذا توقف التعيين عليها، و لا يعتبر التلفظ بالنيّة و لا الاخطار بالبال (1).

______________________________

و من غير هذه الجهات فالفرق بينهما ليس في مجرد لزوم مقارنة النية في الصيام و عدمه في الإحرام بل من جهات متعددة.

(1) هل يكفي في تحقق الإحرام مجرد النيّة المرتبطة به و لا يلزم تعيين المنوي من الجهات المذكورة في المتن أو انه لا يكفي بل اللازم تعيينه من تلك الجهات وجهان بل قولان حكى الأوّل عن مبسوط الشيخ و المهذب و الوسيلة و وافقهم العلامة في محكي التذكرة و كاشف اللثام قال الأوّل: «و لو نوى الإحرام مطلقا و لم يذكر لا حجّا و لا عمرة انعقد إحرامه و كان له صرفه إلى أيّهما شاء و قال الثاني بعد حكاية ذلك: «و لعلّه الأقوى

لأن النسكين في الحقيقة غايتان للإحرام غير داخلتين في حقيقته، و لا تختلف حقيقة الإحرام نوعا و لا صنفا باختلاف غاياته فالأصل عدم وجوب التعيين».

و الظاهر اعتبار تعيين المنوي من الجهات المذكورة لأن جميعها من العناوين القصدية التي لا ينصرف العمل المشترك صورة بين الجميع الى بعضها الّا من طريق القصد و التعيين في النية كسائر العبادات مثل الصلاة فإن نفس عنوانها و كذا الخصوصيات المأخوذة في متعلقات الأوامر مثل الظهرية و العصرية و الأدائية و القضائية و النافلة و الفريضة لا بد من تعلق القصد بها و الّا لا ينصرف إليها بوجه كما حقّق في محلّه و عليه فاللازم تعيين جميع الخصوصيات في النية المعتبرة في الإحرام.

و تشبيه الإحرام بالوضوء و الغسل كما يظهر من عبارة كشف اللثام حيث جعل النسكين غايتين للإحرام ليس في محلّه لانّه مضافا الى ان الفتاوى و ارتكاز

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 151

..........

______________________________

المتشرعة متطابقان على ان الإحرام من أجزاء الحج أو العمرة و ليسا هما غايتين للإحرام بخلاف الوضوء و الغسل بالإضافة إلى مثل الصلاة يكون الفرق هو ان الوضوء و الغسل مستحبان نفسيّان و راجحان من حيث نفس العنوانين بخلاف الإحرام الذي ليس له رجحان في نفسه مع قطع النظر عن الجزئية الّا على احتمال ذكره صاحب الجواهر في بعض المباحث السّابقة و لكن الاحتمال مدفوع كما دفعه هو أيضا على ما ببالي فالتشبيه في غير محلّه مع انه بناء على ما ذكرنا في مهيّة الإحرام من ان النية المعتبرة فيه هي نيّة الحج أو العمرة لا نية الإحرام لا يمكن تحقق الإحرام بدون النية المذكورة نعم يمكن البحث في اعتبار

تعيين كون الحج المنوي أيّ نوع من أنواع الحج و كون العمرة المنوية هي عمرة التمتع أو العمرة المفردة و كذا في اعتبار كونه حجة الإسلام أو حجّا نذريا أو استيجاريا أو ندبيّا و كذا في انه لنفسه أو لغيره.

و كيف كان فالظاهر لزوم التعيين من جميع الجهات المذكورة لما مرّ من الدّليل.

لكن المحكيّ عن التذكرة انه استدل لما رامه بوجوه:

منها: ان الإحرام بالحج يخالف غيره من إحرام سائر العبادات لانه لا يخرج منه بالفساد.

و مراده أنّ الإفساد في الحج بمثل الوطي لا يوجب الخروج من الإحرام بل يجب عليه إتمام الحج الفاسد كالحج الصحيح غاية الأمر وجوب القضاء و الإتيان بالصحيح في العام القابل كما سيأتي البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالى و امّا سائر العبادات فيكون الإفساد فيها موجبا للخروج عنها.

و لكن يرد عليه عدم انطباق الدليل على المدعي فان لزوم إتمام الحج الفاسد و عدم الخروج من الإحرام بالإفساد لا يستلزم عدم اعتبار التعيين في النية المرتبطة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 152

..........

______________________________

بالإحرام بل لا ارتباط بين الأمرين بوجه.

و منها: انه- يعنى الإحرام- إذا عقد عن غيره بأجرة أو تطوّعا و عليه فرضه وقع عن فرضه فجاز ان ينعقد مطلقا، و إذا ثبت انه ينعقد مطلقا فان صرفه الى الحج صار حجّا و ان صرفه إلى العمرة صار عمرة.

و لعلّ مراده الأولوية نظرا إلى انه إذا انقلب الإحرام الذي عقد عن غيره و نيابة عنه الى فرضه و نفسه فانعقاده مطلقا بدون تعيين المنوي يكون جوازه بطريق اولى.

و يرد عليه- مضافا الى عدم تسلم الانقلاب بل الحكم فيه امّا البطلان كما مرّ سابقا من المتن و

امّا الصحة و وقوعه للمنوب عنه كما اخترناه و حققناه- انه على تقدير تسليم الانقلاب أو لزوم العدول نقول حيث ان كلّا منهما على خلاف القاعدة لا يصار اليه من دون دليل فمع قيام الدليل و لو كان هي الأولوية لا يستلزم ذلك عدم اعتبار التعيين و ذلك كما في الصلاة فإنه إذا شرع في الصلاة اللاحقة باعتقاد الإتيان بالسابقة ثم انكشف له الخلاف في الأثناء يعدل إلى السابقة و لا يرجع العدول الى عدم اعتبار التعيين بوجه.

و منها: ما رواه العامّة من انّ النبي- ص- خرج من المدينة لا سمّى حجّا و لا عمرة ينتظر القضاء فنزل عليه القضاء و هو بين الصفا و المروة.

و يرد عليه انّ الروايات الواردة في هذا المجال و ان كان قد جمعت في السنن الكبرى للبيهقي «1» في باب واحد لكن المستفاد من مجموعها انّها واردة في حجّة الوداع للنبي- ص- مع ان رواياتنا الواردة فيها تدل على انّه أحرم لحج القران و كان إحرامه مقرونا بسياق الهدي كطائفة أخرى من المسلمين الذين كانوا معه- ص-

______________________________

(1) ج 5 ص 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 153

..........

______________________________

بخلاف الطائفة الثانية التي كان حجهم حج الافراد و عليه فهو- ص- قد سمّى حجّ القران و قد نزل جبرئيل في مكة بتشريع حجّ التمتع و لزوم العدول الى عمرته بالإضافة الى من لم يسق الهدي و لزوم البقاء على حج القران بالنسبة الى من ساقه.

هذا مضافا الى انه على تقدير ثبوت ما رواه العامّة يمكن ان يقال بأنه- ص- قصد التعيين و عيّن ما هو المشروع غاية الأمر انه كان مبهما عنده قبل نزول القضاء.

و قد انقدح

من جميع ما ذكرنا انه لا محيص عن الالتزام باعتبار التعيين.

ثمّ ان التعيين قد يكون تفصيلا و هذا لا اشكال فيه و قد يكون إجمالا و هذا تارة يكون بمثل ما هو الواجب و الفرض عليه و ان لم يعلم ان عنوانه حج التمتع و هذا أيضا لا ينبغي الإشكال فيه.

و يدل عليه ما ورد في إحرام على- عليه السّلام- في حجة الوداع حيث اقبل من اليمن و سئل عنه النبي- ص- بقوله: يا علي بأي شي ء أهللت فقال أهللت بما أهلّ النبيّ- ص- فقال لا تحلّ أنت فأشركه في الهدى الحديث «1».

فان ظاهره انه عيّن ما عينه النبي و ان لم يعلم انه حج القران أو الافراد و سيأتي تحقيقه في المسألة الخامسة و اخرى بنحو ذكره السيد- قده- في العروة حيث قال: «نعم الأقوى كفاية التعيين الإجمالي حتى بأن ينوي الإحرام لما سيعيّنه من حج أو عمرة فإنه نوع تعيين و فرق بينه و بين ما لو نوى مردّدا مع إيكال التعيين الى ما بعد».

و قد وقع هذا التفصيل موردا للإثبات و النفي من المحشين للعروة و الشارحين لها و غاية توجيهه ما افاده بعض الاعلام- قده- من ان القصد إلى الشي ء يقع على قسمين:

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني ح- 14.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 154

..........

______________________________

أحدهما: ان يقصد الطبيعة المطلقة من دون نظر الى التعيين أصلا و انّما يتعين فيما بعد.

ثانيهما: ان يقصد المتعين واقعا و ان كان لا يدري به فعلا كما إذا فرضنا انه عينه و كتبه في قرطاس ثم نسي ما عينه و كتبه و لم يعثر على القرطاس ثم ينوي الإحرام

على النحو الذي كتبه نظير ما إذا قرء البسملة للسورة التي بعد هذه الصفحة و هو لا يعلم السورة بالفعل عند قراءة البسملة فان السّورة متعينة واقعا و ان كان هو لا يدري بالفعل عند قراءة البسملة.

و يرد عليه الفرق بين المقام و بين المثالين فإنه فيهما يكون تعين واقعي حال الإحرام لفرض كونه مضبوطا في القرطاس و كذا السورة التي تكون بعد هذه الصفحة متعينة واقعا حال قراءة البسملة و امّا في المقام فلا يكون تعيّن حال الإحرام و انّما يحصل التعين بالتعيين اللاحق غير المتحقق في حال الإحرام و بعبارة اخرى ان كان التعيين المعتبر هو التعيين حال الإحرام فهو غير متحقق في الفرضين و ان كان التعيين اللاحق مؤثرا في السابق فهو أيضا موجود فيهما فالظاهر انه لا فرق بين الصورتين.

بقي الكلام في هذه المسألة في أمرين: الأوّل: انه كما لم يقم دليل على اعتبار نية الوجه في سائر العبادات كذلك لم يقم دليل عليه في المقام بل ربما يستظهر من بعض الروايات عدم الاعتبار نعم لو توقف التعيين على نية الوجه فاللازم رعايتها بلحاظه لا بلحاظ نفسها و هذا كما إذا كان عليه حج واجب و مستحب فان التعيين يتوقف على الرعاية المذكورة و امّا إذا لم يكن عليه الّا الحج المستحب فلا تلزم نية الوجه بل المعتبر التعيين من الجهات الأخرى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 155

[مسألة 3- لا يعتبر في الإحرام قصد ترك المحرمات]

مسألة 3- لا يعتبر في الإحرام قصد ترك المحرمات لا تفصيلا و لا إجمالا بل لو عزم على ارتكاب بعض المحرّمات لم يضرّ بإحرامه نعم لو قصد ارتكاب ما يبطل الحج من المحرّمات لا يجتمع مع قصد الحج

(1).

______________________________

الثاني: النية في المقام كالنية في سائر العبادات حيث انه لا يعتبر التلفظ بها و لا الاخطار بالبال و الالتفات في النفس بل يكفي الداعي نعم خصوصية الحج انما هي من جهة استحباب التلفظ بالنية فيه دونها و سيأتي البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالى.

(1) لا ينبغي الإشكال في انه لا يعتبر في بقاء الإحرام استمرار العزم على ترك المحرمات و بقاء نيّته كيف و لا يقدح فعلها في بقاء الإحرام غاية الأمر ترتب استحقاق العقوبة فقط أو بضميمة الكفارة و لأجله يختلف مع الصوم الذي يقدح فيه فعل المفطر عمدا و عدم استمرار نيّة ترك المفطرات بل نيّة القاطع و ان لم ترجع إلى نية القطع على قول و قد عرفت ان تشبيه الإحرام بالصيام كما مرّ من كاشف اللثام ليس بتامّ و الّا يلزم ان يكون فعل شي ء منها قادحا في أصل الإحرام هذا بحسب البقاء.

و امّا بحسب الحدوث فقد ذكر السيد- قده- في العروة انه يعتبر العزم على تركها مستمرّا فلو لم يعزم من الأوّل على استمرار الترك بطل.

و لكن يرد عليه انّه مع كون مبناه ان الإحرام يتحقق بنيّة الإحرام حيث يصرح في تفسير النية الواجبة في الإحرام بأن معناها القصد اليه و من الواضح رجوع الضمير إلى الإحرام و انّ الاحكام الثابتة فيه واجبات تكليفية من دون ان تكون التروك معتبرة في حقيقته أو في صحته بخلاف الصوم كيف يوجب العزم من الأوّل على استمرار الترك و انه بدونه لا يتحقق الإحرام بوجه فإنّه على هذا المبنى يصير الإحرام كالزوجية كما اخترناه غاية الأمر ان المحقق له هي نية الحج أو العمرة على المختار و نية الإحرام على مبناه بضميمة

التلبية أو بدونها فكما انه لا يعتبر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 156

..........

______________________________

في حدوث الزوجية العزم على ترتيب أحكامها و رعاية الواجبات و المحرمات المتحققتين في موردها بل لو عزم الزوج حين العقد على ترك إنفاق الزوجة مع القدرة عليه بل على ترك وطيها و الاستلذاذ منها لا يقدح في أصل حدوث الزوجية و بقائها كذلك لا يعتبر في حدوث الإحرام في المقام العزم على الترك مستمرّا بل لو عزم على ارتكاب بعض المحرمات لم يضر بإحرامه كما في المتن.

و السرّ ما عرفت من تقدم عنوان الإحرام على تلك الاحكام كتقدم عنوان الزوجية على أحكامها و لا مجال لاحتمال مدخليّة تلك الاحكام في ماهيته أو صحّته.

نعم من جعل الإحرام عبارة عن نيّة ترك المحرمات أو الأمر المتحصل منها لا محيص له الّا الالتزام بذلك لانه لا تجتمع النية المذكورة مع عدم العزم على استمرار الترك حين الإحرام لأنه ليس المراد بالترك الا الترك في مجموع زمان الإحرام إلى حصول التحلّل كما انّ من جعل الإحرام عبارة عن توطين النفس و الالتزام النفساني و التعهد القلبي بالإضافة إلى ترك المحرمات كما هو ظاهر كلام الشهيد و المنسوب الى الشيخ الأعظم أو الأمر المتحصل من الالتزام المذكور كما عرفت من سيد المستمسك- قده- لا بد و ان يقول باعتبار العزم المذكور لان عدمه لا يجتمع مع الالتزام النفساني الذي هو الإحرام أو المحقّق له كما هو ظاهر و امّا بناء على ما اخترناه و بناء على ما يظهر من السّيد- قده- فلا وجه له و يؤيده عدم التفات كثير من الناس في حال الإحرام إلى محرماته بل و عدم علمهم بها

نوعا.

نعم يستثني مما ذكرنا ما إذا قصد محرّما يبطل العمل من الحج أو العمرة بفعله كالجماع- مثلا- فان اللازم في مثله العزم على تركه في حال الإحرام لأنه مع عدمه لا يتحقق قصد الحج أو العمرة الذي به يتحقق الإحرام لأنه لا مجال للجمع بين نية الحج- مثلا- و بين العزم على الإتيان بما يقدح فيه و يمنع عن وجوده بل لا مجال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 157

[مسألة 4- لو نسي ما عينه من حجّ أو عمرة]

مسألة 4- لو نسي ما عينه من حجّ أو عمرة فإن اختصّت الصّحة واقعا بأحدهما تجدد النيّة لما يصح فيقع صحيحا، و لو جاز العدول من أحدهما إلى الآخر يعدل فيصحّ، و لو صحّ كلاهما و لا يجوز العدول يعمل على قواعد العلم الإجمالي مع الإمكان و عدم الحرج و الّا فبحسب إمكانه بلا حرج (1).

______________________________

للجمع بينها و بين عدم العزم على تركه و عليه فالوجه في اعتباره عدم اجتماعه مع النية المحققة للإحرام لا كونه قادحا في نفسه و لذا يجتمع فعله من دون العزم عليه حال الإحرام مع بقائه و ان كان موجبا لبطلان الحج فإنه بالإبطال لا يخرج من الإحرام بل يجب عليه إتمام الحج الفاسد كالحج الصحيح غاية الأمر عدم الاكتفاء به و لزوم الإتيان به في العام القابل كما سيأتي ان شاء اللّٰه تعالى.

(1) قال في الشرائع: «و لو نسي بما ذا أحرم كان مخيّرا بين الحج و العمرة إذا لم يلزمه أحدهما» و في محكي القواعد: «و لو نسي ما عيّنه تخيّر إذا لم يلزمه أحدهما» و حكى في الجواهر مثلهما عن الشهيدين و غيرهم.

و ذكر السيد- قده- في العروة: «لو نسي ما عيّنه

من حج أو عمرة وجب عليه التجديد سواء تعين عليه أحدهما أم لا».

و قد استدل في الجواهر على التفصيل المذكور في مثل الشرائع كما عن كشف اللثام بأنه كان له الإحرام بأيّهما شاء إذا لم يتعين عليه أحدهما فله صرف إحرامه إلى أيّهما شاء لعدم الرجحان و عدم جواز الإحلال بدون النسك إلّا إذا صدّ أو أحصر و لا جمع بين النسكين في إحرام امّا إذا تعيّن عليه أحدهما صرف إليه لأن الظاهر من حال المكلّف الإتيان بما هو فرضه خصوصا مع العزم المتقدم على الإتيان بذلك الواجب.

ثم أورد عليه بما محصّله ان التخيير في الابتداء لا يقتضي ثبوته بعد التعيين و دعوى اقتضاء العقل التخيير لإجمال المكلف به و عدم طريق الى امتثاله يدفعها ان المتجه- ح- ارتفاع الخطاب به فيبطل لا التخيير، و لو فرض توقف التحليل على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 158

..........

______________________________

اختيار أحدهما ليحصل به الطواف المقتضي للتحليل و الّا كان محرما ابدا فهو ليس من التخيير على نحو الابتداء ضرورة عدم تحقق خطاب به بل هو طريق لتحليله وافق أو خالف كما انه لا دليل على اعتبار الظهور المزبور مع تعين أحدهما عليه.

و يمكن المناقشة عليه بمنع إجمال المكلف به و عدم طريق الى امتثاله حتى يبطل كما انه هو المستند للقول بالتجديد الذي اختاره في العروة الظاهر في بطلان الإحرام السابق و لزوم تجديده و ذلك لما سيأتي من وجود صورتين للمسألة و ثبوت فروع متعددة للصورة الثانية و كيف كان فالظاهر ان للمسألة بعد عدم اختصاصها بما إذا كان المنوي مرددا بين الحج و العمرة و ان كان يشعر به عبارة الشرائع

صورتين:

إحديهما: ما إذا كان الترديد بين الباطل و الصحيح كما إذا أحرم في شهر رمضان- مثلا- من مسجد الشجرة و تردّد بعد الإحرام قبل الخروج منه بين ان كان إحرامه للعمرة المفردة حتى يصح و بين ان كان لعمرة التمتع حتى لا يصح لاعتبار وقوعها كالحج في أشهر الحج على ما تقدم. و في هذه الصورة ربما يقال بان مقتضى أصالة الصحة الجارية في العمل الواقع الذي شك في صحته و فساده سواء صدر من نفسه أو من الغير هو الحمل على الصحة فاللازم الحمل على كونه محرما بإحرام العمرة المفردة.

و الجواب عنه: ان مجراها ما إذا كان هناك مركب ذات أجزاء أو مشروط بشرط و شك بعد تحققه في كونه واجدا للاجزاء و الشرائط المعتبرة فيه و امّا ما كان أمره دائرا بين الوجود و العدم فلا مجال لإجراء أصالة الصحة فيه و المقام من هذا القبيل فإن الإحرام أمر واحد اعتباري بسيط يعتبر بعد النية أو بضميمة التلبية و لا يتصف بالصحة و البطلان بل امّا ان يكون متحقّقا و امّا ان لا يكون كذلك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 159

..........

______________________________

و مع الشك في وجوده و عدمه لا تجري أصالة الصحّة بل مقتضى الاستصحاب عدم تحققه و ثبوته.

و ربما يقال: ان الوجه في عدم جريان أصالة الصحة في المقام انه يعتبر في جريانها ان يكون عنوان العمل معلوما و محرزا كما إذا صدر منه البيع و تردد امره بين الصحة و الفساد و امّا إذا شك في أصل العنوان و انه هل صدر منه البيع أو القمار فلا تجري أصالة الصحة للحكم بصدور البيع و المقام من

هذا القبيل لعدم إحراز كون العنوان هي العمرة المفردة أو عمرة التمتع و كيف كان فمع عدم جريان أصالة الصحة تصل النوبة إلى التجديد الذي مرجعه الى بطلان الإحرام السابق لعدم الدليل على صحته أو الى ان التجديد في خصوص هذه الصورة كما اختاره في المتن و ذكره بعض المحققين من محشى العروة انّما هو لأجل انه ان كان المنوي هي عمرة التمتع فالإحرام باطل و اللازم تجديده و ان كان المنوي هي العمرة المفردة فلا يكون التجديد بقادح فيه لعدم كونه محللا للإحرام بل هو- ح- كالحجر في جنب الإنسان فمع التجديد يعلم تفصيلا بكونه محرما بإحرام العمرة المفردة كما هو ظاهر.

ثانيتهما: ما إذا كان الترديد بين الإحرامين الصحيحين كالمثال المذكور في الصورة الأولى إذا كان الإحرام واقعا في أشهر الحجّ و في هذه الصورة تارة يجوز العدول من أحدهما إلى الآخر كما إذا فرضنا في المثال المذكور جواز العدول من العمرة المفردة إلى عمرة التمتع نظرا الى ما عرفت سابقا من ان المعتمر عمرة مفردة في أشهر الحج إذا بدا له ان يحج حج التمتع يجوز ان يجعل تلك العمرة عمرة التمتع ثم يأتي بحج التمتع و عليه فيمكن القول بجواز العدول في الأثناء أيضا و لعلّه مرّ البحث فيه و اخرى لا يجوز العدول كما في هذا المثال إذا لم نقل بجواز العدول و كما في كثير من الفروض الآتية التي لا يجوز العدول فيها جزما.

ففي فرض جواز العدول يعدل الى ما يصح العدول اليه فيصحّ قطعا لأنه ان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 160

..........

______________________________

كان المنوي هو المعدول عنه فالمفروض جواز العدول الى المعدول اليه و

ان كان المنوي هو المعدول اليه فلا يقدح العدول لانه على تقدير كونه غيره كما لا يخفى.

و كان المناسب ان يتعرض في المتن لهذا الفرض بعد التعرض لصورة صحة كلا الإحرامين لا قبله و كيف كان فلا إشكال في هذا الفرض و امّا فرض عدم جواز العدول ففيه صور متعددة لا بد من التعرض لها ليظهر ان حكمها البطلان كما افاده السيد- قده- أو التخيير كما أفيد في مثل الشرائع أو لزوم رعاية الامتثال العلمي الإجمالي اعني الاحتياط أو الاحتمالي أو التفصيل فنقول:

الصورة الأولى: ما إذا دار امره بين العمرة المفردة و عمرة التمتع بناء على عدم جواز العدول و اللازم فيه الجمع بين الخصوصيات الزائدة الموجودة في العمرة المفردة كطواف النساء حيث يكون واجبا فيها دون عمرة التمتع و قد تقدم البحث فيه مفصّلا و بين التكاليف الزائدة المتحققة في عمرة التمتع كعدم الخروج من مكّة للعلم الإجمالي إما بوجوب طواف النساء و امّا بحرمة الخروج من مكّة و هو يتمكن من الجمع بين الأمرين و رعاية الامتثال العلمي الإجمالي و بعد الإتيان بالعمرة يأتي بالحج.

بل يمكن ان يقال بعدم لزوم الإتيان بطواف النساء في العمرة بل يكفي الإتيان به في الحج بنية مردّدة بين الحج و العمرة المفردة و لا يقدح الفصل بعد عدم لزوم المبادرة إلى طواف النساء في العمرة المفردة.

و قد انقدح انه في هذه الصورة لا مجال لتجديد النية بمعنى بطلان الإحرام و لا للتخيير بل مقتضى العلم الإجمالي و القاعدة فيه الموجبة للاحتياط الامتثال بالكيفية المذكورة.

الصورة الثانية: ما إذا دار الأمر بين العمرة المفردة و بين حجّ الافراد و في هذه الصورة أيضا يمكن له الاحتياط بأن يأتي بأعمال

الحجّ أوّلا من الوقوفين و رمى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 161

..........

______________________________

جمرة العقبة يوم النحر ثم يرجع الى مكة فيأتي بالطواف و السعي بالنيّة المرددة ثم يرجع الى منى فيقصّر كذلك فان كان إحرامه للعمرة المفردة فقد أتي بجميع اعمالها سوى طواف النساء المشترك بينها و بين الحج فيأتي به بعد الرجوع الى مكة و ان كان إحرامه لحج الافراد فالمفروض الإتيان به بجميع مناسكه و اعماله غاية الأمر لزوم الإتيان بعمرة مفردة بعده أيضا.

و يمكن الاحتياط في هذه الصورة بالإتيان بالطواف و السعي قبل الوقوفين رجاء و عليه فيقصّر في منى قبل الرجوع الى مكة لهما لان المفروض وقوع التقصير بعدهما.

و في هذه الصورة أيضا لا مجال للتجديد و لا للتخيير بعد كون الامتثال العلمي الإجمالي بمكان من الإمكان على ما عرفت.

الصورة الثالثة: ما إذا دار أمر إحرامه بين حجّ الافراد و عمرة التمتع التي لا بد فيها من التقصير قبل الحج ليحلّ به ثم يحرم للحجّ و في هذه الصورة يكون التقصير من موارد دوران الأمر بين المحذورين الذي يكون مجري أصالة التخيير عقلا و ذلك لانه لو كان إحرامه لعمرة التمتع يجب عليه التقصير قبل الوقوفين ليتحقق به التحلل من إحرام العمرة ثم يحرم للحج و لو كان إحرامه لحج الافراد يجب عليه تأخير التقصير الى بعد الوقوفين لانه من مناسك منى و يحرم عليه قبلهما فالأمر فيه دائر بين الوجوب و الحرمة و- ح- يصح الحكم بالتخيير الذي يدل عليه مثل عبارة الشرائع فيتخير بين الحج و العمرة و مرجعه الى الامتثال الاحتمالى الذي لا محيص عنه بعد عدم إمكان الامتثال العلمي التفصيلي و لا

الإجمالي.

فإن اختار العمرة يطوف و يسعى ثم يقصر ثم يذهب الى الموقفين و يأتي بأعمال حجّ التمتع رجاء و بعد الفراغ من ذلك كله يخرج من الإحرام جزما فإنه لو كان الواجب عليه هي عمرة التمتع فالمفروض انه لم يخلّ بشي ء مما يعتبر فيها من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 162

..........

______________________________

اعمالها و من الحجّ المترتب عليها و لو كان الواجب هو حجّ الافراد فالمفروض انه أيضا أتى بجميع ما اعتبر فيه من الاعمال و لم يقع فيه خلل سوى التقصير قبل الوقوفين الذي لا يترتب عليه في صورة الذكر و العمد الّا استحقاق العقوبة و ثبوت الكفارة من دون ان يكون قادحا في صحة الحج بوجه و المفروض هنا وقوعه متصفا بالجواز الذي حكم به العقل.

و ان اختار الحج فيأتي بأعماله و يقصّر في محلّه فتتحقّق الموافقة الاحتمالية التي لا محيص عنها.

ثم انه ذكر بعض الاعلام- قده- بعد الحكم بجواز التقصير في هذه الصورة لدوران امره بين الوجوب و الحرمة ان مقتضى التأمل وجوب التقصير لأنه إذا جاز بحكم التخيير وجب لوجوب إتمام العمرة و الحج على ما يدل عليه قوله تعالى:

وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ لانه مع جواز التقصير يتمكن من الإتمام ثم قال: «و قد ذكرنا نظير ذلك في كتاب التيمم في مسألة ما لو كان عنده ماء و تراب و علم بغصبية أحدهما فقد ذكر الماتن انه من فاقد الطهورين و لا يجوز له الوضوء و لا التيمم و لكن قلنا هناك بوجوب الوضوء عليه- ح- لانه من دوران الأمر بين المحذورين في كل من التيمم و الوضوء و يحكم بالتخيير و بجواز ارتكاب أحد

الطرفين فإذا جاز الوضوء وجب لانه واجد للماء فلم ينتقل الأمر إلى التيمم».

أقول: لو سلم ما أفاده في كتاب التيمم فلا نسلم ما في المقام.

امّا أوّلا: فلما عرفت في بعض المباحث السّابقة من ان مفاد الآية المذكورة ليس هو وجوب الإتمام بعد الشروع بل الإتمام فيها بمعنى الأداء و الإتيان كما «في الإقامة و الإيتاء» في الصلاة و الزكاة و قد نقلناه عن بعض المحققين من المفسرين مضافا الى انه في نفس الآية بلحاظ ذيلها قرينة على عدم كون النظر إلى الإتمام بعد الشروع بل إلى أصل الأداء.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 163

[مسألة 5- لو نوى كحجّ فلان فان علم ان حجّه لما ذا صحّ]

مسألة 5- لو نوى كحجّ فلان فان علم ان حجّه لما ذا صحّ و الّا فالأوجه البطلان (1).

______________________________

و امّا ثانيا: فلانه على تقدير كون المراد بالإتمام هو الإتمام بعد الشروع لكن مفاد الآية هو لزوم إتمام ما شرع فيه و المفروض انّه وقع منسيّا عنه و يكون مردّدا بين حج الافراد و بين عمرة التمتع فما ذا يدل في هذا الحال على لزوم التقصير و وجوبه بل أمره دائر كما عرفت بين الوجوب و الحرمة و هذا بخلاف مسألة الماء و التراب فانّ ما يوجب الوضوء و تعينه هو الجواز الحاكم به العقل و كونه واجدا للماء فوجدانه له بضميمة جواز التوضي به يوجب ان لا تصل النوبة إلى التيمم بوجه و امّا المقام فلا يكون فيه ما يقتضي تعيّنه الظاهر في لزوم الإتيان به بعنوان عمرة التمتع نعم لو كان مراده هو اللزوم سواء اختار حج الافراد أو عمرة التمتع فهذا لا يحتاج الى الاستدلال بالاية بل هو مقتضى العلم الإجمالي بضميمة عدم جواز رفع

اليد عن الحج أو العمرة بعد الشروع فيهما كما هو المسلّم بينهم ظاهرا فتدبّر.

(1) لا شبهة في صحة إحرامه في مفروض المسألة لو علم ان فلانا بما ذا أحرم من حج أو عمرة و في الأوّل يكون حجّه تمتعا أو قرانا أو افرادا و في الثاني يكون عمرة التمتع أو عمرة مفردة و في الجواهر نفي الخلاف و الاشكال لوجود المقتضي من النية و التعيين و عدم المانع.

كما انه لا شبهة ظاهرا في بطلان إحرامه لو لم يحرم فلان أصلا لعدم تحقق إحرام منه حتى ينوي مثله نعم لو كان منوية ما يكون متعلقا لنيّة فلان على تقدير ارادة العمل بمعنى أنه ينوي ما ينويه على تقدير تعلّق إرادته بالإحرام و يكون المنوي معلوما لا مجال للبطلان في هذه الصورة و في الجواهر: «و لو بان ان فلانا لم يحرم انعقد مطلقا و كان مخيرا بين الحج و العمرة كما عن الشيخ و الفاضل التصريح به» و فيه ما لا يخفى انّما الكلام فيما لو نوى كإحرام فلان و لكنّه لا يعلم بما ذا أحرم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 164

..........

______________________________

و فيه فرضان:

الفرض الأوّل: ما إذا كان إحرام الغير و ان كان غير متعين عنده حال الإحرام و لكن ينكشف له بعد الإحرام بالسؤال منه أو بطريق آخر و البحث في هذا الفرض تارة من جهة القاعدة و اخرى من جهة النص الوارد فيه.

امّا من الجهة الأولى: فالظاهر انه لا مانع من الصّحة لأن المفروض انه قد نوى ما هو المتعين واقعا و هو ما نواه الغير حال الإحرام غاية الأمر عدم تعيّنه حال الإحرام و لا دليل على

اعتبار أزيد من التعيين الإجمالي خصوصا مع ملاحظة تبدل الإجمال و الإبهام إلى الانكشاف كما هو المفروض فهو مثل ما إذا نوى ما هو وظيفته الشرعية التي هي عبارة عن حج التمتع- مثلا- من دون ان يكون عالما بعنوان التمتع و بكون عمرته متقدمة على حجّه و مرتبطة به كما يشاهد في كثير من العوام بل مع التلفظ بهذه العناوين لا يعرف معناها الّا إجمالا و بالجملة لا دليل على بطلان هذا النحو من الإحرام المشتمل على التعيين الإجمالي و امّا من الجهة الثانية فقد استدل الشيخ- قده- كما في محكي الدروس بما روي عن علي- ع- انه قال إهلالا كإهلال النبي- ص- يشير بذلك الى ما ورد في الروايات المتعددة الحاكية لحجة الوداع التي وقع تشريع حج التمتع فيها حيث نزل جبرئيل عليه- ص- و هو بمروة فأمره أن يأمر من لم يسق هديا ان يحلّ و انه لا ينبغي لسائق الهدي ان يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه من انه قدم على- ع- من اليمن على رسول اللّٰه- ص- و هو بمكة فدخل على فاطمة- عليها السلام- و هي قد أحلّت فوجد ريحا طيبة و وجد عليها ثيابا مصبوغة فقال: ما هذا يا فاطمة فقالت أمرنا رسول اللّٰه- ص- فخرج علىّ الى رسول اللّٰه- ص- مستفتيا فقال يا رسول اللّٰه- ص- انى قد رأيت فاطمة قد أحلّت عليها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 165

..........

______________________________

ثياب مصبوغة فقال رسول اللّٰه- ص- انا أمرت الناس بذلك و أنت يا على بما أهللت قال قلت يا رسول اللّٰه إهلالا كإهلال النبي- ص- فقال له رسول اللّٰه- ص- كن على إحرامك مثلي و

أنت شريكي في هديتي (هديي ظ) الحديث «1».

و الاستدلال لفعل على- ع- مبنى على ان يكون المراد من قوله: إهلالا كإهلال النبي- ص- اني نويت الإحرام بما أحرمت به يا رسول اللّٰه كائنا ما كان من حج القران أو الافراد لعدم مشروعيّة التمتع بعد يعني في حال الإحرام أو لعدم علمه- ع- بها و قد أقره النبي- ص- على هذا النحو من الإحرام المشتمل على التعيين الإجمالي الذي ينكشف عند تشرفه بمحضره و لذا أمره بأن يبقي على إحرامه بعد تشريكه في هديه الذي كان مائة بدنة.

و امّا ما أفيد من ان فعل على- ع- أجنبي عن مسألة الإجمال في النيّة لأن الظاهر من قوله اني نويت الحج المشروع الواجب على المسلمين و هو حج القران أو الافراد و لم يكن حج التمتع حين ذاك مشروعا فما نواه أمير المؤمنين- ع- انما هو حج الافراد فمن غرائب الكلام لأنّ عدم مشروعية حج التمتع حين إحرامه- ع- لا تقتضي عدم الإجمال كيف و الّا لا يبقي مجال لسؤال الرسول- ص- بقوله- ص- بما أهللت ضرورة ان الدّوران بين الافراد و القران فقط مصحّح أيضا للإجمال و الإبهام مع انه لو كان ما نواه حج الافراد كانت الوظيفة العدول إلى عمرة التمتع كزوجته الطاهرة فاطمة الزهراء- سلام اللّٰه عليها- فلا محيص الّا ان يقال بأن إحرامه- ع- كان مشتملا على التعيين الإجمالي و كان منوية- ع- هو ما نواه الرسول- ص- و يؤيده قوله- ع- على ما في بعض الروايات: انك لم تكتب إليّ

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 166

..........

______________________________

بإهلالك فعقدت نيّتي بنيتك

و قلت اللهم إهلالا كإهلال نبيّك.

و أغرب مما ذكر ما في بعض شروح العروة من ان المقصود من قوله- ع-:

كاهلالك انه إهلال بالحج و لعلّه في مقابلة إهلال الجاهلية فهل الرسول- ص- يحتمل بعد مضي ثلاث و عشرين سنة من بعثته و بعد متابعة على- ع- له من ابتداء الدعوة و شروع الرسالة ان يكون إهلال على- ع- إهلال الجاهلية حتى يسأله عن ذلك و يجاب بعدم كونه كذلك و لعمري انه لا ينبغي التفوّه بهذا الكلام ممّن يكون له حظّ قليل من العلم فضلا عمن يكون له شأن في الفقه و مرتبة شامخة في هذا المجال.

ثم انه ربما يقال كما قيل و أشير إليه في الحدائق و الجواهر و غيرهما بثبوت التدافع و التنافي في النصوص الحاكية لإحرام أمير المؤمنين (ع) في حجة الوداع فان المذكور في ذيل صحيحة معاوية بن عمّار الطويلة المفصلة: و كان الهدي الذي جاء به رسول اللّٰه- ص- أربعا و ستين أو ستّا و ستين- و الترديد من الراوي كما هو ظاهر- و جاء عليّ بأربعة و ثلاثين أو ستّ و ثلاثين فنحر رسول اللّٰه- ص- ستّا و ستين و نحر على- ع- أربعا و ثلاثين بدنة (الحديث) «1». و ظاهره اقتران إحرام أمير المؤمنين- ع- بسياق الهدى فكان منويّة هو حج القران دون الافراد و دون المردّد بينهما المعين إجمالا.

و المذكور في صحيحة الحلبي: و اقبل عليّ- عليه السلام- من اليمن حتى وافي الحج فوجد فاطمة عليها السلام قد أحلّت و وجد ريح الطيب فانطلق الى رسول اللّٰه- ص- مستفتيا فقال رسول اللّٰه- ص- يا عليّ بأيّ شي ء أهللت فقال: أهللت بما أهلّ النبيّ- ص- فقال: لا تحلّ

أنت فأشركه في الهدي و جعل له سبعا و ثلاثين

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 167

..........

______________________________

و نحر رسول اللّٰه- ص- ثلاثا و ستين فنحرها بيده (الحديث) «1». و ظاهره عدم اقتران إحرامه- ع- بسياق الهدي و كون نيته على سبيل الإجمال و ان النبي- ص- أشركه في هديه فبين الصحيحتين تهافت ظاهرا.

هذا و التحقيق ان دعوى التهافت ناشئة عن عدم ملاحظة جميع الرواية من الصدر الى الذيل أو عدم الدقة في مفادها فإن صحيحة معاوية بن عمار مشتملة على مفاد ما اشتملت عليه صحيحة الحلبي من سؤال النبي- ص- عن على- ع- بما أهلّ به و جوابه بأنه أهلّ بما أهلّ به النبي و انه أشركه في هديه مصرّحا بذلك و قد تقدّم نقله في أوّل هذا البحث و عليه فالمراد بأنه جاء على- ع- بأربعة و ثلاثين ..

هو مجيئه بها الى منى من مكة بعد تشريك النبي إياه في هديه و جعل الثلث له تقريبا لا اقتران إحرامه من ميقات أهل اليمن الذي أحرم منه علىّ- ع- ظاهرا بسياق الهدى و يدل عليه أيضا قوله- ع- في هذه الصحيحة قبيل هذه العبارة: فلمّا أضاء له النهار أفاض حتى انتهى الى منى فرمى جمرة العقبة و كان الهدي الذي جاء إلخ.

و عليه فلا ينبغي الترديد في ان هذا المجي ء لا يرتبط بسوق الهدى بل يرتبط بمجيئه بما خصّه النبي به من مكّة فلا تنافي بين الروايتين بوجه.

نعم في رواية الفضل بن الحسن الطبرسي في إعلام الورى قال خرج رسول اللّٰه- ص- متوجها الى الحج في السنة العاشرة الى ان قال و

كان قارنا للحج ساق ستا و ستين بدنة و حجّ على- ع- من اليمن و ساق معه أربعا و ثلاثين بدنة الحديث «2».

و ظاهرها كون إحرامه- ع- كاحرامه- ص- مقرونا بسياق الهدي و كان المنوي له هو

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني ح- 14.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني ح- 32.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 168

..........

______________________________

حجّ القران كالنبي- ص- و لكنه- مضافا الى عدم كونه رواية منقولة عن الامام- ع- و لو مع الإرسال لظهورها في كون نقلها بعنوان التاريخ لا الرواية و يؤيده عدم كون الكتاب المزبور من الجوامع الروائيّة و لأجله يتوجه الاشكال على صاحب الوسائل أيضا و الى عدم التصريح في حجّ على- ع- بالقران مع التصريح به في حج النبيّ- ص- و الى وجود الاختلاف بين قوله: ساق كما في النبي- ص- و بين قوله:

ساق معه كما في على- ع- و الى دلالة الروايات الصحيحة التي تقدم بعضها على ان النبي- ص- ساق مائة بدنة لا ستا و ستين- يكون ذيلها قرينة على انه ليس المراد بهذا السوق هو السوق حال الإحرام بل السوق من مكّة إلى منى و هو انه قال له: بم أهللت يا عليّ فقال له يا رسول اللّٰه انّك لم تكتب إليّ بإهلالك فقلت إهلالا كإهلال نبيّك فقال له رسول اللّٰه- ص- فأنت شريكي في حجي و مناسكي و هديي. فإن هذا الذيل قرينة واضحة على عدم كون النية في إحرام على- ع- متعلقة بحج القران و عليه فلا بد من ان يقال بان المقصود من الصدر ما ذكرنا فلا تنافي سائر الروايات.

و بالجملة ملاحظة الروايات الواردة في

هذا المجال و الدقة و التدبر فيها تقضي بأن نيّة على- ع- حال الإحرام كانت مرددة بين القران و الافراد بعد وضوح عدم كون المقصود هي العمرة و عدم مشروعية التمتع بعد و انه بعد استعلام إهلال النبي ظهر انّ حجّه حج القران غاية الأمر أنه يتولد من ذلك اشكال و هو ان حج القران لا بد و ان يكون إحرامه مقرونا بسياق الهدي و الروايات ظاهرة في عدم الاقتران و ان سوق هديه- ح- كان من مكة بعد اشراك الرسول إياه في هديه.

و الجواب عن هذا الإشكال امّا بان يقال ان هذا من خصائصه- عليه السلام- كما ان جواز التشريك في الهدى بعد سوقه لعلّه كان من خصائص النبي- ص.

و امّا بان يقال ان ما كان اقتران إحرامه بسياق الهدى لازما في حج القران

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 169

..........

______________________________

انّما هو الحج الذي كانت الخصوصية فيه معلومة حال الإحرام و امّا ما كان مردّدا حال الإحرام فلا يعتبر فيه ذلك بل المعتبر هو السوق بعد الانكشاف و التعين و المفروض تحققه في إحرام- علىّ- لسوقه الهدى بعد تشريك النبي إياه في هديه و لا يبعد الالتزام بذلك مطلقا و سيأتي تحقيقه في حج القران ان شاء اللّٰه تعالى.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا صحة الإحرام في هذا الفرض بمقتضى القاعدة و النصوص.

الفرض الثاني: ما إذا نوى كنيّة الغير مع عدم تعين المنوي عنده و عدم الانكشاف بعدا و استمرار الاشتباه لموت أو غيبة و المذكور في الجواهر انّ فيه وجوها ثلاثة:

أحدها: ما حكى عن الشيخ- قده- من انه يتمتع احتياطا و ظاهر الشرائع ان مورد هذا القول

كلا الفرضين و لكن صرّح في الجواهر بان مورده خصوص صورة استمرار الاشتباه و الوجه فيه انّه ان كان متمتعا واقعا و كان منوي الغير هو التمتع فقد تحققت الموافقة و ان كان غيره فالعدول عنه الى التمتع جائز.

و يرد عليه انه لا مجال لدعوى جواز العدول مطلقا بل يختص ذلك بحج الافراد إذا لم يكن متعينا عليه فلا ينطبق على المدّعى و أضاف إليه في الجواهر ان العدول على خلاف القواعد و الثابت منه حال معلومية المعدول عنه لا مشكوكيّته و لكن فيه ما لا يخفى فإنه في صورة الشك يتردد بين العدول و غيره فإذا كان العدول المعلوم جائزا فالمشكوك انما يكون جائزا بطريق اولى.

ثانيها: ما حكى عن بعض من البطلان في هذا الفرض لان المفروض تعذر العلم بما أحرم به و معرفته فيكون من المجمل الذي لا يجوز الخطاب به مع عدم طريق لامتثاله.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 170

[مسألة 6- لو وجب عليه نوع من الحج أو العمرة بالأصل فنوى غيره بطل]

مسألة 6- لو وجب عليه نوع من الحج أو العمرة بالأصل فنوى غيره بطل، و لو كان عليه ما وجب بالنذر و شبهه فلا يبطل لو نوى غيره، و لو نوى نوعا و نطق بغيره كان المدار ما نوى، و لو كان في أثناء نوع و شك في انه نواه أو نوى غيره بنى على انه نواه (1).

______________________________

ثالثها: احتمال التخيير كما في نسيان ما أحرم به.

أقول: قد مرّ في مسألة نسيان ما عينه من حج أو عمرة انه في صورة صحة كلا الأمرين و عدم جواز العدول في البين يتصور فروض كثيرة و في أكثرها يوجد الطريق للامتثال العلمي الإجمالي و في بعضها لا محيص الّا عن

الامتثال الاحتمالي و الموافقة كذلك و عليه فالظاهر اشتراك المقام مع تلك المسألة في الفروض التي يمكن فيها تحقق الامتثال قطعا و لو إجمالا و ذلك لان المفروض ان المنوي متعين واقعا و ان لم يكن له طريق الى تعيينه و لكن يمكن له الامتثال بنحو يقطع بتحققه فلا مانع في البين أصلا.

و امّا الفرض الذي لا طريق فيه الى الامتثال العلمي و لو إجمالا فالظاهر وجود الفرق بين المقام و بين تلك المسألة فيه لانه هناك قد وقع الإحرام الصحيح لاشتماله على تعيين الحج أو العمرة غاية الأمر عروض النسيان و لم يقم دليل على كونه موجبا للخروج عن الإحرام أو كاشفا عن عدم تحققه من الأوّل و امّا هنا فالشك في أصل صحة الإحرام بهذه الكيفية و أصل تحققه و لم يقم دليل على الصحة من إطلاق أو غيره و عليه فالظاهر وجود الفرق بين المسألتين في هذا الفرض فتدبّر.

(1) في هذه المسألة فروع ثلاثة:

الفرع الأوّل: ما لو وجب عليه نوع من الحج أو العمرة فنوى غيره و ظاهر العروة البطلان مطلقا من دون تفصيل بين ما وجب بالأصل و ما وجب بالنذر و شبهه و قد فسّر البطلان في بعض شروحها بعدم الوقوع عمّا وجب عليه لا البطلان رأسا فيحكم بصحة المأتي به و لكنه لا يجزي عمّا وجب عليه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 171

..........

______________________________

و لكن التفصيل الذي أفاده سيّدنا العلامة الأستاذ الماتن- قده- في المتن و في حاشية العروة يدلّ على انه قد فسر البطلان بالبطلان رأسا كما هو الظاهر من العروة أيضا و الوجه فيه ان عدم الوقوع عما يجب عليه من النوع الذي

نوى غيره مع التوجه و الالتفات يكون مشتركا بين الصورتين لانه لا مجال للوقوع عنه مع عدم نيّته و التعمد و الالتفات كما هو ظاهر و- ح- فاللازم ملاحظة وجه التفصيل المزبور فنقول: هو مبني علي ما تقدم منه- قده- في بعض المسائل السّابقة من انّ من استقر عليه الحج و تمكن من أدائه ليس له ان يحج عن غيره تبرعا أو بالإجارة و كذا ليس له ان يتطوع به ثم نفى البعد عن البطلان من غير فرق بين علمه بوجوبه عليه و عدمه بل حكم ببطلان الإجارة و ان كان جاهلا بوجوبه عليه و عليه يظهر وجه الحكم بالبطلان فيما لو نوى غير ما وجب عليه بالأصل و انه لا يقع مطلقا لا عن الواجب و لا عن المنوي و امّا وجه الحكم بالصحة فيما لو كان عليه ما وجب بسبب النذر و شبهه فلعدم جريان أدلة البطلان في الفرض الأوّل في هذا الفرض بعد كون الوجوب غير متعلق بعنوان الحج بوجه بل بعنوان الوفاء بالنذر و شبهه و ان كان النذر متعلقا بعنوان خاص و كان مقيدا بالفورية لكن قد مرّ منّا انه لا وجه للحكم بالبطلان في الفرض الأوّل سواء كان مستندا إلى القاعدة أو الى الروايتين الواردتين فيه أو الى الإجماع أو الشهرة فالحق في كلا الفرضين عدم البطلان بهذا المعني نعم لا ريب في البطلان بمعنى عدم وقوعه عما وجب عليه لعدم تعلّق النيّة به أصلا.

الفرع الثاني: ما لو نوى نوعا و نطق بغيره فان كان بنحو سبق اللسان و من غير قصد و لا اختيار فلا شبهة في صحته و ان المدار ما نوى و ان كان بغيره لكن

لا بنحو يرجع الى العدول عن النية فالمدار أيضا هي النيّة لأنه لا اثر للفظ بدونها و يترتب عليها الأثر بدونه لانه لا يلزم التلفظ بها بل لا دليل على الاستحباب في غير اعمال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 172

..........

______________________________

الحجّ و العمرة.

و ربما يستشهد على الصحة بما رواه في محكيّ قرب الاسناد عن عبد اللّٰه بن الحسن عن جدّه على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليهما السلام- قال سألته عن رجل أحرم قبل التروية فأراد الإحرام بالحج يوم التروية فأخطأ و ذكر العمرة قال فقال ليس عليه شي ء فليعتدّ الإحرام بالحجّ «1».

و أورد على الاستشهاد به بان ظاهرها هو الخطاء في النيّة لا في الذكر اللفظي بمعنى ان الداعي النفسي كان هو الحج و لكنه نوى العمرة.

كما انه أورد بعض الاعلام- قده- على الاستشهاد به بعد الحكم بضعف السند بعبد اللّٰه بن الحسن كما مرّ سابقا بأنه أجنبي عن المقام بالمرة لأن المفروض فيه صدور الإحرام منه في الخارج و لكن يريد الإحرام ثانيا يوم التروية لدرك فضل الإحرام يوم التروية فلا يشمل الخطاء في الإحرام من الأوّل.

أقول الظاهر ان هذا الإيراد يبتني على عدم التأمل في معني الرواية و مورد السؤال فيها لانه مضافا الى انه لم يقم دليل على جواز تجديد الإحرام لدرك الفضيلة المذكورة و لا يكون الاشتباه في الإحرام التجديدي بقادح أصلا فلا مجال للسؤال عنه لعدم قدح بطلانه فضلا عن الاشتباه ان مورد السؤال دخوله في الحرم قبل التروية و ان معني أحرم هو الورود في الحرم كما ان معني اللّابن و التامر هو بايع اللبن و التمر و عليه فلم يتحقق

منه إحرام قبل التروية بوجه بل مراده من الأوّل هو الإحرام بالحج يومها و لكنه أخطأ و المراد من قوله: و ذكر العمرة امّا ذكر العمرة أي في النية بدلا عن الحج و امّا التذكر و التوجه إلى انه لم يأت بالعمرة قبل الحجّ بعد على و كلا التقديرين ينطبق على المقام.

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الثاني و العشرون ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 173

..........

______________________________

نعم الاستدلال بها يتوقف على كون الجواب: «فليعتد» كما في الوسائل المناسب لقوله قبله ليس عليه شي ء و لكن الظاهر انه لا مجال للحكم بالصحة في التقدير الثاني و امّا لو كان الجواب: «فليعد» كما في بعض النسخ أو كان «فليعقد» فالظاهر دلالته على لزوم إعادة الإحرام.

و يؤيد ما ذكرنا في معني سؤال الرّواية ان المنقول في ذيل الوسائل عن قرب الاسناد: سألته عن رجل دخل قبل التروية بيوم و أراد الإحرام بالحج يوم التروية فأخطأ قبل العمرة ما حاله: قال ليس عليه شي ء فليعد الإحرام بالحج. و ظاهره الإحرام بالحج قبل إتمام العمرة و عليه فتدل على لزوم إعادة الإحرام بالحج من دون ان يكون عليه شي ء من الكفارة و لكن حيث ان الرواية ضعيفة السند لا مجال للاستدلال بها نفيا و إثباتا.

الفرع الثالث: ما لو كان في أثناء نوع و شك في انه نواه أو نوى غيره و الجمع بين الأمرين بأن كان في أثناء نوع و مع ذلك شكّ في نيّته أو نيّة غيره انّما هو بأن يأتي- مثلا- بالطواف بعنوان عمرة التمتع بحيث لو سئل عن طوافه لكان يجيب بذلك و لكن يحتمل مع ذلك ان تكون نيّته حال الإحرام

الذي هو الشروع في العمل متعلقة بالعمرة المفردة و قد حكم فيه في المتن و في العروة و كثير من شروحها بالبناء على ما نوى و الوجه فيه هو التجاوز عن محلّ النية الذي هو حال الإحرام فهو كمن يكون مشتغلا بصلاة الظهر و في أثنائها و لكنه يحتمل ان يكون قد نوى حال الشروع عنوان العصر باعتقاد انه صلّى الظهر فان الظاهر هو البناء على انه نوى الظهر بحيث لا يكون مجال للعدول و لو على سبيل الاحتمال و ليس ذلك إلّا لأجل التجاوز عن محل النية الذي هو مقارن للشروع فيها و عليه فلا مجال للإشكال في جريان قاعدة التجاوز نظرا إلى انه انّما تجري مع الشك في تحقق ماله دخل في تمامية العنوان بعد إحراز عنوانه و النية لما كانت بها قوام العنوان فمع الشك فيها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 174

[مسألة 7- لو نوى مكان عمرة التمتّع حجّه جهلا]

مسألة 7- لو نوى مكان عمرة التمتّع حجّه جهلا فان كان من قصده إتيان العمل الّذي يأتي به غيره و ظنّ انّ ما يأتي به أوّلا اسمه الحج فالظاهر صحّته و يقع عمرة، و امّا لو ظنّ ان حج التمتّع مقدم على عمرته فنوى الحج بدل العمرة ليذهب الى عرفات و يعمل عمل الحج ثم يأتي بالعمرة فاحرامه باطل يجب تجديده في الميقات إن أمكن و الّا فبالتفصيل الذي مرّ في ترك الإحرام (1).

______________________________

يكون الشك في العنوان لا في المعنون.

فالظاهر بمقتضى ما ذكر ما افاده الماتن- قده-

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح

تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 3، ص: 174

(1) و الوجه في الصحة في الفرض الأوّل انّ المنوي بحسب الواقع هي العمرة غاية الأمر تخيّله انّ عنوانها هو الحجّ و الّا فلو سئل عمّا يأتي به بعد الإحرام يجيب بأنه يدخل مكة و يطوف و يسعى و يقصّر بل لا يلزم العلم بذلك و انه يكفى ان يقصد ما يأتي به من هو مثله في الفرض و نوعه لما عرفت من كفاية التعيين الإجمالي و عدم كون الخطاء في العنوان لفظا أو مع النية قادحا في الصحّة بوجه خصوصا بعد كون حج التمتع له خصوصية من جهة ارتباط حجّه بعمرته و كذا العكس و لأجله ربما يطلق على المجموع عنوان الحج لأن إضافة الحج الى التمتع ان كانت في مقابل العمرة يكون الحج امرا آخرا مغايرا لها و ان كانت في مقابل حج القران أو الافراد يكون شاملا لها أيضا كما هو ظاهر.

و امّا الوجه في البطلان في الفرض الثاني فلأجل انه قد نوى الحجّ الذي يقابل العمرة بحيث لو سئل عما يأتي به بعد الإحرام يجيب بأنه يذهب بعد الإحرام الى عرفات و مشعر و منى و يأتي بأعمال الحج و مناسكه فالظاهر بطلان إحرامه و لو كان ذلك جهلا و لا يجري فيه ما ذكرنا سابقا من صحة ما نوى و ان كان الواجب عليه بالأصل غيره فضلا عن الواجب بالنذر و الاستيجار و مثلهما و ذلك لان المفروض هنا انه نوى ما هو الواجب عليه غاية الأمر انه تخيل جهلا كون الواجب هو الحج مقابل العمرة فنوى الحج فلا مجال- ح- لصحّته و عليه فيصير كمن ترك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

الحج، ج 3، ص: 175

[الثاني: من الواجبات التلبيات الأربع و صورتها]

اشارة

الثاني: من الواجبات التلبيات الأربع و صورتها على الأصحّ: لبّيك اللّٰهم لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك، فلو اكتفى بذلك كان محرما و صحّ إحرامه، و الأحوط الاولى ان يقول عقيب ما تقدّم انّ الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبّيك، و أحوط منه ان يقول بعد ذلك: لبّيك اللهم لبّيك ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبّيك (1).

______________________________

الإحرام رأسا جهلا أو نسيانا و قد مرّ ان حكمه الرجوع الى الميقات و الإحرام منه و مع عدم التمكن من العود الى الميقات التفصيل المتقدم في تلك المسألة فراجع فلا شبهة في صحة التفصيل المذكور في المتن.

(1) لا شبهة في انّ التلبية و ما يجري مجراها من واجبات الإحرام بل كما في الجواهر: الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى الروايات التي سيأتي نقل بعضها و التلبية مصدر باب التفعيل و معناها قول: لبيك بحسب الأصل و اللّغة و فيه احتمالان:

الاحتمال الأوّل: ما يظهر من أكثر اللغويين و الادبيّين من أنّه صيغة التثنية و أصله: لبيّن لك فحذف اللام و أضيف إلى الكاف فحذف النون و النصب انّما هو لأجل فعل محذوف مقدّر أصله ألبّ لك إلبابا بعد الباب أو لبّا بعد لبّ بمعنى الإقامة بعد الإقامة أو الإجابة بعد الإجابة و التثنية انّما هي للتأكد لا للتعدّد و معني الإقامة ظاهرا هي الإقامة و التهيؤ الكامل لإطاعة الهّٰ تبارك و تعالى و قضاء مناسك الحج الذي هو من أهمّ الفرائض الإلهيّة كما في إقامة الصلاة المأمور بها في مواضيع كثيرة من الكتاب العزيز كما ان الإجابة في المقام إجابة للنداء الذي أمر اللّٰه تعالى به

إبراهيم- ع- بأن يؤذّن في الناس بالحج فقيل و اجابه من الناس من هو في أصلاب الرجال و أرحام النساء فجعله اللّٰه تعالى شعارا لهم.

و ربما يحتمل ان يكون من لبّ بمعنى واجه يقال داري تلب دارك اى تواجهها و معناه- ح- ان مواجهتي و قصدي لك كما انه يحتمل ان يكون من لب الشي ء اي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 176

..........

______________________________

خالصة فيكون بمعنى إخلاصي لك و لكنه بعيد بعد كون اللب بهذا المعني بضم اللّام دون الفتح و عن القاموس انه احتمل ان يكون معناه محبّتي لك.

و يرد على جميع الاحتمالات الجارية في هذا الفرض المبنية على كون اللفظ مثنى انه لم يعلم وجه حذف اللام من لك حتى تتحقق الإضافة المستلزمة لحذف النّون الّا ان يوجّه بان الوجه هو كثرة الاستعمال و شدة الحاجة إليه فتدبّر.

الاحتمال الثاني: ان يكون كلمة مفردة نظير على ولدي فأضيفت الى الكاف فقلبت ألفه ياء و هو محكي عن يونس و أورد عليه بانّ على ولدي إذا أضيفا إلى الظاهر يقال فيهما بالألف كعلي زيد ولدي زيد و ليس لبي كذلك فإنه يقال فيه لبي زيد بالياء.

و الظاهر ان المراد من هذا الاحتمال ثبوت التشديد للباء و ان كان التنظير بعلى ولدي يبعّده و مع ثبوت التشديد يصير فعلا آبيا عن الإضافة لاختصاصها بالاسم.

هذا و الذي يقرب الى الذهن انّ مجموع هذه الكلمة مدلولها الإجابة للمنادي المقارنة مع تكريمه و تعظيمه و تجليله و تستعمل في هذا المقام من دون ان يكون مثنى أو مركّبا و المنادي في المقام بالأصالة هو اللّٰه تبارك و تعالى و لذا يذكر كلمة «اللهم» في صورة

التلبية الآتية و كيف كان فالكلام في هذا الأمر أي الأمر الثاني من واجبات الإحرام بعد الفراغ عن أصل اعتبار التلبية و لزومها في الإحرام يقع في أمرين:

الأمر الأوّل: ان الواجب هو التلبيات الأربع لا أزيد لكن حكى عن الاقتصاد انه ذكر في صورة التلبية الواجبة خمسا لكن قال في كشف اللثام بعد نقله: و لم يقل به أحد و حكى عن التذكرة الإجماع على العدم و عن المنتهى إجماع أهل العلم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 177

..........

______________________________

عليه كما انه حكى عن المهذب البارع انه حكى عن بعض وجوب السّت لكن في الجواهر: لم نتحقّقه و عليه فلا ينبغي الإشكال في عدم لزوم الزائد على الأربع.

الأمر الثاني: صورة التلبية و قد وقع فيها الاختلاف قال المحقق في الشرائع:

«و صورتها ان يقول لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك و قيل يضيف الى ذلك ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك و قيل بل يقول لبيك اللهم لبيك، لبيك ان الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك لبيك و الأوّل أظهر».

و اختار الأوّل في محكي النافع و بعض نسخ المقنعة قال في الجواهر و لعلّه ظاهر التحرير و محكي المنتهي بل هو خيرة الكركي و سيد المدارك و الأصبهاني و السيّد في العروة و الماتن و غيرهم.

و حكى الثاني عن رسالة علي بن بابويه و بعض نسخ المقنعة و القديمين و الأمالي و الفقيه و المقنع و الهداية و ظاهر المختلف و الثالث عن القواعد و الإرشاد و التبصرة و محكيّ الجامع.

و حكى عن جمل السيّد و شرحه و المبسوط و السّرائر و الكافي

و الغنية و الوسيلة و المهذب ذلك اى القول الثالث لكن بتقديم «و الملك» على لك و عن النهاية و الإصباح ذكره بعده و قبله جميعا و العجب من بعض الاعلام- قده- حيث انه قال و لم يقل أحد بوجوب تقديم و الملك على لك مع ان صاحب الجواهر- قده- نقله عمن عرفت مع كثرته و يدلّ على الأوّل صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث قال: التلبية ان تقول: لبّيك اللّٰهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبّيك، ان الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك لبيك، (لبيك خ ل) ذا المعارج لبيك لبيك الى ان قال و ان تركت بعض التلبية فلا يضرّك غير ان تمامها أفضل، و اعلم انه لا بد من التلبيات الأربع الّتي كنّ في أوّل الكلام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 178

..........

______________________________

و هي الفريضة و هي التوحيد و بها لبّى المرسلون الى آخر الحديث «1».

و ادعى في العروة صراحة هذه الصحيحة في القول الأوّل و ان الزوائد مستحبة لكن قد نوقش في هذا الادعاء بمنعه لانه يحتمل ان يكون ما قبل التلبية الخامسة متمّما للتلبية الرابعة داخلا في التلبيات الأربع كما ان قوله لا شريك لك داخل فيها قطعا و عليه يكون شروع التلبية الخامسة من قوله لبيك بعد قوله ان الحمد و النعمة .. نعم لا تنبغي المناقشة في ظهورها في هذا القول لكن الظهور غير الصراحة.

ثم انّ المراد من قوله: و هي التوحيد يحتمل ان يكون وجهه اشتمال التلبيات الأربع على قوله لا شريك لك و يحتمل ان يكون لأجل ان معناها التوجه أو الإخلاص

إليه تعالى كما مرّ و يحتمل ان يكون لأجل اشتراك جميع المرسلين في هذه التلبيات و يدل على هذا القول أيضا صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال إذا أحرمت من مسجد الشجرة فإن كنت ماشيا لبّيت من مكانك من المسجد تقول: لبيك اللّٰهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبّيك، لبيك ذا المعارج لبيك، لبّيك بحجّة تمامها عليك و اجهر بها كلّما ركبت و كلّما نزلت و كلّما هبطت واديا أو علوت اكمة أو لقيت راكبا و بالأسحار «2».

و لكن دلالتها على القول الأوّل انّما هي بضميمة الإجماع على عدم وجوب الزائدة على الأربع كما مرّ كما انّها تدل على عدم مدخليّة قوله ان الحمد و النعمة .. في التلبية الرابعة بوجه لعدم التعرض له مع التعرض للتلبيات المستحبة الزائدة.

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الأربعون ح- 2.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الأربعون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 179

..........

______________________________

و استدلّ للقول الثاني بعدة روايات:

منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: لمّا لبّى رسول اللّٰه- ص- قال لبّيك اللّٰهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، انّ الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك لبيك، لبّيك ذا المعارج لبّيك، و كان يكثر من ذي المعارج و كان يلبّي كلّما لقي راكبا أو علا اكمة أو هبط واديا و من آخر الليل و في ادبار الصلوات «1».

و أجيب عنه بأن الصحيحة في مقام بيان حكاية تلبية النبي- ص- و لا دليل على ان جميع ما اتى به واجب بل ذكر الدعاء في ذيل التلبيات قرينة على عدم وجوب جميع هذه

الجملات لان الدعاء غير واجب قطعا.

كما انه يمكن استشكال عليه بعدم انطباقها على المدعى بعد كون صورة التلبية عنده عبارة عن التلبيات الأربع و الرواية مشتملة على سبع تلبيات.

و يرد على الجواب الأوّل: انّ الحاكي لفعل النبي- ص- أو الإمام- ع- ان كان هو الامام دون غيره و كان الغرض من حكايته بيان الحكم لأنّها نوع من البيان فلا مجال لرفع اليد عما هو ظاهره الذي هو الوجوب و لا سبيل لاحتمال الاستحباب مع عدم قيام قرينة عليه و قد قام الدليل الذي هو الإجماع في المقام على عدم وجوب الزائدة على اربع تلبيات و القدر المتيقن من معقد الإجماع عدم لزوم التلبية الخامسة و ما بعدها و المفروض في الرواية وقوع قوله ان الحمد و النعمة .. قبل التلبية الخامسة فلم يقم دليل على عدم وجوبه و منه ظهر الجواب عن الاستشكال المزبور فيتمّ الاستدلال بالصّحيحة.

نعم صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة صريحة في عدم وجوب الإضافة المذكورة

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الأربعون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 180

..........

______________________________

لعدم التعرض لها بوجه فالجمع بينها و بين هذه الصحيحة هو الحمل على الاستحباب كالتلبية الخامسة و ما بعدها كما لا يخفى.

و منها: صحيحة عاصم بن حميد قال سمعت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- يقول ان رسول اللّٰه- ص- لما انتهى الى البيداء حيث الميل قربت له ناقة فركبها فلمّا انبعثت به النبي- ص- لبّى بالأربع قال: لبّيك اللّٰهم لبّيك، اللّٰهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، انّ الحمد و النعمة و الملك لك، لا شريك لك لبّيك ثم قال هاهنا يخسف بالأخابث ثم قال انّ الناس زاد و

أبعد و هو أحسن «1».

و الاشكال بكونها حكاية الفعل قد عرفت الجواب عنه لكن الإيراد عليه بعدم انطباقها على المدّعى تامّ لعدم تعدّد اللّٰهم لبّيك و تقدم و الملك على لك لكن المنقول في ذيل الوسائل ان الرواية في مصدرها الذي هو كتاب قرب الاسناد المطبوع في الأواخر خال عن قوله اللهم لبّيك الثاني و عن لبّيك الآخر و في آخره ان الناس زاد و أبعد فرد و هو حسن.

كما انّ دلالة صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة على عدم وجوب الإضافة المذكورة في هذا القول توجب الحمل على الاستحباب.

و منها: ما رواه في الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد (ع) في حديث شرائع الدين المشتمل على قوله: و فرائض الحج الإحرام و التلبيات الأربع و هي لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، ان الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك «2».

و دلالتها على هذا القول و ان كانت ظاهرة الّا ان الاشكال في سندها لعدم

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب السادس و الثلاثون ح- 6.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني ح- 29.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 181

..........

______________________________

اعتباره لكن الأحوط الأولى كما في المتن رعاية هذه الإضافة.

ثم ان كلمة «انّ» يمكن ان تكون بفتح الهمزة و يمكن ان تكون بكسرها و على التقدير الأوّل لا بدّ من الالتزام بحذف مثل اللام ليكون تعليلا لما قبله و على الثاني تكون جملة مستأنفة مستقلة و منه يظهر ترجيحه على الأوّل لأنه مضافا الى ان الالتزام بالحذف انما يكون في مورد الضرورة يكون الاستيناف دالا على مطلب ثان و أمر مستقل زائد على المطلب الذي هو

مفاد الجملة الاولى و لعلّه لذا استشكل في جواز الفتح الماتن- قده- في حاشية العروة كما ان قوله: و الملك بناء على كونه بعد «لك» يجري فيه احتمالان الفتح بناء على كونه معطوفا على الحمد، و الضم بناء على كونه مبتدأ لخبر محذوف يدل عليه ما قبله.

ثم انّ الوجه في كون مقتضى الاحتياط الاستحبابي هي رعاية الإضافة المذكورة في القول الثاني واضح على ما عرفت و امّا الوجه في كون الأحوط منه ما ذكره في المتن بعده فيشكل تارة من جهة ان الظاهر كون هذا هو القول الثالث الذي نقله المحقق في الشرائع في عبارته المتقدمة و ان كان بينهما اختلاف من جهة تكرر لبّيك في هذا القول دون ما هو المذكور في المتن و ان كان يمكن إسناده إلى سهو القلم أو الناسخ أو الطبع مع ان هذا القول- اى القول الثالث لا مستند له من جهة الروايات أصلا و لذا قال في الجواهر: «و امّا القول الثالث على كثرة القائل به بل في الدروس: انه أتمّ الصور و ان كان الأول مجزيا و الإضافة إليه أحسن، فلم أظفر له بخبر كما اعترف به غير واحد لا من الصحيح و لا من غيره في الكتب الأربعة و لا في غيرها لا بتقديم «لك» على «الملك» و لا تأخيره و لا ذكر مرتين قبله و بعده» و حكى مثل ذلك عن المدارك و كشف اللثام و غيرهما.

و اخرى من جهة انّ ظاهر القول الثالث كون الصورة المذكورة فيه هي تمام صورة التلبية من دون زيادة و لا نقصان و وجود القائل خصوصا مع كثرته و ان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3،

ص: 182

[مسألة 8- يجب الإتيان بها على الوجه الصحيح بمراعاة أداء الكلمات]

مسألة 8- يجب الإتيان بها على الوجه الصحيح بمراعاة أداء الكلمات على القواعد العربية فلا يجزي الملحون مع التمكن من الصحيح و لو بالتلقين أو التصحيح و مع عدم تمكّنه فالأحوط الجمع بين إتيانها بأيّ نحو امكنه و ترجمتها بلغته و الأولى الاستنابة مع ذلك و لا تصح الترجمة مع التمكن من الأصل، و الأخرس يشير إليها بإصبعه مع تحريك لسانه و الأولى الاستنابة مع ذلك و يلبي عن الصبي غير المميّز (1).

______________________________

كان يوجب تحقق موضوع الاحتياط الّا ان ظاهر المتن ضمّ هذه الصورة إلى الصورة الأولى التي قوّاها مع ان هذا القول مشتمل على جميع خصوصيات الصورة الأولى كالقول الثاني غاية الأمر ان الإضافة في القول الثاني مذكورة بتمامها بعد تمامية الصورة الاولى و في القول الثالث مذكورة متفرقة من دون ان يكون نقصان من الصورة الاولى و من الواضح انّ الفصل بهذا المقدار القليل مع كونه ذكرا و نحوه لا يقدح في تحقق الصورة ضرورة ان الفصل بين التلبيات الأربع بمثل الصلوات على محمد و آله لا يقدح في تحققها و عليه فيشكل جعل الاحتياط الكامل في إضافة مجموع القول الثالث إلى الصورة الاولى و عليه فيحتمل قويّا ان يكون المراد ان يقول مكان ذلك مكان بعد ذلك و يحتمل ضعيفا ان يكون مراد المتن اضافة القول الثالث الى مجموع القولين الأوّلين بحيث كان مرجعه الى الجمع بين جميع الأقوال فتدبّر.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات:

المقام الأوّل: في أجزاء الملحون من حيث المادة أو الهيئة و عدمه، لا ينبغي الإشكال في عدم الاجزاء مع التمكن من الصحيح و لو بالتلقين أو التصحيح لأنّ ظاهر ما يدل على صورة

التلبية التي لا بد منها في الإحرام يقتضي لزوم الإتيان بها بالكيفية المذكورة اي باللغة العربية و رعاية أداء الكلمات على طبق قواعدها بحيث تكون محكومة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 183

..........

______________________________

بالصّحة و ان لم تكن مشتملة على التجويد و لا الخصوصيات التي تختصّ بالعالم باللغة العربيّة و التلفظ بها كما في القراءة و التشهد و الأذكار في باب الصلاة.

إنّما الإشكال في صورة عدم التمكن من الصحيح أصلا و لو بأحد الطريقين المذكورين و قد احتاط في المتن وجوبا بالجمع بين إتيانها بأيّ نحو امكنه و بين الترجمة بلغته و حكم باستحباب ضم الاستنابة إليهما لكن السيد- قده- في العروة احتاط أوّلا بالجمع بين الأوّل و بين الاستنابة و ثانيا بالجمع بين الأمور الثلاثة.

و لا بدّ في المقام بعد ملاحظة ان النيابة كما عرفت في أوّل فصل النيابة في الحج أمر يكون على خلاف القاعدة لا يصار اليه الّا في مورد قيام الدليل المعتبر عليه و ثبوت النيابة كما في أصل الحج في بعض الموارد و بعد ملاحظة انّ قاعدة الميسور لا تكون من القواعد المعتبرة التي يمكن ان يستدل بها في مثل هذه الموارد من ملاحظة الروايات الواردة في المسألة أو التي يمكن ان يستفاد منها حكمها فنقول:

منها ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى عن محمد بن احمد عن محمد بن عيسى عن محمد بن يحيى عن ياسين الضرير عن حريز عن زرارة انّ رجلا قدم حاجّا لا يحسن ان يلبّى فاستفتي له أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- فأمر له ان يلبّي عنه «1».

و لو لا ضعف سند الرواية بسبب ياسين الضرير لعدم وجود مدح بالإضافة إليه

فضلا عن التوثيق لكانت دلالتها على تعين الاستنابة في المقام بلحاظ كون مورد الاستفتاء من لا يحسن ان يلبي الظاهر في عدم التمكن من الإتيان بها صحيحة لا عدم التمكن من الإتيان بها رأسا واضحة فإن ظاهرها تعين الاستنابة و عدم جواز الاكتفاء بالملحون و على تقدير عدم الضعف كانت صالحة للنهوض في مقابل

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب التاسع و الثلاثون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 184

..........

______________________________

القاعدة التي عرفت ان النيابة على خلافها و كذا قاعدة الميسور بناء على اعتبارها لكن ضعف السند يمنع عمّا ذكر.

و منها: ما رواه في قرب الاسناد عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة قال سمعت جعفر بن محمد- عليهما السلام- يقول انك قد ترى من المحرّم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح، و كذلك الأخرس في القراءة في الصلاة و التشهد و ما أشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم و المحرّم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح، و لو ذهب العالم المتكلم الفصيح حتى يدع ما قد علم انه يلزمه و يعمل به و ينبغي له ان يقوم به حتى يكون ذلك منه بالنبطية و الفارسيّة فحيل بينه و بين ذلك بالأدب حتى يعود الى ما قد علمه و عقله، قال و لو ذهب من لم يكن في مثل حال الأعجم المحرّم فعل فعال الأجنبي و الأخرس على ما قد وصفنا إذا لم يكن أحد فاعلا لشي ء من الخير و لا يعرف الجاهل من العالم «1».

و الظاهر ان الرواية موثقة و قد نقل البهبهاني- قده- في التعليقة عن المجلسي الأوّل: ان الذي يظهر من

اخباره- يعني مسعدة- التي في الكتب انه ثقة لأن جميع ما يرويه في غاية المتانة موافقة لما يرويه الثقات و قد عبّر الشيخ الأعظم الأنصاري- قده- عن روايته المعروفة الواردة في أصالة الحلية و حجية البينة بالموثقة فلا إشكال في الرواية من حيث السند.

و امّا من حيث الدلالة فالظاهر ان كلمة «المحرّم» انّما هي بتشديد الرّاء و الظاهر ان قوله: من العجم بيان له و المراد من كليهما من لا يكون قادرا على الإتيان بالكلمات صحيحة و تؤيده اللغة قال الأزهري: سمعت العرب تقول ناقة محرّمة الظهر إذا كانت صعبة لم ترض و لم تذلل. ففي الحقيقة يكون المراد من المحرّم

______________________________

(1) وسائل أبواب القراءة في الصلاة الباب السابع و الستون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 185

..........

______________________________

من يكون لسانه متعصّيا عن التلفظ الصحيح كما ان المراد بالفصيح ما يقابل ذلك لا الفصاحة المستعملة مع البلاغة في علم المعاني و البيان كما ان المراد بالعاقل ليس ما يقابل المجنون فان كثيرا ما يستعمل العقل في الروايات و في الأدعية في مقابل الجهل و قد اشتهر حديث جنود العقل و الجهل الذي شرحه سيدنا الأستاذ الأعظم الماتن- قدس سره الشريف- شرحا مستقلا مشتملا على مطالب عالية و إفادات كثيرة و كيف كان فلا شبهة في دلالة الرواية على انه لا يراد ممّن لا يحسن مثل التلبية مثل ما يراد من العالم الفصيح و انه يجوز له الاكتفاء بما يحسن و الاقتصار عليه فلا تجب عليه الاستنابة و لا التّرجمة بوجه.

و منها: ما ورد في تلبية الأخرس و مثلها و هو ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال

تلبية الأخرس و تشهّده و قرائته القرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته بإصبعه «1».

فإنّ موردها و ان كان هو الأخرس و هو لا يقدر على التكلم أصلا الّا انه يستفاد من جعل مثل تلبيته هو تحريك اللسان و الإشارة بالإصبع و مرجعه إلى انه لا مجال للاستنابة فيه ان الحكم في الملحون أيضا عدم وجوب الاستنابة و جواز الاكتفاء بما يتمكن منه لو لم نقل بأولويته من الأخرس فتدبّر.

و كيف كان ففي الموثقة المتقدمة كفاية في الحكم بالجواز و عدم لزوم الاستنابة و لا الترجمة.

ثم انه بناء على ما ذكرنا لا مجال للاقتصار على الترجمة عند التمكن من الأصل و لو بصورة الملحون و لو فرض عدم التمكن من الأصل كذلك و لو بهذه الصورة فالظاهر ان مقتضى الاحتياط اللازم الجمع بين الترجمة بلغته أيّة لغة كانت و بين

______________________________

(1) وسائل أبواب القراءة في الصلاة الباب التاسع و الخمسون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 186

..........

______________________________

الاستنابة و احتمال سقوط وجوب الحج في هذا العام لأجل عدم القدرة على التلبية و لو بالصورة المذكورة يدفعه انّ اهتمام الشارع بالحج بنحو عرفت في المباحث السابقة على ما يستفاد من الكتاب و النصوص و إلزامه الفوريّة و عدم ترخيصه التأخير لا يناسب رفع اليد عنه بمجرد عدم القدرة على التلبية مطلقا خصوصا مع حكمه بجريان النيابة في التلبية في بعض الموارد كالصّبي غير المميّز و مع ملاحظة انه ربما لا يقدر عليها و لو بصورة الملحون الى آخر العمر فهل يحتمل جواز ترك مثل هذه الفريضة بمجرد ذلك الظاهر ان الذوق الفقهي و الشمّ المتشرعي يأبيان عن ذلك فالظاهر- ح- الاحتياط

بالجمع بين الترجمة و الاستنابة كما لا يخفى.

المقام الثاني: في الأخرس و قد عرفت ان مقتضى الرواية الواردة فيه التي عمل بها أكثر الأصحاب انّ تلبيته تحريك لسانه و إشارته بإصبعه هذا و لكن ذكر المحقق في الشرائع: «أو بالإشارة للأخرس مع عقد قلبه بها» و الظاهر ان مراده من عقد القلب بالتلبية ليس أمرا زائدا على الأمرين المذكورين في الرواية بل مراده ان تحريك اللسان و الإشارة بالإصبع لا يراد منهما مطلقهما بل التحريك و الإشارة المناسبين للتلبية و حروفها و حركاتها ضرورة اختلافهما باختلاف الكلمات فمراده هو التحريك الخاص و الإشارة الخاصة و ان المقصود من الرواية ليس مطلقهما كما هو مقتضى الجمود على ظاهرها، و يحتمل بعيدا ان يكون مراده من عقد القلب بها هي النية المعتبرة في الإحرام التي عرفت البحث فيها مفصّلا.

ثم انه حكم في المتن بأن الأولى الاستنابة أيضا و لعلّ منشأه ما حكى عن أبي على من لزوم الجمع بين ذلك و بين الاستنابة و ان كانت العبارة المحكية عنه لا تدلّ على ذلك فراجع.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 187

[مسألة 9- لا ينعقد إحرام عمرة التمتّع و حجّه]

مسألة 9- لا ينعقد إحرام عمرة التمتّع و حجّه، و لا إحرام حجّ الافراد، و لا إحرام

______________________________

المقام الثالث: في الصبي غير المميز و قد مرّ البحث عن كيفية إحرامه و حجّه في أوائل مباحث كتاب الحج و ذكرنا هناك ان مقتضى ما ورد فيه ان الوليّ يلبّي عنه.

بقي الكلام: في المغمى عليه الذي لم يتعرض له في المتن و قد تعرض له السيّد في العروة و حكم بالتلبية عنه كالصبي غير المميز و قد ورد فيه مرسل جميل بن درّاج عن بعض

أصحابنا عن أحدهما- عليهما السلام- في مريض أغمي عليه فلم يعقل حتى اتى الموقف (الوقت خ) فقال يحرم عنه رجل «1».

هذا و لكن ربما يقال ان دلالته على جواز الاستنابة في المقام انّما هي بناء على نسخة الوقت و امّا على نسخة الموقف التي تحتمل صحتها فلا دلالة له على ما نحن فيه لاختصاصه- ح- بمن اتى الموقف مغمى عليه و لا يدل على جواز الاستنابة عمن أغمي عليه من الميقات و عليه فتكون وظيفته الرجوع الى الميقات إن أمكن و الّا فمن مكانه كما في صورتي الجهل و النسيان و الظاهر ان احتمال صحة نسخة «الموقف» في كمال البعد فان الظاهر على هذا الاحتمال ان يكون في الميقات أيضا مغمى عليه و الّا كان يحرم بنفسه و ان عرض له الإغماء بعد ذلك و عليه فيبقى السؤال عن انه بعد عدم إحرامه بنفسه لكونه مغمى عليه و عدم النيابة عنه في الإحرام في الميقات ما الوجه في الإتيان به الى الموقف مع انه يتوقف على الإحرام و عليه فالظاهر ان النسخة الصحيحة هي نسخة «الوقت» و هي تدل على المقام و ان كان في سندها إرسال يمنع عن الاستدلال بها و قد مرّ البحث عن هذه الرواية في بعض المباحث السّابقة فراجع.

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الخمسون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 188

العمرة المفردة إلّا بالتلبية، و امّا في حجّ القران فيتخير بينها و بين الإشعار أو التقليد، و الاشعار مختص بالبدن، و التقليد مشترك بينها و بين غيرها من أنواع الهدى، و الاولى في البدن الجمع بين الاشعار و التقليد، فينعقد إحرام حج القران

بأحد هذه الأمور الثلاثة لكن الأحوط مع اختيار الاشعار و التقليد ضمّ التلبية أيضا، و الأحوط وجوب التلبية على القارن و ان لم يتوقف انعقاد إحرامه عليها فهي واجبة عليه في نفسها على الأحوط (1).

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:

المقام الأوّل: في غير حجّ القران سواء كان حجّ التمتع أو حجّ الافراد أو عمرة التمتع أو عمرة مفردة و الكلام فيه تارة من جهة تعين التلبية فيه و عدم أجزاء غيرها من الإشعار أو التقليد و اخرى من جهة عدم انعقاد الإحرام إلّا بالتلبية بمعنى عدم ترتب الأثر عليه و عدم ثبوت محرمات الإحرام الكثيرة الآتية إن شاء اللّٰه تعالى قبل التلبية و الإتيان بها كتكبيرة الإحرام في باب الصّلاة حيث انه لا يدخل المصلّي في الإحرام المتحقق في باب الصلاة الذي يترتب عليه عدم جواز الإتيان بما ينافيها من القواطع الّا بعد التكبيرة و لا يتحقق ذلك بمجرد نيّة الصلاة قبلها و لذا سميت تكبيرة الإحرام أيضا.

امّا من الجهة الاولى فلا حاجة الى البحث بعد وضوح تطابق النص و الفتوى على لزومها و تعيّنها و لم يقم دليل على قيام شي ء مقامها في هذا المقام نعم هنا بعض الروايات التي يمكن ان يتوهم منها الخلاف و انه لا يتعين التلبية في غير حج القران أيضا لكن سيأتي التعرض لها و البحث عنها.

و امّا من الجهة الثانية: التي هي العمدة في محلّ البحث في المقام فنقول قد حكى الإجماع عن جملة من الكتب الفقهية القديمة و المتوسطة كالإنتصار و الجواهر و الغنية و التذكرة و المنتهى و غيرها على انه قبل التلبية و بعد تحقق النيّة يجوز ارتكاب جميع

تفصيل الشريعة في شرح

تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 189

..........

______________________________

محرّمات الإحرام حتى الجماع من دون ان يكون هناك بطلان أو كفارة و الروايات الدالة على ذلك بالغة حد الاستفاضة:

منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال لا بأس ان يصلي الرجل في مسجد الشجرة و يقول الذي يريد ان يقوله و لا يلبّي ثم يخرج فيصيب من الصيد و غيره فليس عليه فيه شي ء «1».

و المراد بقوله: و يقول الذي .. هو التلفظ بالنية الذي يكون مستحبّا في باب الحج لكن لا دلالة للرواية على حكم مطلق الإحرام لعدم كونه من المواقيت لما عرفت من ان إحرام حج التمتع من بطن مكّة و كذا إحرام العمرة المفردة من ادني الحلّ غالبا الّا ان يقال بأنه لا يرى العرف خصوصية لذلك بل يفهم من الرواية ان حكمها جار في مطلق الإحرام.

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في الرجل- يقع على اهله بعد ما يعقد الإحرام و لم يلبّ قال ليس عليه شي ء «2».

و هذه الرواية أشمل الروايات الواردة في المقام لان المفروض فيها مطلق عقد الإحرام من دون التعرض لمثل مسجد الشجرة و مع ذلك يكون أوضحها باعتبار التصريح بعدم قدح المواقعة مع كونها موجبة لبطلان الحج أو العمرة بخلاف أكثر محرّمات الإحرام.

و منها: مرسلة جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما- عليهما السلام- في رجل صلّى الظهر في مسجد الشجرة و عقد الإحرام ثم مسّ طيبا أو صاد صيدا أو واقع اهله قال ليس عليه شي ء ما لم يلبّ «3».

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع عشر ح- 1.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع عشر ح-

2.

(3) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع عشر ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 190

..........

______________________________

و منها: ما رواه الصدوق بإسناده عن حفص بن البختري عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- فيمن عقد الإحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على اهله قبل ان يلبّي قال ليس عليه شي ء «1».

و منها: غير ذلك لكن في مقابلها ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن احمد بن يحيى عن محمد بن عيسى عن احمد بن محمّد قال سمعت أبي يقول في رجل يلبس ثيابه و يتهيّأ للإحرام ثم يواقع اهله قبل ان يهلّ بالإحرام قال: عليه دم «2». قال صاحب الوسائل بعد نقل الرواية: أقول حمله الشيخ- قده- على من لبّى سرّا و لم يجهر بالتلبية، و جوّز حمله على الاستحباب و يحتمل الحمل على عقد الإحرام بالإشعار أو التقليد.

لكن الظاهر- مضافا الى ان الرواية لم تكن مرتبطة بالمعصوم لانه على تقدير كون القائل في قوله: «قال عليه دم هو أبوه فلا تكون كلام الامام- ع- و على تقدير كون المراد هو الامام- ع- تكون مضمرة- ان الرواية معرض عنها عند الجميع لظهورها في ثبوت الكفارة قبل تحقق النيّة فضلا عن التلبية لأن المفروض فيها مجرد لبس الثياب و التهيؤ للإحرام من دون ان يكون قد عقده بالنيّة فلا دلالة لها على حكم المقام.

و قد انقدح انه لا مجال للمناقشة في جواز ارتكاب محرمات الإحرام قبل التلبية و ليس فيه شي ء لكن قد عرفت منّا في البحث عن كيفية الإحرام احتمال كون الإحرام متحققا بنفس النيّة غاية الأمر ان لزومه و وجوبه يكون متوقفا على التلبية كالافتراق في باب البيع لكن هذا ينافي ظاهر

الكلمات و الفتاوى و ان كان

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع عشر ح- 13.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع عشر ح- 14.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 191

..........

______________________________

التعبير بالوجوب أو الإيجاب و مثلهما في الروايات يلائمه فتدبّر.

المقام الثاني: في حجّ القران و فيه جهات من البحث:

الجهة الاولى: ان المشهور فيه انّ إحرامه ينعقد بأحد أمور ثلاثة: التلبية و الاشعار و التقليد و ان القارن مخير بينها من دون ترتب و طولية، و عن السيد و ابن إدريس تعين التلبية في حج القران كغيره من سائر أقسام الحج و العمرة، و عن الشيخ و ابني حمزة و البرّاج انّ الاشعار و التقليد انما هما في طول التلبية و مع العجز عنها.

و يدلّ على المشهور روايات متعدّدة:

منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال يوجب الإحرام ثلاثة أشياء التلبية و الاشعار و التقليد فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم «1». و الظاهر انه لا إطلاق للصحيحة يشمل الإحرام في جميع موارده حتى يكون ما يدل على تعين التلبية في غير حج القران مقيّدا لإطلاقها لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة بل هي في مقام بيان ما يتحقق به الإحرام و يوجبه في مجموع موارده و امّا انّ أيّا منها متعين في بعض الموارد و أيّا منها لا يكون كذلك في بعض الموارد الأخر فلا تكون الصحيحة متعرضة و ناظرة اليه و بالجملة غرض الرواية مجموع ما يتحقق به الإحرام في موارده و لا إطلاق لها بالإضافة الى جميع الموارد أصلا.

و منها: صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: من

أشعر

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني عشر ح- 20.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 192

..........

______________________________

بدنته فقد أحرم و ان لم يتكلم بقليل و لا كثير «1».

و منها: صحيحة حريز بن عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: إذا كانت بدن كثيرة فأردت أن تشعرها دخل الرجل بين كلّ بدنتين فيشعرها هذه من الشقّ الأيمن، و يشعر هذه من الشّق الأيسر، و لا يشعرها ابدا حتى يتهيّأ للإحرام فإنه إذا أشعرها و قلّدها وجب عليه الإحرام و هو بمنزلة التلبية «2».

و مثلها مع اختلاف يسير مرسلة جميل بن درّاج «3».

و منها: صحيحة أخرى لمعاوية بن عمّار رواها الصدوق بإسناده عنه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: يقلّدها نعلا خلقا قد صليت فيها و الاشعار و التقليد بمنزلة التلبية «4».

و هذه الروايات كما انّها تدل على جواز الاجتزاء بالاشعار و التقليد مكان التلبية كذلك تدل على كونهما في رتبتها من دون تقدم و تأخر خصوصا مثل صحيحة عمر بن يزيد فلا تنبغي المناقشة في ذلك.

الجهة الثانية: ان التقليد في حج القران مشترك بين أنواع الهدى من البدنة و البقر و الغنم و لكن الاشعار يختص بالبدنة أمّا اختصاص الاشعار بالبدنة فمضافا إلى انه قد صرح به غير واحد بل يظهر منه إرساله له إرسال المسلمات قال العلامة في محكيّ القواعد: و يتخير القارن في عقد إحرامه بها- يعني التلبية- أو بالإشعار المختص بالبدن أو التقليد المشترك بينها، يدل عليه بعد عدم ثبوت الإطلاق في مثل صحيحة معاوية بن عمار الاولى على ما عرفت و بعد انّ جميع ما ورد في مورد

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب

الثاني عشر ح- 21.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني عشر ح- 19.

(3) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني عشر ح- 7.

(4) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني عشر ح- 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 193

..........

______________________________

الاشعار فقد تعرض للبدنة و لا يكون في شي ء منها اشعار بوجود الإشعار في غير البدنة من سائر أنواع الهدى مثل صحيحة عمر بن يزيد و صحيحة حريز و مرسلة جميل المتقدمة انه لا يلزم اقامة الدليل على اختصاص الاشعار بالبدنة بل يكفى بعد دلالة الأدلة المتقدمة في التلبية الظاهرة في لزومها و تعيّنها في جميع أنواع الحج و العمرة عدم قيام الدليل على جريان الإشعار في غير البدنة مع قيامه على جريان التقليد في جميع أنواع الهدي في حج القران مضافا الى ما ربما يقال من عدم مناسبة غير البدنة مع الاشعار لضعف البقر و الغنم عنه و وقوعهما في معرض التلف و الهلاك و امّا جريان التقليد في جميع أنواع الهدي في حج القران فلدلالة الروايات الكثيرة التي وقع في بعضها التصريح بالغنم و البقر و في بعضها التصريح بجريانه في البدنة كما سيأتي التعرض لبعضها إن شاء اللّٰه تعالى.

الجهة الثالثة: انّ الاولى في البدنة الجمع بين القران و الاشعار لما رواه السكوني عن جعفر- عليه السلام- انه سئل ما بال البدنة تقلّد النعل و تشعر؟ فقال: امّا النعل فتعرف انّها بدنة و يعرفها صاحبها بنعله، و امّا الاشعار فإنه يحرم ظهرها على صاحبها من حيث أشعرها فلا يستطيع الشيطان يمسّها (يتسنّمها) «1». فان ظاهر السؤال المفروغية عن الجمع بين الأمرين الاشعار و التقليد و ان مورده هي علّة الجمع بينهما و

الجواب تقرير له و بيان لتلك العلّة.

و صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال البدن تشعر في الجانب الأيمن و يقوم الرجل في الجانب الأيسر ثم يقلّدها بنعل خلق قد صلّى فيها. «2»

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني عشر ح- 22.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني عشر ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 194

..........

______________________________

و لو لا دلالة الروايات الكثيرة و اتفاق الفتاوى على عدم لزوم الجمع بين الأمرين لكان اللازم العمل بمقتضاهما و لكنها توجب حملهما على الاستحباب.

الجهة الرّابعة: ان الاولى الجمع في البدنة بين الاشعار و التقليد و بين التلبية أيضا خروجا من خلاف مثل السيد و ابن إدريس القائلين بتعين التلبية في انعقاد الإحرام في جميع أقسام الحج و العمرة كما عرفت.

الجهة الخامسة: انه ذكر في المتن ان الأحوط وجوب التلبية على القارن وجوبا نفسيّا من غير فرق بين ما إذا كان الهدي هي البدنة أو غيرها من دون ان يكون له مدخليّة في انعقاد الإحرام بوجه و استظهر ذلك السيد- قده- في العروة.

و الأصل في هذه الجهة ما حكى عن كاشف اللثام في شرح عبارة القواعد:

و لو جمع بين التلبية واحدهما كان الثاني مستحبّا من ان الأقوى الوجوب لإطلاق الأوامر و التأسي و استظهره من عبارة الشرائع و من قبلهما يعنى المحقق و العلامة.

و امّا صاحب الجواهر فقد تعرض لهذا الأمر في موردين: أحدهما فصل أنواع الحج حيث قال: «انما الكلام في المستفاد من عبارة القواعد من استحباب التلبية بعد عقد الإحرام و الاشعار و التقليد و لعلّ وجهه الاحتياط و إطلاق الأوامر بها في عقده و نحو ذلك مما

يكفي في مثله و امّا احتمال الوجوب تعبّدا و ان انعقد الإحرام بغيرها كما هو مقتضى ما سمعته من كشف اللثام بل قد يوهم ظاهره وجوب الاشعار و التقليد بعدها أيضا فهو في غاية البعد خصوصا الأخير فتأمل جيّدا».

ثانيهما: هذا المقام حيث حمل عبارتي الفاضلين على استحباب الثاني من حيث عقد الإحرام قال و هو لا ينافي الوجوب تعبّدا و انه يمكن استفادته- يعني الوجوب من إطلاق الأمر بالتلبية و ما في موثق يونس من الأمر بالتلبية بعد الاشعار و ما في بعض الروايات الأخر و لكن العمدة هما الأوّلان:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 195

..........

______________________________

أحدهما: إطلاق الأمر بالتلبية الدال على وجوبها مطلقا و لو بعد الاشعار و التقليد الّذي به يتحقق الإحرام و ينعقد فلا محالة يكون واجبا نفسيّا.

و الجواب عنه ظاهر فإنه لا ينبغي الإشكال في انّ الا و أمر الواردة في التلبية ناظرة إلى الإحرام و مدخليتها في انعقاده و لا إشعار في شي ء منها الى الوجوب النفسي غير المرتبط بالإحرام و انعقاده أصلا.

ثانيهما: موثقة يونس بن يعقوب التي رواها الكليني- قده- قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام- اني قد اشتريت بدنة فكيف اصنع بها؟ فقال: انطلق حتى تأتي مسجد الشجرة فأفض عليك من الماء و البس ثوبك ثم أنخها مستقبل القبلة ثم ادخل المسجد فصلّ ثم افرض بعد صلوتك ثم اخرج إليها فأشعرها من الجانب الأيمن من سنامها ثم قل: بسم اللّٰه اللّٰهم منك و لك اللهم تقبّل منّي ثم انطلق حتى تأتي البيداء فلبّه «1». و الهاء في فلبّه للسّكت و اشتمال الرواية على جملة من المستحبات لا يمنع عن دلالتها على الوجوب بالإضافة

إلى التلبية و لكن الاشكال انّما هو في ان الرواية رواها الصدوق مشتملة على زيادة في السؤال و الجواب و هي مع هذه الزيادة لا تكون مرتبطة بالمقام حيث ان السؤال فيها و الجواب عبارة عن قوله: «خرجت في عمرة فاشتريت بدنة و انا بالمدينة فأرسلت الى أبي عبد اللّٰه- ع- فسألته كيف اصنع بها فأرسل الىّ ما كنت تصنع بهذا فإنه كان يجزيك ان تشتري من عرفة قال انطلق و ذكر مثله «2». و من الواضح ان الرواية ترتبط بعمرة التمتع التي لا ينعقد إحرامها إلا بالتلبية فاللازم ان يقال باستحباب الاشعار إذا كان الهدي الذي هي البدنة معه حال الميقات و بالجملة لم يثبت ما يدل على

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني عشر ح- 2.

(2) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني عشر ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 196

[مسألة 10- لو نسي التلبية وجب عليه العود الى الميقات لتداركها]

مسألة 10- لو نسي التلبية وجب عليه العود الى الميقات لتداركها، و ان لم يتمكن يأتي فيه التفصيل المتقدم في نسيان الإحرام على الأحوط لو لم يكن الأقوى، و لو اتى قبل التلبية بما يوجب الكفارة للمحرم لم تجب عليه لعدم انعقاده الّا بها (1).

______________________________

الوجوب مع تردّد الرواية بين النقلين.

(1) قد تقدم البحث عن حكم نسيان الإحرام و انه قد ورد فيه روايات متعددة تدل على لزوم العود الى الميقات لتداركه مع التمكن منه و مع عدم التمكن فيه تفصيل مرّ البحث عنه مفصّلا.

انّما الكلام في هذه المسألة في نسيان خصوص التلبية و انه هل يجري فيه ما ذكر هناك و عمدته لزوم الرجوع الى الميقات للتدارك في صورة التمكن أو لا يجري فيه؟

و التحقيق ان

يقال بابتناء الحكم المذكور على ما تقدم في البحث عن ماهية الإحرام و حقيقته فان قلنا بأنّها مركبة من النية و التلبية فقط أو بضميمة لبس الثوبين فالظاهر جريان الحكم المذكور في تلك الروايات هنا لعدم تحقق الإحرام المركب بعد عدم تحقق أحد جزئية أو اجزائه فيدخل المقام في نسيان الإحرام كما انه لو قلنا بأنّها عبارة عن أمر اعتباري يعتبره الشارع عقيب نيّة الحج أو العمرة بضميمة التلبية كما يظهر مما افاده الماتن- قده- في أوّل البحث عن كيفية الإحرام و من قوله في ذيل هذه المسألة لعدم انعقاده الّا بها و ان كان ما افاده تعليقا على العروة هناك يشعر بتردده فيه و احتماله ان يكون الاعتبار بعد النية فقط فالظاهر دخول نسيان التلبية في نسيان الإحرام الذي ورد فيه تلك الروايات و ان كان القدر المتيقن من موردها صورة ترك النية و التلبية معا الّا ان مقتضى إطلاقها الشمول للمقام.

و امّا ان قلنا بأنّ الإحرام عبارة عن مجرّد النيّة الظاهرة في نية ترك المنهيّات المعهودة و المحرمات المعروفة في باب الإحرام كما عن ظاهر المبسوط و الجمل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 197

..........

______________________________

و استظهره صاحب المسالك فنسيان التلبية لا يرتبط بنسيان الإحرام و لا تشمله تلك الروايات لعدم كون الإحرام منسيّا بوجه و- ح- تكون التلبية من واجبات الإحرام و النسيان قد رفع وجوبها و بعد ارتفاع النسيان يلزم الإتيان بها لعدم شرطية مقارنتها مع النية في صحتها و ترتب الأثر عليها فالتلبية- ح- تكون كلبس الثوبين الخارج عن ماهية الإحرام و لكنه يكون من واجباته و لعلّه لذلك حكى عن الشيخ في النهاية و المبسوط:

انه من ترك الإحرام ناسيا حتى يجوز الميقات كان عليه ان يرجع اليه و يحرم منه إذا تمكن منه و الّا أحرم من موضعه، و إذا ترك التلبية ناسيا ثم ذكر جدّد التلبية و ليس عليه شي ء.

و لا مجال لدعوى لزوم الرجوع الى الميقات على هذا التقدير أيضا لأنه كما يجب الإحرام من الميقات كذلك تجب التلبية منه و ذلك لعدم الدليل على لزوم كون التلبية منه لو لم تكن دخيلة في الإحرام كما انه لا تجب المقارنة بينها و بين النيّة كما هو المشهور ظاهرا.

و ممّا ذكرنا يظهر انه لو قيل بأن ماهية الإحرام عبارة عن البناء النفساني و الالتزام القلبي بترك محرمات الإحرام كما اختاره في «المستمسك» على ما تقدم لا يكون نسيان التلبية مشمولا لما ورد في نسيان الإحرام بوجه.

كما انه لو قيل بما احتملناه سابقا و يظهر من السيّد من ان أصل الإحرام ينعقد بمجرد النية و لكنه يجوز له إبطاله و نقضه و ارتكاب جميع محرمات الإحرام بعدها قبل التلبية أو ما يقوم مقامها من الإشعار أو التقليد لا يكون نسيان التلبية مشمولا لتلك الروايات لظهورها في نسيان أصل الإحرام و لا يشمل نسيان ما يوجب الإحرام و يؤثر في لزومه و عدم نقضه و ترتب حرمة المحرّمات عليه و لذا أورد على السيد- قده- بان مقتضى ما ذكره في ماهية الإحرام لا يجتمع مع اجراء حكم نسيان الإحرام على نسيان التلبية.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 198

[مسألة 11- الواجب من التلبية مرّة واحدة]

مسألة 11- الواجب من التلبية مرّة واحدة نعم يستحب الإكثار بها و تكرارها ما استطاع خصوصا في دبر كلّ فريضة أو نافلة و عند صعود شرف أو

هبوط واد و في آخر الليل و عند اليقظة و عند الركوب و عند الزّوال و عند ملاقاة راكب و في الأسحار (1).

______________________________

هذا و لو قلنا بأن التلبية واجبة نفسا امّا مطلقا أو في خصوص حج القران كما تقدم في المسألة السابقة بنحو الاحتياط اللزومي لا يكون نسيان التلبية مرتبطا بنسيان الإحرام بوجه و منه يظهر انّ الجمع بين ما اختاره الماتن- قده- في تلك المسألة و بين إطلاق جعل موضوع المسألة هنا نسيان التلبية و الحكم بجريان حكم نسيان الإحرام عليه غير تامّ الّا ان يقال ان قوله في الذيل لعدم انعقاده الّا بها قرينة على ان المراد من التلبية المنسية هي التلبية المرتبطة بالإحرام و لا يكون شاملا لما يجب نفسا فتدبّر.

(1) امّا كون الواجب من التلبية مرة واحدة فلظهور الروايات الواردة فيها فيها مع ان الطبيعة تتحقّق بمصداق واحد، و امّا استحباب الإكثار بها و تكرارها ما استطاع خصوصا في المواقع المذكورة في المتن فيدل عليه روايات متعددة:

منها: صحيحة معاوية بن عمار الطويلة الواردة في كيفية التلبية المشتملة على التلبيات الكثيرة و العبارات المتعددة و على قوله- ع- بعد ذلك: تقول ذلك في دبر كلّ صلاة مكتوبة و نافلة و حين ينهض بك بعيرك و إذا علوت شرفا أو هبطت واديا أو لقيت راكبا أو استيقظت من منامك و بالأسحار و أكثر ما استطعت و اجهر بها و ان تركت بعض التلبية فلا يضرّك غير انّ تمامها أفضل الحديث «1».

و هذه الرواية تدل على استحباب جميع المواقع المذكورة في المتن بالاستحباب الخاص الّا آخر الليل و عند الزّوال و الظاهر ان المراد بآخر الليل هو عند المنام بقرينة قوله: و في الأسحار

لكن في الجواهر: «لم نجد فيما وصل إلينا من النصوص

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الأربعون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 199

..........

______________________________

التعرض للنوم كما اعترف به في المدارك».

و امّا عند الزوال فالظاهر ان المراد به عند زوال الشمس الذي هو وقت صلوتى الظهرين و الظاهر ان مستنده في ذلك هي مرسلة الصدوق قال قال رسول اللّٰه- ص- ما من حاجّ يضحي ملبّيا حتى تزول الشمس الّا غابت ذنوبه منها «1». مع ان الظاهر انّ المراد بزوال الشمس في المرسلة هي غيبوبة الشمس و غروبها بقرينة قوله: الّا غابت .. فتدبّر و الأمر سهل ثم ان السيد- قده- في العروة تعرض بعد هذه المسألة لمسألة اخرى كان ينبغي ان يتعرض لها الماتن- قده- لاهميّتها و ورود روايات كثيرة مختلفة متعارضة فيها و وجود بعض الفتاوى أو الاحتمالات فيها أيضا و نحن نقتفي أثره و نتعرض لها لكثرة فائدتها فنقول: قال- قده- «ذكر جماعة ان الأفضل لمن حج على طريق المدينة تأخير التلبية إلى البيداء مطلقا كما قاله بعضهم أو في خصوص الرّاكب كما قيل، و لمن حج على طريق آخر تأخيرها الى ان يمشي قليلا، و لمن حجّ من مكّة تأخيرها إلى الرقطاء كما قيل أو الى ان يشرف على الأبطح لكن الظاهر- بعد عدم الإشكال في عدم وجوب مقارنتها للنية و لبس الثوبين- استحباب التعجيل بها مطلقا، و كون أفضلية التأخير بالنسبة إلى الجهر بها فالأفضل أن يأتي بها حين النيّة و لبس الثوبين سرّا و يؤخر الجهر بها الى المواضع المذكورة. و البيداء ارض مخصوصة بين مكة و المدينة على ميل من ذي الحليفة نحو مكّة، و

الأبطح مسيل وادي مكة و هو مسيل واسع فيه دقائق الحصي اوله عند منقطع الشعب بين وادي منى و آخره متصل بالمقبرة التي تسمّى بالعلى عند أهل مكّة، و الرقطاء موضع دون الردم يسمّى مدعى و مدعى الأقوام مجتمع قبائلهم، و الرّدم حاجز يمنع السّيل عن البيت و يعبّر عنه بالمدعى» و الكلام فيه يقع في مقامات:

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الواحد و الأربعون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 200

..........

______________________________

المقام الأوّل: في خصوص مسجد الشجرة لمن حجّ على طريق المدينة و قد حكى عن صاحب الحدائق لزوم تأخير التلبية عن مسجد الشجرة إلى البيداء بصورة الفتوى أو الاحتياط اللزومي و عن كاشف اللثام احتمال تأخير نية الإحرام إلى البيداء و منشأ ذلك وجود روايات متعددة متنافية لا بد من ملاحظتها و نقول انّ واحدة منها ظاهرة في تأخير الإحرام المشتمل على التلبية و النية عن مسجد الشجرة بل النهي عن الإحرام في مسجد الشجرة و غيرها واردة في التلبية.

أمّا الرواية الواحدة فهي صحيحة معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن التهيّؤ للإحرام فقال في مسجد الشجرة فقد صلّى فيه رسول اللّٰه- ص- و قد ترى أناسا يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل فتحرمون كما أنتم في محاملكم تقول: لبّيك، اللهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، انّ الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك لبّيك، بمتعة بعمرة إلى الحج «1». فان ذيلها يدل على تأخير مجموع الإحرام المشتمل على النية التي يكون لفظها قوله: بمتعة بعمرة إلى الحج و هذه الرواية و ان استدللنا بها سابقا على مدخلية كلا

الأمرين النية و التلبية في الإحرام إلّا انّ صحة هذا الاستدلال لا تنافي الإعراض عنها من جهة دلالتها على النهى عن إيقاع الإحرام في مسجد الشجرة و لزوم تأخيره بأجمعه إلى البيداء مع ان السيرة القطعية و الروايات المتكثرة و الفتاوي قديما و حديثا على خلافها فلا مجال للأخذ بها.

______________________________

(1) أورد صدرها في الوسائل في الباب الرابع و الثلاثين من أبواب الإحرام ح- 3 و ذيلها في الباب الأربعين منها ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 201

..........

______________________________

و امّا الروايات الواردة في التلبية فعلى طائفتين:

طائفة منها تدل على لزوم تأخير التلبية إلى البيداء و هي كثيرة:

منها: صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال إذا صليت عند الشجرة فلا تلبّ حتى تأتي البيداء حيث يقول الناس يخسف بالجيش «1».

و منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال سمعت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- يقول:

ان رسول اللّٰه- ص- لم يكن يلبّي حتى يأتي البيداء «2».

و منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: صلّ المكتوبة ثم أحرم بالحج أو بالمتعة و اخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أوّل البيداء إلى أوّل ميل عن يسارك فإذا استوت بك الأرض راكبا كنت أو ماشيا فلبّ الحديث «3». و هذه الرواية ظاهرة الدلالة على التفكيك بين الإحرام و بين التلبية و ان الأوّل يقع في المسجد و الثاني في البيداء.

و منها: صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال: سألت أبا الحسن الرّضا- عليه السلام- كيف أصنع إذا أردت الإحرام قال: اعقد الإحرام في دبر الفريضة حتى إذا استوت بك البيداء فلبّ، قلت أ رأيت إذا كنت

محرما من طريق العراق قال: لبّ إذا استوى بك بعيرك «4».

و منها: رواية على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- عليهما السلام- قال سألته عن الإحرام عند الشجرة هل يحلّ لمن أحرم عندها ان لا يلبّي حتى يعلو البيداء؟

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع و الثلاثون ح- 4.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع و الثلاثون ح- 5.

(3) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع و الثلاثون ح- 6.

(4) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع و الثلاثون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 202

..........

______________________________

قال: لا يلبّي حتى يأتي البيداء عند أوّل ميل فامّا عند الشجرة فلا يجوز التلبية «1».

و منها: صحيحة الفضلاء حفص بن البختري و عبد الرحمن بن الحجاج و حمّاد بن عثمان و الحلبي جميعا عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال إذا صليت في مسجد الشجرة فقل و أنت قاعد في دبر الصلاة قبل ان تقوم ما يقول المحرم ثم قم فامش حتى تبلغ الميل و تستوي بك البيداء فإذا استوت بك فلبّه. «2»

و في مقابلها روايات متعددة ظاهرة في خلافها:

منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان انه سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- هل يجوز للمتمتع بالعمرة إلى الحجّ ان يظهر التلبية في مسجد الشجرة فقال: نعم انّما لبّي النبيّ- ص- في البيداء لان الناس لم يعرفوا التلبية فأحبّ أن يعلّمهم كيف التلبية «3». و سؤالها يدل على مفروغية أصل الإتيان بالتلبية في مسجد الشجرة و انّما كان محطّ السؤال هو إظهارها فيه و الجواب يدل على الجواز ثم دفع الامام- عليه السلام- توهّم انه مع الجواز لم أخّر النبي- ص- التلبية إلى البيداء بان الوجه في ذلك هو

تعليم الناس التلبية و صورتها لأنهم لم يكونوا يعرفونها و لكن هذا يدل على جواز التأخير عن مسجد الشجرة لأن الظاهر ان الناس بعد تعلمهم التلبية من النبي- ص- لم يرجعوا الى مسجد الشجرة للإتيان بها فيه بل لبّوا في نفس ذلك المكان و هو البيداء فيدل على التفكيك بين عقد الإحرام و بين التلبية.

ثمّ ان الظاهر ان الوجه في تأخير النبي- ص- التعليم إلى التلبية و عدم تصديه له في مسجد الشجرة هو كثرة المؤمنين الذين أرادوا الحج معه المانعة من تحققه في المسجد و ما حوله و يمكن ان يكون الوجه أفضلية التأخير إلى البيداء.

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع و الثلاثون ح- 8.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الثلاثون ح- 3.

(3) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الثلاثون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 203

..........

______________________________

و منها: موثقة إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن- عليه السلام- قال قلت له: إذا أحرم الرجل في دبر المكتوبة أ يلبّي حين ينهض به بعيره أو جالسا في دبر الصلاة قال: اىّ ذلك شاء صنع «1». و هذه الرواية لا تختصّ بمسجد الشجرة بل تشمل غيره أيضا و لكن دلالتها على جواز الإتيان بالتلبية بمجرد الإحرام في محلّه واضحة ظاهرة.

و منها: صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال ان كنت ماشيا فاجهر بإهلالك و تلبيتك من المسجد، و ان كنت راكبا فإذا علت بك راحلتك البيداء «2».

و التفصيل في الرواية انّما هو بالإضافة إلى الإجهار الذي لا يراد به الّا الإجهار بالنسبة إلى التلبية فقط لا هي مع النية التي تلفظ بها فتدلّ على جواز أصل

الإتيان بالتلبية في المسجد مطلقا.

هذا و قبل ملاحظة وجوه الجمع بين الطائفتين لا بد من التنبيه على أمرين:

الأمر الأوّل: ان المنسوب الى المشهور عدم اعتبار مقارنة التلبية للنّية و انه يجوز الفصل بينهما فإذا نوى الحج أو العمرة و لبس الثوبين- مثلا- لا يجب عليه الإتيان بالتلبية فورا بل يجوز الفصل بينهما و لو بمثل ساعة أو ساعتين أو أكثر.

الأمر الثاني: انه لا شبهة في ان محلّ الإشعار أو التقليد في حج القران انّما هو خارج المسجد لانه لا معني للإشعار فيه و كذا التقليد و عليه فكونهما بمنزلة التلبية و الاكتفاء بهما عنها كما دلّت عليه الروايات المتقدمة يقتضي جواز وقوع التلبية في خارج المسجد لانه مقتضى التنزيل.

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الثلاثون ح- 4.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع و الثلاثون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 204

..........

______________________________

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الكلام يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في جواز الإتيان بالتلبية في مسجد الشجرة في مقابل عدم جواز التلبية فيه مطلقا و لا ينبغي الارتياب في ثبوت الجواز لانه يدل عليه- مضافا الى الطائفة الثانية- السيرة القطعية من المتشرعة أعم من الشيعي و غيره فانّ استمرار عملهم على التلبية من المسجد و ارتكاز الجواز عندهم غير قابل للإنكار مضافا الى إجماع الفقهاء و تسالمهم على الجواز بل لعلّه من ضروريات الفقه و الى أدلة المواقيت الدالة على توقيتها و عدم جواز التجاوز عنها بغير إحرام فلا شبهة- ح- في أصل الجواز.

المقام الثاني: في جواز التأخير عن مسجد الشجرة إلى البيداء و عدمه و في هذا المقام لا بد من علاج الطائفة الأولى الظاهرة في لزوم

التأخير بينما تكون الطائفة الثانية ظاهرة في عدم اللّزوم و قد جمع بينهما بوجوه:

منها: ما قربه سيد المستمسك- قده- من حمل الطائفة الأولى على استحباب تأخير التلبية المستحبّة بعد عقد الإحرام و الإتيان بالتلبية الواجبة لا تأخير التلبية التي بها عقد الإحرام.

و يرد عليه- مضافا الى انه خلاف مبناه في ماهية الإحرام فإنها عنده كانت عبارة عن مجرد الالتزام النفساني و التعهد القلبي بالإضافة إلى ترك المحرمات المعهودة من دون ان تكون التلبية دخيلة في ماهية الإحرام بوجه و عليه فلا مانع من تأخيرها عن مسجد الشجرة و لا يلزم محذور تأخير الإحرام عن الميقات بوجه- انّ هذا الوجه لا يلائم ظاهر الروايات الدالة على المنع عن الإتيان بالتلبية في مسجد الشجرة و ان أصل التلبية لا بد و ان يؤتي به في غيره بل قد عرفت ان الرواية المبيّنة لعلّة تأخير النبي- ص- التلبية إلى البيداء ظاهرة في وقوع التلبية الواجبة من الناس في البيداء لأنهم لم يكونوا يعرفونها و قد عرفت انّ ظاهر روايته عدم رجوع الناس الى مسجد الشجرة للإتيان بالتلبية و عليه فلا مجال لهذا الوجه بوجه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 205

..........

______________________________

و منها: ما يظهر من صاحب الجواهر- قده- الميل اليه و اختاره جماعة من ان المراد من اخبار تأخير التلبية إلى البيداء تأخير الجهر بها لا أصل التلفظ بها و حكى عن العلامة في المنتهى الجزم بذلك في مقام الجمع بينها و بين ما دل من النصوص على عدم تجاوز الميقات الّا محرما لان الفرض ان بين البيداء و ذي الحليفة الذي هو الميقات ميلا.

و يرد عليه انه ليس في شي ء من اخبار التأخير

اشعار بتأخير الإجهار و ما وقع فيه التعرض للجهر قد صرّح أوّلا بالإجهار بالإهلال و التلبية من المسجد كما في صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة فلا مجال لهذا الوجه أيضا.

و منها: ما ذكره بعض الاعلام- قده- في شرحه على العروة مما يرجع حاصله الى انّ أدلة المواقيت الناهية عن التجاوز عن الميقات بلا إحرام مطلقة من حيث عدم حصول الإحرام منه أصلا و رأسا و من حيث تحقق الإحرام بعد مكان قليل و زمان يسير و عليه فلا مانع من تقييد إطلاقها بالروايات الدالة على جواز تأخير التلبية و الإحرام إلى البيداء فيختص المنع و النهى بخصوص الصورة الاولى و حيث ان الإحرام من الميقات جائز قطعا كما عرفت فتحمل هذه الروايات على الأفضليّة.

و يرد عليه: انّ اخبار تأخير التلبية مفادها تأخير التلبية عن مسجد الشجرة و التفكيك بينه و بين عقد الإحرام الواقع في المسجد ففي صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة التصريح بقوله: أحرم بالحج أو بالمتعة و اخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أوّل البيداء و كذا في غيرها و- ح- ان كان مراده تأخير الإحرام الذي تكون مدخلية النية فيه امرا ضروريّا لا مجال للارتياب فيه، فيرد عليه مضافا الى ان ذلك لا يجتمع مع توقيت مسجد الشجرة و جعله ميقاتا لانه لا يترتب على كونه ميقاتا أثر أصلا بل المناسب- ح- جعل البيداء ميقاتا و لا أقل من جعلهما معا كذلك لعدم الفرق في جواز الإحرام بين مسجد الشجرة و البيداء أصلا. و ان كان مراده تأخير

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 206

..........

______________________________

التلبية فقط و عقد الإحرام بالنيّة في المسجد فهذا ليس تقييدا لإطلاق أدلة

المواقيت الناهية عن التجاوز عن الميقات بلا إحرام فهذا الوجه أيضا غير تامّ.

ثمّ انه ذكر صاحب جامع المدارك- قده-: «و قد وردت أخبار بتأخير التلبية فإن كان المراد الإحرام بالتلبية فكيف تؤخر التلبية عن الميقات و ان كان المراد من الإحرام نفس النيّة فالنيّة حاصلة لمريد العمرة و الحج قبل الوصول الى الميقات فما معني عدم صحة الإحرام قبل الميقات و ان الإحرام قبله كالصلاة قبل الوقت فلا بدّ امّا من طرح الأخبار الدالة على تأخير التلبية الواجبة المحققة للإحرام عن الميقات أو الحمل على التلبيات المستحبة أو الإجهار بها ..» و قد ظهر مما ذكرنا انه ليس المراد من تلك الاخبار الّا مجرد تأخير التلبية مع فرض عقد الإحرام في مسجد الشجرة فليس فيها دلالة على تأخير الإحرام عن المسجد و دعوى انه لو كان المراد من الإحرام هي النيّة فهي حاصلة قبل الوصول الى الميقات مدفوعة بأنّ مجرّد النيّة لا يكفي في تحقق الإحرام بل النية المقارنة للشروع الذي لا يمكن ان يتحقق قبل الميقات فهذا القول أيضا لا وجه له.

و الذي يقتضيه النظر الدقيق بعد ملاحظة ما ذكرنا من عدم اعتبار مقارنة التلبية للنية و عدم اعتبار وقوع التلبية في نفس المسجد و بعد ملاحظة ما تقدم سابقا من عدم حرمة محرمات الإحرام بمجرّد عقده قبل التلبية و قد مرّ بعض الروايات الدالة على ذلك و في بعضها الأخر ان الصادق- عليه السلام- بعد إحرامه من المسجد قد اتى بخبيص فيه زعفران فأكله «1». و الخبيص طعام مركب من التمر و الزبيب و السّمن ان يقال انّ أصل الإحرام الذي يعتبر بعد النيّة المتعلقة بالحج أو العمرة لا بد و ان تقع

في المسجد و لا دلالة لأدلة المواقيت على أزيد من

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع عشر ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 207

..........

______________________________

ذلك لكن وجوبه و عدم جواز نقضه و ثبوت حرمة محرمات الإحرام يتوقف على التلبية أو ما يقوم مقامها من الإشعار أو التقليد اللذين عرفت انه لا مجال لوقوعهما في المسجد و عليه فهنا أمران أصل الإحرام و لزومه و ترتب حرمة المحرمات و بعد ذلك يكون مفاد أدلة المواقيت النهي عن إيجاد الإحرام في غيرها و التجاوز عنها بلا إحرام و مقتضى الروايات الدالة على تأخير التلبية إلى البيداء الإرشاد إلى انه لا ضرورة في التعجيل بالتلبية الموجبة للزوم الإحرام و ترتب الآثار عليه بل الشارع قد رخّص في تأخيرها إلى البيداء الموجب للخروج عن المدينة كلّا و البعد عن المسجد و لا يكون غرض- ح- الّا السير و الحركة إلى جانب مكّة فالروايات انّما هي للإرشاد الى عدم لزوم التعجيل و لا يستفاد منها أفضلية التأخير أيضا بل غاية مفادها دفع توهّم لزوم كون التلبية في المسجد بحيث كان الخروج منه ملازما للإحرام اللازم غير القابل للنقض و الموضوع للآثار و عليه فلا منافات بينها و بين أدلة المواقيت و ما يشابهها من الروايات المتقدمة أصلا فافهم و اغتنم.

المقام الثاني: فيمن حجّ من غير طريق المدينة من العراق أو غيره و قد ورد فيه روايتان:

إحديهما: ذيل صحيحة البزنطي المتقدمة في المقام الأوّل و هو قوله: قلت أ رأيت إذا كنت محرما من طريق العراق قال: لبّ إذا استوى بك بعيرك «1». و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين ما إذا عقد الإحرام من أوّل ميقات

أهل العراق أو من وسطه أو من آخره المسمّى بذات عرق كما ان مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين كون استواء البعير به في الميقات أو خارجا عنه كما ان الظاهر انّ ذكر طريق العراق انّما هو في مقابل مسجد الشجرة و البيداء المذكور في صدر الرواية

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع و الثلاثون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 208

..........

______________________________

لا لخصوصية في هذا الطريق بالإضافة إلى سائر المواقيت.

ثانيتهما: صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال ان أحرمت من غمرة و من بريد البعث صلّيت و قلت كما يقول المحرم في دبر صلوتك و ان شئت لبّيت من موضعك و الفضل ان تمشي قليلا ثم تلبّي «1».

و الظاهر ان المراد بقوله- ع-: ان أحرمت من غمرة .. ما يقابل الإحرام من مسجد الشجرة من طريق المدينة لا ما يقابل الإحرام من ذات عرق الذي هو آخر ميقات أهل العراق و عليه فمقتضى إطلاقه ان الفضل ان يمشي قليلا و لو خارج الميقات كما انه لا فرق بين ميقات أهل العراق و بين سائر المواقيت.

و يمكن الاستدلال لهذا المقام أيضا بإطلاق موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة الشامل للإحرام من مسجد الشجرة و من غيره من المواقيت غاية الأمر ان مفادها التخيير بخلاف الروايتين الدالتين على ان الفضل في التأخير و لا منافاة بينهما كما لا يخفى.

المقام الثالث: فيمن حجّ من مكّة متمتعا كان أو غيره و قد وردت فيه روايات.

منها: صحيحة حفص بن البختري و معاوية بن عمّار و عبد الرحمن بن الحجاج و الحلبي جميعا عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث قال: و

ان أهللت من المسجد الحرام للحج فإن شئت لبّيت خلف المقام و أفضل ذلك ان تمضي حتى تأتي الرقطاء و تلبّي قبل ان تصير الى الأبطح «2». و الظاهر انه ذيل صحيحة الفضلاء المتقدمة في المقام الأوّل و قد وقع تفسير الرقطاء و الأبطح في عبارة السيد- قده- في

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الثلاثون ح- 1.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب السادس و الأربعون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 209

[مسألة 12- المعتمر عمرة التمتّع يقطع تلبيته عند مشاهدة بيوت مكّة]

مسألة 12- المعتمر عمرة التمتّع يقطع تلبيته عند مشاهدة بيوت مكّة و الأحوط قطعها عند مشاهدة بيوتها في الزمن الذي يعتمر فيه ان وسع البلد. و المعتمر عمرة مفردة يقطعها عند دخول الحرم لو جاء من خارجه، و عند مشاهدة الكعبة ان كان خرج من مكة لإحرامها. و الحاجّ بأيّ نوع من الحج يقطعها عند زوال يوم عرفة، و الأحوط انّ القطع على سبيل الوجوب (1).

______________________________

العروة التي تقدم نقلها.

و منها: رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال إذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة ثم صلّ ركعتين خلف المقام ثم أهلّ بالحج فان كنت ماشيا فلبّ عند المقام و ان كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك و صلّ الظهر ان قدرت بمنى الحديث «1». و مقتضى إطلاقها جواز تأخير التلبية عن مكّة إذا كان بعيره خارجا عنها.

و امّا ما في كلام السيد- قده- المتقدم من وجود القول بأن الأفضل تأخير التلبية إلى الأبطح فلم يدلّ عليه دليل بل الدليل دلّ على رفع الصوت بالتلبية عنده و هي صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال إذا انتهيت الى

الردم و أشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى «2».

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات:

المقام الأوّل: في عمرة التمتع التي لا بد من الإحرام لها من أحد المواقيت المعروفة أو محاذيه كما تقدّم و في المتن انه يقطع المعتمر بهذه العمرة تلبيته عند مشاهدة بيوت مكّة

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب السادس و الأربعون ح- 2.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب السادس و الأربعون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 210

..........

______________________________

و الاحتياط المذكور بعده قرينة على ان المراد من بيوت مكة هي البيوت الأوّلية التي كانت في الزمن القديم و قد وقع التقييد بذلك في العروة في عنوان المسألة لكن المذكور في الشرائع هي مشاهدة بيوت مكّة بنحو الإطلاق و قال صاحب الجواهر- قده- بعده: «كما صرّح به غير واحد بل قيل انه مقطوع به في كلام الأصحاب» و يمكن ان يكون مراده هي مقطوعية أصل الحكم في الجملة و كيف كان فقد وردت في هذا المقام روايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّٰه- عليه السلام-: إذا دخلت مكة و أنت متمتع فنظرت الى بيوت مكّة فاقطع التلبية و حدّ بيوت مكّة التي كانت قبل اليوم عقبة المدنيّين فان الناس قد أحدثوا بمكة ما لم يكن فاقطع التلبية و عليك بالتكبير و التحميد و التهليل و الثناء على الهّٰة- عزّ و جلّ- ما استطعت «1».

و ظاهرها وجوب قطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة التي كانت قبل اليوم و حدّها العقبة المذكورة فيها و احتمال عدم دلالة هيئة افعل في مثل هذا المورد مما كان الحكم السابق عليه هو استحباب خلاف مادّتها على الوجوب

مدفوعة بأنه لا وجه لهذا الاحتمال بعد كون المتعلق امرا يحتمل ان يكون راجحا في مورد و مبغوضا في غير ذلك المورد كالصلاة التي تكون راجحة بالإضافة الى غير الحائض و مبغوضة بالإضافة إليها بناء على كون الحرمة ذاتية لها و سيأتي ما هو الحق في ذيل المسألة.

و امّا التعرض للحدّ بعد عدم تقييد أصل الحكم به فالظاهر انه لا يكاد يقدح في ظهوره في مدخلية القيد في الحكم و ان البيوت التي تقطع التلبية عند مشاهدتها هي البيوت التي كان قبل اليوم.

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الثالث و الأربعون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 211

..........

______________________________

و يمكن ان يقال ان قوله- ع-: إذا دخلت مكة .. بملاحظة الجمع فيه بين دخول مكة و النظر الى بيوتها ظاهر في ان المراد بالبيوت هي البيوت الخاصّة ضرورة انه مع عدم الخصوصية لا يكون النظر إليها متوقفا على الدخول لتحقق المشاهدة قبله الّا ان يكون المراد من قوله- ع- إذا دخلت هو ارادة الدخول لا نفسه.

و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: المتمتع إذا نظر الى بيوت مكّة قطع التلبية «1». و ظاهرها أيضا وجوب قطع التلبية و ان كانت مطلقة من حيث البيوت.

و منها: صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن أبي الحسن الرّضا- عليه السلام- انه سئل عن المتمتع متى يقطع التلبية؟ قال إذا نظر الى عراش مكّة عقبة ذي طوى قلت: بيوت مكّة؟ قال: نعم «2».

و في بعض الروايات العروش مكان العراش لكن المحكي عن الجوهري التعبير بالعرش بضم العين و الراء و ذكر انه قيل لبيوت مكّة العرش لأنّها عيدان تنصب

و يظلّل عليها.

و كيف كان فالمذكور في هذه الرواية في مقام الحدّ هي عقبة ذي طوى بعد ما كان المذكور في الرواية الأولى هي عقبة المدنيّين و هل هما أمر واحد و الروايتان مفادهما متحد أو انّهما أمران مختلفان لا بد من العلاج بينهما؟ ظاهر كثير من الكلمات الثاني فعن السيد و الشيخ و الديلمي و الحلّي ان عقبة المدنيّين لمن اتى على طريق المدينة و الثانية لمن اتى على طريق العراق. و عن الشهيدين تقييد الاولى بما إذا دخلها من أعلاها و الثانية بما إذا دخلها من أسفلها. و لعلّه لم تكن منافاة

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الثالث و الأربعون ح- 2.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الثالث و الأربعون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 212

..........

______________________________

بين هذا القول و القول الأوّل و عن الصدوقين و المفيد تخصيص الثانية بمن اتى على طريق المدينة من دون التعرض لتوضيح الاولى و في محكي المختلف بعد ان حكى عن الجميع ما عرفت قال: «و لم نقف لأحدهم على دليل» و عن الغنية و المهذب:

«حدّ بيوت مكّة من عقبة المدنيين الى عقبة ذي طوى» و عن المصباح المنير:

«و ذو طوى واد بقرب مكة على نحو فرسخ في طريق التنعيم و يعرف الآن بالزاهر» و نحوه ما عن تهذيب الأسماء الّا انه قال: موضع بأسفل مكّة. و كيف كان فان كانت العقبتان اسمين لموضع واحد فلا معارضة بين الروايات بوجه و ان كانتا اسمين لموضعين كما هو الظاهر فالجمع بين الروايات انّما هو باعتبار اختلاف طرق الدخول إلى مكّة كما هو المتعارف في كثير من البلاد حيث تكون طرق الدخول إليها متعددة

و يمكن ان يكون الاختلاف باعتبار اختلاف الأزمنة و بالجملة لاخفاء في ان ثبوت العنوانين لا يوجبان التعارض بوجه.

نعم في مقابل الروايات المتقدمة بعض الروايات الظاهرة في ان المعيار دخول بيوت مكة لا النظر إليها و مشاهدتها المتحققة قبل الدخول كما هو ظاهر و بعض الروايات الدالة على ان الملاك دخول الحرم.

أمّا الأولى: فصحيحة زرارة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته اين يمسك المتمتع عن التلبية؟ فقال: إذا دخل البيوت بيوت مكّة لا بيوت الأبطح «1».

و لكنه ربما يقال بأنّها مهجورة كما انه ربما تحمل على الدخول الى البيوت الحادثة التي أحدثها الناس بعدا و هو يستلزم مشاهدة البيوت القديمة الأوّلية و لكن الظاهر ثبوت المعارضة و كون الترجيح مع الطائفة الأولى الموافقة للشهرة الفتوائية.

و امّا الثانية: فرواية زيد الشحام عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته عن

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الثالث و الأربعون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 213

..........

______________________________

تلبية المتعة متى تقطع؟ قال حين يدخل أحرم «1».

و لكنها مضافا الى ضعفها بابي جميلة المفضل بن صالح الراوي عن زيد يمكن حملها- كما حكى عن الفقيه و الاستبصار على معني عدم تأكد استحباب فعل التلبية بعد دخول الحرم قبل مشاهدة بيوت مكّة.

و رواية معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث قال و ان كنت معتمرا فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم «2».

و لكنها على تقدير الإطلاق و عدم الظهور في خصوص العمرة المفردة كما لا تبعد دعواه لاستعمال «المتمتع» في التمتع دون «المعتمر» من دون اضافة يكون إطلاقها مقيّدا بالروايات المتقدمة الواردة في خصوص عمرة التمتع الدالة على قطع التلبية

عند مشاهدة بيوت مكّة فتختصّ الرواية بالعمرة المفردة التي يأتي البحث عنها إن شاء اللّٰه تعالى.

و قد ظهر مما ذكرنا ان مقتضى الجمع بين الروايات المتعددة الواردة في هذا المقام الحكم بلزوم قطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة في الزمن القديم و الاحتياط الوجوبي المذكور في المتن بالإضافة إلى البيوت الحادثة الموجودة في زمان العمرة منشأه إطلاق كثير من الروايات و كلمات مثل المحقق في الشرائع على ما عرفت و لكن ذلك لا يوجب الاحتياط بعد كون مقتضى الجمع بين الروايات خصوص البيوت القديمة و بعد ما عرفت من وقوع الاختلاف الكثير في تفسير العقبتين على ما عرفت فغايته أولويته لا لزومه.

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الثالث و الأربعون ح- 9.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الأربعون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 214

..........

______________________________

المقام الثاني: في العمرة المفردة و إحرامها قد يتحقق من أحد المواقيت المعروفة كالمدني إذا أراد العمرة المفردة من المدينة و قد يتحقق من ادني الحلّ كالتنعيم و نحوه كالمكّي إذا أراد العمرة المفردة حيث يخرج من مكة إلى أدنى الحلّ و يحرم منه و كالوارد على مكّة من دون ان يمرّ على الميقات كما في إحرام الرسول- ص- من الجعرانة بعد رجوعه من غزوة حنين على ما مرّ و كما في إحرام الايرانيين الذين يدخلون جدّة مع الطائرة على ما تقدم تحقيقه منّا من جواز إحرامهم في العمرة المفردة من ادنى الحلّ و لا يلزم عليهم الذهاب الى الميقات و الإحرام منه و عليه فلاحرام العمرة المفردة صورتان:

إحديهما: الإحرام من ادني الحلّ و قد ورد فيها روايتان: إحديهما واردة في خصوص من خرج من

مكة مريدا لها و الثانية مطلقة أمّا الأولى فصحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث: و من خرج من مكّة يريد العمرة ثم دخل معتمرا لم يقطع التلبية حتى ينظر إلى الكعبة «1».

و امّا الثانية: فصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال من اعتمر من التنعيم فلا يقطع التلبية حتى ينظر الى المسجد «2».

و الظاهر انه لا خصوصية للتنعيم بل ذكره انّما هو في مقابل الإحرام من الميقات كما أنها مطلقة من حيث الخروج من مكة لإرادة الاعتمار و من حيث غيره كما في الفروض التي أشرنا إليها.

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الأربعون ح- 8.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الأربعون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 215

..........

______________________________

و امّا جعل المنظور هو المسجد مطلقا من دون التخصيص بالكعبة فيمكن الجمع بينهما بالإطلاق و التقييد و يمكن ان يقال بان المراد من النظر الى المسجد النظر اليه من الداخل غير المنفك عن النظر إلى الكعبة فالملاك هو النظر إليها لا اليه مطلقا.

ثانيتهما: الإحرام من أحد المواقيت و قد ورد فيه روايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث قال:

و ان كنت معتمرا فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم «1». و الظاهر كما مرّ ان الإطلاق في مثل المعتمر و العمرة ينصرف إلى العمرة المفردة و الحكم بقطع التلبية إذا دخل الحرم قرينة على عدم كون الإحرام من ادنى الحلّ لعدم الفصل- ح- بين شروع الإحرام و قطع التلبية فلا محالة يكون المراد هو الإحرام من أحد المواقيت.

و منها: صحيحة عمر بن يزيد عن أبي

عبد اللّٰه- عليه السلام- قال من دخل مكّة مفردا للعمرة فليقطع التلبية حين تضع الإبل أخفافها في الحرم «2».

و منها: موثقة مرازم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: يقطع صاحب العمرة المفردة التلبية إذا وضعت الإبل أخفافها في الحرم «3».

هذا و لكن في مقابلها روايات ظاهرة في انه تقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكّة كما في عمرة التمتّع:

إحداها: صحيحة الفضيل بن يسار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- قلت دخلت بعمرة فأين اقطع التلبية قال: حيال العقبة عقبة المدنيين فقلت اين عقبة

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الأربعون ح- 1.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الأربعون ح- 2.

(3) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الأربعون ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 216

..........

______________________________

المدنيين قال بحيال القصّارين «1».

و معارضتها مع الروايات المتقدمة انّما هي على تقدير كون المراد من العمرة إذا أطلقت هي العمرة المفردة و امّا على تقدير كون المراد منها مطلق العمرة الشاملة لعمرة التمتع أيضا تكون الروايات المتقدمة الدالة على ان قطع التلبية في العمرة المفردة انّما هو عند دخول الحرم مقيدة لإطلاق الصحيحة و موجبة لحملها على عمرة التمتع التي دلت رواياتها على ان قطع التلبية فيها عند مشاهدة بيوت مكّة كما مرّت في المقام الأوّل.

ثانيتها: رواية يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد اللّٰه- عن الرجل يعتمر عمرة مفردة من اين يقطع التلبية قال: إذا رأيت بيوت مكّة ذي طوى فاقطع التلبية. «2»

و قد عبّر سيد المستمسك- قده- عن الرواية بالموثقة مع ان في سندها محسن بن احمد و لم يوثق و- ح- ان أعرضنا عنها نظرا الى ضعفها و الّا

فيأتي فيها ما يأتي في الرواية الآتية.

و ثالثتها: صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر قال سألت أبا الحسن الرّضا- عليه السلام- عن الرجل يعتمر عمرة المحرّم من اين يقطع التلبية قال كان أبو الحسن- عليه السلام- من قوله يقطع التلبية إذا نظر الى بيوت مكّة «3».

هذا و قد حكى عن الصدوق- قده- انه قد جمع بين جميع الروايات الواردة في العمرة المفردة بالحمل على التخيير و قد حكاه المحقق في الشرائع أوّل القولين قال فيه: «فان كان بعمرة مفردة قيل كان مخيّرا في قطع التلبية عند دخول الحرم أو مشاهدة الكعبة و قيل ان كان ممن خرج من مكّة للإحرام فإذا شاهد الكعبة و ان

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الأربعون ح- 11.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الأربعون ح- 3.

(3) وسائل أبواب الإحرام الباب الخامس و الأربعون ح- 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 217

..........

______________________________

كان ممّن أحرم من خارج فإذا دخل الحرم و الكل جائز» و لكن تبعه المحقق في النافع و نسب الى كاشف اللثام أيضا.

و يرد عليه انه ان كان المراد هو الجمع بين الروايات بالحمل على التخيير فمضافا الى عدم كونه جمعا مقبولا عند العقلاء على فرض التعارض عدم كونه منطبقا على دعواه لان الروايات الأخيرة تدل على ان قطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكّة لا مشاهدة الكعبة فعلى ما تحمل هذه الروايات؟! و ان كان المراد هو التخيير في باب التعارض فهو التخيير في المسألة الأصولية و لا يجدي في المسألة الفقهية.

و حكى عن الشيخ- قده- انه قد جمع بينها بحمل ما دل على القطع عند دخول الحرم على غير من

اتى من طريق المدينة أو العراق و حمل رواية يونس على من اتى من طريق العراق و صحيحة فضيل على من اتى من طريق المدينة و حمل ما دلّ على القطع عند النظر إلى الكعبة على من خرج من مكّة مريدا للعمرة.

و يرد عليه انه لا إشعار في صحيحة البزنطي على الاختصاص بالطريقين كما انه لا إشعار في شي ء من روايات القطع عند دخول الحرم على الاختصاص بغيرهما فلا مجال لهذا الجمع أيضا.

ثم انه ذكر بعض الاعلام- قده- بعد تقييد إطلاق صحيحة الفضيل بالعمرة المتمتع بها و تضعيف رواية يونس ان صحيحة البزنطي مطلقة من جهة ان العمرة المفردة التي اعتمرها قد خرج من مكة إليها أو شرع فيها من أحد المواقيت فلا مانع من حملها على الصورة الأولى التي يكون الإحرام فيها من ادني الحلّ كالتنعيم و نحوه نعم يبقى شي ء و هو ان الحد المذكور فيها النظر الى بيوت مكّة مع انّ الحد في هذه الصورة هو النظر إلى الكعبة قال و لكن يمكن رفع التنافي بالتلازم بين الأمرين فإن النظر الى بيوت مكّة يستلزم النظر إلى الكعبة المشرفة لعلوّ البيت و ارتفاعه و نحو ذلك.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 218

..........

______________________________

و أنت خبير بوضوح بطلان التلازم بعد كون المسجد الحرام واقعا في مكان أسفل من بيوت مكّة مع كونها محاطة بالجبال المتفرقة المختلفة من حيث العلوّ و الارتفاع و من جهات اخرى و لأجلها لا يكون نفس المسجد أيضا مشاهدا الّا عند الوصول الى قريب منه فضلا عن الكعبة التي تكون محاطة بابنية المسجد كما لا يخفى.

فلا محيص من الالتزام بالاعراض عن هذه الرواية لعدم كونها موردا

للفتوى حتى ان الصدوق جعل أحد طرفي التخيير مشاهدة الكعبة و الشيخ أيضا التزم بأن الغاية في هذه الصورة مشاهدتها لا مشاهدة البيوت فلا مانع من طرحها لأجل الاعراض و عليه فينقدح انّ الحق ما أفاده في المتن تبعا للمشهور غاية الأمر انك عرفت عدم اختصاص جعل الغاية النظر إلى الكعبة بخصوص من خرج من مكّة مريدا للعمرة بل يشمل كل من كان يحرم من ادني الحل لها.

المقام الثالث: في الحاج مطلقا بجميع أنواعه سواء كان إحرامه من أحد المواقيت التي عرفت انّ منها دويرة الأهل و منها الجعرانة في بعض الموارد أو من مكّة كما في التمتع و في القران و الافراد بالإضافة إلى أهالي مكّة و لا خلاف فيه ظاهرا في انه يقطع التلبية عند زوال الشمس يوم عرفة الذي هو وقت شروع الوقوف بعرفات و يدل عليه أخبار مستفيضة:

منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر- عليه السلام- انه قال: الحاجّ يقطع التلبية يوم عرفة زوال الشمس «1». و إطلاق الحاجّ يشمل المتمتع و القارن و المفرد.

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع و الأربعون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 219

..........

______________________________

و منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: قطع رسول اللّٰه- ص- التلبية حين زاغت الشمس يوم عرفة و كان على بن الحسين- عليهما السلام- يقطع التلبية إذا زاغت الشمس يوم عرفة، قال أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- فإذا قطعت التلبية فعليك بالتهليل و التحميد و التمجيد و الثناء على اللّٰه- عزّ و جلّ- «1».

و حكايته- ع- قطع رسول اللّٰه- ص- التلبية في الزمان المذكور و ان كانت لا دلالة لها

على إطلاق الحكم لما عرفت سابقا من ان رسول اللّٰه- ص- لم يحج حج التمتع قطّ الّا ان حكايته لقطع على بن الحسين- ع- تدلّ على الإطلاق و الشمول لحجّ التمتع أيضا.

و منها: صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: إذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية عند زوال الشمس «2».

و منها: غير ذلك من الروايات الدالة عليه.

و هنا شي ء لم أر من تعرض له و هو انّ مورد الروايات المتقدمة هل يختص بمن كان بعرفات أو يعمّ الحاجّ الذي زالت الشمس عليه يوم عرفة و لكنه لم يكن بعرفات كالمتمتع الذي قدم مكّة و رأى انّه ان قضى متعته و أتم عمرة التمتع لا يدرك الوقوف بعرفة حتى الجزء الركني منه فإنه يتبدل عمرته الى حج الافراد كما مرّ البحث عنه مفصّلا فإنه بعد التبدل يكون حاجّا و لا يكون عند الزوال بعرفات فهل يقطع التلبية حين الزوال أم لا وجهان و دعوى عدم استحباب التلبية عليه بعد التبدل خصوصا بعد كونه قد قطعها عند النظر الى بيوت مكة مدفوعة بأن القطع هناك انّما هو لأجل انّه كان معتمرا بعمرة التمتع و المفروض انه بالفعل

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع و الأربعون ح- 2.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الرابع و الأربعون ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 220

[مسألة 13- الظاهر انه لا يلزم في تكرار التلبية ان يكون بالصورة المعتبرة]

مسألة 13- الظاهر انه لا يلزم في تكرار التلبية ان يكون بالصورة المعتبرة في انعقاد الإحرام بل يكفي ان يقول: لبيك اللّٰهم لبيك بل لا يبعد كفاية لفظ لبّيك (1).

______________________________

حاجّ و يشمله أدلّة استحباب التلبية و الإكثار منها.

هذا و لا يبعد دعوى كون الفهم العرفي مساعدا للاختصاص

و ان كان مقتضى الإطلاق و عدم التقييد بمن كان بعرفات العدم.

بقي الكلام: في المقامات الثلاثة في ان القطع هل هو على سبيل الوجوب أو انه على سبيل الاستحباب؟ حكى عن الخلاف و الوسيلة النص على الأوّل بل عن الأوّل الإجماع عليه لكن ذكر السيد- قده- في العروة انه قد يقال بكونه مستحبّا.

أقول ظاهر الروايات بلحاظ الأمر بالقطع أو ما هو بمنزلته هو الوجوب لكن البحث انّما هو في انّ هذا وجوب تكليفي متعلق بالقطع أو ان مفاده نفي المشروعية و عدم كون الرجحان و الاستحباب الثابت لها متحققا في المواضع المذكورة و الغايات المعينة و بعد عدم الرجحان يكون الإتيان بالتلبية بعنوان العبادة غير مشروعة لعدم تعلق الأمر بها و عدم وجود المناط فيها و عليه فتكون الحرمة تشريعية كما انه لا يبقي فرق- ح- بين القول بوجوب القطع أو القول باستحبابه لاشتراكهما في عدم المشروعية لا يبعد ترجيح الوجه الثاني و ان كان ظاهر العبارات و الكلمات و منها المتن هو الأوّل فتدبّر.

(1) الوجه في ذلك مضافا الى إطلاق بعض الروايات الآمرة بإكثار التلبية و التكرير بها خصوص صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في صورة التلبية الواجبة المشتملة بعد بيان صورة مفصّلة للتلبية و بيان الإكثار بها ما استطاع على أمرين أحدهما قوله- ع-: و ان تركت بعض التلبية فلا يضرّك غير ان تمامها أفضل و ثانيهما قوله- ع- و اعلم انه لا بد من التلبيات الأربع التي كنّ في أوّل الكلام و هي الفريضة «1».

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الأربعون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 221

[مسألة 14- لو شك بعد التلبية انه اتى بها صحيحة أم لا بنى على الصحّة]

مسألة 14- لو شك بعد التلبية انه اتى بها

صحيحة أم لا بنى على الصحّة. و لو اتى بالنّية و لبس الثوبين و شك في إتيان التلبية بنى على العدم ما دام في الميقات، و امّا بعد الخروج فالظاهر هو البناء على الإتيان خصوصا إذا تلبّس ببعض الأعمال المتأخرة (1).

______________________________

فإن مقتضى إطلاق ترك بعض الصورة المذكورة قبله كفاية لفظ لبيك فقط فضلا عن لبيك اللهم لبيك و ما زاد عليه.

(1) في هذه المسألة فرعان:

الفرع الأوّل: الشك في صحة التلبية بعد إحراز الإتيان بها و لا شبهة في ان مقتضى أصالة الصحة الجارية في العمل الواقع الذي شك في صحته و فساده هو البناء على الصحة و الشاهد لها مضافا الى بناء العقلاء الروايات و النصوص في الموارد المتعددة.

الفرع الثاني: الشك في أصل الإتيان بالتلبية و له صورتان:

إحديهما: الشك فيه قبل الخروج من الميقات اى من المحلّ الذي لا يجوز تأخير التلبية عنه كالبيداء بالإضافة إلى المدني بناء على جواز تأخير التلبية إليه كما اخترناه و وجّهناه و الظاهر ان مقتضى أصالة العدم هو لزوم البناء عليه فيأتي بها وجوبا.

ثانيتهما: الشك في الإتيان بها بعد الخروج عن الميقات بالمعنى المذكور كما إذا شك فيها بعد مسيرة عشرة أميال من مسجد الشجرة- مثلا- و الظاهر فيها كما في المتن هو البناء على الإتيان خصوصا إذا تلبس ببعض الأعمال المتأخرة كالطواف في العمرة و الوقوف بعرفة في الحجّ و الوجه فيه جريان قاعدة التجاوز الجارية في جميع الموارد من العبادات و المعاملات نعم استثني الوضوء منها لدليل خاص

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 222

[مسألة 15- إذا اتى بما يوجب الكفارة و شك في انه كان بعد التلبية]

مسألة 15- إذا اتى بما يوجب الكفارة و شك في انه كان بعد التلبية حتى تجب عليه

أو قبلها، لم تجب عليه من غير فرق بين مجهولي التاريخ أو كون تاريخ أحدهما مجهولا (1).

______________________________

و المناط في جريانها مجرّد التجاوز عن محلّ الشي ء الذي شك في الإتيان به فيه و الموضع الذي لا بدّ من وقوعه فيه و امّا الدخول في الغير فلا يلزم في مثل المقام مما لا يكون التجاوز عن المحل ملازما للدخول في الغير لأنّ المفروض وجود الفصل الذي ربما يكون طويلا بين التلبية الدخيلة في أصل الإحرام أو لزومه و وجوبه و بين الغير الذي يقع بعدها من الطواف أو الوقوف نعم في مثل الصلاة لا يتحقق التجاوز عن المحلّ الّا بالدخول في الغير الذي هو أعم من الجزء اللاحق أو مقدمته ضرورة انه ما لم يركع يكون محل القراءة باقيا و لم يتحقق التجاوز عنه بخلاف المقام الذي لا يكون التجاوز متوقفا على الدخول في الغير فان من دخل مكة و شك في الإتيان بالتلبية في الميقات بالمعنى المذكور يكون شكه شكّا بعد تجاوز محلّ التلبية سواء شرع في الطواف أم لم يشرع فيه بعد نعم بعد الشروع إذا شك في التلبية يكون جريان القاعدة أوضح.

ثم انّ ظاهر كلام السيّد- قده- في العروة البناء على عدم الإتيان بالتلبية من دون فرق بين الصّورتين و عليه فلازمه العود الى الميقات من مكة للإتيان بالتلبية التي شك في الإتيان بها و من المعلوم انه مضافا الى انه لا وجه له بعيد جدّا و يمكن ان يقال بان مورد كلامه خصوص الصورة الأولى بقرينة قوله بعد عنوان الشك في التلبية: حتى يجب عليه ترك المحرمات أولا. فإن الظاهر ان مورده صورة جواز تأخير التلبية فلا يشمل ما إذا تجاوز محلّها خصوصا

بعد الدخول في الغير كما لا يخفى.

(1) الاولى في التعبير عن عنوان المسألة ان يقال: إذا علم بالإتيان بالتلبية و بما يوجب الكفارة على تقدير تأخره عنها و شك في المتقدم منهما و المتأخر و قد اختار في المتن عدم وجوب الكفارة في جميع صورها الثلاثة صورة جهل تاريخ كليهما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 223

..........

______________________________

و صورتا جهل تاريخ أحدهما.

أمّا الصورة الأولى فالوجه في عدم وجوب الكفارة فيها هو جريان البراءة بعد عدم جريان الاستصحاب في شي ء منهما لأجل التعارض بين الاستصحابين أو لأجل عدم كونهما مجرى الاستصحاب على الاختلاف الواقع في هذا المجال فتصل النوبة إلى أصالة البراءة المقتضية لعدم الوجوب.

و لكن ربما يقال كما قاله بعض الاعلام- قده- ان تعارض الأصلين انّما هو فيما إذا ترتب الأثر على كل منهما فإنه- ح- يكون جريانهما معا غير ممكن و جريان أحدهما دون الأخر ترجيح بلا مرجح و امّا إذا كان الأثر مترتبا على أحدهما دون الأخر فلا مانع من جريان الأصل فيه و الرجوع اليه من دون فرق بين الصّور الثلاثة و المقام من هذا القبيل لان ارتكاب الافعال المنهيّة قبل التلبية لا اثر له و انما الأثر يترتب عليه بعد التلبية فلو شك في انه هل ارتكب محرّما بعد التلبية ليترتب عليه الكفارة أو لم يرتكب شيئا لم تجب عليه الكفارة لأصالة عدم الارتكاب بعد التلبية و لا تعارض بأصالة عدم الارتكاب قبل التلبية لعدم ترتب الأثر على ذلك فأحد الأصلين لا اثر له فلا يجرى و الأصل الأخر الذي يترتب عليه الأثر يجرى سواء كان المورد مجهول التاريخ أو معلومه و لا مجال للرجوع الى البراءة

بعد إمكان جريان الأصل الموضوعي.

و يرد عليه أوّلا: منع عدم ترتب الأثر على الارتكاب قبل التلبية فإن عدم وجوب الكفارة الذي يدل عليه الروايات اثر و لا يلزم في الأثر ان يكون حكما لزوميا و الّا لا يبقي مجال لجريان الاستصحاب فيما إذا كان المستصحب عدم الوجوب أو الحرمة و قد ورد في بعض الروايات المتقدمة السؤال عن مواقعة الأهل بعد النية و قبل التلبية و الجواب بأنه ليس عليه شي ء و مرجعه الى الحكم بعدم وجوب الكفارة عليه فلا مجال لدعوى اختصاص الأثر بالموجب للكفارة الواقع بعد التلبية.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 224

..........

______________________________

و ثانيا: و هو العمدة ان استصحاب عدم الارتكاب بعد التلبية غير جار لعدم ثبوت الحالة السابقة المتيقنة لأنه نظير استصحاب عدم قرشية المرأة الذي حققنا في محلّه عدم جريانه لاختلاف القضية المتيقنة و القضية المشكوكة فإن القضية المتيقنة هي السالبة المحصلة الصادقة مع انتفاء الموضوع و القضية المشكوكة هي السالبة بانتفاء المحمول مع فرض وجود الموضوع و هذا الاختلاف يمنع عن الاتّحاد المعتبر في جريان الاستصحاب و المقام من هذا القبيل لان المتيقن هو عدم الارتكاب المتحقق مع عدم التلبية ضرورة ان العدم مع وجودها لا يكون متيقنا في زمان أصلا فلا مجال لجريان هذا الاستصحاب.

و ثالثا: ان الأصلين اللذين وقع البحث في مسألة توارد الحالتين و تعاقب الحادثين عن جريانهما و تعارضهما أو عدم جريانهما أصلا هو استصحاب عدم تحقق أحد الحادثين الى زمان حدوث الأخر بمعنى الحكم باستدامة عدمه الى زمان وجود الأخر بحيث لو لم نقل بعدم حجية الأصول المثبتة و ترتب الآثار الشرعيّة المترتبة عليه بواسطة عقلية و هي التأخر لكان

يترتب عليه تلك الآثار و عليه ففي المقام لا بد و ان يقال على هذا التقدير بثبوت الكفارة على استصحاب عدم الارتكاب لان مقتضى تأخّر الارتكاب عن التلبية الثابت بالأصل بناء على القول بالأصل المثبت هو ثبوت الكفارة لترتبه على التأخر الثابت بالاستصحاب.

و بالجملة فالأصل الذي هو محل البحث في تلك المسألة هو استصحاب العدم الى زمان الحادث الآخر لا استصحاب العدم بعد حدوث ذلك الحادث.

و قد ظهر مما ذكرنا انه ليس في المقام أصل موضوعي حاكم على أصالة البراءة و ان كان موافقا لها بل اللازم الرجوع إليها و الحكم بعدم وجوب الكفارة لأجلها لا للأصل الموضوعي فتدبّر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 225

[الثالث: من الواجبات لبس الثوبين بعد التجرد عمّا يحرم على المحرم لبسه]

اشارة

الثالث: من الواجبات لبس الثوبين بعد التجرد عمّا يحرم على المحرم لبسه، يتّزر بأحدهما و يرتدي بالآخر، و الأقوى عدم كون لبسهما شرطا في تحقق الإحرام بل واجبا تعبديّا، و الظاهر عدم اعتبار كيفية خاصّة في لبسهما فيجوز الا تزار بأحدهما كيف شاء و الارتداء بالآخر أو التوشح به أو غير ذلك من الهيئات لكن الأحوط لبسهما على الطريق المألوف، و كذا الأحوط عدم عقد الثوبين و لو بعضهما ببعض، و عدم غزرهما بإبرة و نحوها لكن الأقوى جواز ذلك كله ما لم يخرج عن كونهما رداء و إزارا، نعم لا يترك الاحتياط بعدم عقد الإزار على عنقه، و يكفى فيهما المسمّى و ان كان الاولى بل الأحوط كون الإزار مما يستر السرة و الرّكبة، و الرداء مما يستر المنكبين (1).

______________________________

(1) في هذا الواجب الذي هو ثالث واجبات الإحرام جهات من الكلام:

الجهة الاولى: في أصل وجوب لبس الثوبين في مقابل الاستحباب و عدم الوجوب و

الظاهر استقرار الفتاوى على الوجوب قال في محكيّ المنتهى انه لا نعلم خلافا بل عن التحرير الإجماع عليه نعم يظهر من كاشف اللثام الترديد فيه حيث قال فيما حكى عنه: «و امّا لبس الثوبين فان كان على وجوبه إجماع كان هو الدليل و الّا فالأخبار التي ظفرت بها لا تصلح مستندا له مع ان الأصل العدم».

و مستند الوجوب أمران:

أحدهما: جريان السيرة العملية من زمن النبي و الأئمة- عليه و عليهم الصلاة و السلام- و من المسلمين كافة أعم من الشيعة و غيرهم على لبس الثوبين عند الإحرام و في حاله.

و دعوى ان العمل لا يدل على الوجوب لأنه أعم منه و من الاستحباب فلا مجال للاستناد إليه في الوجوب.

مدفوعة بوضوح كون العمل الكذائي و التقيد من الجميع مع تشتت مسالكهم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 226

..........

______________________________

و اختلاف مراجعهم خصوصا مع ملاحظة عدم تقيّد كثير منهم بالإتيان بالمستحبات حتى مستحبات الإحرام المتعددة و المتكثرة مع شدة التحريص بها و الترغيب عليها دليلا على الوجوب و لا يقاس ذلك بمجرد صدور عمل من النبي و الأئمة- ص- الذي هو أعم من الاستحباب و بعبارة أخرى الدليل على الوجوب هو اختلاف نظر المتشرعة بالنسبة إلى اللبس و الى مثل الغسل حال الإحرام فينظرون إلى الأوّل بعين الوجوب دون الثاني و عليه لا مجال للاستشكال في الاستدلال على الوجوب بمثل هذه السّيرة.

ثانيهما: الروايات المتعددة الظاهرة في الوجوب:

منها: صحيحة معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن التهيّؤ للإحرام فقال: اطل بالمدينة فإنه طهور و تجهّز بكلّ ما تريد، و ان شئت استمتعت بقميصك حتى تأتي الشجرة فتفيض عليك من الماء

و تلبس ثوبيك إن شاء اللّٰه «1».

و قد حقق في محلّه دلالة الجملة الخبرية الواردة في مقام بيان الحكم على الوجوب و قيام الدليل على عدم وجوب إفاضة الماء عليه سواء كانت بمعنى الاغتسال أو تنظيف البدن لا دلالة فيه على عدم كون اللبس واجبا أيضا و ان كان معطوفا عليها فإذا قال رأيت أسدا و رأيت ذئبا و قامت القرينة على ان المراد بالأسد هو الرجل الشجاع لا يكون فيه دلالة على انّ المراد بالذئب أيضا هو معناه المجازي و هو الإنسان المشابه له في السبعية- مثلا- و بالجملة صرف الكلام عن ظاهره يحتاج إلى القرينة الصارفة ففي مورد وجودها يصرف و مع عدمها لا مساغ له و لا مجال لدعوى كون وحدة السياق قرينة

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب السابع ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 227

..........

______________________________

على ذلك بل فيما إذا كان هناك جملة واحدة كقوله: اغتسل للجنابة و الجمعة لا يكون قيام الدليل على عدم وجوب غسل الجمعة دليلا على عدم وجوب غسل الجنابة فضلا عما إذا كانت الجمل متعددة كما في الصحيحة.

و منها: صحيحة هشام بن سالم قال أرسلنا الى أبي عبد اللّٰه- ع- و نحن جماعة و نحن بالمدينة انا نريد ان نودعك فأرسل إلينا ان اغتسلوا بالمدينة فإني أخاف ان يعزّ الماء عليكم بذي الحليفة فاغتسلوا بالمدينة و البسوا ثيابكم التي تحرمون فيها ثم تعالوا فرادى أو مثاني «1».

و منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال إذا انتهيت الى العقيق من قبل العراق أو الى الوقت من هذه المواقيت و أنت تريد الإحرام ان شاء اللّٰه فانتف إبطك

(إبطيك.) و قلّم أظفارك و اطل عانتك و خذ من شاربك و لا يضرّك بأيّ ذلك بدأت ثم استك و اغتسل و البس ثوبيك الحديث «2».

و منها: صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين أردت أن تحرم و خذ من شاربك و من أظفارك و اطل عانتك ان كان لك شعر و انتف إبطك و اغتسل و البس ثوبيك ثم ائت المسجد الحرام فصل فيه ست ركعات قبل ان تحرم و تدعو اللّٰه الحديث «3».

و منها: ما ورد في تجريد الصبيان من فخّ مثل ما رواه أيوب أخو أديم قال سئل أبو عبد اللّٰه- ع- من اين يجرد الصّبيان فقال كان أبي يجرّدهم من فخّ «4». و بهذا الاعتبار جعل الفخ أحد المواقيت كما في العروة و نحوها.

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الثامن ح- 1.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب السادس ح- 4.

(3) وسائل أبواب الإحرام الباب الثاني و الخمسون ح- 2.

(4) وسائل أبواب الإحرام الباب السابع و الأربعون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 228

..........

______________________________

و منها: ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن الحميري انه كتب الى صاحب الزمان (عج) يسأله عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء يكون متصلا بهم يحج و يأخذ من الجادة و لا يحرم هؤلاء من المسلخ فهل يجوز لهذا الرجل ان يؤخر إحرامه إلى ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف الشهرة أم لا يجوز الّا ان يحرم من المسلخ فكتب (ع) في الجواب يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب و يلبّي في نفسه فإذا بلغ الى ميقاتهم أظهره «1». لكن هذه الرواية

مضافا الى ضعف سندها يجري فيها احتمالان و اشكال ظهور التقرير فيها في عدم كون ذات عرق ميقاتا عندنا مع ان ميقات أهل العراق وادي عقيق الذي يكون اوّله المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق و قد تقدّم البحث في الرواية في باب المواقيت فراجع.

و قد ظهر ممّا ذكرنا وجود أدلّة متعددة على وجوب لبس الثوبين و عليه فلا أصالة للإجماع في المقام.

الجهة الثانية: في انه بعد كون اللبس واجبا وقع الكلام في اعتباره في صحة الإحرام و انعقاده و عدمه و بعبارة أخرى هل يكون اللبس واجبا تعبديا أو شرطيا؟ فيه وجهان بل قولان قال في الجواهر بعد ما قوىّ الوجه الأوّل: بل لا أجد فيه خلافا صريحا الّا ما سمعته من الإسكافي و لا ريب في ضعفه ..»

و قال في الدروس: «و هل اللبس من شرائط الصحة حتى لو أحرم عاريا أو لابسا مخيطا لم ينعقد نظر و ظاهر الأصحاب انعقاده حيث قالوا: لو أحرم و عليه قميص نزعه و لا يشقه و لو لبسه بعد الإحرام وجب شقّه و إخراجه من تحت كما

______________________________

(1) وسائل أبواب المواقيت الباب الثاني ح- 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 229

..........

______________________________

هو مروي و ظاهر ابن الجنيد اشتراط التجرد».

و في محكي كشف اللثام: «قلت كلامهم هذا قد يدل على عدم الانعقاد فان الشقّ و الإخراج من تحت للتحرز عن ستر الرأس فلعلّهم لم يوجبوه أوّلا لعدم الانعقاد نعم الأصل عدم اشتراط الانعقاد به».

أقول: ان هنا أمرين قد وقع بينهما الخلط في بعض الكلمات:

أحدهما: ان لبس الثوبين هل له دخل في صحة الإحرام و انعقاده بحيث كان الإخلال به موجبا

لعدم وقوع الإحرام الكامل سواء كان الإخلال به بنحو يكون في حال الإحرام عاريا أو لابسا للمخيط فقط أو لأحد الثوبين كذلك كما ان مراعاته تارة تتحقق بلبس الثوبين فقط دون ثوب آخر و اخرى بلبسهما زائدا على ثيابه المتعارفة.

ثانيهما: هل يكون عدم لبس المخيط في حال الإحرام شرطا في صحته بحيث كان الإحرام معه غير منعقد و لو كان لابسا لثوبي الإحرام أم لا يكون كذلك و الظاهر عدم الارتباط بين الأمرين و لزوم ملاحظة كل منهما مستقلا.

و العجب من بعض الاعلام- قده- حيث انه جعل للشرطية تصويرين أحدهما كون لبس الثوبين متمّما للإحرام و مكمّلا له و ثانيهما كون لبس الثوبين شرطا في صحة التلبية و أورد في الثاني الروايات الواردة في لبس المخيط حال الإحرام مع ان المراد بالتلبية فيها هو الإحرام كما سيأتي نقلها إن شاء اللّٰه تعالى و ظاهرها انّ محطّ النظر هو لبس المخيط لا عدم لبس الثوبين.

و كيف كان فالوجه في الاعتبار في الصحة و الانعقاد في الأمر الأوّل هو ظهور الأمر باللبس في الروايات المتقدمة بعد حمله على ظاهره الذي هو الوجوب في الشرطية و المدخلية فإن الحكم بوجوب اللبس عند إرادة الإحرام انّما هو كالحكم بوجوب الوضوء عند إرادة الصلاة فكما ان الثاني ظاهر في الوجوب الشرطي كذلك الأوّل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 230

..........

______________________________

لكن التحقيق انه لو كان الدليل منحصرا بذلك لكان الحكم بالشرطيّة و المدخلية متّجها لكن في البين يوجد روايات تدل على خلافه مثل صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في بحث التلبية و هي ما رواه هو عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- انه قال: يوجب الإحرام ثلاثة

أشياء التلبية و الاشعار و التقليد فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم «1».

فإن ظاهرها تحقق الإحرام بالتلبية التي يكون المراد منها لا محالة هي التلبية المقرونة بنية الحج أو العمرة لا نفس التلبية المجردة الخالية عنها و عليه يكون مفادها خصوصا بملاحظة الذيل ان الإحرام يتحقق بالتلبية و ما يجرى مجراها من دون توقّف على شي ء هذا بناء على ما هو المعروف في معنى الرواية.

و امّا بناء على ما احتملناه بل استظهرناه من كون مثل الصحيحة ناظرا الى وجوب الإحرام و لزومه و عدم جواز نقضه دون أصل الانعقاد و لو لم يترتب عليه حرمة محرمات الإحرام المعهودة بعد فيمكن ان يقال بأنه لا منافات بين كون اللبس دخيلا في أصل الصحة و الانعقاد و التلبية مؤثرة في لزومه و وجوبه و عدم جواز نقضه و كان الدليل على الأول الروايات الآمرة باللبس عند إرادة الإحرام و على الثاني مثل هذه الصحيحة الدال على لزومه بالتلبية و ما بحكمها من الإشعار أو التقليد.

هذا و لكن مع ذلك الظاهر ان ملاحظة الروايتين تقتضي الحكم بعدم مدخلية اللبس و عدم شرطيّته و كون وجوبه وجوبا تعبديا خصوصا مع ضمّ الفتاوى اليه فتدبّر هذا بالإضافة الى الأمر الأوّل.

و امّا الأمر الثاني فقد ورد فيه روايات:

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني عشر ح- 20.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 231

..........

______________________________

منها: صحيحة معاوية بن عمار و غير واحد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في رجل أحرم و عليه قميصه فقال ينزعه و لا يشقّه و ان كان لبسه بعد ما أحرم شقّه و أخرجه مما يلي رجليه «1». فان الظاهر ان

النقطة المهمة للسائل هو وجود القميص و لبسه حال الإحرام لا عدم كونه لابسا للثوبين مع انه يمكن ان يقال بأن إطلاق السؤال يشمل ما لو كان لابسا لهما و لم يقع في الجواب استفصال فالرواية مرتبطة بهذا الأمر و دالة على عدم قدح لبس القميص في صحة الإحرام و انعقاده و ما في كلام كاشف اللثام المتقدم من احتمال كون عدم وجوب الشقّ و جواز النزع من الرأس لأجل عدم انعقاد الإحرام لعله يكون خلاف صريح الرّواية و الا كان اللازم الحكم بوجوب تجديد النية و التلبية كما هو واضح.

و الظاهر أيضا إطلاق السؤال في الرواية و عدم اختصاصه بخصوص الجاهل و دعوى انه من البعيد الإحرام مع القميص من العالم المريد للامتثال و الإتيان بأمر عبادي مدفوعة بان ما لا يجتمع مع العلم هو فساد العمل و بطلانه فإنّه لا معني للإتيان بالعمل الفاسد في حال ارادة الامتثال مع العلم بالفساد و امّا العلم بالحرمة فاجتماعه مع الإرادة المذكورة بمكان من الإمكان و لذا يتحقق أحيانا بعض محرّمات الإحرام من المحرم حتى الموجب للكفارة و عليه فلا مجال لتخصيص مورد السؤال بالجاهل ثم انه يمكن ان يكون الوجه في التفصيل في الرواية بين اللبس قبل الإحرام و اللبس بعده هو استلزام الثاني لستر الرأس المحرّم مرتين تارة حال اللبس و اخرى حال النزع و لذا حكم عليه بالشق و الإخراج مما يلي رجليه و امّا الأوّل فحيث كان لبسه قبل الإحرام لا يتحقق ستر الرأس إلّا مرّة واحدة.

و منها: صحيحة عبد الصمد بن بشير قال جاء رجل يلبّى حتى دخل المسجد و هو

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الخامس و الأربعون ح-

2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 232

..........

______________________________

يلبي و عليه قميصه فوثب اليه ناس من أصحاب أبي حنيفة فقالوا شق قميصك و أخرجه من رجليك فان عليك بدنة و عليك الحج من قابل و حجّك فاسد فطلع أبو عبد اللّٰه- ع- على باب المسجد فكبّر و استقبل القبلة فدنا الرجل من أبي عبد اللّٰه- ع- هو ينتف شعره و يضرب وجهه فقال له أبو عبد اللّٰه- ع- اسكن يا عبد اللّٰه فلما كلّمه و كان الرجل أعجميّا فقال أبو عبد اللّٰه- ع- ما تقول قال كنت رجلا أعمل بيدي و اجتمعت لي نفقة فحيث أحجّ لم أسأل أحدا عن شي ء و أفتوني هؤلاء أن أشق قميصي و انزعه من قبل رجلي و ان حجّي فاسد و انّ علىّ بدنة فقال له: متى لبست قميصك أبعد ما لبّيت أم قبل؟ قال قبل ان ألبّي قال فأخرجه من رأسك فإنه ليس عليك بدنة و ليس عليك الحجّ من قابل، اىّ رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه، طف بالبيت سبعا و صلّ ركعتين عند مقام إبراهيم- ع- واسع بين الصفا و المروة، و قصّر من شعرك فإذا كان يوم التروية فاغتسل و أهلّ بالحجّ و اصنع كما يصنع الناس «1».

و قد جمع صاحب الحدائق بين هذه الصحيحة و الصحيحة السابقة التي كانت مطلقة من حيث العلم و الجهل بحملها على صورة الجهل و الحكم بانّ صحة الإحرام في المخيط تختص بهذه الصورة و امّا العالم الذي تعمّد الإحرام في المخيط فاحرامه باطل من رأس.

و أورد عليه بعض الاعلام- قده- بان المقام ليس من موارد حمل المطلق على المقيّد لأن الصحيحة الأخيرة لا تدل

على صحة عمله لكونه جاهلا و انّما هي في مقام بيان انه ليس عليه الكفارة في مقابل فتوى أناس من أصحاب أبي حنيفة.

______________________________

(1) أورد عمدتها في الوسائل في الباب الخامس و الأربعين من أبواب تروك الإحرام ح- 3 و سائر قطعاتها متفرقة في الأبواب الأخر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 233

..........

______________________________

و أنت خبير بانّ التعليل في الرواية بقوله- ع-: اىّ رجل .. كما انه تعليل لعدم وجوب البدنة كذلك يكون تعليلا لعدم ثبوت الحج عليه من قابل الذي هو أثر صحة العمل و عدم فساده فإنّ إفساد الحج يوجب الحج من قابل و امّا الحج الصحيح فيترتب عليه عدم الوجوب ثانيا و ارتباط التقليل بهذه الجهة لعلّه يكون أقوى من ارتباطه بعدم وجوب الكفارة لذكره بعده و اتصاله بالتعليل مع ان أصحاب أبي حنيفة قد صرّحوا عليه بفساد حجّه أيضا فلا مجال لدعوى اختصاص العلة بخصوص الكفارة.

لكن الجواب عن صاحب الحدائق ان ظاهر العلّة انّ الجاهل لا شي ء عليه من الكفارة و فساد الحجّ و مفهومه عدم ثبوت ذلك بالإضافة إلى العالم و لكن لا بمعنى ثبوت كلا الأمرين معا بل بالمعنى الأعم منه و من ثبوت أحدهما و عليه فلا مانع من الحكم بثبوت صحة الإحرام في المخيط و لو مع العلم عملا بمقتضى إطلاق الصحيحة الاولى و الحكم بثبوت الكفارة عليه عملا بمقتضى دليل ثبوتها بالنسبة إلى العالم و عليه فالجمع بين الصحيحتين لا يقتضي تخصيص الحكم بالصحة بخصوص الجاهل بل يعمّ العالم أيضا.

و منها: رواية خالد بن محمّد الأصمّ قال دخل رجل المسجد الحرام و هو محرم فدخل في الطواف و عليه قميص و كساء فاقبل الناس

عليه يشقّون قميصه و كان صلبا فرءاه أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- و هم يعالجون قميصه يشقونه فقال له كيف صنعت؟ فقال أحرمت هكذا في قميصي و كسائي فقال انزعه من رأسك ليس ينزع هذا من رجليه انّما جهل فأتاه غير ذلك فسأله فقال: ما تقول في رجل أحرم في قميصه قال: ينزع من رأسه «1».

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الخامس و الأربعون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 234

..........

______________________________

و الرواية ضعيفة بخالد حيث انه لم يوثق بل و لم يمدح بوجه و استكشاف كون الرجل الداخل في المسجد محرما مع انه كان عليه قميص و كساء امّا من طريق كونه لابسا ثوبي الإحرام أيضا و امّا من طريق كونه ملبيّا كما في الرواية السابقة بل لا يبعد ان تكون القصة المذكورة في هذه الرواية عين تلك القصة دون قصة اخرى.

و لا يجري احتمال التقييد في هذه الرواية بالإضافة إلى الصحيحة الأولى لعدم التعرض فيها لصحة الإحرام و عدمها بل موضع الاختلاف هو نزع القميص من الرأس أو من الرجلين و كلاهما لا يتحققان الّا مع صحة الإحرام كما عرفت لكنه ذكر في «المستمسك» ظاهر ما في خبر خالد بن محمد الأصم من التعليل بقوله- ع-: ايّ رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه الاختصاص بحال الجهل فلا يشمل حال العلم بالموضوع و الحكم و- ح- يتعين تخصيص صحيح معاوية به، فيحمل على حال الجهل لا غير و يرجع الى القاعدة في البناء على البطلان في حال العلم ..

و أنت خبير بان هذا التعليل قد وقع في الصحيحة المتقدمة دون هذه الرواية فإن كان مراده كون تلك الرواية

مقيّدة كما عرفت من الحدائق فقد مرّ الجواب عنه و ان كان مراده كون هذه الرواية كذلك فقد مرّ انه لم يقع التعرض فيها للصحة و البطلان بل الاختلاف انّما هو في النزع من الرأس أو من الرجلين و كلاهما مفروضان مع صحة الإحرام و امّا ما افاده من ان مقتضى القاعدة البناء على البطلان في حال العلم فسيأتي البحث فيه عند التعرض لكلام السيد- قده- في العروة إن شاء اللّٰه تعالى.

و منها: صحيحة معاوية بن عمّار قال ان لبست ثوبا في إحرامك لا يصلح لك لبسه فلبّ و أعد غسلك، و ان لبست قميصا فشقّه و أخرجه من تحت قدميك «1».

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الخامس و الأربعون ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 235

..........

______________________________

و المراد بلبس الثوب في الجملة الأولى بقرينة المقابلة و التعرض للبس القميص في الجملة الثانية هو لبس المخيط غير القميص من العباء و القباء و الإزار و غيرها المشترك في كونه محيطا و في عدم افتقار نزعه عادة الى ستر الرأس بخلاف القميص الذي يتوقف لبسه و نزعه الى الستر و لو لحظة خصوصا في القميص المتداول بين الاعراب حتى اليوم الذي كان طوله الى الرجلين نوعا و هل المراد هو لبس الثوب الكذائي أو القميص في حال انعقاد الإحرام و شروعه بحيث كانت النية و التلبية في اللباس المذكور أو ان المراد هو اللبس بعد الإحرام؟ الظاهر هو الثاني لأنه فرق بين قوله لبس القميص- مثلا- في إحرامه و بين قوله أحرم في القميص أو أحرم و عليه قميصه كما في صحيحة معاوية بن عمار الاولى.

و يؤيده بل يدل عليه ان

الحكم بوجوب الشقّ و الإخراج من الرّجل قد ورد في الروايات المتقدمة بالإضافة إلى الفرض الثاني و من الواضح اتحاد المراد من الجملتين من هذه الجهة و عليه فالرواية لا ترتبط بالمقام الذي هو الفرض الأوّل.

ان قلت: ان قوله- ع-: فلبّ ظاهر في وجوب التلبية و مرجعه الى بطلان الإحرام و لزوم تجديده و عليه فإذا كان لبس المخيط بعد الإحرام موجبا لبطلانه و فساده فإيجابه للبطلان و عدم الانعقاد من رأس فيما لو أحرم في المخيط انّما يكون كذلك لو لم يكن اولى.

قلت:- مضافا الى ان الظاهر انه لم يقل أحد بكون لبس المخيط بعد الإحرام موجبا لفساده و لزوم تجديده و الى ان قوله: و أعد غسلك قرينة على عدم وجوب التلبية فتدبّر- ان مقتضى ذلك التفصيل في الصحة و البطلان بين القميص و غيره من الألبسة المخيطة ضرورة ان الحكم بوجوب الشق في القميص لا يجتمع مع بطلان الإحرام و عليه فاللازم ان يقال بعدم كون المراد من التلبية هو الإحرام خصوصا مع التعبير بعنوان الإحرام قبلها فلا مناص من ان يكون المراد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 236

..........

______________________________

هو استحباب التلبية كإعادة الغسل و الوجه في التفصيل عدم توقف النزع في الجملة الأولى على ستر الرأس بخلافه في الجملة الثانية و كيف كان فالرواية لا تدل على البطلان بوجه و لا ترتبط بما نحن فيه.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انّ مقتضى إطلاق ما ورد في المقام و هو لبس المخيط حال الإحرام عدم كونه قادحا في صحته و انعقاده و ان كان عالما عامدا من دون فرق بين ان يكون لابسا لثوبي الإحرام و

بين ان لا يكون كذلك و عليه فلا يختص الحكم بالجاهل و مثله الذي هو الناسي بل يعمّ جميع الصّور و عليه فلو فرض ان مقتضى القاعدة في صورة العلم و العمد هو البطلان لكن لا مجال للأخذ بها مع دلالة الرواية على الصحة و لو بالإطلاق مع ان اقتضاء القاعدة له أيضا محلّ منع و ان ذكره السيد- قده- في العروة حيث قال: «لو أحرم في قميص عالما عامدا أعاد لا لشرطية لبس الثوبين لمنعها كما عرفت بل لانه مناف للنّية حيث انه يعتبر فيها العزم على ترك المحرمات التي منها لبس المخيط و على هذا فلو لبسهما فوق القميص أو تحته كان الأمر كذلك أيضا لانه مثله في المنافاة للنّية الّا ان يمنع كون الإحرام هو العزم على ترك المحرّمات بل هو البناء على تحريمها على نفسه فلا تجب الإعادة- ح-».

و يرد عليه وجوه من الإيراد:

الإيراد الأوّل: ما مرّ من ان الرجوع الى القاعدة انّما هو في مورد لم يدل على حكمه مثل الرواية المعتبرة و لو بالإطلاق و قد عرفت ان مقتضى إطلاق الصحيحة الأولى الشمول للعالم العامد و الصحيحة الثانية لا تدل على تقييد الصحيحة الأولى كما زعمه صاحب الحدائق.

الإيراد الثاني: انه على تقدير عدم دلالة الدليل على الصحة في هذه الصورة لا يكون مقتضى القاعدة البطلان بوجه و ذلك لما عرفت في البحث عن ماهية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 237

..........

______________________________

الإحرام و حقيقته من انّها عبارة عن أمر اعتباري يعتبره خصوص الشارع عقيب نيّة الحج أو العمرة فقط أو بضميمة التلبية و يكون هذا الأمر الاعتباري موضوعا لأحكام وجوبية كلبس الثوبين و تحريمية كمحرمات

الإحرام المتعددة و لا دليل على اعتبار أمر آخر وجودا أو عدما في تحقق هذا الأمر الاعتباري.

و بعبارة أخرى هنا أمور ثلاثة مترتّبة النيّة فقط أو بضميمة التلبية و تحقق ذلك الأمر الاعتباري و ترتب أحكام كثيرة عليه و حرمة لبس المخيط انّما هي من جملة تلك الأحكام المتأخرة عن أصل الإحرام و عنوان المحرم و لا مجال- ح- لان يكون التخلف عنها في حال النية و التلبية قادحا في تحقق الإحرام المتقدم على احكامه و نظيره في ثبوت أمور ثلاثة مترتبة البيع و النكاح و أمثالهما فإن عقد النكاح موجب لتحقق عنوان الزوجية و اعتباره عند الشرع و العرف و هي أي الزوجية موضوعة لثبوت أحكام كثيرة للزوج و عليه، و كذا للزوجة و عليها و لا يكون التخلف عن شي ء منها في حال العقد قادحا في صحته بوجه كما ان التخلف عنه بعده لا يكون منافيا لثبوتها و بقاء اثر العقد و هذا من الوضوح بمكان.

الإيراد الثالث: انه- مضافا الى وجود تهافت بين صدر كلامه و ذيله حيث ان ظاهر الصدر ان لبس المخيط مناف للنّية الواجبة في الإحرام خصوصا مع تصريحه في أوّل البحث عن واجبات الإحرام بأن المراد من النية هي القصد إليه- يعني إلى الإحرام- و عليه فالإحرام هو المنوي و النية خارجة عنه و ظاهر الذيل ان لبس المخيط مناف لنفس الإحرام بناء على كونه هو العزم على ترك المحرّمات لا البناء على تحريمها على نفسه- على تقدير مبناه يمكن ان يقال بعدم المنافاة فكما انه لا منافاة بين الإحرام بهذا المعني و بين البناء حال الإحرام على لبس المخيط بعد ساعة من عقد الإحرام- مثلا- كذلك لا منافاة

بينه و بين اللبس في حال الإحرام لعدم الفرق بين الصورتين بوجه نعم لو قلنا بأنّ الإحرام عبارة عن نفس ترك المحرّمات

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 238

..........

______________________________

دون العزم عليه لا يكاد يتحقق الجمع- ح- بين الإحرام و بين اللبس المحرّم فتدبّر.

و قد ظهر مما ذكرنا انه لو وصلت النوبة إلى القاعدة لكان مقتضاها أيضا الصحة مطلقا و لو مع العلم و العمد فضلا عن الصورتين الآخرتين.

هذا و لو قلنا ببطلان الإحرام في صورة العلم لاختصاص ما دلّ على الصحة بصورة الجهل و اقتضاء القاعدة للبطلان فهل الحكم في النسيان حكم الجهل أو العلم؟ الظاهر، هو الأوّل امّا لانه نوع من الجهل غاية الأمر انه مسبوق بالعلم و امّا لاشتراكه مع الجهل في المناط الذي يفهمه العرف ممّا ورد في الجاهل و لأجله حكم السيد- قده- باشتراكهما مع حكمه بالبطلان في صورة العلم على ما عرفت في عبارته المتقدمة.

الجهة الثالثة: في كيفية لبس الثوبين و الظاهر اتفاق الأصحاب على لزوم الاتزار بأحدهما لكنه مخير في كيفية الاتّزار نعم في خصوص جواز عقده على عنقه كلام يأتي التعرض له إن شاء اللّٰه تعالى.

و امّا الثوب الثاني ففي الجواهر: «عن جماعة انه يتردّى به اى يلقيه على عاتقيه جميعا و يسترهما به، و عن بعض يتوشح به و عن آخرين أو يتوشح به اى يدخل طرفه تحت إبطه الأيمن و يلقيه على عاتقه الأيسر كالتوشح بالسيف على ما عن الأزهري و غيره بل صرّح غير واحد منهم بأنه نحو ما يفعله المحرم الّا ان الظاهر عدم وجوب شي ء من الهيئتين للأصل فيجوز- ح- التوشح بالعكس و غيره من الهيئات و لعلّ

من اقتصر على الارتداء أو التخيير بينه و بين التوشح يريد التمثيل و ان كان التردي اولى الهيئات».

هذا و لكن الظاهر من طائفة من الرّوايات لزوم الارتداء و الإلقاء على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 239

..........

______________________________

العاتقين جميعا:

منها: الرواية المفصلة الحاكية لحجة الوداع المشتملة على قوله- ع- فاقبل الناس فلما نزل الشجرة أمر الناس بنتف الإبط و حلق العانة و الغسل و التجرد في إزار و رداء أو إزار و عمامة يضعها على عاتقه لمن لم يكن له رداء «1».

فان ظاهرها لزوم عنوان الرداء الذي لا يكون لبسه الّا بالارتداء به بالنحو المذكور و اشتماله على جملة من المستحبات لا يكون قرينة على عدم لزوم عنوان الرداء خصوصا بعد لزوم عنوان الإزار الذي هو المتفق عليه عند الأصحاب على ما عرفت.

و منها: صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال يلبس المحرم الخفين إذا لم يجد نعلين، و ان لم يكن له رداء طرح قميصه على عنقه (عاتقه خ ل) أو قباء بعد ان ينكسه «2».

و منها: رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر- عليه السلام- في حديث قال:

و يلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء و يقلب ظهره لباطنه «3» و ظاهر هذه الروايات لزوم كون عنوان الثوب الأخر هو الرداء و الظاهر ان لبس الرداء لا يكون الّا بالارتداء به و دعوى ان النصوص المذكورة ليس فيها الّا ذكر الرّداء و لم تتعرض لكيفية لبسه و عليه فمقتضى الأصل عدم لزوم هيئة خاصة مدفوعة بأن المراد ليس هو وجدانه للرداء زائدا على الإزار بل هو لبسه و لبس الرداء لا يكون الّا مع الارتداء

به و التوشح و غيره من سائر الهيئات لا يصدق عليه لبس الرداء و لأجله قوى صاحب الحدائق ذلك و ان قال صاحب الجواهر انه في غير محلّه و بالجملة

______________________________

(1) وسائل أبواب أقسام الحج الباب الثاني ح- 15.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الأربعون ح- 2.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الأربعون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 240

..........

______________________________

العدول عن ظاهر ما يدل عليه النصوص المذكورة مشكل.

هذا و امّا ما ورد في مثل العقد و الشدّ فعدّة روايات:

منها: و هي عمدتها موثقة سعيد الأعرج انه سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن المحرم يعقد إزاره في عنقه؟ قال: لا «1».

هكذا نقلت الرواية في الوسائل و المحكي عن الفقيه الذي هو مصدرها في حاشيتها حيث انه لم يقع فيها إشارة إلى مخالفته لما فيه و لكن صاحب الجواهر- قده- رواها هكذا: عن المحرم يعقد رداءه في عنقه، مع انه نقلها قبلها بصفحتين بالمعنى و انه نهي فيها عن عقد الإزار بالعنق مع التعبير عنه بالخبر المشعر بعدم اعتباره و اضافه الى أبي سعيد الأعرج مع انه هو سعيد الأعرج و كيف كان لا مجال للإشكال في ان السؤال في الرواية انما هو عن عقد الإزار في العنق و لكنه مع ذلك ربما يقال ان المراد بالإزار هو الرداء لانه هو الذي يعقد في العنق مضافا الى إطلاقه على الثوب الثالث في كفن الميت المشتمل على جسد الميّت و الذي يغطي تمام بدنه.

و الظاهر بطلان هذا القول فإن الذي يعقد في العنق بلحاظ كونه استر للعورة و عدم المعرضية للكشف هو الإزار دون الرّداء و يؤيده

ما هو المتداول في الحمامات من عقد إزار الصبيّ على عنقه لعدم تحفّظه و عدم قدرته نوعا عليه و إطلاقه على الثوب الثالث في كفن الميت انما هو باعتبار عدم ثبوت عنوان الرداء في مقابله بخلاف المقام الذي وقع فيه هذا العنوان في مقابل الرّداء.

ثمّ انّ الظاهر ان السؤال في الرواية انّما هو عن جواز عقد الإزار على العنق و مشروعيته و عليه فالجواب بقوله- ع-: لا، ظاهر في عدم الجواز و احتمال كون السؤال فيه عن وجوب العقد لمناسبة الستر الذي هو أقرب الى مقام العبادة

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثالث و الخمسون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 241

..........

______________________________

و التواضع فيكون النفي في الجواب ظاهرا في عدم الوجوب خلاف الظاهر جدّا و ان احتمله صاحب المستمسك- قده.

و منها: صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر- ع- انه قال: المحرم لا يصلح له ان يعقد إزاره على رقبته و لكن يثنيه على عنقه و لا يعقده «1». لكن قوله:

لا يصلح، لا يكون ظاهرا في الحرمة و عدم الجواز و لعلّه يصير قرينة على ضعف ظهور الرواية المتقدمة في الحرمة، و يمكن ان يقال بالعكس و هو جعل الظهور في الرواية المتقدمة في الحرمة قرينة على كون المراد من قوله: لا يصلح هي الحرمة و لأجل ما ذكرنا جعل في المتن العدم مقتضى الاحتياط اللزومي.

و منها: ما رواه في الاحتجاج عن محمد بن عبد اللّٰه بن جعفر الحميري عن صاحب الزّمان- عج- انه كتب اليه يسأله عن المحرم يجوز ان يشدّ المئزر من خلفه على عنقه «عقبه خ ل» بالطول و يرفع «من» طرفيه الى

حقويه و يجمعهما في خاصرته و يعقد هما و يخرج الطرفين الأخيرين من بين رجليه و يرفعهما الى خاصرته و يشدّ طرفيه الى وركيه فيكون مثل السراويل يستر ما هناك فإن المئزر الأوّل كنّا نتّزر به إذا ركب الرجل جمله يكشف ما هناك و هذا أستر. فأجاب- عليه السلام- جائز ان يتّزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثا بمقراض و لا إبرة تخرجه به عن حدّ الميزر، و غزره غزرا و لم يعقده و لم يشدّ بعضه ببعض و إذا غطّى سرّته و ركبته (ركبتيه خ ل) كلاهما فإن السنّة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرّة و الركبتين و الأحب إلينا و الأفضل لكلّ أحد شدّه على السبيل المألوفة المعروفة للناس جميعا ان شاء اللّٰه تعالى «2».

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثالث و الخمسون ح- 5.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثالث و الخمسون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 242

..........

______________________________

و منها: ما رواه فيه عنه انه سأله هل يجوز ان يشد مكان العقد تكّة؟ فأجاب لا يجوز شدّ المئزر بشي ء سواء من تكّة أو غيرها «1». هذا و لكن الروايتين ضعيفتان من حيث السند.

و قد ظهر بملاحظة ورود جميع الروايات المتقدمة في الإزار و عدم ورود رواية و لو ضعيفة في الرداء دالة على لزوم لبسه بكيفية خاصّة عدم اعتبارها فيه بل مقتضى رواية عبد اللّٰه بن ميمون القداح عن جعفر- ع- انّ عليّا- ع- كان لا يرى بأسا بعقد الثوب إذا قصر ثم يصلي فيه و ان كان محرما «2». جواز عقد الرداء في حال الإحرام أيضا.

و عليه فالتشريك بين الثوبين في الحكم

و لو الاحتياطي كما في المتن لم يقم عليه دليل الّا ان يقال بإلغاء الخصوصية من الروايات الواردة في الإزار و لازمة التشريك في عدم جواز العقد على العنق بنحو الاحتياط اللزومي مع ان ظاهره الاختصاص بالإزار كما لا يخفى.

الجهة الرّابعة: في حدّ الثوبين و مقدارهما من جهة العرض و الطول قال في الجواهر: «فقد ذكر غير واحد انه يعتبر في الإزار ستر ما بين الركبة و السّرة و في الرداء كونه مما يستر المنكبين بل في الرياض نفي الاشكال عن ذلك بإبدال الستر في الثاني بالوضع ثم أورد عليه بأنه لا دليل على ذلك بل مقتضى الأصل و إطلاق الفتوى خلافه ثم قوى الرجوع فيه الى العرف».

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثالث و الخمسون ح- 4.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثالث و الخمسون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 243

[مسألة 16- الأحوط عدم الاكتفاء بثوب طويل يتّزر ببعضه و يتردى بالآخر]

مسألة 16- الأحوط عدم الاكتفاء بثوب طويل يتّزر ببعضه و يتردى بالآخر إلّا في حال الضرورة و مع رفعها في أثناء العمل لبس الثوبين، و كذا الأحوط كون اللبس قبل النية و التلبية فلو قدمهما عليه أعادهما بعده، و الأحوط النية و قصد التقرب في اللبّس، و امّا التجرد عن اللباس فلا يعتبر فيه النيّة و ان كان الأحوط و الاولى الاعتبار (1).

______________________________

أقول لم يرد التحديد في الروايات إلّا بالإضافة إلى الإزار في رواية الاحتجاج المتقدمة حيث دلت على لزوم ان يغطّى السّرة و الركبة و لكنها مضافا الى ضعف سندها لا يكون التعليل الواقع فيها مناسبا لشأن الامام و بيانه كما لا يخفى.

هذا و لكن الظاهر ان العرف يحكم بلزوم هذا المقدار من التغطية في

الإزار لأنّ عنوانه غير عنوان ما يستر العورة المتحقق بأقل من ذلك. و امّا عنوان الرداء فاعتبار كونه مما يستر المنكبين ان أريد به عدم كفاية ستر منكب واحد و ما يستره فقط- مثلا- فالظاهر انه لا اشكال فيه لعدم صدق الرداء على ما يستر أقل من المنكبين و ان أريد به عدم اعتبار أزيد من ذلك أيضا فالظاهر انه لا يجوز الالتزام به فان الثوب الذي يغطي المنكبين فقط بحيث يكون الفصل بينهما و بين ما يستره الإزار زائدا على شبر مثلا لا يصدق عليه الرداء مع ان الذوق الفقهي و الشمّ المتشرعى يقتضيان كون الرداء و الإزار لابسا لجميع البدن من العنق الى الرجل فتدبّر.

(1) في هذه المسألة أيضا جهات من الكلام:

الجهة الاولي: في انه هل يجوز الاكتفاء بثوب واحد طويل يتزر ببعضه و يرتدي بالآخر أم لا؟ فيه وجهان و الظاهر هو الوجه الثاني لعدم صدق العنوانين الرداء و الإزار على ثوب واحد بل ظاهرهما الاثنينية و التّعدد مع ان التعبير في الروايات و الفتاوي بالثوبين أو ثوبي الإحرام و أمثالهما ظاهر في ذلك و لم يعلم ان المناط هو ستر ما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 244

..........

______________________________

يستره الإزار و الرداء حتى يكون موجودا في الثوب الواحد الطويل فلا يجوز التعدّي عن العنوانين أو الثوبين مع الإمكان و عدم الضرورة.

و يؤيده بل يدل عليه ما ورد في بعض الروايات من انه ان لم يكن له رداء طرح قميصه على عنقه (عاتقه) أو قباء بعد ان ينكسه و في البعض الأخر من انه و لا سراويل الا ان لا يكون لك إزار فانّ تبدل الإزار إلى السراويل

و الرداء الى مثل القميص مقلوبا ظاهر في لزوم حفظ التعدد و الاثنينية و الّا لكان اللازم الحكم بتطويل الإزار حتى لا يحتاج الى القميص أو الرداء حتى لا يحتاج الى السراويل و عليه فالظاهر لزوم التعدد و لا أقلّ من الاحتياط الوجوبي كما في المتن.

الجهة الثانية: في انه هل يعتبر ان يكون لبس الثوبين قبل النية و التلبية أم لا أو يبتني على البحث المتقدم و هو ان اللبس واجب تعبدي و من أحكام الإحرام، أو واجب شرطي له دخل في صحة الإحرام و انعقاده وجوه.

يظهر الأوّل من الجواهر حيث قال: «ظاهر ما سمعته من النص و الفتوى ان محلّ اللبس قبل عقد الإحرام بل هو من جملة الأشياء التي يتهيّأ بها للإحرام على وجه يكون حاصلا حال عقده للإحرام و من هنا قال الفاضل في محكي المنتهي إذا أراد الإحرام وجب عليه نزع ثيابه و لبس ثوبي الإحرام بأن يتزر بأحدهما و يرتدي بالآخر و نحوه غيره نعم لا يجب استدامة اللبس ما دام محرما ..

و يظهر الثالث من بعض شروح العروة و لكن الظاهر بطلانه لانه لا فرق بين القولين في هذه الجهة أصلا لأنه لو كان اللبس واجبا مستقلّا تعبّديا لكان موضوعه المحرم و مرجعه إلى تأخر الوجوب عن الإحرام كتأخّر حرمة محرمات الإحرام المعهودة عنه فان المحرم يجب عليه لبس الثوبين كما انه يحرم عليه محرّماته.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 245

..........

______________________________

و لو كان اللبس واجبا شرطيّا دخيلا في صحة الإحرام فمن الواضح كما حققناه انّ الإحرام هو الأمر الاعتباري الذي يعتبره الشارع بعد النيّة أو بضميمة التلبية و لا يكون اشتراط تحققه و انعقاده

بشي ء ملازما لاعتبار تحقق ذلك الشي ء قبل النيّة فإنه يمكن ان يكون شرطا و مع ذلك كان الإتيان به بعد النية و التلبية كافيا و مؤثرا في تحقق الإحرام و اعتباره و ليس الإحرام مثل الصلاة المشروطة بالطهارة التي يكون لازمها الإتيان بها قبلها فإن الصلاة عبارة عن مجموع الافعال و الأقوال الخاصة و مرجع اشتراطها بشي ء إلى لزوم تحقق جميع تلك الاجزاء مع الشرط و عليه فلا محيص عن إيجاده قبلها و امّا الإحرام فليست هي النية و التلبية حتى يكون مشابها للصلاة في هذه الجهة بل هو الأمر الاعتباري الذي أوضحناه و لا يرجع اشتراطه بشي ء إلى لزوم تحققه قبلهما بل اللازم تحققه قبله و المفروض ذلك.

نعم لو قلنا بأنّ الإحرام عبارة عن النية و التلبية لكان مرجع اشتراطه بشي ء إلى لزوم تأخرهما عنه و تقدّمه عليهما و لكن هذا خلاف التحقيق كما مرّ و على ما ذكرنا لا فرق بين القولين من هذه الجهة.

و الظاهر ان الوجه في الاحتياط الوجوبي المذكور في المتن هو انّ ظاهر الروايات الدالة على أصل وجوب اللّبس المتقدمة في البحث عنه هو ان اللبس كما يكون واجبا بخلاف سائر الأمور التي وقع اللبس في سياقها و لا تكون واجبة كنتف الشعر من الإبط و العانة و غسل الإحرام و مثلها، كذلك يكون ظرف وجوبه قبل الإحرام مثل قوله- ع-: و البسوا ثيابكم التي تحرمون فيها و مثل قوله- ع- إذا كان يوم التروية ان شاء اللّٰه فاغتسل ثم البس ثوبيك و ادخل المسجد ..

و غيرهما من التعبيرات الظاهرة في تأخر الشروع في الإحرام بالنيّة و التلبية عن لبس الثوبين و هذا و ان لم يكن ظهوره بمرتبة

توجب الفتوى على طبقه فلا أقل من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 246

..........

______________________________

الاحتياط الوجوبي كما في المتن.

ثم ان الحكم بلزوم إعادة النية و التلبية لو وقعتا قبل لبس الثوبين ان كان مرجعه الى بطلان الإحرام الواقع بدونه فهذا ينافي ما مرّ من الماتن و قد عرفت انه مقتضى التحقيق من عدم مدخلية اللبس في صحة الإحرام و عدم اشتراطه به بل و عدم مانعية لبس المخيط عنها حتى مع العلم و العمد و ان كان مرجعه إلى إمكان إيجاد ما هو الواجب من اللبس قبل النية و التلبية بتجديدهما بعده ليقع الواجب في ظرفه فيمكن الأخذ به و ان كان الظاهر- ح- مضيّ محلّ الواجب لفرض تحقق الإحرام و صحته فتدبّر.

الجهة الثالثة: في اعتبار النية و قصد التقرب في لبس الثوبين و الوجه في اعتبار الثاني واضح بعد وضوح كونه واجبا عباديّا و ان كان مستقلّا غير شرطي فإنه من أحكام الإحرام الذي هو جزء من العبادة و الوجه في اعتبار الأوّل ما ذكرناه مرارا من ان اضافة العمل بالإحرام و ارتباطه به لا تكاد تتحقق الّا من طريق قصد عنوانه فاللازم ان يكون اللبس مرتبطا بالإحرام بسبب النية و القصد و الّا فصرف اللبس و لو لأغراض أخر و مقاصد سوى الإحرام لا يوجب الارتباط بين الأمرين فاللازم النية مضافة الى قصد القربة.

الجهة الرابعة: في عدم اعتبار النيّة في التجرد عن المخيط و الوجه فيه ان لبس المخيط من محرمات الإحرام بالنسبة إلى الرجال و لا يعتبر في ترك هذه المحرمات قصد القربة و لا نيّة الارتباط بالإحرام كتركها بعد تحقق الإحرام فإنه لا يعتبر في كل ترك

النية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 247

[مسألة 17- لو أحرم في قميص عالما عامدا فعل محرّما و لا تجب الإعادة]

مسألة 17- لو أحرم في قميص عالما عامدا فعل محرّما و لا تجب الإعادة، و كذا لو لبسه فوق الثوبين أو تحتهما و ان كان الأحوط الإعادة، و يجب نزعه فورا، و لو أحرم في القميص جاهلا أو ناسيا وجب نزعه و صحّ إحرامه، و لو لبسه بعد الإحرام فاللازم شقّه و إخراجه من تحت بخلاف ما لو أحرم فيه فإنه يجب نزعه لا شقّه (1).

[مسألة 18- لا تجب استدامة لبس الثوبين بل يجوز تبديلهما]

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 3، ص: 247

مسألة 18- لا تجب استدامة لبس الثوبين بل يجوز تبديلهما و نزعهما لإزالة الوسخ أو للتطهير بل الظاهر جواز التجرد منهما في الجملة (2).

______________________________

و لا قصد القربة فلو ترك بعضها رياء- مثلا- لا يكون ذلك قادحا في صحة الإحرام و لا يترتب عليه آثار الفعل لو كان موجبا للكفارة بل الأمر يكون كذلك بالنسبة إلى الصوم الذي لا تكون حقيقتها الّا نفس الإمساك عن المفطرات بقصد القربة فإنه لا يعتبر ان يكون ترك كل واحدة من المفطرات خارجا ناشيا عن داع الهي بل يمكن ان يكون لأجل عدم الميل و الشهوة إليه فلا يلزم ان يكون ترك الشرب عند روية الماء لداع الهي بل يمكن ان يكون لأجل عدم العطش بحيث لو لم يكن صائما لما يشربه أيضا فإذا كان الأمر في الصوم الذي لا يكون امرا اعتباريا وراء الإمساك المذكور بهذا النحو ففي المقام يكون بطريق اولى نعم لا تنبغي المناقشة في ان الاولى و الأحوط رعاية النيّة في التجرّد أيضا.

(1) قد تقدم البحث

عن هذه المسألة مفصّلا في ذيل البحث عن شرطية لبس الثوبين في صحة الإحرام و عدم الشرطية و لا حاجة الى الإعادة فراجع ما هناك.

(2) امّا عدم وجوب استدامة لبس الثوبين و جواز تبديلهما و نزعهما لإزالة الوسخ أو للتطهير فيدل عليه مضافا الى انه مقتضى الأصل صحيحة زيد الشحّام عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سئل عن امرأة حاضت و هي تريد الإحرام فتطمث قال: تغتسل و تحتشي بكرسف و تلبس ثياب الإحرام و تحرم فإذا كان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 248

[مسألة 19- لا بأس بلبس الزيادة على الثوبين مع حفظ الشرائط]

مسألة 19- لا بأس بلبس الزيادة على الثوبين مع حفظ الشرائط و لو اختيارا (1).

______________________________

الليل خلعتها و لبست ثيابها الأخرى حتى تطهر «1». و لكن ظاهرها لزوم ثياب الإحرام على النساء أيضا و سيأتي البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالى مضافا الى بعض الروايات الأخر الدالة على جواز التبديل مثل صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- ع- في حديث قال: و لا بأس ان يحوّل المحرم ثيابه قلت إذا أصابها شي ء يغسلها قال:

نعم ان احتلم فيها «2».

و صحيحة معاوية بن عمّار قال قال أبو عبد اللّٰه- ع- لا بأس بأن يغير المحرم ثيابه و لكن إذا دخل مكة لبس ثوبي إحرامه اللذين أحرم فيهما و كره ان يبيعهما. «3»

و امّا جواز التجرد من الثوبين فالظاهر من العروة هو ثبوته مطلقا مع الأمن من النظر أو وجود الظلمة و مرجعه الى ان الواجب هو اللبس في حال الإحرام فقط مع ان الظاهر الذي يساعده فهم المتشرعة و يؤيده عدم جواز لبس المخيط على الرجال هي الاستدامة التي لا ينافيها التجرد في الجملة فإن الظاهر ان

المحرم يجب ان يكون مع ثيابه لكنه لا ينافي التجرد للاستحمام أو لغيره فتدبّر فان الظاهر من الفتاوى ما عرفته من العروة.

(1) فإن الظاهر ان اعتبار الثوبين و العنوانين الإزار و الرداء انّما هو في مقابل الاقتصار على الأقلّ منهما لا في مقابل الأكثر و يدلّ عليه صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن المحرم يتردّى بالثوبين قال: نعم و الثلاثة ان شاء يتّقى بها البرد و الحرّ «4».

و صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث قال

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثامن و الأربعون ح- 3.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثامن و الثلاثون ح- 2.

(3) وسائل أبواب الإحرام الباب احدى و الثلاثون ح- 1.

(4) وسائل أبواب الإحرام الباب الثلاثون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 249

[مسألة 20- يشترط في الثوبين ان يكونا ممّا تصحّ الصلاة فيهما]

مسألة 20- يشترط في الثوبين ان يكونا ممّا تصحّ الصلاة فيهما فلا يجوز في الحرير و غير المأكول و المغصوب و المتنجّس بنجاسة غير معفوة في الصلاة بل الأحوط للنساء أيضا ان لا يكون ثوب إحرامهنّ من حرير خالص بل الأحوط لهنّ عدم لبسه الى آخر الإحرام (1).

______________________________

سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه و غيرها التي أحرم فيها قال لا بأس بذلك إذا كانت طاهرة «1». و يقارن بمعنى يجمع و ظاهر هذه الرواية الجواز مطلقا و لو لعدم اتّقاء الحرّ و البرد غاية الأمر لزوم رعاية الشرائط المعتبرة في الثوبين من الطهارة و غيرها.

(1) الظاهر انّ المراد باشتراط كون الثوبين مما تصح الصلاة فيهما ليس هو مدخلية ذلك في صحة الإحرام كمدخليتها في صحة الصلاة فإنه بناء على ما تقدم من

ان وجوب لبس ثوبي الإحرام ليس وجوبا شرطيّا بحيث كان له دخل في صحة الإحرام و انعقاده بل يكون وجوبا تعبديا شرعيا لا يكون أصل اللبس متصفا بالشرطية فضلا عن الخصوصيات المعتبرة في الملبوس فمرجع الاشتراط المذكور في مثل المتن الى انّ امتثال هذا الوجوب التعبدي الذي قد عرفت انه عبادي أيضا لا يتحقق الّا بكون الثوبين مما تصح الصلاة فيهما و بهذا يفترق المقام عن الصلاة التي تكون هذه الخصوصيات دخيلة في صحّتها.

و كيف كان فعن الكفاية انه- يعني الاشتراط المذكور- المعروف بين الأصحاب بل عن المفاتيح دعوى نفي الخلاف فيه بل ربما استظهر ذلك من المنتهى و غيره ممن عادته نقل الخلاف نعم لم يقع التعرض له من جماعة كالشيخ في بعض كتبه و ابني إدريس و سعيد كما انه اقتصر بعضهم على ذكر بعض هذه الخصوصيات و لكن عدم التعرض و كذا الاقتصار على ذكر البعض لا دلالة له على الخلاف و امّا الدليل فالعمدة هي صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام-

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الثلاثون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 250

..........

______________________________

قال: كلّ ثوب تصلّى فيه فلا بأس ان تحرم فيه «1».

نظرا الى ان مفهومها ثبوت البأس في الثوب الذي لا يصلي فيه و ناقش في الاستدلال بها كاشف اللثام بان هذا المفهوم بعد التسليم لا ينصّ على الحرمة و لو سلمت لم يفهم العموم.

و أجاب عنه صاحب الجواهر- قده- بان المراد من البأس في المفهوم هو المنع و لو بقرينة الفتاوي المتقدمة.

و لكن الظاهر انه ليس المراد بالبأس المنفي في المنطوق هو الحكم التكليفي حتى يكون ثبوته في المفهوم أعم من

الحرمة بل الظّاهر ان المراد هو تحقق الإطاعة و الامتثال بالإضافة إلى التكليف الوجوبي المتحقق في البين و عليه فالمفهوم عدم تحقق الامتثال المذكور و هو معني الشرطية و الاعتبار فلا مجال للمناقشة فيها من هذه الجهة نعم المناقشة في أصل ثبوت المفهوم خصوصا للقضيّة الوصفية بحالها و لم يثبت كون الكلام مسوقا لبيان المفهوم و افادته كما ان المناقشة من جهة عدم ثبوت العموم في المفهوم و ان غاية مفاده عدم جواز الإحرام في بعض ما لا يصلي فيه من الأثواب أيضا واردة و ان كان يمكن الجواب عنها بان الموضوع في القضية المفهومية هو انتفاء الوصف المذكور في المنطوق مع حفظ السّور بحاله.

و امّا الروايات الواردة في الأمور الخاصة فمنها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته عن المحرم يصيب ثوبه الجنابة قال لا يلبسه حتى يغسله و إحرامه تامّ «2».

و أورد على الاستدلال بها في الجواهر بان مفادها عدم جواز لبس النجس

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب السابع و العشرون ح- 1.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع و الثلاثون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 251

..........

______________________________

حال الإحرام مطلقا ثم حكى عن المدارك انه قال: «و يمكن حمله على ابتداء اللبس إذ من المستبعد وجوب الإزالة عن الثوب دون البدن الّا ان يقال بوجوب إزالتها عن البدن أيضا للإحرام و لم أقف على مصرّح به و ان كان الاحتياط يقتضي ذلك» ثم أورد عليه بأنه غير قابل لإرادة حال الابتداء خاصة منه نعم هو دالّ عليها و لو بدعوى ظهوره في اعتبار طهارتهما حال الإحرام ابتداء و استدامة فيقتصر على الأول

لاعتضاده بالفتاوى دون غيره الباقي على حكم الأصل.

أقول: الظاهر ان قوله- ع- في الجواب: لا يلبسه حتى يغسله، ظاهر في خصوص الابتداء لأنه في فرض اصابة الجنابة لثوب الإحرام بعد لبسه يكون التعبير المتناسب هو النزع و التبديل أو التطهير و امّا التعبير ب «لا يلبسه» الظاهر في عدم لبسه بعد فلا ينطبق الّا على الابتداء و عليه فلا يبقى مجال لما افاده صاحب المدارك و الجواهر- قدهما- كما ان ما افاده صاحب المدارك من ان المستبعد وجوب الإزالة عن الثوب دون البدن ينتقض بالابتداء فإنه فيه لا تجب الإزالة عن البدن كما لا يخفى.

و منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه التي أحرم فيها و بين غيرها قال: نعم إذا كانت طاهرة «1».

و مقتضى الإطلاق الجمع بين الثيابين في حال الإحرام ابتداء و استدامة كما ان الظاهر ان اعتبار الطهارة في الثياب الزائدة يدل على اعتبارها في ثياب الإحرام.

و منها: رواية أبي بصير قال سئل أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- عن الخميصة سداها إبريسم و لحمتها من غزل قال: لا بأس بأن يحرم فيها انما يكره الخالص منه «2».

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع و الثلاثون ح- 2.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب التاسع و العشرون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 252

..........

______________________________

و ليس المراد بالكراهة هي الكراهة التكليفية حتى يحتاج الى دعوى ان المراد منها هي الحرمة و ان الكراهة في مقابلها اصطلاح فقهي بل المراد منها بقرينة نفي البأس الظاهر في الجواز الوضعي هو ما يقابل الجواز المذكور و لا ينطبق الّا على الاشتراط

و الاعتبار.

و مثلها رواية أبي الحسن النهدي «1». و كيف كان فملاحظة مجموع الروايات بضميمة الفتاوى توجب الاطمئنان باعتبار الأمور المذكورة.

بقي الكلام: في انه هل يجوز الإحرام في الحرير للنساء أم لا فيه قولان فالمحكي عن المفيد- قده- في بعض كتبه و ابن إدريس في السرائر و العلامة في القواعد بل المنسوب الى أكثر المتأخرين الجواز و عن الشيخ و الصدوق بل عن المفيد في بعض عباراته و السيّد هو العدم و احتاط في المتن وجوبا تبعا للمحقق في الشرائع.

و يدل: على الجواز- مضافا الى منطوق صحيحة حريز المتقدمة الدالة بعمومها على ان كل ثوب يصلي فيه لا بأس بأن يحرم فيه الّا ان يناقش فيه بان التعبير فيه بصورة الخطاب و المخاطب هو الرجل فلا يستفاد منه العموم- بعض الروايات مثل صحيحة يعقوب بن شعيب قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام- المرأة تلبس القميص تزرّه عليها و تلبس الحرير و الخز و الديباج فقال نعم لا بأس به و تلبس الخلخالين و المسك «2». و حكى عن النهاية ان المسكة بالتحريك السوار من الذبل و هي قرون الأوعال و قيل: جلود دابة بحرّية. و لا مجال لاحتمال كون المراد هو اللبس في غير حال الإحرام كما لا يخفى.

و رواية النضر بن سويد عن أبي الحسن- عليه السلام- قال سألته عن المرأة

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب التاسع و العشرون ح- 3.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الثالث و الثلاثون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 253

..........

______________________________

المحرمة أيّ شي ء تلبس من الثياب؟ قال تلبس الثياب كلّها إلّا المصبوغة بالزعفران و الورس و لا تلبس القفازين، و لا حلّيا

تتزين به لزوجها و لا تكتحل الّا من علة و لا تمسّ طيبا و لا تلبس حليّا و لا فرندا و لا بأس بالعلم في الثوب «1». قال في الجواهر: و القفاز كرمّان شي ء يعمل لليدين و يحشي بقطن تلبسهما المرأة للبرد- و يعبر عنه في الفارسية ب دستكش- أو ضرب من الحلّي لليدين و الرجلين و الفرند بكسر الفاء و الرّاء ثوب معروف.

و امّا ما يدل على عدم الجواز فروايات كثيرة:

منها: رواية أبي عيينة عن أبي عبد اللّٰه- ع- قال سألته ما يحلّ للمرأة ان تلبس و هي محرمة فقال الثياب كلّها ما خلا القفازين و البرقع و الحرير قلت أ تلبس الخز قال نعم قلت فان سداه إبريسم و هو حرير قال: ما لم يكن حريرا خالصا فلا بأس «2».

و منها: رواية عيص بن القاسم قال: قال أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين الحديث «3».

و منها: رواية إسماعيل بن الفضيل قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن المرأة هل يصلح لها ان تلبس ثوبا حريرا و هي محرمة قال لا و لها ان تلبسه في غير إحرامها «4». و لا مجال لدعوى كون الجواب بالنفي مع كون المنفي هو يصلح غير ظاهر في عدم الجواز بعد كون المراد هو الجواز الوضعي.

و منها: رواية سماعة أنه سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن المحرمة تلبس

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب التاسع و الأربعون ح- 3.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الثالث و الثلاثون ح- 3.

(3) وسائل أبواب الإحرام الباب الثالث و الثلاثون ح- 9.

(4) وسائل أبواب الإحرام الباب الثالث و الثلاثون ح- 10.

تفصيل

الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 254

[مسألة 21- لا يجوز الإحرام في إزار رقيق بحيث يرى الجسم من ورائه]

مسألة 21- لا يجوز الإحرام في إزار رقيق بحيث يرى الجسم من ورائه و الاولى ان لا يكون الرداء أيضا كذلك (1).

______________________________

الحرير فقال: لا يصلح ان تلبس حريرا محضا لا خلط فيه فامّا الخزّ و العلم في الثوب فلا بأس ان تلبسه و هي محرمة، و ان مرّ بها رجل استترت منه بثوبها، و لا تستتر بيدها من الشمس و تلبس الخزّ اما انّهم يقولون انّ في الخز حريرا و انما يكره المبهم «1».

و منها: غير ذلك من الروايات الظاهرة في المنع الوضعي.

و قد جمع بين الطائفتين امّا بحمل النصوص المانعة على الكراهة و امّا بحمل نصوص الجواز على الممتزج و نصوص المنع على الخالص و لعلّ الثاني أولى لما عرفت من عدم كون الروايات مسوقة لبيان الحكم التكليفي جوازا و منعا بل لبيان الحكم الوضعي و عليه فالأحوط لو لم يكن أقوى هو عدم الجواز بل الظاهر عدم الاختصاص بحال عقد الإحرام و الشمول للبس في استدامته فتدبّر.

(1) قد جزم في محكيّ الدّروس بعدم جواز الإحرام في الإزار إذا كان حاكيا للعورة و الوجه فيه هي صحيحة حريز المتقدمة في المسألة السابقة الدالة بالمفهوم على عدم جواز الإحرام في ثوب لا يجوز الصلاة فيه و من الظاهر ان الثوب الحاكي للعورة لا تجوز الصلاة فيه لوجوب سترها بحيث لم تكن مرئيّة من وراء الثوب لكن المحكي عن المدارك انه قال: إطلاق عبارات الأصحاب يقتضي جواز الإحرام فيهما مطلقا و يرد عليه مضافا الى منع الإطلاق في كلماتهم خصوصا مثل عبارة الشرائع: لا يجوز الإحرام فيما لا يجوز لبس جنسه في الصلاة انه لا

مجال له مع دلالة الرواية الصحيحة على الخلاف هذا في الإزار.

و امّا الرداء فحكم في المتن بأولوية عدم كونه كذلك كالرداء لكن في

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الثالث و الثلاثون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 255

[مسألة 22- لا يجب على النساء لبس ثوبي الإحرام]

مسألة 22- لا يجب على النساء لبس ثوبي الإحرام فيجوز لهنّ الإحرام في ثوبهنّ المخيط (1).

______________________________

الدروس و تبعه بعض المعاصرين ان اعتباره فيه أحوط أي يكون مقتضى الاحتياط الوجوبي و الوجه فيه انه لا يكون الرداء في باب الإحرام يقايس بالرداء في باب الصلاة حتى يقال بأنه لا يلزم ان لا يكون الرداء حاكيا لعدم اعتبار ذلك في باب الصلاة بل الظاهر ملاحظة الرداء بالإضافة الى ما يجب ستره في الصلاة و هي العورة ففي الحقيقة الرداء الكذائي لا تجوز الصلاة فيه فيما يرتبط بالستر الواجب و هو ستر العورة فالرداء في الإحرام لا يقاس بالرداء الصلاتي بعد عدم اعتبار الرداء في الصلاة أصلا بل يقاس بالإزار الصلاتى الذي يعتبر ان لا يكون حاكيا و عليه فالأحوط لو لم يكن أقوى هو الاعتبار في الرداء أيضا.

(1) قال في الجواهر: «انّ الظاهر عدم وجوب لبس ثوبين لخصوص الإحرام للمرأة تحت ثيابها و ان احتمله بعض الأفاضل بل جعله أحوط و لكن الأقوى ما عرفت خصوصا بعد عدم شمول النصوص السّابقة للإناث الّا بقاعدة الاشتراك التي يخرج عنها هنا بظاهر النص و الفتوى و اللّٰه العالم».

و ظاهره انّ ظاهر النص و الفتوى هو الاختصاص مع انه لم يصرّح بالاختصاص قبله الّا صاحب الحدائق و الفتاوى في ذلك مطلقة خصوصا مع ملاحظة ان الحكم بوجوب لبس الثوبين في الإحرام قد جعل في عداد النيّة

و التلبية مع وضوح عدم الاختصاص فيهما و عليه فلو كان الأمر الثالث مختصّا بالرجال و مختلفا مع الأمرين الأولين لكان اللازم التنبيه عليه و التصريح بالافتراق و امّا النصوص فهي و ان كان أكثرها بصورة الخطاب للرّاوي الذي هو الرجل الّا ان إلغاء الخصوصية في بعض موارد التصريح بالرجولية كقوله رجل شك بين الثلاث و الأربع- مثلا- يقتضي إلغائها في المقام بطريق اولى خصوصا بعد كون المستحبات المذكورة قبل اللبس كتقليم الأظفار و نتف الشعر و السواك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 256

..........

______________________________

و الاغتسال غير مختصة بالرجال.

و لأجل ذلك صار استظهار صاحب الجواهر- قده- موردا لاستشكال بعض المتأخرين عنه كصاحب المستمسك- قده- و لقد تصدي بعض الاعلام- قدس سره الشريف- لتوجيه كلام صاحب الجواهر و الدفاع عنه بما يرجع محصّله إلى انه لا خلاف و لا إشكال في وجوب أصل اللبس على المرأة في مقابل العري و انه لا يجوز لها الإحرام عارية و ان أمنت النظر كما إذا أحرمت في ظلمة الليل و نحو ذلك و تدل على ذلك عدة من الروايات الآمرة بلبس الثياب على المرأة الحائض أو الدالة على اعتبار ان يكون ثوبها طاهرا و ان تتخذ ثوبا يقي من سراية النجاسة إلى ثيابها التي تحرم فيها و نحو ذلك و امّا وجوب لبس خصوص الإزار و الرداء عليها كالرّجال فليس في البين ما يدل على هذه الخصوصية في حقهنّ أيضا لأنّ مورد ما يدل عليها هو الرجال و لا مجال للاستناد إلى قاعدة الاشتراك للتعميم لأنها انما تجري فيما إذا لم تحتمل الخصوصية و امّا مع احتمالها باعتبار عدم جواز لبس المخيط للرجال و

وجوب التجرد عليهم من الثياب و نحو ذلك و جواز الجميع للنساء فلا مجال لجريان قاعدة الاشتراك و بالجملة بعد انه لا يجوز للمرأة الإحرام عارية يكون وجوب لبس خصوص الثوبين امّا ان يكون مستنده قاعدة الاشتراك التي عرفت عدم جريانها لاحتمال الخصوصية و امّا ان يكون مستنده النصوص و قد عرفت ان مقتضاها وجوب أصل الثياب و امّا كون التعميم مخالفا للفتاوي فلأنها أيضا تدل على جواز لبس المخيط لها و عدم وجوب نزع الثياب عليها بل جوز بعضهم لبس الحرير لها فكلام صاحب الجواهر- قده- في محلّه.

أقول: امّا ما افاده من ان احتمال الخصوصية المتحقق في المقام يمنع عن جريان قاعدة الاشتراك و إلغاء الخصوصية فيرد عليه ما مرّ سابقا من عدم الارتباط بين مسألة لبس الثوبين الذي هو واجب تعبدي شرعي مستقل و محلّه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 257

..........

______________________________

قبل الإحرام الذي يتحقق بالنيّة و التلبية و بين مسألة عدم جواز لبس المخيط على الرجال الذي هو متأخر عن الإحرام و من محرّماته فإذا كان مثل هذا الحكم مختصّا بالرجال فكيف يوجب سراية احتمال الاختصاص بالإضافة إلى الثوبين و اىّ ارتباط بين الأمرين و لكنك عرفت فيما تقدم وقوع الخلط في كلامه- قده- بينهما في موارد متعددة.

و امّا مسألة التجرد التي تقدم البحث عنها فالظاهر انه ليس لعنوانه خصوصية و موضوعية بحيث إذا لم يكن مريد الإحرام لابسا للمخيط قبل الإحرام لكان يجب عليه التجرد أيضا بل الظاهر ان التجرد انما هو بلحاظ كون اللباس الذي عليه مخيطا نوعا فكان اللازم التجرد عنه لئلا يتحقق الإحرام في ثوب مخيط فاختصاص لزوم التجرد لأجل هذه الجهة بالرجال

لا يوجب احتمال الخصوصية في الدليل الدال على لزوم لبس الثوبين و عدم جواز إلغاء الخصوصية خصوصا بعد ما عرفت من اشتراك الأحكام المذكورة قبله بين الرجال و النّساء.

و امّا النصوص فالظاهر انه لا مجال لدعوى كونها في مقام أصل وجوب اللبس خصوصا مثل موثقة يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن الحائض تريد الإحرام قال: تغتسل و تستثفر و تحتشي بالكرسف و تلبس ثوبا دون ثياب إحرامها و تستقبل القبلة و لا تدخل المسجد و تهلّ بالحج بغير الصلاة «1». و رواية زيد الشحام عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سئل عن امرأة حاضت و هي تريد الإحرام فتطمث قال تغتسل و تحتشي بكرسف و تلبس ثياب الإحرام و تحرم فإذا كان الليل خلعتها و لبست ثيابها الأخرى حتى تطهر «2».

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب الثامن و الأربعون ح- 2.

(2) وسائل أبواب الإحرام الباب الثامن و الأربعون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 258

..........

______________________________

فان ظاهرهما بلحاظ التفكيك بين ثياب الإحرام و بين الثوب الذي تلبس دونها أو الثوب الذي تلبسها في الليل بعد خلع ثياب الإحرام ان المراد بها ليس ما تلبسه المرأة حال الإحرام في الحدوث أو في البقاء بل هو الثوب المعهود في باب الإحرام و ليس هو الّا الثوبين المعهودين و عليه فكيف يمكن دعوى كون النصوص واردة في مقام افادة أصل وجوب اللبس و التعبير بالثياب بصيغة الجمع لا يدل على انها غير ثوبي الإحرام بعد ورود مثله في الثوبين بالإضافة إلى الرجال في بعض الروايات أيضا هذا بالنظر الى النصوص نعم ربما يقال بدلالة صحيحة عبد اللّٰه بن

سنان الواردة في كيفية حجة الوداع الدالة على انّه بعد اجتماع الناس في الميقات أمرهم النبي- ص- بنتف الإبط و حلق العانة و الغسل و التجرد في إزار و رداء الحديث. على لزوم الإزار و الرداء على النساء اللاتي كن في جملة الناس المأمورين بذلك لكنه ممنوع بعد ما عرفت من عدم لزوم التجرد على النساء بوجه و اختصاصه بالرجال مضافا الى ان ظاهره الاكتفاء بالإزار و الرداء فقط و لا يجري ذلك في النساء.

و امّا الفتاوى فقد عرفت انها- مضافا الى كونها مطلقة- قد جعلت اللبس في عداد النية و التلبية من واجبات الإحرام و لم تتعرض للفرق بينه و بينهما مع وضوح اشتراكهما و عدم الاختصاص بالرجال مع انه حكى عن نهاية الشيخ- قده- انه قال: ان ما يحرم على الرجال يحرم على النساء المحرمات أيضا و يجب عليهن ما يجب عليهم الّا ما أخرجه الدليل كجواز لبس المخيط و الحرير. الّا ان يقال بكون مورده انّما هو بعد الإحرام و لا يشمل حال الإحرام.

و مع ذلك كلّه فالمسئلة مشكلة جدّا و الأحوط لبس النساء للثوبين أيضا دون ثيابهن في حال النيّة و التلبية و لا مانع من النزع بعد تحقق الإحرام بناء على ما هو مقتضى الفتاوى من عدم لزوم استدامة لبس الثوبين حتى بالإضافة إلى الرجال كما مرّ.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 259

[مسألة 23- الأحوط تطهير ثوبي الإحرام أو تبديلهما إذا تنجّسا بنجاسة غير معفوّة]

مسألة 23- الأحوط تطهير ثوبي الإحرام أو تبديلهما إذا تنجّسا بنجاسة غير معفوّة سواء كان في أثناء الاعمال أم لا و الأحوط المبادرة إلى تطهير البدن أيضا حال الإحرام و مع عدم التطهير لا يبطل إحرامه و لا تكون عليه كفارة (1).

______________________________

(1)

قد عرفت اعتبار طهارة ثوبي الإحرام في حال الإحرام يعني النية و التلبية لصحيحة حريز المتقدمة الدالة على اعتبار ما يكون معتبرا في لباس المصلي في الثوب الذي يحرم فيه لكن ذلك انّما هو بالإضافة إلى الابتداء و امّا بالنسبة إلى الاستدامة فقد احتاط في المتن وجوبا في التطهير أو التبديل إذا تنجّسا بنجاسة غير معفوة و ربما يستدل عليه- مضافا الى ما ورد في الحائض مما يدل على انّها تتخذ ثوبا يقي من سراية النجاسة إلى ثياب إحرامها- بصحيحتين لمعاوية بن عمّار:

إحديهما: ما رواه الصدوق بإسناده عنه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته عن المحرم يصيب ثوبه الجنابة قال: لا يلبسه حتى يغسله و إحرامه تامّ «1». و قد تقدم البحث في مفاد هذه الرواية في مسألة عشرين و استظهرنا ان السؤال و ان كان في نفسه سؤالا عن اصابة الجنابة لثوبي الإحرام بعد تحقق الإحرام الّا ان التعبير في الجواب بقوله: لا يلبسه، ظاهر في انه لم يتحقق اللبس بعد و الّا كان المناسب التعبير بالنزع للتطهير أو التبديل كما ان التعبير بقوله: و إحرامه تام أيضا ظاهر في الابتداء و من الواضح انه لا ملازمة بين اعتباره الطهارة في الابتداء و بين اعتبارها في الاستدامة بعد لزوم اللبس في الأوّل دون الثاني.

ثانيتهما: ما رواه الكليني عنه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه التي أحرم فيها و بين غيرها قال: نعم إذا كانت طاهرة «2».

و الظاهر ان مرجع الضمير في قوله: كانت هو غير ثياب الإحرام الذي جمعه معها

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع و الثلاثون ح- 1.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام

الباب السابع و الثلاثون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 260

[مسألة 24- الأحوط ان لا يكون الثوب من الجلود]

مسألة 24- الأحوط ان لا يكون الثوب من الجلود و ان لا يبعد جوازه ان صدق عليه الثوب كما لا يجب ان يكون منسوجا فيصحّ في مثل اللّبد مع صدق الثوب (1).

______________________________

و قارن بينهما فإذا كانت الطهارة معتبرة فيها ففي ثياب الإحرام بطريق اولى.

ثم ان الوجه في الاحتياط مع وضوح دلالة الرواية هو عدم تعرض الفتاوي لذلك و عدم اعتضاد الرواية بها بالإضافة إلى الاستدامة كما ان الوجه في الاحتياط بالنسبة إلى تطهير البدن الذي يكون لازمة وجوب المبادرة إلى تطهير البدن مع الاحتلام- مثلا- و ان لم تجب المبادرة إلى غسل الجنابة هي الأولوية المتحققة في البدن بالإضافة الى الثوب فإذا كانت الطهارة معتبرة في ثياب الإحرام ففي البدن يكون معتبرا بطريق اولى لكن الظاهر انهم لم يتعرّضوا لاعتبار الطهارة في البدن بالنسبة إلى الابتداء فضلا عن الاستدامة و لا مجال لمقايسة الإحرام مع الصلاة مطلقا بعد وضوح صحة الإحرام مع الجنابة و الحيض و عدم صحة الصلاة معهما.

ثم انه مع عدم تطهير الثوب أو البدن لا يقدح ذلك في صحة الإحرام و لا يوجب بطلانه و لا دليل على ثبوت الكفّارة أيضا.

(1) الظاهر من الروايات المتقدمة الواردة في وجوب اللبس هو اعتبار صدق عنوان الثوب على الإزار و الرداء و ان وقع التعبير في بعضها بنفس العنوانين من دون ذكر الثوب لكن التعبير بثوبي الإحرام أو ثيابه أمر واقع في الفتاوي و النصوص و من الظاهر ان عنوان الثوب يغاير عنوان اللباس مغايرة العموم و الخصوص من وجه فالخاتم ملبوس و لكنه ليس بثوب كما انّ

اللبد لباس و لكنه لم يعلم صدق عنوان الثوب عليه و الملاك هو هذا العنوان و ليس بيان مصاديقه من وظائف الفقيه بل شأنه بيان اعتبار كونه ثوبا فكل مورد أحرز صدق هذا العنوان يجوز الإحرام فيه و كل مورد لم يحرز أو أحرز عدمه لا يجوز الإحرام فيه للزوم إحراز عنوان الثوبيّة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 261

[مسألة 25- لو اضطرّ الى لبس القباء أو القميص لبرد و نحوه]

مسألة 25- لو اضطرّ الى لبس القباء أو القميص لبرد و نحوه جاز لبسهما لكن يجب ان يقلب القباء ذيلا و صدرا و تردّى به و لم يلبسه بل الأحوط ان يقلّبه بطنا و ظهرا، و يجب أيضا ان لا يلبس القميص و تردى به نعم لو لم يرفع الاضطرار الّا بلبسهما جاز (1).

______________________________

(1) لا شبهة في ان موضوع المسألة هو الاضطرار حال الإحرام لأن الكلام في الثوبين اللذين يجب لبسهما في حال الإحرام و لكنه وقع التعبير عنه في الشرائع بقوله: و إذا لم يكن مع الإنسان ثوبا الإحرام و كان معه قباء جاز لبسه مقلوبا بان يجعل ذيله على كتفيه.

و من الظاهر ثبوت الفرق بين التعبيرين فان المفروض في كلام الشرائع عدم كونه واجدا لثوبي الإحرام و اختصاص ثوبه بالقباء و ظاهر المتن ان المفروض هو الاضطرار الى لبس القباء أو القميص لبرد أو نحوه و هو يجتمع مع كونه واجدا للثوبين الّا ان يقال بان ذكر المسألة في ضمن المسائل المتعلقة بلبس الثوبين قرينة على عدم كونه واجدا للثوبين أو لخصوص الرّداء خصوصا مع التعبير بالتردّى بالقباء بعد جعله مقلوبا و كذا التردّي بالقميص.

و كيف كان فقد ذكر في الجواهر عقيب عبارة الشرائع المتقدمة: بلا خلاف أجده في

أصل الحكم بل عن ظاهر التذكرة و المنتهى انه موضع وفاق بل ادّعاه صريحا غير واحد من متأخري المتأخرين.

و امّا الروايات الواردة في المسألة فكثيرة لا بد من ملاحظتها:

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال إذا اضطرّ المحرم الى القباء و لم يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا و لا يدخل يديه في يدي القباء «1».

و الظاهر ان قوله- ع-: و لم يجد ثوبا غيره- اى غير القباء- تفسير للاضطرار المذكور قبله و بيان له لا انه أمر آخر و شرط ثان مذكور في القضية الشرطية بحيث

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الأربعون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 262

..........

______________________________

كان كلا الشرطين مجتمعا دخيلا في ترتب الجزاء و عليه فالمراد بالاضطرار هو عدم وجدان ثوب غير القباء بل المراد بعدم الوجدان المذكور هو عدم وجدان الرداء فقط و ان كان الإزار موجودا نظرا الى ان شأن القباء الذي وضع لأجله هو ستر ما فوق البدن أو عدم وجدان شي ء من الثوبين بلحاظ ان القباء و ان كان لم يوضع لستر العورة و جوانبها الّا انه يسترهما القباء المتعارف أيضا بحيث لا حاجة معه إلى الإزار نوعا و يحتمل ان يكون المراد هو عدم وجدان ثوب زائد على الثوبين المعتبرين في الإحرام و ثبوت الاضطرار الى لبس القباء زائدا عليهما لأجل البرد و المرض و نحوهما.

كما ان الظاهر ان قوله: و لا يدخل يديه في يدي القباء الذي هو تفسير للقلب مرجعه الى قلب الظاهر الباطن و بالعكس لا قلب الصدر ذيلا و بالعكس لأنّه في هذه الصورة يقع فوق القباء تحتا و لا يمكن

ان يدخل يديه في يديه بخلاف قلب الظاهر باطنا فإن إمكانه بمكان من الوضوح. و يحتمل ان يكون المراد النهي عن الإدخال قبل القلب بحيث يكون المراد النهي عن لبسه بالنحو المتعارف و لكنّه بعيد.

و منها: صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: يلبس المحرم الخفين إذا لم يجد نعلين، و ان لم يكن له رداء طرح قميصه على عنقه (عاتقه خ ل) أو قباء (قباه ظ) بعد ان ينكسه «1». و المفروض في الجملة الاولي هو اللبس بعد تحقق الإحرام الذي من محرّماته ستر ظاهر القدم في خصوص الرجال و عليه فلا دلالة لها على الوجوب لوقوعها في مقام توهم الحظر فالمراد هو جواز لبس الخفّين مع عدم وجدان النّعلين.

و امّا الجملة الثانية المفروض فيها عدم كون الرّداء له مع انّ الرداء الواجب

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الأربعون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 263

..........

______________________________

هو حال الإحرام و النية و التلبية فموردها عدم وجدان الرداء حال الإحرام الذي هو محلّ البحث في المقام و التعبير عنه بالاضطرار كما في المتن تبعا لكثير من الروايات الواردة في هذه المسألة انّما هو لأجل كون الحكم الاولى هو الرّداء و مع فقده ينتقل الى القميص أو القباء كما في التيمم بالإضافة إلى الوضوء و بعبارة أخرى لو لم تكن الروايات الواردة في المقام كان مقتضى القاعدة عدم وجوب لبس الرداء و لا شي ء آخر لكونه فاقدا له و المكلف به غير مقدور فيكون معذورا في مخالفة التكليف بوجوب لبس الثوبين خصوصا بعد كونه تكليفا مستقلا و لا يكون دخيلا في صحة الإحرام و

من هذه الجهة يفترق عن مسألة التيمّم و عليه فالقاعدة لا تقتضي الانتقال الى مثل القباء بل تقتضي سقوط التكليف الّا ان الروايات تدل على الانتقال.

و كيف كان فهذه الصحيحة مدلولها انه في حال الإحرام يقوم القميص أو القباء مقام الرداء مع عدم وجدانه فيجب الطرح على العنق و ليس هذه الجملة في مقام توهم الحظر حتى تحمل على الجواز و ان وقع التعبير به في عبارة الشرائع لكن المراد به أيضا الوجوب في هذا الفرض كما في الجواهر.

و امّا قوله- ع-: بعد ان ينكسه فالقدر المتيقن هو الرجوع الى القباء و لا ظهور له في الرجوع الى القميص أيضا و الانصاف ان هذه الرواية ظاهرة الدلالة في المقام خصوصا مع عدم وقوع التعبير بالاضطرار فيها.

و منها: رواية مثنى الحناط التي رواها الكليني عنه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال من اضطرّ الى ثوب و هو محرم و ليس معه الّا قباء فلينكسه و ليجعل أعلاه أسفله و يلبسه «1». قال الكليني: و في رواية أخرى: يقلب ظهره بطنه إذا لم

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الأربعون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 264

..........

______________________________

يجد غيره «1».

و منها: ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث قال: و ان اضطرّ الى قباء من برد و لا يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا و لا يدخل يديه في يدي القباء «2».

و مثلها: رواية علي بن أبي حمزة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- مع التصريح بالمحرم بعنوان الفاعل «3». و قد وقع التقطيع في الرواية السابقة في الوسائل فالمذكور انّما هو ذيلها و امّا

صدرها و وسطها فهما مذكوران في بابين آخرين و هما قوله- ع- في رجل هلكت نعلاه و لم يقدر على نعلين: له ان يلبس الخفّين ان اضطر الى ذلك فيشق (و يشقه خ ل) عن ظهر القدم «4». و قوله- ع-: و ان لبس الطيلسان فلا يزرّه عليه «5». و الظاهر انّ الطيلسان نوع ثالث من الحذاء مغاير للخف و النعل و برزخ بينهما بلحاظ أزراره فإذا شدت يصير مثل الخف من جهة ستر ظاهر القدم و إذا لم تشدّ يصير كالنعل من جهة عدم السّتر لكن المذكور في كتاب الوافي: ان الطيلسان كساء اخضر يلبسه الخواص من المشايخ و هو من لباس العجم معرّب تالشان.

و منها: رواية محمد بن مسلم التي رواها الصدوق بإسناده عنه عن أبي جعفر- عليه السلام- في المحرم يلبس الخف إذا لم يكن له نعل؟ قال نعم لكن يشق ظهر

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الأربعون ح- 4.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الأربعون ح- 5.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الأربعون ح- 6.

(4) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الواحد و الخمسون ح- 3.

(5) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السادس و الثلاثون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 265

..........

______________________________

القدم و يلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء و يقلب ظهره لباطنه «1».

و هذه الرواية مثل رواية عمر بن يزيد المتقدمة الخالية عن عنوان الاضطرار و التعرض لوجوب لبس القباء مع عدم الرداء الظاهر في حال وجوب لبس الثوبين الذي هو حال شروع الإحرام قبل النيّة و التلبية.

و منها: غير ذلك من الروايات المشتملة على المضامين المتقدمة.

إذا

عرفت ذلك فالكلام يقع من جهات:

الجهة الاولى: انه لا شبهة في ان المستفاد من الروايات خصوصا ما وقع فيه التصريح بعدم كونه واجدا للرداء ان القباء أو القميص بدل اضطراري للرداء يقوم مقامه مع عدمه و مرجعه كما عرفت الدم سقوط التكليف بلبس الرداء مع عدمه رأسا بل يتحقق الانتقال الى مثل القباء غاية، الأمر مع التغيير في كيفية لبسه بنحو يأتي البحث عنه إن شاء اللّٰه تعالى و امّا ما يوهمه ظاهر عبارة الشرائع المتقدمة من كون جواز لبس القباء في مورد عدم وجدان الثوبين الإزار و الرداء معا فالظاهر عدم كونه مقصودا له خصوصا مع ما عرفت من تصريح بعض، الروايات بعدم وجدان الرّداء فالظاهر انه لا مجال للشبهة في هذا الكرض في الانتقال و امّا ما افاده صاحب جامع المدارك من ان الذي يظهر من اخبار الباب أن لبس القباء مقلوبا ليس من باب البدلية من ثوبي الإحرام بل النظر الى الترخيص في لبس المخيط الممنوع في حال الإحرام فلا يناسب ذكره في هذا المقام و الشاهد على هذا ترخيص لبس الخفين مع عدم وجدان نعلين فيرد عليه المنع بل الظاهر دلالتها على البدلية

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام أورد صدره في باب 51 ح- 5 و ذيله في باب 44 ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 266

..........

______________________________

الظاهرة في الوجوب و اشتمال الرواية على لبس الخفين مع عدم وجدان نعلين لا يصير قرينة على كون المفروض في الجملة التي موضوعها عدم الرداء مع كونه من ثوبي الإحرام و يعتبر لبسهما في حاله لبس المخيط في حال الإحرام و الترخيص فيه خصوصا مع لزوم رعاية النكس و

القلب فالإنصاف ظهور الروايات في البدلية الاضطرارية.

كما انه لو فرض كونه فاقدا للثوبين معا يتحقق الانتقال، إلى مثل القباء أو القميص الذي يستر ما يستره الثوبان المعهودان لأنّ القباء و كذا القميص المتداول بين الاعراب حتى اليوم كما انه يستر المنكبين كذلك، يستر ما بين السرّة و الركبة فكل منهما يقوم مقام الثوبين و لا دلالة لما ورد فيه الصريح بعدم كونه واجدا للرداء على كونه فاقدا له فقط بل فقدانه يجتمع مع فقدان الإزار أيضا و لعلّه لذا جعل المحقق في الشرائع مفروض المسألة ما عرفت فلا مناقشة في هذا الفرض أيضا و امّا لو فرض كونه فاقدا للإزار فقط دون الرداء من جهة كون المقدار المعتبر في ستر الرداء أقل من المقدار المعتبر في ستر الإزار و الموجود لا يكون وافيا بالثاني فعن المسالك جواز لبس القباء معه أيضا فهل مراده جواز لبسه بنحو يستر المنكبين أيضا فالمفروض ان الرّداء موجود فلا يشابه الفرضين الأولين أو ان مراده جواز لبسه مكان الإزار بحيث يتزر بالقباء فيمكن الموافقة معه نظرا إلى إلغاء الخصوصية من الرواية الدالة على الانتقال الى السراويل مع فقد الأرش و هي صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عنيه السلام- قال: لا تلبس ثوبا له أزرار و أنت محرم الّا ان تنكسه و لا ثوبا تدرعه و لا سراويل الّا ان لا يكون لك إزار و لا خفّين الّا ان لا يكون لك نعلين «1». لكن الأنسب- ح- ذكر السراويل دون القباء و كيف كان

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الخامس و الثلاثون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 267

..........

______________________________

لا وجه للبس

القباء في هذه الصورة بنحو يستر المنكبين أيضا بل الظاهر لزوم الاتزار به مع الانحصار كما صرّح به في محكي كشف اللثام.

ثمّ انه لو فرض كونه واجدا للرّداء و الإزار معا لكنه اضطرّ الى لبس القباء- مثلا- لبرد أو مرض و عدم كونه واجدا للزائد على الثوبين مما يجوز لبسه في حال الاختيار أيضا لما عرفت من ان التحديد بالثوبين انّما هو بالإضافة إلى الأقل و امّا بالنسبة إلى الأكثر فيجوز تعدّد الرداء و الإزار و كيف كان فلو اضطرّ الى لبس مثل القباء زائدا على الثوبين فالظاهر انه يجوز لبسه غاية الأمر بالهيئة المعتبرة في لبسه في الصور المتقدمة و هي المقلوبية و المنكوسية و الدليل عليه بعض الروايات المتقدمة الذي وقع التعبير فيه بكون الاضطرار لأجل البرد كرواية أبي بصير و عليه فيجوز لبس القباء في هذا الفرض أيضا مقلوبا.

الجهة الثانية: انه قد وقع التعبير في الروايات المتقدمة بلزوم لبس القباء مقلوبا و منكوسا و قد وقع في بعضها تفسير النكس بان يجعل أعلاه أسفله كما في رواية مثنى الحناط و في كثير منها تفسير القلب بان يجعل ظهر بطنه و عن ابن إدريس و العلامة في القواعد و الشهيد التصريح بالأوّل بل في محكي المناسك الإجماع على الاجتزاء به و لازمة انه لا قائل بتعيّن الثاني، و عن ابن سعيد تبعا للعلّامة في بعض كتبه الاكتفاء بكل من الأمرين جمعا بين الروايات بالتخيير و قال في الجواهر: و لعلّ الاولى منه الجمع بين الأمرين لعدم المنافاة و قد احتاط في المتن برعاية الهيئة الثانية بعد الفتوى بجواز الاولى و وجوبها.

أقول: ظاهر بعض الروايات المتقدمة عدم إمكان الجمع فإن النهي عن إدخال اليدين

في يدي القباء بعد الحكم بلزوم النكس لا ينطبق الّا على قلب الظهر بطنا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 268

..........

______________________________

و لا ينطبق على جعل الصدر ذيلا فإنه في هذه الحالة لا يمكن إدخال اليدين في يدي القباء حتى يتعلق به النّهى و دعوى كون المراد هو النهي عن الإدخال في حال عدم القلب بحيث يكون تأكيدا للجملة التي قبلها الدالة على لزوم القلب كما احتملناه سابقا مدفوعة بكونها خلاف الظاهر جدّا فان الظاهر كونه حكما آخرا زائدا على أصل لزوم القلب و هو لا ينطبق على جعل أعلاه أسفله و عليه فالجمع غير ممكن و مقتضى القاعدة هو التخيير مع كون الاحتياط في رعاية الاولى و ترك الثانية للإجماع على الاجتزاء بها كما عرفت دعواه من المسالك.

الجهة الثالثة: في ان لزوم القلب و النكس هل يختص بالقباء كما هو مقتضى ظاهر أكثر الروايات المتقدمة أو يعمّ القميص أيضا فيه وجهان بل قولان نسب صاحب المسالك في محكيّه الأول إلى المشهور و يدل عليه ظاهر المتن و لكن قوىّ صاحب الجواهر تبعا للدروس الثاني و هو الظّاهر امّا لان ما ورد في القباء محمول على المثال و المراد منه المخيط في مقابل الرداء الذي يعتبر فيه ان لا يكون مخيطا و امّا لصحيحة عمر بن يزيد عن الصادق- ع- المتقدمة المشتملة على قوله- ع- ان لم يكن معه رداء طرح قميصه على عنقه (عاتقه خ) أو قباء (قباه ظ) بعد ان ينكسه «1» نظرا الى رجوع القيد الى كلا الأمرين و ثبوت الظهور من هذه الجهة في البين كما لا تبعد دعواه أو الى انّ القيد و ان لم يكن

ظاهرا في ذلك الّا ان وجوده يمنع عن ثبوت الإطلاق بالإضافة إلى القميص لانه يوجب الإجمال نظرا الى اشتمال الكلام على ما يصلح للقرينية و مع الإجمال لم ينهض دليل على كون القميص بدلا اضطراريا عن

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الأربعون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 269

[مسألة 26- لو لم يلبس ثوبي الإحرام عالما عامدا، أو لبس المخيط حين إرادة الإحرام]

مسألة 26- لو لم يلبس ثوبي الإحرام عالما عامدا، أو لبس المخيط حين إرادة الإحرام عصى لكن صحّ إحرامه، و لو كان ذلك عن عذر لم يكن عاصيا أيضا (1).

______________________________

الرداء مطلقا بل القدر المتيقن هي بدليته في حال لبسه مقلوبا و منكوسا فاللازم بمقتضى الاحتياط رعاية تغيير الهيئة فيه أيضا كالقباء.

و امّا لصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة المشتملة على قوله- ع- لا تلبس ثوبا له أزرار و أنت محرم الّا ان تنكسه الحديث «1». فانّ مقتضى إطلاق الثوب الشمول للقميص فتدل الرواية على لزوم رعاية النكس فيه أيضا و عليه فالظاهر ما قواه في الجواهر.

الجهة الرّابعة: في انه لا تجب الكفارة في لبس القباء أو القميص مقلوبا في موارد مشروعيته لان الظاهر بمقتضى ما عرفت كونه بدلا اضطراريا عن ثوبي الإحرام أو أحدهما و عليه فاللازم لبس مثل القباء كذلك و لا يجتمع اللزوم و الوجوب مع الكفارة نعم لو لم يغير الهيئة و لبس القباء بالكيفية المتعارفة من دون نكس و من دون اضطرار الى لبسه كذلك فالظاهر هو الوجوب.

و امّا لو اضطر الى لبسه بالنحو المتعارف فلا إشكال في الجواز و المشروعية و امّا الكفارة فيأتي البحث فيها إن شاء اللّٰه تعالى و ان كان يشعر المتن هنا بالعدم كما لا يخفى.

(1) قد مرّ البحث

في هذه المسألة مفصّلا و عرفت ان عدم لبس ثوبي الإحرام أمر و لبس المخيط حين إرادة الإحرام أمر آخر و ان لبس الثوبين المعهودين واجب مستقل غير دخيل في صحة الإحرام و لا يكون الإخلال به عن علم و عمد موجبا

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الخامس و الثلاثون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 270

[مسألة 27- لا يشترط في الإحرام الطهارة من الحدث الأصغر و لا الأكبر]

مسألة 27- لا يشترط في الإحرام الطهارة من الحدث الأصغر و لا الأكبر فيجوز الإحرام حال الجنابة و الحيض و النفاس (1).

______________________________

لبطلان الإحرام و لا يترتب عليه الّا العصيان و استحقاق العقوبة كما ان لبس المخيط حال الإحرام أيضا لا يكون قادحا في صحته و يدل عليه مثل صحيحة معاوية بن عمار و غير واحد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في رجل أحرم و عليه قميصه فقال ينزعه و لا يشقه، و ان كان لبسه بعد ما أحرم شقّه و أخرجه ممّا يلي رجليه. و مقتضى إطلاقه الشمول للعالم العامد و قد عرفت انه لا يصلح بعض الروايات التي ربّما يتخيل كونها مقيدة لأن يكون كذلك فراجع.

(1) قد مرّ اعتبار الطهارة في الثوبين حال إرادة الإحرام بل حال استدامته و مقتضى الأولوية اعتبار طهارة البدن أيضا و ان لم يكن عليه دليل خاص و امّا الطهارة من الحدث الأصغر و الأكبر فلم يقم على اعتبارها دليل و لا يظهر من الفتاوي أيضا بل مقتضى النصوص الكثيرة الواردة في إحرام الحائض عدم كون الحيض مانعا عن الإحرام كما ان الروايات الواردة في إحرام النفساء التي منها ما تقدمت في روايات حجة الوداع الحاكية لنفاس أسماء بنت عميس بعد ولادة محمد بن

أبي بكر عدم كون النفاس أيضا كذلك و عليه فيتحقق الفرق في باب الإحرام بين الطهارة من الحدث و بين الطهارة من الخبث باعتبار الثاني دون الأوّل هذا تمام الكلام في واجبات الإحرام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 271

القول في تروك الإحرام

اشارة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 273

القول في تروك الإحرام و المحرّمات منه أمور (1).

______________________________

(1) قد ظهر ممّا ذكرنا في بحث واجبات الإحرام وجود الفرق بين الواجبات المضافة إلى الإحرام و بين المحرمات المضافة إليه من جهة انّ الموضوع للمحرمات الذي يتقدم عليها رتبة تقدم الموضوع على الحكم انّما هو عنوان المحرم مطلقا أو المحرم الرجل أو المحرم المرأة ضرورة انّ المحرم يحرم عليه الصيد و الجماع و التظليل و أمثالها فعنوان المحرم بالإضافة إليها كعنوان الزوج و الزوجة بالإضافة إلى الأحكام الواجبة أو المحرمة أو غيرهما فان الزوج يجب عليه إنفاق الزوجة- مثلا- و الزوجة يجب عليها إطاعة الزوج في الاستمتاع و التمكين منه. و امّا الواجبات المضافة إلى الإحرام فقد عرفت انّها عبارة عن أمور ثلاثة: النية و التلبية و لبس الثوبين و الاولى فقط أو بضميمة الثانية دخيلة في ماهية الإحرام التي هو أمر اعتباري اعتبره الشارع بعدها فالإحرام متأخر عنها أو عنهما و الارتباط بينهما كارتباط عقد النكاح مع الزوجية فإنّها تعتبر عند العقلاء و الشارع بعد العقد و تكون متأخرة عنه طبعا و عليه فالنية و التلبية متقدمتان على اعتبار الإحرام نعم قد مرّ ان المستفاد من بعض الروايات ان النية مؤثرة في حدوث الإحرام و تحققه و التلبية مؤثرة في لزومه و عدم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

الحج، ج 3، ص: 274

[التاسع عشر: التظليل فوق الرأس للرجال دون النساء]

اشارة

التاسع عشر: التظليل فوق الرأس للرجال دون النساء فيجوز لهنّ بايّة كيفيّة، و كذا جاز للأطفال، و لا فرق في التظليل بين كونه في المحمل المغطّى فوقه بما يوجبه أو في السّيارة و القطار و الطائرة و نحوها المسقفة بما يوجبه و الأحوط عدم الاستظلال بما لا يكون فوق رأسه كالسّير على جنب المحمل أو الجلوس عند جدار السفينة و الاستظلال بهما و ان كان الجواز لا يخلو عن قوة (1).

______________________________

جواز نقضه و كيف كان فمعنى وجوب النية على المحرم ليس وجوبها عليه بعد تحقق الإحرام كما في محرّماته.

و كذا لبس الثوبين فإنه و ان كان واجبا مستقلا في حال شروع الإحرام و إنشائه و لا يكون دخيلا في ماهيته بوجه كما تقدم تحقيقه الّا ان اللازم وقوع النية و التلبية حال اللبس فهو متقدم عليهما فضلا عن الإحرام المتأخر عنهما.

ثم انه حيث يكون بعض محرمات الإحرام كالتظليل مما يكثر الابتلاء به سيّما في هذه الأزمنة التي يكون الركوب في السيّارة و الطيّارة و نحوهما. فرأينا تقديم البحث عنه على سائر المحرّمات خصوصا مع الاختلاف في جوازه في الليل و عدمه فيه أيضا و في بعض الجهات الأخر فالبحث فعلا في التظليل الذي جعله في المتن الأمر التاسع عشر من الأمور المحرّمة على المحرم و بعد تمامية البحث عنه و عن مسائله مطابقا لما في المتن نرجع الى الترتيب المذكور فيه من الأول إن شاء اللّٰه تعالى فنقول:

(1) يقع الكلام في هذا الأمر من جهات:

الجهة الأولى: أصل حرمة التظليل على المحرم في الجملة فالمحكي عن الدروس و غيرها انه المشهور بل عن الانتصار و الخلاف و المنتهي و التذكرة الإجماع

عليه و لم يحك الخلاف الّا عن ابن الجنيد الإسكافي حيث قال: «يستحب للمحرم ان لا يظلّل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 275

..........

______________________________

على نفسه لأنّ السنّة بذلك جرت فان لحقه عنت أو خاف من ذلك فقد روي عن أهل البيت- عليهم السلام- جوازه و روى أيضا انه يفدي عن كلّ يوم بمدّ، و روي في ذلك اجمع دم، و روى لإحرام المتعة دم و لإحرام الحج دم آخر».

و لا يخفى ان تفريع الجواز فيما لو لحقه عنت أو خاف من ذلك، على الاستحباب المذكور قبله شاهد على كون المراد به هو الوجوب و عدم جواز التظليل و الّا لا يلائم مع التفريع المذكور كما لا يخفى.

ثمّ انه قد ورد في حرمة التظليل طوائف مختلفة من الاخبار من جهة العناوين المأخوذة فيها و اللازم ملاحظتها لكن هنا ثلاث روايات ربما يتوهم منها الدلالة على الجواز لا بد من التعرض لها أوّلا فنقول:

الأولى: صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد الهّٰر- عليه السلام- عن المحرم يركب في القبّة قال: ما يعجبني الّا ان يكون مريضا قلت فالنساء؟ قال: نعم «1». لكن ظهور قوله- ع-: ما يعجبني في الكراهة و عدم الحرمة خصوصا مع كون السؤال عن أصل الجواز و خصوصا مع الروايات المستفيضة الآتية الظاهرة في الحرمة و عدم الجواز في مقابل العامّة القائلين بالجواز ممنوع جدّا.

الثانية: صحيحة جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال لا بأس بالظلال للنّساء و قد رخّص فيه للرّجال «2».

و الظاهر ان قوله- ع- و قد رخص .. بعد الحكم بنفي البأس للنّساء شاهد على عدم جوازه للرجال مطلقا و الّا كان المناسب عطفهم

عليها من دون تغيير في التعبير

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الستون ح- 2.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الستون ح- 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 276

..........

______________________________

مع ان التعبير بالترخيص يلائم الحكم الثانوي الثابت في مورد الاضطرار و نحوه و عليه فكلمة «قد» للدلالة على الترخيص في بعض الموارد و ان كان مدخولها الفعل الماضي.

الثالثة: صحيحة علي بن جعفر قال سألت أخي- عليه السلام- أظلّل و انا محرم؟ فقال نعم و عليك الكفّارة قال- يعني الراوي عن علي بن جعفر و هو موسى بن القاسم- فرأيت عليّا إذا قدم مكّة ينحر بدنة لكفارة الظلّ «1».

و حيث ان مورد السؤال هو تظليل شخص الراوي لا عنوان المحرم مطلقا فيمكن ان يكون الحكم بالجواز لأجل الخصوصية الموجودة فيه من المرض و غيره مع ان الحكم بوجوب الكفارة لا يلائم مع الجواز بحسب الحكم الاوّلي فإنه لو كان التظليل جائزا ذاتا في حال الإحرام كسائر الأمور المباحة لا يبقي مجال لوجوب الكفارة عليه نعم يجتمع ذلك مع الجواز بحسب الحكم الثانوي كاجتماع الحكم بالضمان مع جواز إتلاف مال الغير لأجل الضرورة كحفظ النفس من التلف و عليه فنفس الحكم بوجوب الكفارة شاهد على عدم كون الجواز انّما هو بنحو الإطلاق و بالإضافة إلى المحرم في جميع الحالات.

و قد ظهر انه لا يصلح شي ء من الروايات المتقدمة للاستدلال بها على نفي أصل الحكم و جواز التظليل فاللازم ملاحظة الروايات الكثيرة الدالة على النهي و هي على طوائف:

الطّائفة الأولى: ما تدلّ بظاهرها على النهي عن عنوان التظليل مثل:

صحيحة ابن المغيرة قال: قلت لأبي الحسن الأوّل- عليه السلام- أظلّل و

انا محرم؟ قال: لا، قلت أ فأظلّل و أكفّر.

______________________________

(1) وسائل أبواب بقية كفارات الإحرام الباب السادس ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 277

..........

______________________________

قال: لا، قلت فان مرضت؟ قال: ظلّل و كفّر ثم قال: اما علمت ان رسول اللّٰه- ص- قال ما من حاجّ يضحي ملبّيا حتّى تغيب الشمس الّا غابت ذنوبه معها «1». و الاستشهاد بقول الرسول- ص- مع انه غير ظاهر في نفسه في وجوب الاضحاء و عدم جواز التظليل لأن غاية مفاده ترتب غيبوبة الذنوب على الاضحاء لا مطلقا بل مع ضم التلبية و ترتب ذلك لا يدل على الوجوب يدل على كون مراده- ص- هو الوجوب فتدبّر.

و يمكن ان لا يكون الاستشهاد به مرتبطا بالجملتين الأوليين الدالتين على عدم جواز التظليل و لو مع التكفير بل مرتبطا بالجملة الأخيرة الدالة على جواز التظليل مع الكفارة في حال المرض نظرا الى ان المرض و ان كان ترتفع به الحرمة و يصير التظليل جائزا- ح- الّا ان الإتيان به يوجب عدم ترتب الأثر الكثير المترتب على عدم التظليل و هو غيبوبة الذنوب كلّها و كيف كان فلا مناقشة في دلالة صدر الرواية على حرمة التظليل بعنوانه.

و موثقة إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن- عليه السلام- قال سألته عن المحرم يظلل عليه و هو محرم قال: لا الّا مريض أو من به علّة و الذي يطيق حرّ الشمس «2».

و يحتمل بعيدا ان يكون قوله: يظلّل عليه مبنيا للمفعول و بصيغة المجهول.

و رواية محمّد بن منصور التي هي مضمرة على نقل الشيخ و غير مضمرة على نقل الكليني بل منقولة عن أبي الحسن- عليه السلام- قال سألته عن الظلال للمحرم

قال لا يظلّل الّا من علة أو مرض «3».

و مرسلة عثمان بن عيسى عن بعض أصحابه قال: قال أبو يوسف للمهدي

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرّابع و الستون ح- 3.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرّابع و الستون ح- 7.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرّابع و الستون ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 278

..........

______________________________

و عنده موسى بن جعفر- عليهما السلام- أ تأذن لي ان اسئله عن مسائل ليس عنده فيها شي ء؟ فقال له: نعم، فقال لموسى بن جعفر- ع- أسألك؟ قال: نعم قال: ما تقول في التظليل للمحرم؟ قال: لا يصلح قال: فيضرب الخباء في الأرض و يدخل البيت؟ قال: نعم، قال فما الفرق بين هذين؟ قال أبو الحسن- ع- ما تقول في الطامث؟ أ تقضى الصلاة قال لا: قال فتقضي الصوم؟ قال: نعم قال: و لم؟ قال هكذا جاء فقال أبو الحسن- ع- و هكذا جاء هذا فقال المهدي لأبي يوسف ما أراك صنعت شيئا قال: رماني بحجر دامغ «1». و الدامغ بمعنى الكسر و أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة و هو أوّل من لقب ب «قاضى القضاة» بل قيل انه أول من صنف في أصول الفقه على مبنى أستاذه، و المهدي هو المهدي العباسي والد هارون الرشيد.

و مثلها رواية محمد بن الفضيل قال: كنّا في دهليز يحيى بن خالد بمكّة و كان هناك أبو الحسن موسى- عليه السلام- و أبو يوسف فقام إليه أبو يوسف و تربّع بين يديه فقال يا أبو الحسن جعلت فداك المحرم يظلل؟ قال: لا قال فيستظلّ بالحدار و المحمل و يدخل البيت و الخباء؟ قال: نعم قال: فضحك أبو

يوسف شبه المستهزئ فقال له أبو الحسن- ع- يا أبا يوسف انّ الدين ليس بقياس كقياسك و قياس أصحابك، انّ اللّٰه- عزّ و جلّ- أمر في كتابه بالطلاق و أكدّ فيه شاهدين و لم يرض بهما الّا عدلين، و أمر في كتابه بالتزويج و أهمله بلا شهود، فأتيتم بشاهدين فيما أبطل اللّٰه، و أبطلتم شاهدين فيما أكدّ اللّٰه- عزّ و جلّ- و أجزتم طلاق المجنون و السّكران، حجّ رسول اللّٰه- ص- فأحرم و لم يظلّل، و دخل البيت و الخباء و استظلّ بالمحمل

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السادس و السّتون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 279

..........

______________________________

و الجدار فقلنا (فعلنا خ ل) كما فعل رسول اللّٰه- ص- فسكت «1».

و يبعد تعدّد الواقعة و ان كان ظاهر الرّوايتين هو التعدد.

و رواية بكر بن صالح قال كتبت الى أبي جعفر الثاني- ع- انّ عمّتي معي و هي زميلتي و يشتدّ عليها الحرّ إذا أحرمت افترى أن أظلّل علىّ و عليها؟

فكتب- ع- ظلّل عليها وحدها «2».

و رواية الطبرسي في الاحتجاج قال سئل محمد بن الحسن أبا الحسن موسى بن جعفر- عليهما السلام- بمحضر من الرشيد و هم بمكّة فقال له: أ يجوز للمحرم ان يظلّل عليه محمله؟ فقال له موسى- ع- لا يجوز ذلك له مع الاختيار، فقال له محمد بن الحسن: أ فيجوز ان يمشي تحت الظلال مختارا؟ فقال له: نعم، فتضاحك محمد بن الحسن من ذلك، فقال له أبو الحسن- عليه السلام- أ تعجب من سنّة النّبي- ص- و تستهزئ بها؟ ان رسول اللّٰه- ص- كشف ظلاله في إحرامه، و مشى تحت الظّلال و هو محرم، انّ احكام

اللّٰه يا محمد لا يقاس فمن قاس بعضها على بعض فقد ضل سواء السبيل فسكت محمد بن الحسن لا يرجع جوابا «3». و الظاهر ان المراد من محمد بن الحسن هو محمد بن الحسن الشيباني الذي كان فقيه العراق و هو الّذي قال في حقه الشافعي: كتبت من كتب الشيباني حمل بعير.

الطائفة الثانية: ما ظاهره النهى عن الاستظلال بعنوانه مثل:

رواية الحسين بن مسلم عن أبي جعفر الثاني- عليه السلام- انه سئل ما فرق بين الفسطاط و بين ظلّ المحمل؟ فقال لا ينبغي ان يستظلّ في المحمل و الفرق بينهما انّ المرأة تطمث في شهر رمضان فتقضي الصيام و لا تقضي الصلاة قال: صدقت

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السادس و السّتون ح- 2.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثامن و السّتون ح- 1.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السادس و السّتون ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 280

..........

______________________________

جعلت فداك «1». قال الصدوق: يعني انّ السنّة لا يقاس.

و رواية جعفر بن محمد المثنى الخطيب عن محمد بن الفضيل و بشير (بشر خ ل) بن إسماعيل قال: قال لي محمد: إلا أسرّك (أبشرك خ ل) يا بن مثنى؟

فقلت: بلى فقمت اليه فقال: دخل هذا الفاسق آنفا فجلس قبالة أبي الحسن- ع- ثم اقبل عليه فقال يا أبا الحسن ما تقول في المحرم يستظلّ على المحمل؟ فقال له:

لا قال فليستظلّ في الخباء؟ فقال له نعم فأعاد عليه القول شبه المستهزئ يضحك يا أبا الحسن فما فرق بين هذا؟ فقال يا أبا يوسف انّ الدين ليس بقياس كقياسكم أنتم تلعبون، انّا صنعنا كما صنع رسول اللّٰه- ص- و قلنا كما قال رسول

اللّٰه- ص- كان رسول اللّٰه- ص- يركب راحلته فلا يستظلّ عليها و تؤذيه الشمس فيستر بعض جسده ببعض و ربما يستر وجهه بيده، و إذا نزل استظلّ بالخباء و في البيت و بالجدار «2». و الظاهر انّ هذه الواقعة هي الواقعة التي تقدم فيها الروايتان في الطائفة الاولى و لا تكون واقعة اخرى.

و رواية الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد اللّٰه بن جعفر الحميري انه سئل- يعني صاحب الزّمان (عجّ)- عن المحرم يستظلّ من المطر بنطع أو غيره حذرا على ثيابه و ما في محمله ان يبتل فهل يجوز ذلك؟ الجواب: إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه فعليه دم «3». و ظاهرها الحرمة في صورة الاختيار على ما يستفاد من الحكم بوجوب الكفارة عليه.

و مرسلة العباس بن معروف عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه- ع- (الرّضا- ع- خ ل) قال سألته عن المحرم له زميل فاعتلّ فظلّل على رأسه، أ له ان

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السادس و السّتون ح- 3.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السادس و السّتون ح- 1.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع و السّتون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 281

..........

______________________________

يستظلّ؟ فقال: نعم «1». و الظاهر ان مورد السؤال هو الزميل المعتل لا المحرم غيره و عليه فالسؤال بنفسه يكشف عن مفروغية عدم جواز الاستظلال مع عدم الاعتلال و وجود الاختيار.

و رواية عبد الرحمن بن الحجّاج قال سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن الرجل المحرم كان إذا أصابته الشمس شقّ عليه و صدع فيستتر منها فقال هو اعلم بنفسه إذا علم انه لا يستطيع ان تصيبه الشمس فليستظلّ منها

«2».

الطائفة الثالثة: ما ظاهره النهى عن عنوان الاستتار عن الشمس مثل:

رواية إسماعيل بن عبد الخالق قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- هل يستتر المحرم من الشمس؟ فقال: لا الّا ان يكون شيخا كبيرا أو قال: ذا علة «3».

و رواية سعيد الأعرج انه سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن المحرم يستتر من الشمس بعود و بيده؟ قال: لا الّا من علة «4» قال صاحب الوسائل بعد نقل الرواية:

هذا محمول على الكراهة في اليد.

و رواية المعلّى بن خنيس عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: لا يستتر المحرم من الشمس بثوب، و لا بأس ان يستر بعضه ببعض «5». و قرينة المقابلة تقتضي ان لا يكون للثوب خصوصية بل المراد به غير أعضاء البدن خصوصا مع ذكر العود في الرواية المتقدمة.

و صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: لا بأس ان

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثامن و السّتون ح- 2.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و السّتون ح- 6.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و السّتون ح- 9.

(4) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع و السّتون ح- 5.

(5) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع و السّتون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 282

..........

______________________________

يضع المحرم ذراعه على وجهه من حرّ الشمس، و لا بأس ان يستر بعض جسده ببعض «1». و المتفاهم منها عرفا عدم جواز الاستفادة من غير أبعاض الجسد لأجل حرارة الشمس.

الطّائفة الرّابعة: ما ظاهره النهى عن مثل عنوان الركوب في القبة أو الكنيسة مثل:

صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما- عليهما السلام- قال سألته عن المحرم يركب القبّة؟ فقال: لا

قلت: فالمرأة المحرمة؟ قال: نعم «2».

و صحيحة هشام بن سالم قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن المحرم يركب في الكنيسة؟ قال: لا و هو في النّساء جائزة.

و رواية قاسم (ابن خ ل) الصيقل قال: ما رأيت أحدا كان أشد تشديدا في الظلّ عن أبي جعفر- عليه السلام- كان يأمر بقلع القبّة و الحاجبين إذا أحرم «3».

فإن المستفاد مفروغية ثبوت المحدودية للرجل المحرم بالإضافة إلى الظلّ و القدر المسلّم هي القبة غاية الأمر انّ أبا جعفر- ع- كان لأجل الأشدية في هذه الجهة يأمر بقلع الحاجبين أيضا اللذين يحجبان من أحد الجانبين حين سير المحمل.

و صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال لا بأس بالقبّة على النساء و الصبيان و هم محرمون الحديث «4». و ظهورها في الحرمة على الرجال المحرمين لا مناقشة فيه.

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الخامس و السّتون ح- 1.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع و السّتون ح- 3.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و السّتون ح- 1.

(4) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الستون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 283

..........

______________________________

الطّائفة الخامسة: ما يدلّ بظاهره على الأمر بالاضحاء مثل:

رواية عثمان بن عيسى الكلابي قال قلت لأبي الحسن الأوّل- عليه السلام- ان علىّ بن شهاب يشكو رأسه و البرد شديد و يريد ان يحرم، فقال: ان كان كما زعم فليظلّل، و امّا أنت فاضح لمن أحرمت له «1».

قال في الوافي بعد نقل الرواية: «فاضح لمن أحرمت له في الصّحاح: يرويه المحدّثون بفتح الالف و كسر الحاء، و قال الأصمعي انّما هو بكسر الالف و فتح الحاء من ضحيت اضحى

لأنه إنما أمره بالبروز للشمس و منه قوله تعالى وَ أَنَّكَ لٰا تَظْمَؤُا فِيهٰا وَ لٰا تَضْحىٰ».

و صحيحة حفص بن البختري و هشام بن الحكم جميعا عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال انه يكره للمحرم ان يجوز ثوبه انفه من أسفل و قال اضح لمن أحرمت له «2».

و رواية عبد اللّٰه بن المغيرة قال سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن الظلال للمحرم فقال: اضح لمن أحرمت له قلت انى محرور و انّ الحرّ يشتدّ علىّ فقال: اما علمت ان الشمس تغرب بذنوب المجرمين «3». و هذه الرواية تؤيد الاحتمال الثاني من الاحتمالين اللذين ذكرناهما في الرواية الاولى من الطائفة الاولى فتدبّر.

و المستفاد من مجموع الروايات انه لا تنبغي المناقشة في أصل الحكم بنحو الإجمال الذي كان هو المقصود في الجهة الأولى.

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الستون ح- 13.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الواحد و الستون ح- 2.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرّابع و السّتون ح- 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 284

..........

______________________________

الجهة الثانية: في اختصاص الحكم بالرجل المحرم و عدم شموله للنساء و كذا للصبيان و قد وقع التصريح بذلك في جملة من الروايات المتقدمة كصحيحة محمد بن مسلم المذكور في الطائفة الرابعة و رواية جميل بن دراج التي توهم دلالتها على الجواز للرجال أيضا و قد تقدم منعه و صحيحة هشام بن سالم المذكورة في الطائفة الرابعة أيضا و غيرها فلا مجال للارتياب في الاختصاص بالرجال.

الجهة الثالثة: في ما تعرض له في المتن في ذيل هذا الأمر و هو انّه هل يجوز الاستظلال بما لا يكون فوق الرأس كالاستظلال من أحد الجانبين في

المحمل أو في السفينة أو في السّيارة في زماننا هذا مع عدم السقف لشي ء منها أو يحرم هذا النحو أيضا من الاستظلال في حال السير و الحركة فالمحكي عن الخلاف و المنتهي جوازه بل في الثاني نسبته الى جميع أهل العلم قال: «و إذا نزل جاز أن يستظلّ بالسقف و الحائط و الشجرة و الخباء و الخيمة، فإن نزل تحت شجرة طرح عليها ثوبا يستتر به، و ان يمشي تحت الظلال، و ان يستظلّ بثوب ينصبه إذا كان سائرا و نازلا، لكن لا يجعله فوق رأسه سائرا خاصة لضرورة أو غير ضرورة عند جميع أهل العلم» و في العبارة و ان كان تشويش لان المفروض في أوّل الكلام صورة النزول و هو لا يجتمع مع الذيل الدالّ على جواز الاستظلال بثوب ينصبه سائرا و نازلا الّا انه لا مجال للمناقشة في دلالتها على الجواز فيما إذا لم يكن فوق رأسه و قد وقع التعبير بالفوق في المتن في أوّل الأمر و لا يبعد ان يكون مثل تعبير المحقق في الشرائع بقوله: تظليل المحرم عليه ناظرا إلى الفوقية لظهور كلمة «على» فيها و كيف كان فما استدل به

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 285

..........

______________________________

على الجواز مضافا الى الأصل و دعوى الإجماع بل فوقه المتقدمة في كلام المنتهى صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال سمعت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- يقول لأبي و شكا اليه حرّ الشمس و هو محرم و هو يتأذّى به فقال: ترى ان استتر بطرف ثوبي؟ قال لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك «1». و لعلّ الاستدلال بها مبني على ان المراد بإصابة الرأس هو وقوع

طرف الثوب فوق الرأس فتدل الصحيحة على نفي البأس مع عدم وقوعه فوقه مع انه من الواضح انّ الإصابة تغاير الفوقية و المقصود من الإصابة هي تحقق ستر الرأس بذلك الذي هو محرّم آخر على الرجل المحرم غير التظليل المحرّم عليه و عليه فالمراد من عدم البأس هو عدم البأس مطلقا بالإضافة الى ما هو محل البحث من دون فرق بين الفوق و غيره و لا بد- ح- من ان يقال بكون مورد الرّواية صورة الضرورة كما في الوسائل و غيرها و لا ترتبط بالمقام هذا و ربما يقال ان الفوقية مأخوذة في مفهوم التظليل المحرّم على الرجال و لكنه ممنوع و سيأتي تحقيقه إن شاء اللّٰه تعالى.

و امّا ما يستفاد منه المنع فعدّة أمور:

منها: إطلاق أدلة حرمة الاستتار عن الشمس خصوصا ما وقع فيه المقابلة بين الاستتار عنها بثوب و نحوه و بين ستر بعض الجسد بعضا مثل رواية المعلّى بن خنيس المتقدمة في الطائفة الثالثة فإنه- مضافا الى ان مقتضى إطلاق الاستتار عن الشمس بثوب و نحوه هو الاستتار عنها بالإضافة الى أحد الجانبين لعدم كون الشمس واقعة في الفوق في جميع أزمنة النهار- ان تعارف ستر الوجه باليد كما عرفت ان رسول اللّٰه- ص- ربما يستره بها يؤيد شمول الإطلاق لهذه الصّورة لأن ستر الوجه باليد انما يكون نوعا مع كون الشمس في أحد الجانبين.

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع و السّتون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 286

..........

______________________________

و منها: إطلاق أدلّة وجوب الاضحاء خصوصا ما اشتمل منها على التعليل بان الشمس تغرب بذنوب المجرمين الظاهرة في لزوم الاضحاء الى غروب الشمس مع انّها لا

تكون فوق الرأس إلى الغروب بل في أحد الجانبين و هذا لا يفرّق فيه بين ان يكون التعليل راجعا الى المنع في صورة الاختيار و عدم الضرورة كما ربما يحتمل في بعض الروايات أو الى الجواز عند الضرورة و الاشتداد كما هو ظاهر رواية ابن المغيرة المتقدمة في هذه الطائفة.

نعم ربما يجعل خلو اخبار التكفير مع التظليل للضرورة عما لا يكون فوق الرأس دليلا على المنع أيضا لأنه لو كان جائزا اختيارا وجب الاقتصار عليه إذا اندفعت به الضرورة.

و لكن يدفعه- كما في الجواهر- انّ محطّ النظر في اخبار التكفير انّما هو بيان ثبوت الكفارة في التظليل المحرّم الذي يجب ان يجتنبه المحرم في حال الاختيار و اما في أيّ محلّ يكون محرّما و مع أية كيفية فلا دلالة لهذه الاخبار عليه أصلا.

و على ما ذكرنا فاللازم الالتزام بالحرمة مطلقا سواء كان فوق الرأس أو أحد الجانبين نعم هنا روايتان جعلهما صاحب الجواهر- قده- موميا الى الكراهة أو شاهدا عليها:

إحديهما: رواية قاسم الصيقل المتقدمة في روايات الطائفة الرابعة نظرا الى ان تشديد أبي جعفر- ع- في الظلّ و امره بقلع القبة و الحاجبين ظاهر في الزيادة على الواجب و انه كان المفروغ عنه عند الراوي ان الواجب هو قلع القبة دون الحاجبين اللذين عرفت ان المراد بهما هما الساتران من جانبي المحمل بل جعل صاحب الجواهر هذه المفروغية شاهدة على صحة الإجماع الذي ادّعاه العلامة و قيد به الإطلاقات المتقدمة المانعة عن الاستتار أو الآمرة بالاضحاء.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 287

..........

______________________________

و لكن: يرد عليه ان الرواية لا تكون معتبرة من حيث السند لأنّ قاسم الصيقل بهذا العنوان أو مع

وقوع «الابن» بينهما لا يكون موردا للتوثيق الخاص و لا لتوثيق العام كالوقوع في اسناد كتاب «كامل الزيارات» أو كتاب «تفسير على بن إبراهيم» فلا مجال للاعتماد عليه في تقييد تلك الإطلاقات الكثيرة و ان كان لا محيص عن التقييد لو فرض اعتبارها لعدم تحقق التنافي العرفي و التعارض العقلائي بين المطلق و المقيد بوجه كما قد حقق في محلّه.

ثانيتهما: صحيحة سعيد الأعرج المتقدمة في روايات الطائفة الثالثة الدالة على النهى عن الاستتار من الشمس بعود و بيده الّا من علّة و قد عرفت ان صاحب الوسائل حملها على الكراهة بالإضافة إلى اليد و لعلّ وجهه دلالة بعض الروايات المتقدمة على انه- ص- ربما يستر وجهه بيده و قد عرفت ان المتعارف في التظليل في ستر بعض البدن البعض هو ستر الوجه باليد هذا و لكن- بعد توجيه الكراهة في عمل الرّسول- ص- بأنه لعلّه كان لإزالة شبهة الحرمة و دفع توهم ان حرمة التظليل شاملة لهذا القسم منه و عليه فمقتضى القاعدة الصدور أحيانا لا مستمرا و لعلّه يدل عليه كلمة «ربما» في الرواية الحاكية لعمل الرسول بناء على ان يكون مفاده التقليل لا التكثير كما ربما يؤيده نفي البأس عن ستر الوجه بالذراع كما في بعض الروايات المتقدمة و هي صحيحة معاوية بن عمار المذكورة في الطائفة الثالثة.

نقول ان حمل الرواية على الكراهة بالإضافة إلى اليد لا يصير قرينة على حملها عليها بالنسبة إلى العود أيضا بل الظاهر حفظ ظهور النهي في الحرمة فيه خصوصا بعد إطلاق عنوان الاستتار المحرّم و إلغاء الخصوصية عن الاستتار بالثوب المحرّم أيضا و انه لا خصوصية للثوب و تؤيده المقابلة بينه و بين أبعاض الجسد كما لا

يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 288

[مسألة 37- حرمة الاستظلال مخصوصة بحال السّير و طيّ المنازل]

مسألة 37- حرمة الاستظلال مخصوصة بحال السّير و طيّ المنازل من غير فرق بين الراكب و غيره، و امّا لو نزل في منزل كمنى أو عرفات أو غيرهما فيجوز الاستظلال تحت السقف و الخيمة و أخذ المظلة حال المشي فيجوز لمن كان في منى ان يذهب مع المظلة الى المذبح أو الى محلّ رمى الجمرات و ان كان الاحتياط في الترك (1).

______________________________

و عليه فلا دلالة لهذه الرواية على الكراهة فيما هو محل البحث فالرواية الأولى غير معتبرة من حيث السند و الثانية غير ظاهرة الدلالة فكيف يمكن ان تكونا شاهدتين على الكراهة.

و الانصاف أن المسألة مشكلة جدّا من جهة انحصار الأدلة اللفظية الواقعة فيها بما يدل على المنع و لو بنحو الإطلاق و عدم ثبوت دليل على التقييد في مقابلها و من جهة انّ الإجماع المنقول و ان لم يكن حجة على ما قرّر في علم الأصول الّا انّ دعواه من مثل العلامة خصوصا مع اضافة الحكم بذلك الى جميع أهل العلم الظاهر في علماء المسلمين بأجمعهم و كذا الشيخ في الخلاف على ما حكى تبعد ان تكون خالية عن المستند فاللازم ان يقال مع ملاحظة ما افاده صاحب جامع المقاصد من ان نقل الشيخ و المصنف- يعني العلامة- الإجماع على الجواز لا سبيل الى ردّه و مع ملاحظة جعل الإجماع قرينة على تقييد الإطلاقات الناهية كما في الجواهر بان مقتضى الاحتياط و ان كان هو الاجتناب الّا ان الجواز غير خال عن القوة كما أفيد في المتن.

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في أمرين:

الأوّل: انه هل الحكم بحرمة الاستظلال يختص بالراكب أو

يعمّ الماشي أيضا مقتضى إطلاق جملة من العبارات الدالة على جواز المشي تحت الظّلال الأوّل و قد صرّح الشهيد الثاني بذلك في كتابيه «المسالك و الروضة»:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 289

..........

______________________________

قال في الأوّل: «يتحقق التظليل بكون ما يوجب الظلّ فوق رأسه كالمحمل فلا يقدح فيه المشي في ظلّ المحمل و نحوه عند ميل الشمس الى أحد جانبيه و ان كان قد يطلق عليه التظليل لغة و انما يحرم حالة الركوب فلو مشى تحت الظل كما لو مر تحت الحمل و المحمل جاز».

و قال في الثاني بعد قول الشهيد: و التظليل للرجل الصحيح سائرا: «فلا يحرم نازلا إجماعا و لا ماشيا إذا مرّ تحت المحمل و نحوه، و المعتبر منه ما كان فوق رأسه فلا يحرم الكون في ظلّ المحمل عند ميل الشمس الى أحد جانبيه».

و ما يمكن ان يكون مستندا لهذا القول روايتان:

إحديهما: رواية الاحتجاج المتقدمة المشتملة على سؤال محمد بن الحسن الشيباني عن موسى بن جعفر- ع- بقوله: أ فيجوز أن يمشي تحت الظّلال مختارا و جوابه- ع- بقوله: نعم «1».

ثانيتهما: صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال كتبت الى الرّضا- عليه السلام- هل يجوز للمحرم ان يمشي تحت ظلّ المحمل فكتب نعم «2» لكن الأولى مرسلة غير معتبرة مضافا الى عدم وضوح دلالتها كما يأتي بيانه في الصحيحة و ان كان بينهما فرق من جهة إضافة الظل في الصحيحة إلى المحمل و عدمها في هذه الرواية.

و الثانية و ان كان ظاهرها في بادى النظر هو المشي تحت ظلّ المحمل بحيث يكون ما يوجب الظلّ فوق رأسه في حال المشي الّا انه عند التأمل قد يمنع الظهور في

ذلك لأنّ المشي بهذه الكيفية تحت ظل المحمل قلّما يتحقق في الخارج فإن

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السادس و السّتون ح- 6.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع و السّتون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 290

..........

______________________________

المحمل غالبا لا يكون الّا بيتا محقّرا من العود له ظرفية جلوس إنسان واحد و عليه فيصعب المشي تحته بحيث يقع المحمل في الفوق بل يكون ذلك ملازما لوقوعه في معرض اصابة ارجل البعير خصوصا في الطريق الكثير و السير الطويل و عليه فلا تبعد دعوى ظهور السؤال فيما هو المتعارف من المشي في ظل المحمل بحيث يكون الظلّ على أحد جانبيه من اليمين أو اليسار و لا أقل من عدم ظهور الرواية فيما استفاد منه الشهيد الثاني.

ثم انه على تقدير تسليم ظهور الرواية في الجواز بالإضافة إلى الماشي فحيث انه يكون الحكم على خلاف القاعدة المستفادة من الأدلة من إطلاق حرمة التظليل فاللازم الاقتصار على مورده كما افاده بعض الاعلام- قده- حيث استظهر من الرواية الجواز و لكن خصّه بالمشي تحت ظل المحمل و لا وجه لدعوى عمومية الحكم كما هو ظاهر الشهيد في الروضة حيث عطف قوله: أو نحوه على المحمل فان هذه الدعوى تبتني على إلغاء الخصوصية من المحمل المذكور في الرواية و لا وجه له بعد ما عرفت من كون الحكم على خلاف القاعدة و عليه فلا يجوز المشي تحت المظلة و الشمسية في حال السير و ان قلنا بجوازه تحت ظلّ المحمل.

ثم انه ظهر مما ذكرنا انه و ان لم يكن بين الراكب و الماشي فرق فيما إذا كان الظل من الفوق من حيث عدم الجواز

الّا انّ بينهما فرقا فيما إذا كان الظلّ من أحد الجانبين اليمين أو اليسار حيث انه لم يدل دليل لفظي على الجواز في الراكب بل مقتضى إطلاق الأدلة الناهية عدم الجواز لكن الإجماع الذي ادعاه الشيخ و العلامة اقتضي الجواز فيه و امّا في الماشي فالدليل اللفظي على الجواز متحقق فيه و هي صحيحة ابن بزيع المتقدمة سواء كان مفادها الجواز في خصوص هذه الصورة أو كان مفادها الجواز بالإضافة إلى الفوق فيدل على الجواز في المقام بطريق اولى و عليه فلا مجال للترديد في الماشي من هذه الجهة و ان كان له في الراكب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 291

..........

______________________________

مجال كما عرفت.

ثم انه هل يختص حرمة الاستظلال في حال السير و الحركة بما إذا كان الظلّ سائرا معه أيضا كسقف السيارة و القبة و الكنيسة أو يعمّ الظلّ الثابت و المستقرّ كالظلّ الحادث من القناطير المضروبة على الجادة التي لا محيص من العبور من تحتها خصوصا إذا كان في السّيارة و كالعبور بعد الإحرام لحج التمتع في مسجد الحرام عند المقام- مثلا- و في حجر إسماعيل من تحت واحد من السقوف المحيطة بفضاء المسجد لغرض السير الى عرفات بلا فصل و كالعبور من تحت الأشجار التي لها ظلّ و في زماننا العبور من الجادة التي تسمّى في الفارسية ب «تونل» في المسألة وجهان بل قولان فالمحكيّ عن فخر المحققين في شرح الإرشاد القطع بانّ المحرم عليه سائرا انّما هو الاستظلال بما ينتقل معه كالمحمل امّا لو مرّ تحت سقف أو ظل بيت أو سوق أو شبهه فلا بأس. لكن المحكيّ عن كشف اللثام انه بعد ما حكى كلام

الفخر قال: أكثر هذه تدخل في الضرورة.

أقول لازم الالتزام بالدخول في الضرورة ان يقال أوّلا بانحصار الجواز بما إذا كان الطريق منحصرا بذلك و لم يكن هناك طريق لا يشتمل على السقف أو مثله كالأشجار و ثانيا بترتب الكفارة عليه لما سيأتي من ان الضرورة المسوغة للتظليل لا تؤثّر في ارتفاع وجوب الكفارة الّا ان يقال بأن أدلة الكفارة قاصرة عن الشمول لهذا النوع من الضرورة.

و كيف كان فالظاهر هو القول بالجواز لانه مضافا الى قصور أدلة حرمة التظليل عن الشمول لهذا القسم من الظل خصوصا إذا قلنا بان معنى التظليل عبارة عن إيجاد الظلّ و احداثه لا الوقوع تحته مطلقا استمرار السيرة العمليّة على فعله كما يظهر من الموارد التي ذكرناها و لم يقع في شي ء من النصوص و الروايات الرّدع عنها و التنبيه الى حرمته كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 292

[مسألة 38- جلوس المحرم حال طيّ المنزل في المحمل و غيره مما هو مسقف]

مسألة 38- جلوس المحرم حال طيّ المنزل في المحمل و غيره مما هو مسقف إذا كان السير في الليل خلاف الاحتياط و ان كان الجواز لا يخلو من قوة فيجوز السّير محرما مع الطائرة السائرة في الليل (1).

______________________________

الأمر الثاني: انه لا مانع من الاستظلال حال النزول و في المنزل و قد عرفت في كلام الشهيد الثاني في الروضة ادّعاء الإجماع عليه و يدل عليه استمرار السيرة العمليّة على الوقوف في عرفات تحت الخيم و الأخبية و كذا في منى قبل الخروج عن الإحرام الذي يتحقق بالحلق أو التقصير بعد الذبح- مثلا- و رمى جمرة العقبة و التفكيك بين المنزل و بين حال السير عند الأئمة- ع- صار موجبا لاعتراض فقهاء غيرنا عليهم كما مرّ

في الروايات المتقدمة اعتراض أبي يوسف و كذا محمد بن الحسن الشيباني على موسى بن جعفر- عليهما السلام- و في رواية صحيحة وقعت حكاية اعتراض أبي حنيفة على الصادق- عليه السلام- بصورة السؤال قال أبو حنيفة: أي شي ء فرق ما بين ظلال المحرم و الخباء فقال أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- انّ السنّة لا تقاس «1».

ثم انّه بعد عدم حرمة الاستظلال في المنزل هل يجوز الاستفادة من المظلة في منى من الخيمة إلى محلّ الرّمي و كذا في عرفات الى جبل الرحمة- مثلا- الظاهر ذلك لأنّ منى بأجمعها منزل و كذا عرفات فإذا كان الاستظلال في المنزل جائزا لا مانع من الاستفادة منها في الذهاب و الإياب لكن حيث يكون المقصد الإتيان بما هو الواجب عليه و السّير و الحركة انّما هو لأجله يكون الاحتياط في الترك و بذلك يتحقق الفرق بين الموردين اللذين ذكرنا هما فتدبّر.

(1) قد وقع الاختلاف بين الاعلام من المعاصرين في جواز التظليل المحرّم في

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السادس و الستون ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 293

..........

______________________________

النهار للمحرم في الليل فمختار المتن ان الجواز لا يخلو عن قوة و قد صرّح بعض الاعلام- قده- بعدم جوازه و انه لا فرق في الحرمة بين الليل و النهار و اللازم ملاحظة الأدلة و الروايات المتقدمة الواردة في الباب بل و بعض الروايات الأخر أيضا فنقول:

قد عرفت ان الروايات الواردة في المقام خمس طوائف.

فطائفة تدل على ان متعلق التحريم هو عنوان الاستتار عن الشمس و ما يشابهه كان يضع المحرم ذراعه على وجهه من حرّ الشمس و من الواضح اختصاص هذه الطائفة بالنّهار و

لا مجال لها بالإضافة إلى اللّيل.

و طائفة تدل على الأمر بالاضحاء الذي معناه هو البروز و الظهور للشمس فان الضحى من شئون الشمس قال اللّٰه تعالى وَ الشَّمْسِ وَ ضُحٰاهٰا و يظهر من بعض الروايات المتقدمة أيضا المشتملة على قوله- ع- ما من حاج يضحي ملبيّا حتى تغيب الشمس .. حيث انّ ظاهره انتهاء الاضحاء بغيبوبة الشمس و غروبها و عليه فهذه الطائفة أيضا لا تشمل الليل نعم هنا رواية ربما يتوهّم دلالتها على عدم كون المراد بالاضحاء ما ذكرنا و سيأتي التعرض لها و البحث عنها.

و طائفة ثالثة تدل على عدم جواز ركوب الرجل المحرم في القبة و الكنيسة و مقتضى إطلاقها انه لا فرق في الحكم المذكور بين الليل و النهار و قد اعتمد على هذا الإطلاق بعض الاعلام- قده- و أيّده بتعارف حركة السّير و القوافل في الليالي لا سيّما في البلاد الحارّة كأراضي الحجاز و نحوها.

و لكن الظاهر انّ وضع القبة و الكنيسة المشتملتين على السقف و الستر من فوق انّما هو بلحاظ السير في النهار و التحفظ من حرارة الشمس و الّا فالسير في الليل في البلاد الحارّة يقتضي الخلو من السقف للاستفادة من الهواء الخارج فان البلاد الحارّة إذا أريد فيها الفرار من شدة الحرارة في الليل في الأزمنة السابقة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 294

..........

______________________________

لا محيص عن الوقوع في فضاء لا يكون له سقف و دعوى تعارف حركة السير و القوافل في الليل ممنوعة في نفسها لما عرفت من دلالة روايات كثيرة على عدم جواز الاستتار عن الشمس و على الأمر بالاضحاء و مقتضاها شيوع الحركة في النهار و كيف كان فمقتضى

ما ذكرنا انه لا مجال للاعتماد على هذا الإطلاق أصلا.

و طائفتان منها تدلان على حرمة التظليل أو الاستظلال و قد قيل ان الكلمتين مأخوذتان من الظلّة و هي شي ء يستتر به من دون فرق بين ما إذا كان ما يستتر منه شمسا أو حرّا أو بردا أو مطرا أو ريحا أو مثلها و لا يختصّ بالشمس بل ربما يقال ان الشمس مستظلة أي في السحاب مستترة و يدل على ذلك مضافا الى اللغة جملة من الروايات التي عبّر فيها بالاستظلال من غير الشمس مثل ما رواه في الاحتجاج عن محمّد بن عبد اللّٰه بن جعفر الحميري انه كتب الى صاحب الزمان (عج) و سأله عن المحرم يستظل من المطر بنطع أو غيره حذرا على ثيابه و ما في محمله ان يبتلّ فهل يجوز ذلك؟ الجواب إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه فعليه دم «1».

و رواية عثمان بن عيسى الكلابي قال قلت لأبي الحسن الأوّل- عليه السلام- ان علي بن شهاب يشكو رأسه و البرد شديد و يريد ان يحرم فقال ان كان كما زعم فليظلّل، و امّا أنت فاضح لمن أحرمت له «2». و غير ذلك من الروايات الواردة في كفارة التظليل المشتملة بعضها على استعمال هذه الكلمة في غير الشمس نعم استثني القائل موردا من الحكم بالحرمة بعد جعله فرضا نادرا جدّا

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع و الستون ح- 7.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الستون ح- 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 295

..........

______________________________

و هو ما إذا كان رفع المظلة فوق رأسه لا يؤثر شيئا أبدا و لا يمنع عنه شيئا و كان

وجوده كعدمه نظرا الى عدم صدق الاستظلال و الاستتار على ذلك لان الممنوع ليس مجرّد وجود المظلة على رأسه بل هو التحفظ من الشمس و الريح العاصف و المطر و البرد و أشباهها فلا منع في غير هذه الصورة لكنه فرض نادر هذا و لكن في رواية عثمان اشكال و هو ان ظاهرها كون الاضحاء مقابلا للتظليل عن البرد مع انّك عرفت ان معناها هو البروز للشمس فهل مفادها عدم كون معناها ذلك بل مطلق البروز و عدم التستر و لو كان ذلك في الليل فينا في ما تقدم منا في معناها أو انّ أمر الرّاوي بالاضحاء في الذيل قرينة على كون مورد السؤال هو البرد الشديد المتحقق في النّهار و التعبير بالتظليل بلحاظ ملازمته مع التحفظ عن البرد فالاضحاء باقية على معناها و هو البروز للشمس و هذا هو الظاهر.

هذا و لكن التحقيق بالإضافة إلى هاتين الطائفتين يتوقف على بيان أمور:

الأمر الأوّل: ان المستفاد من اللغة انّ مادّتهما و هي الظلّ لا يتحقق إلّا في النهار فقد صرّح الراغب في مفرداته بانّ الظلّ ضدّ الضحّ و قد عرفت اختصاص الاضحاء و كل ما هو من هذه المادة بالنّهار لانه من شئون الشمس و خصوصياتها و في كتاب مقاييس اللغة لابن فارس الذي هو من المنابع الأصلية في باب اللغة ان ذكر انه يدل على ستر شي ء لشي ء و ان الظلّ ظل الإنسان و غيره و يكون بالغداة و العشيّ و الفي ء لا يكون إلا بالعشيّ لكنه قال: و الليل ظلّ الى ان قال و من الباب قولهم: ظلّ يفعل كذا و ذلك إذا فعله نهارا و انّما قلنا انه من الباب لان ذلك شي ء

يخصّ به النهار و ذلك ان الشي ء يكون له ظلّ نهارا و لا يقال ظلّ يفعل كذا ليلا لان الليل نفسه ظلّ.

و من الواضح انه لا يعقل التظليل في الظلّ و عليه فالمستفاد من اللغة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 296

..........

______________________________

اختصاص هذه المادة بالنهار و عدم شمولها لليل حتى بالإضافة إلى القمر في الليالي المقمرة التي تتبع الظلّ العرفي.

الأمر الثاني: انّ مسألة التظليل في الليل من المسائل التي كانت مبتلى بها من قديم الأيام و من زمان صدور الروايات الى يومنا هذا من دون فرق بين ان يكون المركب هو مثل المحمل أو مثل السّيارة المتداولة في هذه الأيام أو الطيارة و عليه لو كانت حرمة التظليل شاملة لليل و لم تكن مختصة بالنهار لكان اللازم الإشارة بل التصريح بالتعميم في الرّوايات مع انه لم يرد في شي ء منها لا سؤالا و لا جوابا و لا ابتداء بل و لم تقع الإشارة إليه في كلمات الفقهاء من المتقدمين و المتوسطين و دعوى ان عنوان التظليل و شبهه شامل للتظليل في الليل مدفوعة مضافا الى ما عرفت في الأمر الأوّل من دلالة اللغة على الاختصاص بالنّهار بأنه على تقدير الشمول و العموم لم يكن بمثابة من الوضوح بحيث لا تكون حاجة حتى إلى الإشارة إليه بل يظهر من كلمات بعض الفقهاء الاختصاص قال الشهيد في محكي الدروس: «فرع: هل التحريم في الظلّ لفوات الضحى أو لمكان السّتر فيه نظر لقوله- ع-: اضح لمن أحرمت له و الفائدة فيمن جلس في المحمل بارزا للشمس و فيمن تظلّل به و ليس فيه» و في كشف اللثام يعني يجوز الأوّل على الثاني دون

الأوّل و الثاني بالعكس. ثم قال فيهما و في الخلاف لا خلاف ان للمحرم الاستظلال بثوب ينصبه ما لم يمسّه فوق رأسه و عن نسخة «ما لم يكن» و قضيته اعتبار المعني الثاني.

و أنت خبير بان مورد كلا الاحتمالين و الثمرة الحاصلة في البين انّما هو النّهار من دون إشارة إلى الليل أصلا.

الأمر الثالث: انّك عرفت ان الروايات الواردة في المقام على خمس طوائف و الظاهر ان المتأمل فيها يحصل له الاطمئنان بأنّ الحكم من هذه الجهة ليس الّا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 297

..........

______________________________

حكما واحدا متعلقا بعنوان واحد و يؤيده بل يدل عليه عدم التعرض في شي ء من كلمات الفقهاء رضوان اللّٰه تعالى عليهم أجمعين- الّا لعنوان واحد فيما يرتبط بالتظليل و لا اشارة فيه فضلا عن الصراحة بثبوت حكمين و تعلّقهما بعنوانين أو أحكام ثلاثة- مثلا- متعلقة بعناوين ثلاثة كذلك و عليه فاحتمال كون لزوم تحمل المطر و عدم الممانعة عن اصابته الّا عند الضرورة كما حكى عن بعض المتأخرين زائدا على حرمة التظليل لا وجه له أصلا كما ان ما افاده بعض الأعاظم من المعاصرين على ما في تقريرات بحثه من ان المحرم حال الإحرام عنوانان بالاستقلال أحدهما الاستتار من الشمس بإيجاد ما يظل به و الالتجاء به أو التسبب و التعمد في الاستظلال و ان لم يكن إيجاد المظلة بيده و ثانيهما التظليل بالقبة و الهودج و الكنيسة و ما يضاهيها في النهار و الليل في اليوم الذي فيه غيم أو لم يكن و قد يفترق كل من العنوانين عن الأخر كما قد يجتمع ليس على ما ينبغي بعد ما عرفت من كون التأمل في

الروايات و ملاحظة الفتاوى يقتضيان بعدم ثبوت غير حكم واحد في هذا المقام.

الأمر الرّابع: ان عنوان التظليل الذي يكون متعلقا للحرمة يراد به التظليل الفعلي الحالي و هو إيجاد المانع عن وقوعه في معرض الشمس ببروزه لها و إطلاق المظلة على مثل الخيمة ليس بلحاظ كونها كذلك حتى في الليل و الغيم بل بلحاظ كونه موجبا لتحقق الظل في مقابل الشمس فلا يصدق على الوقوع تحتها عنوان التظليل إلّا في مورد وجود الشمس.

الأمر الخامس: انّه و ان كان مفاد جملة من الروايات عدم جواز الاستظلال من المطر و ثبوت الكفارة فيه كرواية الحميري المتقدمة التي نقلها في الاحتجاج و المكاتبة المضمرة لعلي بن محمد قال: كتبت اليه المحرم هل يظلل على نفسه إذا اذته الشمس أو المطر أو كان مريضا أم لا؟ فان ظلّل هل يجب عليه الفداء أم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 298

..........

______________________________

لا؟ فكتب يظلّل على نفسه و يهريق دما ان شاء اللّٰه «1».

و رواية محمد بن إسماعيل قال سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن الظلّ للمحرم من أذى مطر أو شمس فقال ارى ان يفديه بشاة و يذبحها بمنى «2».

و رواية إبراهيم بن أبي محمود قال قلت للرّضا- عليه السلام- المحرم يظلّل على محمله و يفدي إذا كانت الشمس و المطر يضرّان به قال: نعم قلت كم الفداء قال شاة «3». و من الظاهر انه لا يكون المراد إضرار الشمس و المطر معا في آن واحد لعدم إمكانه نوعا.

و بعض الروايات الأخر، الّا ان الظاهر ان هذه الروايات مع ضعف سند بعضها ناظرة إلى التوسعة في معنى التظليل الذي يكون متعلقا للحرمة على الرجل المحرم في

حال السّير و الحركة و ان العنوان المحرّم يكون شاملا للاستظلال من المطر بعد كون معناه العرفي و اللغوي هو الاستظلال من خصوص الشمس لا ان يكون في البين حكمان متعلقان بالظل من الشمس و من المطر كما عرفت حكاية احتماله عن بعض المتأخرين.

و دعوى أنّ التعبير بالظلّ بالإضافة إلى المطر قد وقع في الروايات في كلام السائلين و الرواة دون كلام الامام- عليه السلام- فمن اين يستفاد منه التوسعة المذكورة بل هو شاهد على عمومية معنى الاستظلال و عدم اختصاصه بالشمس.

مدفوعة مضافا الى انه يحتمل قويّا ان يكون الوجه في ذلك هو التغليب نظرا الى تحقق الشمس غالبا و وقوع المطر أحيانا خصوصا في تلك المناطق و البلاد التي

______________________________

(1) وسائل أبواب بقية كفارات الإحرام الباب السادس ح- 1.

(2) وسائل أبواب بقية كفارات الإحرام الباب السادس ح- 3.

(3) وسائل أبواب بقية كفارات الإحرام الباب السادس ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 299

[مسألة 39- إذا اضطر الى التظليل حال السّير لبرد أو حرّ]

مسألة 39- إذا اضطر الى التظليل حال السّير لبرد أو حرّ أو مطر أو غيرها من الاعذار جاز و عليه الكفارة (1).

[مسألة 40- كفارة الاستظلال شاة و ان كان عن عذر على الأحوط]

مسألة 40- كفارة الاستظلال شاة و ان كان عن عذر على الأحوط و الأقوى كفاية شاة في إحرام العمرة و شاة في إحرام الحج و ان تكرّر منه الاستظلال فيهما.

______________________________

يسير فيها المحرم بأنّ منشأ التوسعة المذكورة هو تقرير الامام- عليه السلام- الكاشف عنها و كيف كان فمجرد حرمة التظليل من المطر لا دلالة لها على حرمة التظليل في الليل بوجه خصوصا بعد ما عرفت من اللغة و من عدم تعرض الروايات و الفتاوى للاستظلال في الليل بوجه و يؤيده الجمع في المتن بين الحكم بجواز التظليل في الليل و بين الحكم بثبوت الكفارة في التظليل من المطر كما في المسألة الآتية فالأقوى بمقتضى ما ذكرنا جوازه كما نفي خلوه عن القوة في المتن.

ثم ان مقتضى ما ذكرنا جواز الاستظلال في النهار إذا لم يكن الشمس ظاهرة بل كانت مستظلة بالسحاب و كان الغيم موجودا كجوازه في الليل على ما عرفت و امّا الاستظلال من المطر في النهار فهو غير جائز كما مرّ و امّا في الليل فهل المستفاد من الروايات إطلاق الحكم في المطر بالإضافة إلى اللّيل أو ان ذكر المطر في عداد الشمس لعلّه يصير قرينة على الاختصاص بالنهار فيه وجهان و مقتضى الاحتياط الأوّل لكن الظاهر انّ الاستظلال من المطر يرجع الى الالتجاء من اصابته إلى محلّ مسقف من المحمل أو السيارة و امّا لو كان فيهما ثم في الأثناء أمطرت السّماء لا يتحقق الاستظلال بالبقاء فيهما بحيث يكون الواجب عليه الخروج منهما أو رفع سقفهما فتدبّر.

(1) في هاتين المسألتين جهات

من الكلام:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 300

..........

______________________________

الجهة الاولى: في ثبوت الكفارة في التظليل المحرم في حال الاختيار و الظاهر انه لا يستفاد من الروايات الواردة في ثبوت الكفارة في حال الاضطرار ثبوتها في حال الاختيار أيضا نعم ربما يتوهم الثبوت بطريق اولى و الوجه في ذلك منع الأولوية و منع القياس و لا إشعار في شي ء منها بكون الكفارة مرتبطة بنفس التظليل فقط بحيث لم يكن فرق بين الحالتين خصوصا مع ما هو ثابت في الصيد من ثبوت الكفارة في المرة الاولى و عدم ثبوتها في المرة الثانية مع كونها أشد لقوله تعالى وَ مَنْ عٰادَ فَيَنْتَقِمُ اللّٰهُ مِنْهُ.

نعم ربما يدعي دلالة صحيحة على بن جعفر قال سألت أخي- عليه السلام- أظلّل و انا محرم؟ فقال: نعم و عليك الكفارة الحديث «1» على ثبوت الكفارة في حال الاختيار أيضا لإطلاق قول الراوي: أظلّل، نظرا إلى انه مطلق من حيث الاختيار و الاضطرار كما انه مطلق من حيث أسباب الاضطرار.

و لكن الظاهر انه لا مجال لدعوى الإطلاق من الجهة الأولى بعد عدم كون مورد السؤال هو تظليل المحرم بنحو الإطلاق بل تظليل شخص الراوي الذي كان أخا الإمام- ع- و هو عالم بحاله من جهة الاخوة أيضا.

و العجب من بعض الاعلام- قدّس سره- حيث ذكر في أصل المسألة و هو حرمة التظليل و عدمها انّ توهّم دلالة هذه الصحيحة على عدم الحرمة من رأس باطل نظرا الى ان تجويزه- ع- له بالاستظلال قضيّة شخصية في واقعة و لعلّ تجويزه له من أجل كونه مريضا أو كان يتأذى من حرّ الشمس بحيث كان حرجيّا و نحو

______________________________

(1) وسائل أبواب بقية كفارات

الإحرام الباب السادس ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 301

..........

______________________________

ذلك من الاعذار فلا يمكن الاستدلال بها لإثبات حكم كلّي و ذكر هنا انه يظهر ذلك- يعني ملازمة الكفارة للتظليل و ان التظليل في جميع الموارد لا يفارق الكفارة- بوضوح من صحيح على بن جعفر: أظلّل و انا محرم؟ فقال نعم و عليك الكفارة فإن قوله أظلّل كما انه مطلق من حيث الاختيار و الاضطرار كذلك مطلق من حيث أسباب الاضطرار فيعلم منه انّ التظليل مطلقا من اىّ سبب كان يلازم الكفارة و أنت ترى المناقضة بين الكلامين و الحق انه لا مجال لإنكار عدم دلالته على ثبوت الكفارة في التظليل المحرّم الصادر حال الاختيار لوضوح كونه قضيّة شخصية في واقعة.

كما انّ دعواه انه يظهر من بعض الروايات المعتبرة أن ملازمة الكفارة للتظليل كانت امرا متسالما عليه و مفروغا عنه و لذا يسأل من الامام- ع- انه يظلل اختيارا و يكفّر زعما منه ان الكفارة ترفع الحرمة فمنعه عن ذلك إلّا إذا كان مريضا ففي معتبرة عبد اللّٰه بن المغيرة قال قلت لأبي الحسن الأوّل- عليه السلام-:

أظلّل و انا محرم؟ قال: لا، قلت أ فأظلّل و أكفّر؟ قال: لا قلت فان مرضت؟ قال:

ظلّل و كفّر «1».

مدفوعة أوّلا بأنه لا ظهور للرواية في كون الملازمة بين الكفارة و التظليل امرا مفروغا عنه عند الرّاوي فإنه سئل أوّلا عن أصل جواز التظليل في حال الإحرام فأجيب بالمنع ثم سئل عن جوازه مع التكفير فأجيب بالمنع أيضا و لا إشعار في هذا السؤال فضلا عن الدلالة على الملازمة بين الكفارة و التظليل و ليت شعري انه كيف يدل على كون الملازمة امرا مفروغا

عنه.

و ثانيا بأن المفروغية عند السائل لا حجية فيها بعد كون مورد السؤال و الجواب

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و الستّون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 302

..........

______________________________

امرا آخرا و هو جواز التظليل في حال الاختيار مع ضمّ الكفّارة و عدمه.

و قد ظهر من جميع ما ذكرنا انه لا مجال لاستفادة ثبوت الكفارة في التظليل الاختياري الذي يكون محرّما من الروايات و الأدلة اللفظية الواردة في الباب اللّٰهم ان يكون مستنده الإجماع كما لا تبعد دعواه فتدبّر.

الجهة الثانية: في ثبوت الكفارة في التظليل الجائز الصادر عن اضطرار و نقول انّ العنوان المأخوذ موضوعا لعدم الحرمة في كثير من الكلمات هو الاضطرار كما في المتن لكن المحكي عن الشيخين و ابن إدريس اعتبار الضرر العظيم و من البعيد ان يكون مرادهم ثبوت خصوصية زائدة في المقام بحيث لم يكن مجرد الحرج و الضرر العرفي كافيا كما في سائر المقامات.

هذا و امّا الروايات الواردة في هذا الباب فظاهر كثير منها انّ المعيار في الجواز مطلق الأذية الشامل لما يتحمّل مثله نوعا كرواية على بن محمّد قال كتبت اليه:

المحرم هل يظلل على نفسه إذا اذته الشمس أو المطر أو كان مريضا أم لا؟ فان ظلّل هل يجب عليه الفداء أم لا؟ فكتب يظلّل على نفسه و يهريق دما ان شاء اللّٰه «1».

و رواية محمد بن إسماعيل قال سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن الظلّ للمحرم من أذى مطر أو شمس فقال ارى ان يفديه بشاة و يذبحها بمنى «2».

و رواية سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرّضا- عليه السلام- قال سألته

______________________________

(1) وسائل أبواب بقية كفارات الإحرام الباب

السادس ح- 1.

(2) وسائل أبواب بقية كفارات الإحرام الباب السادس ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 303

..........

______________________________

عن المحرم يظلّل على نفسه فقال: أمن علة؟.

فقلت: يؤذيه حرّ الشمس و هو محرم فقال هي علّة يظلّل و يفدي «1».

و رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرّضا- عليه السلام- قال و سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس و انا اسمع فأمره أن يفدي شاة و يذبحها بمنى «2». قال في الوسائل بعد نقلها عن الكليني: و رواه الشيخ بإسناده عن احمد بن محمد، و رواه الصدوق بإسناده عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن- ع- مثله الّا انه قال: في أذى من مطر أو شمس أو قال من علّة و زاد:

و قال: نحن إذا أردنا ذلك ظلّلنا و فدينا. و ذيل الرواية على نقل الصدوق ربما يشعر بكون الجواز أوسع من الأذى أيضا.

لكن في مقابلها ما يدلّ على تضييق دائرة الجواز مثل رواية عبد الرحمن بن الحجّاج قال سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن الرجل المحرم كان إذا أصابته الشمس شق عليه و صدع فيستتر منها فقال هو اعلم بنفسه إذا علم انه لا يستطيع ان تصيبه الشمس فليستظل منها «3».

و رواية إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن- عليه السلام- قال سألته عن المحرم يظلّل عليه و هو محرم قال: لا الّا مريض أو من به علة و الذي لا يطيق حرّ الشمس «4».

و مضمرة محمد بن منصور عنه- ع- قال سألته عن الظلال للمحرم فقال:

______________________________

(1) وسائل أبواب بقية كفارات الإحرام الباب السادس ح- 4.

(2) وسائل أبواب بقية كفارات الإحرام الباب السادس ح- 6.

(3) وسائل

أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و السّتون ح- 6.

(4) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و السّتون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 304

..........

______________________________

لا يظلّل الّا من علّة أو مرض «1».

و رواية إسماعيل بن عبد الخالق قال سألت أبا عبد اللّٰه- ع- هل يستتر المحرم من الشمس؟ فقال لا الّا ان يكون شيخا كبيرا أو قال ذا علّة «2».

و أصرح من الكلّ رواية زرارة قال سألته عن المحرم أ يتغطّى؟ قال امّا من الحرّ و البرد فلا «3». و السؤال فيها في نفسه و ان كان يحتمل فيه ان يكون عن تغطية الرأس التي هي محرم آخر على الرجال غير الاستظلال كما عرفت الّا ان الجواب بلحاظ قوله- ع- من الحرّ يدل على كون المراد الاستظلال فتدبّر و مقتضى قاعدة حمل المطلق على المقيّد حمل الطائفة الأولى على الأذية التي لا تتحمل عادة و تكون مشقة و حرجا.

ثم ان كثيرا من الروايات المتقدمة كما تدل على الجواز في مورد الاضطرار كذلك تدل على ثبوت الكفارة و قد مرّ انه لا منافاة بين الجواز بحسب الحكم الثانوي و بين ثبوت الكفارة بوجه.

الجهة الثالثة: في جنس الكفارة و قد ظهر لك بملاحظة الروايات المتقدمة أنّها بين ما يدلّ على لزوم الكفارة بعنوانها و ما يدل على لزوم اراقة الدّم و ما يدل على لزوم الفدية بشاة و ما يكون ظاهره لزوم التصدق بمدّ لكلّ يوم و حيث ان الأخيرة رواية واحدة رواها على بن أبي حمزة البطائني عن أبي بصير و عليّ المذكور كذاب معروف فلا مجال للاستناد بها بل اللازم طرحها و عليه فمقتضى قاعدة حمل المطلق على

______________________________

(1) وسائل

أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و السّتون ح- 8.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و السّتون ح- 9.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع و السّتون ح- 14.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 305

..........

______________________________

المقيّد الأخذ بما يدل على تعيّن الشاة و الحكم بلزوم اراقة دمها.

نعم قد عرفت في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى- عليهما السلام- انه بعد ما سوّغ له الامام- ع- التظليل و حكم عليه بوجوب الكفارة انّ الراوي عن علىّ قال: فرأيت عليّا إذا قدم مكّة ينحر بدنة لكفارة الظلّ «1». و قد حمله جملة من الأصحاب على الاستحباب لكنه ربما يقال: انه لا وجه له لانه بعد ما كان ظاهر الروايات تعين الشاة لا يكون غيرها مجزيا و لو كان إبلا و فعل على بن جعفر لا يكون حجة و لعلّه اجتهاد منه غير متبع عندنا.

و يبعد هذا القول انّ مثل على بن جعفر مع شدّة اتصاله بالإمام- ع- و كثرة رواياته عنه الحاكية عن إحاطته بالأحكام و المسائل لا يكاد يخفى عليه مثل ذلك خصوصا مع التفاوت الفاحش بين قيمتي البدنة و البقرة و عليه فالظاهر هو الحمل على الاستحباب ثم ان الظاهر ان قوله- قده- في المتن، على الأحوط راجع الى أصل كفارة الاستظلال لا خصوص ما إذا كان عن عذر لما عرفت من عدم دلالة شي ء من الروايات على ثبوت الكفارة للتظليل المحرّم غير الجائز و الوجه في الاحتياط دون الفتوى امّا وجود الرواية الدالة على التصدق و امّا إطلاقات الكفارة و الدّم التي يبعد تقييدها مع كثرتها فتدبّر.

الجهة الرّابعة: في تكرّر الكفارة بتكرر الاستظلال و عدمه و محل الكلام انّما

هو التكرر بالتكرر في إحرام واحد ضرورة انّه إذا كان في إحرامين و لو كانا لعمرة التمتع و حجّه المرتبطين اللذين يعدّان عملا واحدا كما مرّ مرارا لا خفاء في التعدّد لتعدّد

______________________________

(1) وسائل أبواب بقيّة كفارات الإحرام الباب السادس ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 306

..........

______________________________

الإحرام و لا مجال معه لاحتمال التداخل أصلا و لو كان سبب الاستظلال شيئا واحدا كالمرض- مثلا- كالافطار في يومين من شهر رمضان.

و الظاهر انّ المستفاد من الروايات و الفتاوى التداخل و عدم التكرّر لوضوح تكرر الاستظلال في مثل الشيخ الكبير و المريض سيّما إذا كان الإحرام من مسجد الشجرة الذي هو أبعد المواقيت و يكون الفصل بينه و بين مكة ما يتجاوز عن سبعين فرسخا و في هذا المسير يتحقق الخروج و الدخول في المحل كثيرا جدّا فإذا التزمنا بثبوت الكفارة لكل مرّة يلزم ثبوت مثل ثلاثين شاة في إحرام واحد و هذا مما يطمئن الإنسان بعدمه خصوصا مع عدم التعرض للزوم التكرير في شي ء من الرّوايات المتقدمة مع وضوح الحاجة الى البيان على تقديره بل بعضها ظاهر في عدم التكرر مثل ما يدل على انه يفدي بشاة و يذبحها بمنى الظاهر في شاة واحدة مع كون مورده تكرر الاستظلال كما لا يخفى.

هذا مضافا الى صحيحة على بن راشد الظاهرة في عدم اللزوم في إحرام واحد و في اللزوم في إحرامين و قد عرفت انه مقتضى القاعدة و هي ما رواه قال قلت له- ع- جعلت فداك انه يشتدّ عليّ كشف الظلال في الإحرام لأنّي محرور يشتدّ علىّ حرّ الشمس فقال: ظلّل و أرق دما فقلت له دما أو دمين؟ قال: للعمرة

قلت انّا نحرم بالعمرة و ندخل مكّة فنحلّ و نحرم بالحجّ قال: فارق دمين «1». و قد نوقش في سندها بأن الراوي عن علي بن راشد هو محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني و قد ضعّفه الشيخ- قده- مضافا الى انّ الرواية تكون مضمرة.

و لكن يدفع المناقشة مضافا الى ما عرفت من عدم كون مفاد الرواية مخالفا للقاعدة بل لولاها لكانت القاعدة تقتضي ذلك انه قد وثق النجاشي و غيره

______________________________

(1) وسائل أبواب بقية كفارات الإحرام الباب السابع ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 307

[الأوّل: صيد البرّ اصطيادا و أكلا]

الأوّل: صيد البرّ اصطيادا و أكلا و لو صاده محلّ، و اشارة و دلالة، و إغلاقا و ذبحا، و فرخا و بيضة، فلو ذبحه كان ميتة على المشهور و هو أحوط، و الطيور حتى الجراد بحكم الصّيد البرّي، و الأحوط ترك قتل الزنبور و النّحل ان لم يقصدا إيذائه، و في الصيد أحكام كثيرة تركناها لعدم الابتلاء بها (1).

______________________________

الرجل المذكور و هو باعتبار تبحره و تخصصه في هذا الفن يكون مقدّما على الشيخ الذي هو ذو فنون مع انه ربما يقال ان منشأ تضعيف الشيخ هو استثناء ابن الوليد و تلميذه الصدوق روايات الرجل المذكور عن خصوص يونس بطريق منقطع أو ما ينفرد بروايته عنه و الرواية التي رواها في المقام انما هي عن غير يونس فلا وجه لطرحها أصلا فالأقوى- ح- ما في المتن هذا تمام الكلام في التظليل و بعد البحث عنه نرجع الى الترتيب المذكور في المتن.

(1) في هذا الأمر الذي هو أوّل محرمات الإحرام بلحاظ ترتب أحكام كثيرة عليه خصوصا ما يتعلق بكفارته فقد جعل في الوسائل لخصوص كفارة الصيد

فصلا و عقد فيه ما يتجاوز عن خمسين بابا و لكفارة سائر المحرمات فصلا آخرا جهات من الكلام:

الجهة الاولى: في أصل حرمة صيد البرّ على المحرم و الظاهر تحقق الإجماع عليه بل عن المنتهى انه قول كل من يحفظ عنه العلم و لم يحك الخلاف من غيرنا إلّا في بعض الفروع مثل ما حكى عن الشافعي و أبي حنيفة من الخلاف في أكل ما صاده المحلّ و ذبحه من دون أمر و لا دلالة و لا اعانة.

و يدلّ عليه قبل الإجماع الكتاب و السنة امّا الكتاب فقوله تعالى في سورة المائدة (آية 95) يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ الى آخر الآية، و في الآية التي بعد هذه الآية:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 308

..........

______________________________

أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّٰارَةِ وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً وَ اتَّقُوا اللّٰهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ.

و امّا السنّة فروايات مستفيضة بل ذكر في الجواهر انه يمكن دعوى القطع بمضمونها ان لم تكن متواترة اصطلاحا.

الجهة الثانية: لا شبهة في حرمة الاصطياد و التعبير بالصيد انّما هو بملاحظته و ان كان الجمع بين الصيد و بين الاصطياد لعلّه غير ملائم و لذا جعل صاحب الجواهر التعبير بالاصطياد قرينة على كون عبارة الشرائع هو المصيد بعد حكايتها عن نسخة ثاني الشهيدين و كيف كان فلا إشكال في حرمة الاصطياد.

و امّا حرمة سائر الأفعال المتعلقة بالصيد المذكورة في المتن و مثله فيدل عليه الكتاب بملاحظة ان الصيد في الآية الاولى لا بد و ان يراد منه المصيد

بلحاظ النهي عن قتله ضرورة ان ما يجري فيه القتل انّما هو الحيوان و الظاهر- ح- ان المراد بالصيد في الآية الثّانية ما يراد منه في الآية الاولى و ان كان الظاهر ابتداء ان يكون المحرم هو فعل المكلف لكن الآية الأولى قرينة على تعلق الحرمة بنفس الحيوان المصيد خصوصا مع تقابله مع صدر الآية الدال على حلية صيد البحر و طعامه و عليه فالمقام نظير قوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ الآية و سائر الموارد التي تعلق التحريم بنفس العين الخارجيّة و من الظاهر ان متعلق التحريم في مثل هذه الموارد جميع الأفعال المتعلقة بالعين المحرّمة فتدل الآية في المقام مضافا الى حرمة الاصطياد على حرمة الأكل من الصيد و لو كان الصائد محلا و لم يكن المحرم دخيلا في صيده بوجه و كذا حرمة الإشارة و الدّلالة المؤثرتين في تحقق الاصطياد و قد حكى عن صاحب المدارك في الفرق بين الإشارة و الدلالة ان الاولى أخص

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 309

..........

______________________________

من الثانية لصدق الدلالة على الكتابة و غيرها و اختصاص الإشارة بالإشارة الخارجية المتحققة بعضو من أعضاء البدن كاليد و العين و الرأس أو بغيره كالإشارة بالعصا.

و في هذا الفرق و ان كان نظر بلحاظ أن المغايرة بالعموم و الخصوص المطلق لا تصحّح العطف لأن ذكر العام يغني عن الخاص الّا انه حيث لا يكون الحكم متعلقا بالعنوانين بل يشمل كل ما له مدخلية في تحقق الاصطياد و لو كان مثل وضع سلاح الصائد في يده فضلا عن إعطاء السّلاح إياه فلا يهم البحث و التعرض الّا انه يأتي في البحث عن مفاد صحيحة الحلبي

ما يدل على الفرق بينهما.

و امّا السّنة فتدل على حرمة ما ذكر كلّا أو بعضا روايات أجمعها و أشملها:

صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: لا تستحلّن شيئا من الصيد و أنت حرام، و لا و أنت حلال في الحرم و لا تدلّن عليه محلا و لا محرما فيصطاده، و لا تشر اليه فيستحلّ من أجلك فإن فيه فداء لمن تعمّده «1».

و في الصحيحة بعد لزوم تقييد الصيد فيها بالصيد البرّي بمقتضى الآية الدالة على حلّية صيد البحر و طعامه و الروايات الآتية الواردة في ذلك و بعد ظهور الفقرة الأولى كالآية المتقدمة في عدم حليّة شي ء من الأفعال المتعلقة بالصيد من الأمور المذكورة في المتن و غيرها مما أشرنا إلى بعضها لوضوح كون المراد من الصّيد فيها هو المصيد لا الاصطياد تلزم الإشارة إلى نكتتين:

إحديهما: انه بعد دلالة الفقرة الأولى على سعة دائرة الحرمة و عمومها لكل فعل يتعلّق بالصيد يكون التعرض لحرمة الدلالة و الإشارة من قبيل ذكر الخاص بعد العام و الوجه فيه لعلّه كونهما من الافراد الخفيّة المفتقرة إلى التنبيه و البيان لأن

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الأوّل ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 310

..........

______________________________

مجرد الدلالة و الإشارة بعيد عن كونه من الأفعال المتعلقة بالصيد فيحتاج الى التعرض.

ثانيتهما: ظهور الرواية في الفرق بين الدلالة و الإشارة و المغايرة بينهما خصوصا مع تفريع قوله: فيصطاده على الاولى و تفريع قوله: فيستحلّ من أجلك على الثانية فإن اختلاف التفريعين ظاهر في ثبوت المغايرة الكاملة في البين و ان مرجع الدلالة الى عدم كون الدليل مريدا لتحقق الاصطياد في الخارج بل هو أمر قد

أراده الصائد و عزم عليه غاية الأمر ان الدليل يرشده الى الصيد و مكانه كدليل الطريق الذي لا يكون شأنه إلّا الإراءة و تبيينه من دون ان يكون غرضه متعلقا بالمقصد أصلا و امّا الإشارة فعلي ما يستفاد من تفريع الرواية يكون المراد بها هي الإشارة المؤثرة في أصل ارادة الاصطياد من الصائد فإن قوله: فيستحل من أجلك، أنّ الاصطياد و الاستحلال كان مستندا إلى الإشارة المحرّكة المؤثرة و عليه فمجرد الإشارة الخالية عن التشويق و التأثير داخل في الدلالة و لا تكون مقصودة من الإشارة في الرّواية هذا و لكن في جملة من الروايات الآتية المتعرضة لحرمة الدلالة و الإشارة قد اقتصر فيها على أحد العنوانين فهما كعنواني الفقير و المسكين إذا اجتمعا افترقا و إذا افترقا اجتمعا.

و امّا سائر الرّوايات فمنها: صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: المحرم لا يدلّ على الصيد فان دلّ عليه فقتل فعليه الفداء «1».

و منها: رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: و اجتنب في إحرامك صيد البرّ كلّه و لا تأكل ممّا صاده غيرك و لا تشر اليه فيصيده «2».

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الأوّل ح- 3.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الأوّل ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 311

..........

______________________________

و منها: مرسلة ابن (أبي خ ل) شجرة عمّن ذكره عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في المحرم يشهد على نكاح محلّين قال: لا يشهد ثم قال: يجوز للمحرم ان يشير بصيد على محلّ «1». و الظاهر كما افاده الصدوق و الشيخ ان الذيل استفهام إنكاري جي ء به شاهدا على عدم جواز

كون المحرم شاهدا على النكاح و لو كان بين الزوج و الزوجة المحلّين.

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: لا تأكل من الصيد و أنت حرام و ان كان اصابه محلّ «2». و قد نقل في الوسائل رواية أخرى لمعاوية بن عمار مفادها عين مفاد هذه الرواية و ان كان بينهما اختلاف يسير في التعبير و من الظاهر اتحاد الرّوايتين و عدم تعدّدهما.

و منها: صحيحة ابن أبي نصر عن أبي الحسن الرّضا- عليه السلام- قال سألته عن المحرم يصيب الصيد بجهالة قال: عليه كفارة قلت فإن أصابه خطاء قال:

و أيّ شي ء الخطاء عندك؟ قلت ترى هذه النخلة فتصيب نخلة أخرى فقال نعم هذا الخطاء و عليه الكفارة قلت فإنّه (فإن خ ل) أخذ طائرا متعمدا فذبحه و هو محرم قال: عليه الكفارة قلت جعلت فداك الست قلت ان الخطاء و الجهالة و العمد ليسوا بسواء فبأيّ شي ء يفضل المتعمد الجاهل و الخاطي؟ قال انه اثم و لعب بدينه «3».

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال ما وطئته أو وطأه بعيرك و أنت محرم فعليك فدائه و قال: اعلم انه ليس عليك فداء شي ء أتيته و أنت محرم جاهلا به إذا كنت محرما في حجّك أو عمرتك الّا الصيد فإن

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الأوّل ح- 8.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثاني ح- 3.

(3) وسائل أبواب كفارات الصيد الباب الواحد و الثلاثون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 312

..........

______________________________

عليك الفداء بجهالة كان أو عمد «1». و منها غير ذلك من الروايات الدالة على حكم الصّيد.

الجهة

الثالثة: في حكم الفرخ و البيضة و الوجه في التعرض لخصوصهما مضافا الى التبعيّة عن الروايات المتعرضة لهما انّ البيضة لا يصدق عليها عنوان الصيد فإن بيضة الصيد غير الصيد و لا يشملها ما يدل على حرمة الصيد كما انّ الفرخ لأجل عدم قدرته على الامتناع عن الإنسان أو حيوان آخر يكون خارجا عن مفهوم الصيد الذي يعتبر فيه الامتناع و التوحش كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى.

فنقول المعروف بل المتسالم عليه عندهم هي حرمتهما كالأصل أكلا و إتلافا مباشرة و دلالة و اعانة و الظاهر انه لم يقم دليل على الحرمة بالمطابقة بل مقتضى الروايات المتعددة ثبوت الكفارة فيهما و قد عرفت ان ثبوتها يكشف عن الحرمة في مورد الحكم الاولى.

منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: قال أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- في قيمة الحمامة درهم و في الفرخ نصف درهم و في البيض ربع درهم «2».

و منها: صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال في الحمام درهم و في الفرخ نصف درهم و في البيضة ربع درهم «3».

و مقتضى إطلاقهما ثبوت الحرمة لهما في مورد ثبوت الحرمة للحمام سواء كان محرما و لو في غير الحرم أو في الحرم و لو لم يكن محرما.

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الصيد الباب الواحد و الثلاثون ح- 4.

(2) وسائل أبواب كفارات الصيد الباب العاشر ح- 1.

(3) وسائل أبواب كفارات الصيد الباب العاشر ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 313

..........

______________________________

و منها: رواية الحرث بن المغيرة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سئل عن رجل أكل من بيض حمام الحرم و هو محرم قال: عليه لكلّ بيضة

دم و عليه ثمنها سدس أو ربع درهم- الوهم من صالح يعني الراوي عن ابن المغيرة- ثم قال: ان الدّماء لزمته لأكله و هو محرم و ان الجزاء لزمه لأخذه بيض حمام الحرم «1».

و منها: صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في ذيل الجهة الثانية فإن ما يوطأ بسبب الإنسان أو البعير هو الفرخ و البيض غالبا كما لا يخفى.

و منها: صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر- ع- قال سألته عن رجل محلّ اشترى لرجل محرم بيض نعامة فأكله المحرم قال على الذي اشتراه للمحرم فداء و على المحرم فداء قلت: و ما عليهما قال على المحلّ جزاء قيمة البيض لكل بيضة درهم و على المحرم لكل بيضة شاة «2».

الجهة الرّابعة: في حكم الصيد الذي ذبحه المحرم و المشهور شهرة عظيمة بل كما في الجواهر: لم يحك الخلاف فيه بعض من عادته نقله و ان ضعف بل في المنتهى و عن التذكرة الإجماع عليه انه يكون اكله حراما مطلقا على المحرم و المحلّ و انه ميتة كما في جملة من العبارات أو كالميتة كما في جملة أخرى لكن المحكي عن الفقيه و ابن الجنيد و الشيخ المفيد و السيّد المرتضى حلّية اكله على المحلّ لكن الذي ينبغي الالتفات اليه انّ العنوان المأخوذ في كلمات المشهور القائلين بالحرمة هو عنوان الذبح و المأخوذ في كلمات القائلين بالحلّية للمحلّ ما صاده المحرم فقد قال المفيد في

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الصيد الباب العاشر ح- 4.

(2) وسائل أبواب كفارات الصيد الباب الرابع و العشرون ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 314

..........

______________________________

المقنعة: «و لا بأس ان يأكل المحلّ مما صاده المحرم و على المحرم

فدائه على ما ذكرناه» و مثله نقل عن الباقين.

و عمدة مستند المشهور رواية إسحاق بن عمّار الآتية و امّا مرسلة ابن أبي عمير عمن ذكره عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال قلت له المحرم يصيب الصيد فيفديه أ يطعمه أو يطرحه؟ قال إذا يكون عليه فداء آخر قلت: فما يصنع به؟ قال:

يدفنه «1».

فمضافا إلى إرسالها و عدم تمامية ما اشتهر من ان مراسيل ابن أبي عمير كمسانيده لعدم الدليل عليه بل الدليل على خلافه كما قرر في محلّه- انّ الاستدلال بها على الحرمة على المحلّ أيضا مبني على كون قول السائل: أ يطعمه من باب الافعال و ناظرا إلى إطعام الغير من دون فرق بين ان يكون محرما أو محلا بل الحكم في الجواب بثبوت فداء آخر عليه قرينة على كون المراد بالغير هو المحلّ فتدبّر لانه لو كان القول المذكور من باب الثلاثي المجرد يكون السؤال ناظرا الى جعله طعاما لنفسه الذي يكون محرما كما هو المفروض في الرّواية و الظاهر ان عطف الطرح عليه قرينة على كون ذلك من باب الافعال لأن الطرح انّما هو سبب ناقص لتحقق أكل الغير و الّا لا يبقى فرق بينه و بين الدفن الذي أمر به في الجواب و لا مجال لاحتمال كون الفداء الآخر ناظرا الى خصوص قوله: أ يطعمه فان الظاهر ثبوت الفداء على كلا التقديرين كما لا يخفى.

و دعوى: ان الرّواية في مقام وجوب الفداء الآخر على المحرم لو أطعمه المحلّ و لا تدل على الحرمة المطلقة و امّا أمره بالدفن لأجل الفرار عن الفداء.

مدفوعة بأنه لو كان الصيد المزبور حلالا على المحلّ لم يكن وجه لثبوت الكفارة

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام

الباب العاشر ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 315

..........

______________________________

في إطعامه فالحكم بالثبوت لا ينطبق الّا على كونه حراما له.

كما انّ رواية وهب عن جعفر عن أبيه عن علي- عليهم السلام- قال إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحلال و الحرام و هو كالميتة و إذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة حلال ذبحه أو حرام «1». لا تصلح للاستناد إليها لضعف السند بوهب لانه على تقدير كونه هو وهب بن وهب كما لا تبعد دعوى انصراف إطلاقه إليه فهو من أكذب البريّة و على تقدير عدم الانصراف يكون مردّدا بين الثقة و غيره.

فيكون المستند الوحيد هو ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن الحسن الصفّار عن الحسن بن موسى الخشاب عن إسحاق عن جعفر- ع- انّ عليّا- عليه السلام- كان يقول إذا ذبح المحرم الصّيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله محلّ و لا محرم، و إذا ذبح المحلّ الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله محلّ و لا محرم «2». و المراد من إسحاق هو إسحاق بن عمار المعروف الفطحي الثقة و امّا الراوي عنه و هو الحسن بن موسى فقد قال النجاشي انه من وجوه أصحابنا و حكى عن البهبهاني- قده- في التعليقة روى عنه محمد بن احمد بن يحيى و لم يستثنه ابن الوليد.

و كيف كان فاستناد المشهور إليها يكفي في اعتبارها و لو فرض فيها ضعف من حيث السّند لكن صاحب المدارك قده- مال الى القول بالحلّ نظرا الى عدم اعتبار مثل هذه الرواية مما لا يكون رواتها إماميين عدولا خصوصا مع كون الروايات المقابلة صحاحا كما يأتي إن شاء اللّٰه تعالى هذا

بالنظر الى السند.

و أما من جهة الدّلالة فالمأخوذ في الرواية هو عنوان الذبح و لا إشكال في تحققه فيما إذا ذبح المحرم الصيد الذي اصطاده بنفسه أو اصطاده غيره و تصدى

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب العاشر ح- 4.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب العاشر ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 316

..........

______________________________

المحرم لذبحه فقط و امّا شموله لما إذا حصل موته بسبب الرّمي أو الكلب المعلّم بحيث لو لم يكن محرما لاتّصف بالتذكية فقد ذكر في الجواهر بعد ان حكى عن الشيخ احتمال التفصيل بين الذبح و التذكية بالرّمي بأن الأول ميتة بخلاف الثاني و عن قائل انه ظاهر اختيار المفيد في المقنعة: «يمكن دعوى الإجماع على كون المراد مطلق تذكية المحرم من الذبح نصّا و فتوى» و لكن الظاهر جريان المناقشة في هذا الكلام يأتي التعرض لها بعد إيراد الروايات المخالفة إن شاء اللّٰه تعالى.

و امّا قوله: فهو ميتة فظاهره أنه ميتة حقيقة لأن الميتة في اصطلاح الشرع ليست خصوص ما مات حتف انفه و بالموت الطبيعي بل المراد بها غير المذكى فلا يكون في الشرع الّا عنوانان: المذكى و الميتة فكل ما لم يكن مذكى بالتذكية الشرعية التي يعتبر فيها أمور مخصوصة كالتسمية و استقبال القبلة و فرى الأوداج الأربعة و غيرها من الأمور المعتبرة فيها يكون ميتة و عليه فلا وجه لاحتمال كون المراد هو التنزيل و التشبيه نظير قوله زيد أسد حيث لا محيص فيه عن التنزيل بل الظاهر كونه ميتة حقيقة و في نظر الشرع لا منزل منزلتها لكن قوله بعده:

لا يأكله .. يحتمل ان يكون من باب التعرض لبعض آثار الميتة التي

يقصد من الصيد نوعا و هو أكل لحمه من دون ان يكون ذلك موجبا للتقييد في قوله: فهو ميتة بل إطلاقه باق بحاله و الجملة التي بعدها من باب ذكر الخاص بعد العام لأجل الاهتمام بالخصوصيّة و يحتمل ان يكون قرينة على اختصاص الحكم بالأكل و عدم جريان سائر أحكام الميتة عليه و لكن الظاهر هو الأوّل و عليه فلو لم يكن في البين الا هذه الرواية لكان مقتضاها ترتب جميع أحكام الميتة عليه لفرض تحقق موضوعها شرعا بنحو الحقيقة و لكن هنا روايات أخرى يأتي التعرض لها إن شاء اللّٰه تعالى لعله يكون مفادها مخالفا مع هذه الرواية.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 317

..........

______________________________

و امّا ما يدلّ على جواز أكل المحلّ فعدّة روايات صحاح:

منها: رواية منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام- رجل أصاب صيدا و هو محرم آكل منه و انا حلال؟ قال: انا كنت فاعلا، قلت له:

فرجل أصاب مالا حراما فقال ليس هذا مثل هذا يرحمك اللّٰه انّ ذلك عليه «1».

و منها: رواية حريز قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن محرم أصاب صيدا أ يأكل منه المحلّ؟ فقال: ليس على المحلّ شي ء إنّما الفداء على المحرم «2».

و منها: رواية معاوية بن عمّار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل أصاب صيدا و هو محرم أ يأكل منه الحلال؟ فقال: لا بأس إنّما الفداء على المحرم «3».

و منها: رواية أخرى لمعاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- إذا أصاب المحرم الصيد في الحرم و هو محرم فإنّه ينبغي له ان يدفنه و لا يأكله أحد و إذا أصاب

في الحلّ فان الحلال يأكله و عليه الفداء «4». قال في الوسائل بعد نقل الرواية عن الكليني: و رواه الشيخ بإسناده عن حمّاد بن عيسى عن معاوية بن عمّار مثله الّا ان في نسخة «يدفنه» و في أخرى «يفديه».

و منها: رواية الحلبي قال المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه و يتصدق بالصيد على مسكين «5». و الظاهر ان المراد من الذيل هو التصدق بالصيد على المسكين فيدل على جواز اكله له و الّا لا وجه لوجوبه بل جوازه و احتمال كون الباء للسببيّة بحيث كان المراد هو لزوم التصدق على المسكين لأجل الصيد الذي قتله حراما

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثالث ح- 3.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثالث ح- 4.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثالث ح- 5.

(4) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثالث ح- 2.

(5) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب العاشر ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 318

..........

______________________________

و غير مشروع في غاية البعد لكن الإشكال في ان الحلبي لم ينقله عن المعصوم- عليه السلام- بل الظاهر كونه فتوى نفسه و ان كان يبعده ان مثل الحلبي لا يصدر منه الفتوى الّا بما سمع منه- ع- خصوصا بعد عدم كون الفتوى في تلك الأزمنة مغايرة للفظ الصادر عنه- ع- بخلاف مثل زماننا كما لا يخفى.

هذه هي الروايات الدالّة على الجواز التي يشترك جميعها سوى الأخيرة التي ربما يتأمل في كونها رواية في التعبير بإصابة المحرم الصيد.

و امّا الأخيرة فالتعبير فيها انّما هو بالقتل و امّا الرواية الدالة على المنع فقد عرفت انّ العنوان المأخوذ فيها هو الذبح و- ح- ان قلنا بثبوت التعارض بين الروايتين و

عدم إمكان جمع مقبول في البين فاللازم ترجيح دليل المشهور لأن الشهرة الفتوائية أوّل المرجحات في باب تعارض الخبرين كما قررنا في محلّه فلا محيص عن الالتزام بما عليه المشهور و الحكم بالحرمة مطلقا محلّا كان أو محرما و ان لم نقل بالمعارضة و قلنا بإمكان الجمع بينهما فاللازم ملاحظة وجه الجمع فنقول: يظهر من الجواهر إمكان الجمع بينهما بوجهين و ينبغي أوّلا التعرض لعبارته ثم توضيحها ثم بيان ما أورد أو يمكن ان يورد عليه قال بعد ترجيح الطائفة الأولى بالشهرة العظيمة و الإجماعات المحكية الجابرة على الطائفة الثانية و ان كانت صحيحة: «خصوصا بعد عدم الصّراحة في دلالة البعض لاحتمال ارادة غير القتل من الإصابة فيكون المحلّ هو المذكّى له و ان كان الذي رماه المحرم و كون الباء في «بالصيد»- يعنى الواقع في رواية الحلبي- للسببية و الصيد المصدرية أي يتصدق لفعله الصيد على مسكين أو مساكين خصوصا بعد ضعف القرينة المزبورة باختلاف النسخة في قوله: يدفنه على ما قيل فان بدلها في أخرى «يفديه» أو المراد جزاء الصيد أو غير ذلك بل عن الشيخ احتمال التفصيل بين الذبح و التذكية بالرمي فالأوّل ميتة بخلاف الثاني الذي يمكن حمل النصوص عليه بل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 319

..........

______________________________

قيل انّه ظاهر اختيار المفيد في المقنعة لكن يمكن دعوى الإجماع على كون المراد مطلق تذكية المحرم من الذبح نصّا و فتوى».

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 3، ص: 319

و مرجع الجمع الأوّل

إلى حمل مستند المشهور على تحقق الذبح و القتل من المحرم و حمل روايات الحليّة على كون المراد بالإصابة مجرّد الأخذ و الاستيلاء فقط و تحقق التذكية و الذبح من المحلّ فيكون ارتباط الصيد بالمحرم انّما هو في مجرّد أخذه ثم تسليمه الى المحلّ ليذبحه.

و مرجع الجمع الثاني الذي احتمله الشيخ الى حمل مستند المشهور على تحقق الذبح الخاص من المحرم من دون ان يكون شاملا للتذكية بالرمي أو بالكلب المعلم و شمول روايات الحليّة مضافة الى مجرد الأخذ و الاستيلاء للتذكية بأحدهما و عليه فيكون كل واحدة من الطائفتين شاملة للصورتين من الصور الأربع التي هي عبارة عن ذبح المحرم ما اصطاده بنفسه أو اصطاده غيره و ازهاقه روح الصيد بالرمي أو الكلب المعلّم و أخذه و استيلائه على الصيد و تسليمه الى المحلّ ليذبحه.

لكنه أورد صاحب الجواهر- قده- على هذا الجمع بأنه يمكن دعوى الإجماع على كون المراد مطلق تذكية المحرم من الذبح نصّا و فتوى و استشكل عليه بأنّه لو قلنا باعتبار الإجماع فإنّما نقول به في المسائل الفقهية و امّا الإجماع في استظهار المراد الراجع الى الفهم و الاستنباط فليس بحجة لأنه ليس في المسألة الفقهيّة.

أقول: بعد إخراج رواية الحلبي عن الروايات المخالفة لعدم كونها رواية عن المعصوم- عليه السلام- لعدم نقله عنه و لو بنحو الإضمار لا في الوسائل و لا في الكافي المطبوعين حديثا المشتملين على التذييلات و الرجوع الى المصادر الأصليّة بل نقل انه لم يكن موجودا في الكافي المطبوع و عليه فكيف رواه صاحب الجواهر عن الحلبي عنه- ع- الظاهر في ان المراد بمرجع الضمير هو أبو عبد اللّٰه- عليه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

الحج، ج 3، ص: 320

..........

______________________________

السلام- «1» فلا حاجة إذا إلى حمل قوله: و يتصدّق بالصيد على مسكين على خلاف ظاهره من ان المراد بالباء هو السببية أو كون المراد هو الجزاء و الفداء، يتعين الجمع الثاني لبعد إطلاق الذبح المأخوذ في دليل المشهور على التذكية بالرمي و نحوه و بعد حمل الإصابة في الروايات الكثيرة على مجرد الأخذ و الاستيلاء فقط مع تحقق التذكية بيد المحلّ و يؤيّده قوله- ع-: ان يدفنه في رواية ابن عمار المتقدمة على ما في رواية الكليني الذي هو أضبط من الشيخ- قده- في نقل الرّواية.

و بذلك يمكن الجمع بين الكلمات أيضا على ما ذكرنا في أوّل البحث فان العنوان المأخوذ في عبارات المشهور هو عنوان الذبح، و المأخوذ في عبارات المخالفين لهم هو عنوان الإصابة و ان كان يبعّده ان لازمة عدم تعرّض كل واحد من الطرفين لحكم العنوان الذي تعرض له الأخر و هو بعيد جدّا لكن الا بعد منه جعل عنوان الذبح شاملا لمجرد الأخذ و الاستيلاء الذي هو مورد الإصابة قطعا و القدر المتيقن من عنوانها.

و قد تحصّل من جميع ما ذكرناه انه على تقدير التعارض لا بد من ترجيح مستند المشهور و على تقدير عدمه يكون الترجيح مع الجمع الذي احتمله الشيخ- قده.

و كيف كان فقد عرفت انّ ظاهر رواية إسحاق المتقدمة التي هي دليل المشهور كون ذبيحة المحرم إذا كان صيدا ميتة حقيقة يترتب عليها جميع آثار الميتة و لا تختص الحرمة بالأكل و ان ذكره بعده انّما هو لأجل كونه الغرض المهم من الصيد و لكن وردت روايات متعددة فيما إذا اضطرّ المحرم الى الصيد و الميتة بحيث

______________________________

(1) لكن الشيخ و ان

رواه في التهذيب في موضع منه عن الكليني بهذا النحو لكنه رواه في موضعين آخرين منه و في موضع من الاستبصار عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- ع- قال المحرم الى آخر الحديث مع زيادة قوله فان عاد فقتل صيدا آخر لم يكن عليه جزاؤه و ينتقم اللّٰه منه و النقمة في الآخرة فراجع.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 321

..........

______________________________

كان أمره دائرا بينهما و مقتضاها لزوم تقديم الصيد على الميتة و في مقابلها و ان كان بعض الروايات الدالة على تقديم الميتة على الصيد الّا انّ الظاهر كونها مخالفة للمشهور و لا بد من طرحها و ان كان المحكي عن الشيخ- قده- انه حملها على ما لا ينافي الطائفة الأولى كالحمل على عدم التمكّن الّا من الميتة و غيره من المحامل الّا انه على تقدير عدم صحّة المحامل المذكورة لعدم اقتضائها للخروج عن عنوان التعارض يكون الترجيح مع الطائفة الأولى لما عرفت.

و كيف كان ففي بعض هذه الطائفة- مضافا الى ان نفس ترجيح الصيد على الميتة قرينة على عدم كونه ميتة و الّا لكان اللازم ان يكون حاله أسوء منها لانه مضافا الى كونه ميتة يكون اصطياده أيضا محرّما بخلاف الميتة التي لا يكون فيها إلّا أثارها و ليس في اتصافها بذلك وقوع فعل محرّم حتى لو قتل ما يملكه من الغنم- مثلا- على غير طريق شرعي متعمدا كترك ذكر اسم اللّٰه عليه كذلك فإنه لا يكون في البين الّا الاتصاف بكونه ميتة و ترتب آثار الميتة عليه من دون ان يكون هناك عمل محرّم- ما يدل على كون الصيد

الذي ذبحه المحرم ملكا و مالا مضافا اليه و هذا لا يجتمع مع كونه ميتة لعدم ثبوت المالية بالنسبة إليه ففي رواية يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن المضطرّ إلى الميتة و هو يجد الصيد قال:

يأكل الصيد، قلت انّ اللّٰه عزّ و جلّ قد أحلّ له الميتة إذا اضطرّ إليها و لم يحلّ له الصيد قال: تأكل من مالك أحب إليك أو ميتة؟ قلت من مالي قال: هو مالك لأنّ عليك فدائه قلت فان لم يكن عندي مال؟ قال تقضيه إذا رجعت الى مالك «1».

و رواية أبي أيّوب قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل اضطرّ و هو

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الصيد الباب الثالث و الأربعون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 322

..........

______________________________

محرم الى صيد و ميتة من أيّهما يأكل؟ قال يأكل من الصيد قلت فانّ اللّٰه قد حرّمه عليه و أحلّ له الميتة و قال: يأكل و يفدي فإنما يأكل من ماله «1».

و غيرهما من الروايات الدالة على هذا المعنى الذي مقتضاه ثبوت المالية للصيد و إضافتها إلى المحرم و لازمة عدم كونه ميتة يترتّب عليه جميع أحكامها فاللازم- ح- بمقتضى هذه الروايات التصرف في ظهور رواية إسحاق المتقدمة في كونه ميتة حقيقة و الحكم بأن ذبيحة المحرم انما تكون كالميتة في بعض الاحكام خصوصا مع عدم معروفية اشتراط كون المذكى محلّا و لو بالإضافة إلى الصيد و في بعض الروايات جواز استعمال جلود الصيد التي جعل فيها الماء مثل رواية ابن مهزيار قال سألت الرجل- ع- عن محرم يشرب الماء من قربة أو سقاء اتخذ من جلود الصيد هل

يجوز ذلك أولا فقال يشرب من جلودها «2».

نعم ربما يقال انّ هذا لا اثر له بالإضافة إلى الصلاة في اجزائه لأن صحتها مترتبة على حلية الأكل و عدم كونه غير المأكول من دون فرق بين ان تكون الحرمة بالذات كالحيوانات المحرمة بالأصل و ان تكون بالعرض كالمحلّل الذي صار محرما لأجل الجلل أو كونه موطوء للإنسان نعم ثمرته تظهر في مثل الانتفاع بجلده في اللبس و غيره.

لكن تفصيل البحث في المراد من غير المأكول موكول الى كتاب الصّلاة و قد تقدم سابقا فراجع.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا في هذه الجهة انّ الاحتياط الوجوبي المذكور في المتن بعد النسبة إلى المشهور ان كان راجعا إلى أصل الحكم و هي حرمة ذبيحة

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الصيد الباب الثالث و الأربعون ح- 6.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب التاسع ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 323

..........

______________________________

المحرم إذا كانت صيدا مطلقا للمحرم و المحلّ فاللازم ان يقال بالتفصيل بين الصورتين من تلك الصور الأربع المتقدمة و هما ما إذا كان الذبح المتعارف صادرا من المحرم سواء كان اصطياده بيده أو بيد غيره و بين غيرهما من الصورتين الأخيرتين بالفتوى بالحرمة المطلقة في الأوليين و الاحتياط اللزومي في الصورة الثالثة و الجواز في الصورة الرابعة التي لم يتحقق من المحرم الّا مجرد أخذ الصيد و الاستيلاء عليه و تحقق الإزهاق من المحلّ.

و ان كان راجعا الى كون مذبوح المحرم ميتة يترتب عليها جميع آثار الميتة كما عرفت انّه مفاد رواية إسحاق المتقدمة التي هي دليل المشهور فهو و ان كان مطابقا للاحتياط الّا ان النسبة إلى المشهور في غير المحلّ و

ان استظهره بعض بل استقر به العلامة في محكي التحرير مع ان لزوم الاحتياط المزبور ممنوع لما عرفت من روايات ترجيح الصيد على الميتة إذا اضطر المحرم إلى أحدهما هذا و لكن الظاهر انّ مراد المتن هو الاحتمال الأوّل فتدبّر.

الجهة الخامسة: في حكم الطيور و الجراد و الظاهر انه لا خفاء في كونه الطيور بحكم الصيد البرّي بل من مصاديقه لأنّ لازم الطيران ذلك لعدم اجتماعه مع كونه من الحيوانات البحريّة و سيأتي المعيار في البحرية إن شاء اللّٰه تعالى.

و امّا الجراد فالتعرض له في النصوص و الفتاوى انّما هو لأجل كون أصله من الماء و لذا ربما يتوهّم كونه من صيد البحر و يجوز للمحرم أيضا فنقول امّا من حيث الفتوى فقد ذكر في الجواهر بعد قول المحقق: و الجراد في معنى الصيد البرّي.

«عندنا بل في المنتهى و عن التذكرة انه قول علمائنا و أكثر العامّة، و في المسالك لا خلاف فيه عندنا خلافا لأبي سعيد الخدري و الشافعي و احمد في رواية».

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 324

..........

______________________________

و امّا من حيث الرواية فقد ورد فيها ثلاث طوائف من الروايات كلها مشتركة في الدلالة على الحرمة في صورة الاختيار بالمطابقة أو الالتزام:

الطائفة الأولى: ما تدل بالمطابقة على الحرمة للمحرم مثل صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: مرّ عليّ- صلوات اللّٰه عليه- على قوم يأكلون جرادا فقال سبحان اللّٰه و أنتم محرمون فقالوا: انّما هو من صيد البحر فقال لهم: ارمسوه في الماء إذا «1». أي لو كان بحريّا لعاش فيه لا مجرد الرمس في الماء و لو آناً ما.

و صحيحة زرارة عن أحدهما- عليهما السلام-

قال: المحرم يتنكب الجراد إذا كان على الطريق فان لم يجد بدّا فقتل فلا شي ء عليه «2».

و التنكب في الرواية هو الاعراض و العدول عن الطريق.

و موثقة أبي بصير قال سألته عن الجراد يدخل متاع القوم فيدرسونه من غير تعمد لقتله، أو يمرّون به في الطريق فيطأونه قال ان وجدت معدلا فاعدل عنه فان قتلته غير متعمد فلا بأس «3».

و صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال ليس للمحرم ان يأكل جرادا و لا يقتله الحديث «4».

و غير ذلك من الروايات الواردة في هذه الطائفة.

الطائفة الثانية: ما تدل على ثبوت الكفارة فيه الدالة بالالتزام على الحرمة مثل:

صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في محرم قتل جرادة قال: يطعم

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع ح- 1.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع ح- 2.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع ح- 3.

(4) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 325

..........

______________________________

تمرة و تمرة خير من جرادة «1».

و صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته عن محرم قتل جرادا كثيرا قال: كفّ من طعام و ان كان أكثر فعليه شاة «2».

و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- انه قال: اعلم انّ ما وطئته من الدّبا أو أوطأه بعيرك فعليك فدائه «3». و الدّبا الصغير من الجراد.

الطائفة الثالثة: ما تدل على الجواز مع عدم إمكان التحرز و عدم ثبوت الكفارة في هذه الصورة و مع عدم التعمّد و لازمة الحرمة مع غيرهما مثل:

صحيحة معاوية قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام-

الجراد يكون في ظهر الطريق و القوم محرمون فكيف يصنعون؟ قال يتنكّبونه ما استطاعوا قلت فان قتلوا منه شيئا فما عليهم؟ قال لا شي ء عليهم «4». بل الجواب عن السؤال الأول يدل بالمطابقة على الحرمة بل على مفروغيتها عند السائل فقد ظهر ان النص و الفتوى متطابقان على الحرمة نعم يختص موردها بالجراد البرّي الذي يعيش في البرّ و لا يشمل الجراد البحري الذي يعيش في البحر كما لا يخفى.

الجهة السادسة: في انه هل يختص تحريم الصيد البري على المحرم بما إذا كان محلّل الأكل كالظبي و نحوه أو يعم محرم الأكل أيضا كالذئب- مثلا- ذكر الفاضل النراقي في المستند: «الصيد المحرم يشمل كل حيوان ممتنع بالأصالة سواء كان مما يؤكل أو لا

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الصيد الباب السابع و الثلاثون ح- 2.

(2) وسائل أبواب كفارات الصيد الباب السابع و الثلاثون ح- 3.

(3) وسائل أبواب كفارات الصيد الباب السابع و الثلاثون ح- 8.

(4) وسائل أبواب كفارات الصيد الباب الثامن و الثلاثون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 326

..........

______________________________

وفاقا للشرائع و التذكرة بل جملة من كتب الفاضل و جمع من المتأخرين و عن الراوندي انه مذهبنا معربا عن دعوى الإجماع ثم أخذ في إقامة الدليل عليه و استثنى من العموم الأفعى و العقرب و الفأرة الى ان قال: قد خالف هنا جماعة في الصيد المحرم اكله بل في المفاتيح حكى عن الأكثر فقيدوا الصيد المحرّم بالمحلل من الممتنع فجوّزوا صيد كل ما لا يؤكل امّا مطلقا أو باستثناء الأسد و الثعلب و الأرنب و الضب و اليربوع و القنفذ و الزنبور و العظاية فحرّموا صيدها أيضا كجماعة استنادا الى

عدم وجوب كفارة في غير المأكول سوى الثمانية».

أقول المهمّ في هذه الجهة أمران لا بد من ملاحظتهما:

الأمر الأوّل: ان الصّيد بعد وضوح اختصاص مفهومه بالممتنع هل مفاده العموم لغة و عرفا بالإضافة إلى محرّم الأكل أيضا أم لا ربما يقال بالثاني لقولهم: سيد الصيد الأسد و للتعبيرات الواقعة في كلمات الأدباء نثرا و نظما سيّما ما وقع في كلام سيّدهم عليّ أمير المؤمنين- عليه أفضل صلوات المصلين- من قوله- على ما نسب اليه-: صيد الملوك ثعالب و أرانب .. و إذا ركبت فصيدي الابطال.

و أنت خبير بان الاستعمال أعم من الحقيقة و أصالة الحقيقة لا اثر لها إلّا في استكشاف المراد لا في كيفية الاستعمال بعد وضوح المراد مع انه يحتمل في كلام المولى- ع- ان يكون المراد بالثعالب و الأرانب هو الرجال غير الابطال الذين فيهم خصيصة الثعالب و الأرانب لا ما هو مفاد العنوانين حقيقة و تؤيده قرينة المقابلة فتدبر و ظهور كون الصيد الواقعي للملوك هو الظبي و مثله من الحيوانات المحلّلة نوعا لا مثل الثعالب و الأرانب إلّا نادرا و ان كان يمكن ان يقال بان مراده- ع- عدم اطلاع الملوك على فنّ الاصطياد أيضا.

الأمر الثاني: الآيتان الواردتان في أصل مسألة الصيد المتقدمتان في أول بحثه فنقول:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 327

..........

______________________________

اما الآية الثانية و هي قوله تعالى وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً فربما يقال باختصاص الصيد الواقع فيه بالحيوان المحلّل لان الحيوان المحرم لا تختص حرمته بحال الإحرام لأن ما لا يؤكل لحمه يحرم اكله مطلقا في حال الإحرام و عدمه مع ان ظاهرها الاختصاص بحال الإحرام فلا بد من الالتزام

بالاختصاص بالمحلّل.

و أورد عليه بعض الاعلام- قدّس سرّه الشريف- بان الصيد المذكور في الآية أريد به معناه المصدري و هو اصطياد الحيوان و الاستيلاء عليه لا الحيوان المصيد مستشهدا على ذلك بصدر الآية الشريفة أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّٰارَةِ فإن المراد من الصيد فيه هو الاصطياد لانه لو كان المراد به هو المصيد لم يكن مجال لذكر قوله تعالى وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ فمعنى الآية، ان الاصطياد من البحر حلال مطلقا و الاصطياد من البرّ حرام في خصوص حال الإحرام و امّا في غيره فلا حرمة للاصطياد.

و الجواب عنه- مضافا الى ان قوله تعالى في الآية السابقة على هذه الآية:

«لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ ..» لا خفاء في كون المراد من الصيد الواقع فيه هو المصيد كما هو واضح و الظاهر اتحاد المراد من الصيد في الآيتين- ان لازم ما افاده كون مفاد الآية بيان الحكم في جانب الحلّية بالإضافة إلى الاصطياد و الانتفاع بالحيوان المصطاد معا و في جانب الحرمة بيان الحكم بالنسبة إلى الاصطياد فقط مع ان الغرض المهم في باب الصيد هي الاستفادة من الحيوان المصيد و من الواضح انه لا ملازمة بين حرمة الاصطياد و بين حرمة الأكل و حرمة الاصطياد لا تنافي ذكر اسم اللّٰه المعتبر في التذكية كتذكية الحيوان المغصوب فإنّه مع كونه محرمة لا تنافي صحة التذكية المؤثرة في حلية الأكل و الطهارة و غيرهما و عليه فالظاهر ان المراد بالصيد في صدر الآية هو المصيد أيضا غاية الأمر ان تعلق الحل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 328

..........

______________________________

و الحرمة بالذوات ظاهر في تعلق الحكمين بجميع الأفعال

المتعلقة بهما و لا ينافي ذلك خروج بعضها لدليل فالمراد من طعام البحر هو صيده أيضا.

لكن المراجعة إلى التفاسير ترشدنا الى ثبوت المغايرة بين الصيد و الطعام بعد اتّفاقها جلّا في كون المراد من الصيد هو المصيد قال القرطبي في تفسيره الكبير الموضوع للجهات الفقهية القرآنية المسمّى ب «الجامع لأحكام القرآن» بعد تفسير صيد البحر بكل ما صيد من حيتانه و ان الصيد يراد به المصيد: «هو- يعنى الطعام- عبارة عما قذف به البحر و طفا عليه، أسند الدار قطني عن ابن عباس في قول اللّٰه- عزّ و جلّ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّٰارَةِ- الآية- صيده ما صيد و طعامه ما لفظ (البحر) و روى عن أبي هريرة مثله و هو قول جماعة كثيرة من الصحابة و التابعين، و روى عن ابن عبّاس طعامه ميتته و هو في ذلك المعنى و روى عنه انه قال: طعامه ما ملّح منه و بقي و قاله معه جماعة، و قال قوم طعامه ملحه الذي ينعقد من مائه و سائر ما فيه من نبات و غيره».

و شبيه هذا ما ذكره الطبرسي في مجمع البيان من دون ان يكون احتمال كون الصيد بمعنى الاصطياد منقولا فيه عن أحد من مفسّري الفريقين نعم لا مجال لاحتمال كون المراد من الطعام هي ميتة البحر على مذاق أصحابنا الإمامية.

و في تفسير العيّاشي عن زيد الشحام عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته عن قول اللّٰه أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّٰارَةِ قال: هي الحيتان، المالح و ما تزودت منه أيضا و ان لم يكن مالحا فهو طعام.

و يدلّ أيضا على ان المراد بالصيد

في قوله تعالى أُحِلَّ .. هو المصيد لا الصيد بالمعنى المصدري انّ الظاهر كون قوله مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّٰارَةِ ناظر إلى إحلال الصيد و الطعام معا لا الى خصوص الطعام و من الواضح انه لا ملاءمة بين حلية الصيد بالمعنى المصدري و بين قوله متاعا بل الظاهر ان قوله مَتٰاعاً لَكُمْ ناظر الى الصيد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 329

..........

______________________________

الذي يكون المراد منه هو الطّري الذي لا يكون صالحا للإبقاء من دون علاج و قوله لِلسَّيّٰارَةِ ناظر الى الطعام الذي يكون فيه صلاحية البقاء لأجل كونه مملوحا و عليه فلا مجال لدعوى كون المراد من الصيد في مورد الحلية هو الاصطياد و مقتضى وحدة السياق كون المراد من الصيد في قوله وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ .. أيضا ذلك و مقتضى تخصيص التحريم بحال الإحرام كون المراد هو الذي يكون محلّل الأكل و الّا لا يبقى فرق بين المحرم و المحلّ بعد كون الغرض المهم في باب الصيد هي الاستفادة من لحمه فلا دلالة للآية على أزيد من تحريم صيد الحيوان البرّي المحلّل نعم لا دلالة لها أيضا على عدم تحريم غيره بل هي ساكتة عن ذلك و لا بد في استفادة التحريم من الاستناد الى دليل آخر.

و امّا الآية السابقة على هذه الآية و هي قوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ الى قوله:

وَ مَنْ عٰادَ فَيَنْتَقِمُ اللّٰهُ مِنْهُ وَ اللّٰهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقٰامٍ. فالمستفاد منه بعد وضوح كون الصيد فيه بمعنى المصيد ان حرمة القتل تختص بما كان فيه جزاء و

كفارة خصوصا بعد كون الجزاء مثل المقتول في القيمة و المالية لا المثل المقابل للقيمي و من الواضح انّ محرم الأكل لا كفارة فيه غير الموارد المنصوص عليها التي ذكرها في المستند في العبارة المتقدمة مع ان محرّم الأكل لا قيمة له و لا مالية فما لا كفارة فيه لا يحرم قتله و ما لا يحرم قتله لا يحرم صيده مطلقا.

و أورد عليه بمنع الملازمة بين حرمة القتل و ثبوت الكفارة و الآية صريحة في حرمة الإعادة و الانتقام منه الظاهر في عدم ثبوت الكفارة عليه كما وقع التصريح به في النصوص.

و الجواب ان الملازمة و ان كانت ممنوعة كما أفيد الّا ان ظهور الآية في الملازمة بين الحرمة و الكفارة في ابتداء القتل دون الإعادة لا مجال لإنكاره بمعنى ان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 330

..........

______________________________

المستفاد من الآية الحرمة في مورد ثبوت الكفارة لا بمعنى دلالتها على عدمها عند عدم الكفارة بل بمعنى كونها ساكتة عن مورد عدم ثبوت الكفارة و انه لا يستفاد منها أزيد من الحرمة في مورد ثبوتها كما لا يخفى فهذه الآية أيضا لا تدل على عموم الحرمة للحيوان المحرم.

نعم ربما يستدل عليه ببعض الرّوايات و هي رواية معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث قال: ثم اتّق قتل الدوابّ كلها إلّا الأفعى و العقرب و الفأرة، فأمّا الفأرة فإنّها توهي السقاء و تضرم على أهل البيت، و امّا العقرب فانّ رسول اللّٰه- ص- مدّ يده الى الحجر فلسعته فقال: لعنك اللّٰه لا برّا تدعينه و لا فاجرا، و الحيّة إن أرادتك فاقتلها و ان لم تردك فلا تردها و

الأسود الغدر فاقتله على كل حال و لدم الغراب و الحدأة رميا على ظهر بعيرك «1».

و لكنها- مضافا الى ان مقتضى عمومها لزوم اتقاء قتل الحيوانات الأهليّة المحللة الأكل مع انه لا إشكال في جوازه على المحرم و ان كان في الحرم كما إذا تصدى بنفسه لذبح الهدي يوم النحر بمنى مع عدم خروجه عن الإحرام بعد و الى انّ مدلولها ليس هي الحرمة بعنوان الصيد لعدم اشعار فيها به و ان كان يمكن ان يقال بأنه لا ينطبق عليه غير عنوان الصيد من العناوين المحرّمة في باب الإحرام- لا تنطبق على المدعى فإنه عبارة عن حرمة صيد المحرّم كالمحلّل بحيث كان متعلق الحرمة أعم من الاصطياد و الأكل و الدلالة و الإشارة و الاغلاق و غيرها و لا دلالة لهذه الرواية على أزيد من حرمة القتل و دلالة الآية المتعرضة لحرمة قتل الصيد على حرمة غيره من الأفعال انّما هي بمعونة النصوص و الروايات أو بقرينة الآية اللاحقة الظاهرة في تعلق الحرمة بالصيد بمعنى المصيد و الّا فالآية أيضا بمجرّدها

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الواحد و الثمانون ح- 2 و في التهذيب: و تضرم على أهل البيت البيت.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 331

..........

______________________________

لا تدل على أزيد من حرمة قتل الصيد و كيف كان فالرواية أيضا لا تنطبق على المقام.

لكن هنا أمر ينبغي التنبيه عليه و هو انه احتاط في المتن وجوبا ترك قتل الزنبور و النحل إذا لم يقصدا إيذائه و كان مأمونا من اذيهما مع انه يرد عليه انّ الزنبور ان كان من مصاديق الصيد الذي يكون محرّما على المحرم فلم اختص الاحتياط الوجوبي بترك

قتله دون مثل أخذه و الاستيلاء عليه و الاستفادة منه خصوصا في النحل الذي يكون المقصود منه غالبا هو العسل الذي يصنعه و ان لم يكن من مصاديق الصّيد المزبور فلا ارتباط له بمسألة الصيد حتى يذكر عقيبه مع انّ منشأ الاحتياط المذكور وجود رواية صحيحة في مورد قتل الزنبور الدالة على ثبوت الكفارة في تعمد قتله الملازمة لثبوت الحرمة و سيأتي التعرض لها إن شاء اللّٰه تعالى غاية الأمر عدم ثبوت الفتوى على طبقها مع ان هنا روايات تدل على عدم جواز قتل السّباع كلها في حال الإحرام مع عدم الخوف و الخشية منها و قد افتى الفقهاء على طبقها فلم لم يتعرض في المتن له و ان كان يرد على الفقهاء أيضا ان حرمة قتل السباع في الصورة المذكورة ان كانت مرتبطة بالصيد فلم لم يتعرضوا له في باب الصيد بل تعرضوا له في باب الكفارات و ان لم تكن مرتبطة بالصيد كما يؤيّده ما حكى عن الأكثر على ما عن المفاتيح من تخصيص الصيد المحرم بمحلّل الأكل و ما جعلوه عنوانا للمحرم في السباع من خصوص القتل فلم لم يجعلوها في عداد حرمة سائر محرمات الإحرام مع تعرضهم لما هو أدون منه كما لا يخفى.

و كيف كان فيدل على حرمة قتل الزنبور مطلقا صحيحة معاوية عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته عن محرم قتل زنبورا قال ان كان خطأ فليس عليه شي ء، قلت لا بل متعمّدا قال يطعم شيئا من طعام، قلت انه أرادني، قال: كل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 332

..........

______________________________

شي ء أرادك فاقتله «1».

و تؤيدها روايتا غياث بن إبراهيم عن أبيه «2» و

وهب بن وهب «3».

و امّا السباع فالكلام فيه هنا من جهة الحكم التكليفي و هو الجواز و عدمه و امّا من جهة الحكم الوضعي و هو ثبوت الكفارة و عدمه فموكول الى محلّ آخر فنقول امّا من جهة الفتاوى فظاهر الجواهر انه لا خلاف في الحرمة الّا من صاحب الرياض حيث اختار الكراهة بناء على عدم ثبوت الكفارة فيه.

و امّا من جهة النص فمقتضى الروايات المتعددة الحرمة و لا داعي إلى حملها على الكراهة بعد عدم ثبوت الاعراض عنها بل الفتوى على طبقها كما حكى عن بعضهم صريحا.

منها: رواية معاوية بن عمار المتقدمة الظاهرة في وجوب اتّقاء قتل الدواب كلها الّا ما استثنى من العناوين الثلاثة معلّلا لاستثناء الفأرة بأنّها توهي السقاء و تضرم على أهل البيت و المراد منه كما في شرح التهذيب المسمّى ب «ملاذ الأخيار» انّها تخرقه أو تحلّ رباطه فيذهب ما فيه ثم حكى عن القاموس: الوهي الشق في الشي ء و هي كوعى و ولى تخرق و انشق و استرخى رباطه ثم قال و الاضرام على أهل البيت لأنّها تجرّ الفتيلة الى جحرها فتحرق البيت.

قلت: يحتمل ان تكون هذه الجملة كناية عن الخسارة الكثيرة المتوجهة الى البيت و اهله من جهة الفأرة لا معناها الحقيقي فتدبر.

و امّا قوله: الى الحجر في تعليل استثناء العقرب فقد ذكر في الشرح ان المراد هو الحجر الأسود للاستلام ثم قال: و في بعض النسخ بتقديم الجيم و هو تصحيف

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الواحد و الثمانون ح- 9.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الواحد و الثمانون ح- 8.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الواحد و الثمانون ح- 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة

- الحج، ج 3، ص: 333

..........

______________________________

و الحدأة كعنبة طائر معروف و الجمع حداء و حدا قاله في القاموس- و الظاهر انه الذي يسمّى في الفارسية ب «زغن»- و المراد من الأسود هو الحية العظيمة.

و كيف كان فلا شبهة في ان مقتضى عموم الرواية لزوم الاجتناب عن قتل السّباع ماشية و طائرة و خروج مثل الحيوانات الأهلية لا يقدح في لزوم العمل بالعموم في موارد عدم ثبوت الدليل على التخصيص نعم لا مجال لدعوى إلغاء الخصوصية من عنوان «القتل» المأخوذ في الرّواية و عليه فلا دلالة لها على حرمة أخذ السباع و الاستيلاء عليها في المواضع المعدّة لحفظها لمشاهدة الناس ايّاها- مثلا.

و منها: رواية حريز عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: كلّ ما يخاف المحرم على نفسه من السّباع و الحيّات و غيرها فليقتله و ان لم يردك فلا ترده «1». و الأمر بالقتل في الصورة الاولى و ان كان يمكن المناقشة في دلالته على الوجوب لكونه في مقام توهم الحظر الّا ان النهي عنه في الصورة الثانية لا مجال لرفع اليد عن ظهوره في الحرمة إلّا أن الاشكال في سند الرواية حيث انّه رواها الشيخ مسندة، صحيحة، عن حريز عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- و رواها الكليني عن حريز عمّن أخبره و لو لا كان الراوي شخصا واحدا لقلنا بأنه لا منافاة بين الطريقين و لا مجال لرفع اليد عن السند الصحيح الّا انه مع وحدة الراوي و هو حريز لا يبقي مجال لاحتمال التعدد خصوصا مع كون الراوي عن حريز في كلا الطريقين هو حمّاد حيث ان الكليني أضبط في نقل الرواية لتمحض فنّه فيه فالرواية مرسلة لا اعتبار بها أصلا.

و منها:

صحيحة عبد الرحمن العزرمي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- عن أبيه

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الواحد و الثمانون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 334

..........

______________________________

عن عليّ- عليهما السلام- قال: يقتل المحرم كلّما خشي على نفسه «1».

و على ما ذكرنا فاللازم الالتزام بحرمة قتل السباع على المحرم فيما إذا لم يخف على نفسه و إن لم تكن مرتبطة بمسألة الصيد.

الجهة السابعة: فيما يتعلق بصيد البحر و الكلام فيه في ضمن أمور:

الأمر الأوّل: انه لا شبهة في عدم حرمة صيد البحر على المحرم و في الجواهر: «بلا خلاف بل الإجماع بقسميه عليه بل عن المنتهى دعوى إجماع المسلمين عليه و انه لا خلاف فيه بينهم».

و يدلّ عليه قبل الإجماع مجموع الآيتين الواردتين في الصيد فان قوله تعالى:

لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ و ان كان مطلقا شاملا لصيد البحر أيضا الّا ان قوله وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً قرينة على التقييد و اختصاص الأوّل بصيد البرّ لا لأجل ثبوت المفهوم بل لأجل كون الحكم المرتبط بالصيد الذي وقع التعرض له في الآيتين حكما واحدا فإضافة متعلقه الى البرّ تدل على كون الحكم محدودا بذلك نعم لا يلزم إثبات دلالة الآية على عدم حرمة غيره و ان كان قوله:

أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ .. مطلقا شاملا للمحرم و غيره و لا مجال لاحتمال كون قوله تعالى لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ قرينة على اختصاص الحلّية بغير المحرم.

و يؤيد ما ذكرنا استشهاد الامام- ع- بالآية على حلّية صيد البحر على المحرم و من الواضح ان مرجع الاستشهاد إلى إفادة الآية بنفسها لذلك لوضوح الفرق بين الاستشهاد و بين التفسير و

التبيين للآية و ان كان على خلاف ظاهرها.

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الواحد و الثمانون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 335

..........

______________________________

و الرّوايات الدالة على الحلية متعددة:

منها: رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السّلام- قال: و اجتنب في إحرامك صيد البرّ كلّه و لا تأكل ممّا صاده غيرك و لا تشر اليه فيصيده «1».

و منها: رواية حريز عمن أخبره عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال لا بأس بأن يصيد المحرم السّمك و يأكل مالحه و طريّه و يتزود قال اللّٰه أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ قال مالحه الذي تأكلون و فصل ما بينهما، كل طير يكون في الإجام يبيض في البرّ و يفرخ في البر فهو من صيد البرّ، و ما كان من صيد البرّ يكون في البرّ و يبيض في البحر فهو من صيد البحر «2». و رواها الشيخ مسندة بطريق صحيح عن حريز و لكن عرفت انه مع وحدة الراوي تتردد الرواية بين الإرسال و غيرها و حيث ان الكليني أضبط فالرواية تكون مرسلة غير معتبرة.

و منها: صحيحة معاوية عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث قال:

و السّمك لا بأس بأكله طريّه و مالحه و يتزوّد قال اللّٰه تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّٰارَةِ قال فليتخيّر الذين يأكلون و قال: فصلّ ما بينهما كل طير يكون في الإجام يبيض في البرّ و يفرخ في البرّ فهو من صيد البرّ، و ما كان من الطير يكون في البحر و يفرخ في البحر فهو من صيد البحر «3».

و منها: رواية محمد بن مسلم عن أبي

جعفر- عليه السلام- قال: مرّ علىّ- صلوات اللّٰه عليه- على قوم يأكلون جرادا فقال سبحان اللّٰه و أنتم محرمون؟ فقالوا انّما هو من صيد البحر فقال لهم ارمسوه في الماء إذا «4». فإنّها تدل على مفروغية

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الأوّل ح- 5.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السادس ح- 3.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السادس ح- 1.

(4) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 336

..........

______________________________

عدم حرمة صيد البحر و ان إنكار الإمام- ع- بالنسبة إلى الجراد انّما هو من جهة عدم كونه من صيد البحر و الّا فالكبرى كانت مسلّمة.

و منها غير ذلك من الروايات الدالة على الحلية فلا شبهة في هذا الأمر.

و هنا فرعان: أحدهما: انه لو فرض ثبوت صنفين لنوع واحد يكون أحدهما بحريّا و الأخر برّيا يترتب على كل منهما حكمه فيحرم على المحرم صيد الثاني دون الأوّل و هذا كالجراد فان له صنفا بحريّا أيضا يسمّى بالخطّاف كما حكاه في كتاب «معجم الحيوان» للمعلوف عن الدميري و انّها سمكة ببحر سبتة لها جناحان على ظهرها أسودان تخرج من الماء و تطير في الهواء ثم تعود الى البحر و عن كتاب سلسلة التواريخ حيث قال: و ذكروا ان في ناحية البحر سمكا صغيرا طيّارا يطير على وجه الماء يسمّى جراد الماء ..

و الظاهر انه غير روبيان الذي عرّف بأنه برغوث البحر و كيف كان لا إشكال في أصل الحكم و ان الصنف البحري يجوز صيده للمحرم.

ثانيهما: انه لو كان حيوان ذا حياتين يعيش في البحر الذي يكون المراد به ما يعم النهر و يعيش في البر أيضا

كالبط فالظاهر جريان حكم صيد البرّ عليه و يدلّ عليه صحيحة معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- الجراد من البحر، و قال كل شي ء أصله في البحر و يكون في البرّ و البحر فلا ينبغي للمحرم ان يقتله، فان قتله فعليه الجزاء كما قال اللّٰه- عزّ و جلّ- «1».

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السادس ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 337

..........

______________________________

الأمر الثاني: في المعيار و المناط في كون الصيد بحريّا فنقول قال المحقق في الشرائع بعد الحكم بأنه لا يحرم على المحرم صيد البحر: «و هو ما يبيض و يفرخ في الماء» و من الظاهر ان البيض و الفرخ منضمّا يكون من شئون الطير مع ان عمدة صيد البحر هو السمك و هو و ان كان يبيض الّا انه لا فرخ له فكيف يجعل المعيار في مطلق الصيد البحري ذلك نعم لا يرد هذا الاشكال على روايتي حريز و معاوية المتقدمتين فان صدرهما و ان كان متعرضا لحكم السمك و ان صيده حلال على المحرم و كذا اكله، مالحه و طريّه الّا ان مورد الذيل المتعرض لبيان الضابطة و هي ان يبيض و يفرخ في البحر أو في البرّ هو الطير، الذي يكون في الآجام و ان كان يرد عليهما انّ التعرض للضابطة بالإضافة إلى خصوص الطير الكذائي دون مطلق صيد البحر لا يرى له وجه الّا ان يقال بأنّ الضابطة انّما هي بالإضافة إلى الموارد المشكوكة و السمك الذي لا حياة له خارج الماء أصلا لا شبهة في كونه بحريّا بالمعنى الوسيع الشامل للبحر الذي أشرنا إليه آنفا.

و كيف كان فالإشكال على عبارة

الشرائع بحاله الّا ان يقال بان المراد من العبارة المذكورة هو المعنى الكنائي الذي يرجع الى ان توليد مثله يكون في البحر و ان لم يكن له فرخ كما في سائر التعبيرات الكنائية مثل زيد كثير الرماد أو مهزول الفصيل و مثلها هذا و امّا الرّوايات الواردة في هذا الأمر فعلى طائفتين:

الأولى: ما يدل على انّ المعيار في كل طير في الآجام هو ان يبيض و يفرخ في البحر و هي روايتا حريز و معاوية المتقدمتان.

الثانية: ما ورد في الجراد و هي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر- عليه السلام- المتقدمة أيضا قال: مرّ على- صلوات اللّٰه عليه- على قوم يأكلون جرادا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 338

..........

______________________________

فقال: سبحان اللّٰه و أنتم محرمون فقالوا: انّما هو من صيد البحر فقال: لهم ارمسوه في الماء إذا «1».

فإنّ المستفاد من قول على- ع- ارمسوه .. انّ المعيار في الحيوان البحري هو التعيش في الماء و عدم هلاكه فيه و حيث انّ الجراد الذي كانوا يأكلونه في حال الإحرام لم يكن واجدا لهذه الخصوصيّة فلم يكن اكله حلالا في الحالة المزبورة.

و من المعلوم ان الجراد من الطيور فكلتا الطائفتين واردتان في الطير و لا اختلاف بينهما من هذه الجهة أصلا و كون المورد في الطائفة الاولى هو الطير الذي يكون في الآجام انّما هو بلحاظ وجود قسمين في الطير الكذائي لا بلحاظ خصوصية للكون في الآجام و امّا الصحيحة الأخرى لمعاوية بن عمار المتقدمة الواردة في الجراد و انه من البحر و كل شي ء أصله في البحر و يكون في البر و البحر، فلا ينبغي للمحرم ان يقتله فالظاهر انّ غرضها

افادة الحكم بالحرمة فيما يكون في البحر و البرّ معا من دون دلالة على بيان الضابطة و المعيار في البحرية و البرّية.

و كيف كان فقد ذكر بعض الاعلام- قده- انّ الرواية الأولى لمعاوية بن عمّار ليس كما نقلها صاحب الوسائل و التمييز بالفرخ و البيض في البحر أو البرّ غير موجود في كتاب التهذيب الذي هو مصدر الرّواية فالزيادة امّا اشتباه من صاحب الوسائل أو من النّساخ نعم هي مذكورة في رواية حريز المرسلة فإذا لم يثبت التمييز بالفرخ و البيض في البرّ أو البحر.

أقول: الأمر بالإضافة إلى رواية معاوية و ان كان كما افاده و قد نبّه على ذلك في حاشية الطبع الحديث من الوسائل و احتمل قويّا ان يكون الذيل من كلام المفيد- قده- الذي يكون التهذيب شرحا لمقنعته الّا ان رواية حريز التي اخترنا عدم

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب السابع ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 339

..........

______________________________

حجيّتها لترددها بين الإرسال و الاسناد رواها الصدوق أيضا مرسلا بالإرسال المعتبر عندنا على ما نبهنا عليه مرارا حيث قال بعد حكاية قول اللّٰه- عزّ و جلّ- أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّٰارَةِ: «و قال الصادق- عليه السلام- هو مليحه الذي تأكلون و قال: فصّل ما بينهما كل طير يكون في الإجام يبيض في البرّ و يفرخ في البرّ فهو صيد البرّ، و ما كان من طير يكون في البرّ و يبيض في البحر و يفرخ في البحر فهو من صيد البحر ..».

و عليه فحذف الرواية الدالّة على هذه الضابطة مستندا إلى الإرسال غير تام بل لا بد من ملاحظة الجمع بينها و بين

صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة الدالة على الضابطة الأخرى.

و قد جمع بينهما بما يلوح من كلام صاحب الجواهر و وقع التصريح به في تقريرات بعض الأعاظم- قده- بانّ مورد الضابطة الثانية المستفادة من صحيحة محمد بن مسلم هو الحيوان الذي لا يعيش إلّا في خصوص البحر أو البرّ فان كان لا يعيش إلّا في البحر فهو بحري و ان كان يعيش في البرّ فقط فهو برّي و مورد الضابطة الاولى هو الحيوان الذي يعيش في البر و البحر كليهما فالمرجع في إلحاق المشكوك بأحد الصنفين هذا الضابط.

هذا و لكن ذكر في الجواهر انّا لا نعرف من الطيور ما يبيض و يفرخ في نفس الماء فمن المحتمل الاكتفاء في كونه صيد بحر بالبيض و الفرخ في حوالي الماء أو في الآجام التي فيه أو نحو ذلك كما انه أفاد انه لم يجد المسألة منقحة في كلامهم.

و الذي يقوي في النظر انّ ثبوت ضابطة شرعية تعبديّة بالإضافة إلى عنواني:

صيد البحر و صيد البرّ و لو بالإضافة الى بعض مصاديقهما- على خلاف ما هو المتفاهم منهما عند العرف و اللغة- مستبعد جدّا فان عنوان الصيد عنوان معروف في العرف و كذا عنوان البحر و عنوان البرّ و اضافة الصيد إليهما لا توجب ثبوت معنى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 340

..........

______________________________

آخر غير ما يفهمه العرف منها و ليس العنوانان المأخوذان في الكتاب موضوعين للحلية و الحرمة مثل العناوين التي وقع البحث في علم الأصول في ثبوت الحقيقة الشرعية لها و عدمه فان المثبتين و النافين في ذلك البحث متفقون على ان المعنى المستعمل فيه لفظ «الصلاة» مثلا معنى مغاير للمعنى اللغوي غاية الأمر

ثبوت الاختلاف في كون الاستعمال فيه هل هو على نحو الحقيقة أو المجاز و الالتزام بثبوت مثله في المقام و لو بالإضافة الى بعض الافراد في غاية البعد خصوصا بعد وقوع العنوانين في القرآن المجيد و صدور الضابطة التعبدية بلسان الامام الصادق- ع- مع طول الزمان و بعد الفاصلة فلو كان المراد من العنوانين غير ما هو المتفاهم منهما عند العرف و لو بالإضافة الى بعض المصاديق لكان اللازم بيانه من أوّل الأمر مع كثرة الابتلاء بالحج و أهميّة الصيد المحرّم فيه و ابتلاء الحجّاج بمسألة الصيد لوقوع البحر قريبا من الجادّة خصوصا في طريق المدينة إلى مكة.

و يدل على ما ذكرنا ان قول على- ع- ارمسوه في الماء إذا في رواية محمد بن مسلم المتقدمة في مقام الجواب عن ادّعائهم كون الجراد صيد البحر ظاهر في ان الضابطة التي أفادها ضابطة عرفية و انه لا تعبّد في البين لان الاستدلال كالاستشهاد دليل على عدم ثبوت تعبد في هذه الجهة و لذا صاروا مفحمين بعد بيانه- ع- و لم يبق لهم مجال للاعتراض عليه لما رأوا من تمامية الضابطة و عدم انطباقها على الجراد الذي كانوا يأكلونه في حال الإحرام فالمستفاد من الصّحيحة انه لا ضابطة شرعية تعبدية في هذه الجهة بل صيد البحر عنوان يعرفه العرف غاية الأمر انه قد يغفل عن معناه العرفي و في هذا الحال يحتاج الى التنبيه عليه و التذكّر له كما في مورد الرواية. و عليه فيشكل الأمر بالنسبة إلى رواية حريز التي ظاهرها ثبوت ضابطة شرعية تعبديّة و ان حملناها على ان المراد بيان معنى عرفي بحيث كان مرجعه إلى الحكاية عما هو معنى العنوانين في العرف تخرج

الرواية عن الحجية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 341

..........

______________________________

و الاعتبار و لو فرض كونها مسندة بسند صحيح لعدم حجيّة خبر الثقة بل العادل في الموضوعات العرفية غير المستنبطة كما انه لا حجية لشهادته مع عدم التعدد على ما حققناه في محله و الذي تحصّل مما ذكرنا ان الأرجح في النظر ثبوت ضابطة واحدة مستفادة من الصحيحة و هي التعيش في الماء أو في خارجه و مع اجتماع كلا الأمرين يكون ملحقا بالبرّي في الحرمة لدلالة صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة عليه.

الأمر الثالث: في حكم مورد للاشتباه و هو على قسمين فإن الشبهة قد تكون مفهومية و قد تكون مصداقية فالكلام يقع في موردين:

المورد الأوّل: الشبهة المفهومية التي معناها في المقام الشك في مفهوم صيد البحر و صيد البرّ و شموله بالنسبة الى بعض الموارد بعد وجود المصاديق المتيقنة لكل من العنوانين كالسّمك و الظبي- مثلا- و هذا من دون فرق بين القول بثبوت ضابطة تعبدية شرعية- كما عرفت انه مستبعد جدّا- و بين القول بان المراد من العنوانين هو معناهما العرفي و لكن شك في سعة دائرة ذلك المفهوم و ضيقها فنقول:

قد تقرر في الأصول انّ العام و كذا المطلق إذا خصص بمخصّص مجمل فان كان المخصص متّصلا يسري إجماله إلى العام من دون فرق بين ان يكون إجماله بالترديد بين المتبائنين أو بين الأقل و الأكثر و ان كان المخصص منفصلا ففي الدوران بين المتبائنين يسري إجماله إلى العام كما إذا ورد أكرم العلماء ثم ورد لا تكرم زيدا العالم و كان زيد المذكور مردّدا بين زيد بن عمرو و زيد بن بكر- مثلا- و في الدوران بين

الأقل و الأكثر كما إذا ورد دليل المخصص بصورة لا تكرم الفساق من العلماء و دار مفهوم الفسق بين الاختصاص بخصوص ارتكاب الكبيرة و بين الشمول لارتكاب الصغيرة أيضا وقع الاختلاف في سراية إجمال دليل المخصص الى العام و عدمها و نحن قد حققنا في محلّه عدم السراية الّا ان يكون لسان الدليل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 342

..........

______________________________

لسان الحكومة و النظر و الشرح كما إذا قال ان مرادي من أكرم العلماء هو خصوص غير الفاسقين منهم ففي هذه الصورة تتحقق السّراية المانعة من جواز التمسك بالعامّ و في غير هذا الصورة لا مانع من الرجوع اليه و التمسك به.

إذا عرفت ذلك فنقول ظاهر قوله تعالى لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ و ان كان هو الإطلاق لعدم تقييده بالبرّي الّا ان الآية الواقعة بعدها المتصلة بها و هو قوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّٰارَةِ وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً هل تكون بمنزلة القرينة المتصلة الشارحة للآية السّابقة و ان الصيد إذا كان بحريّا فقد أحلّ لكم و إذا كان بريّا فهو محرم عليكم ما دمتم حرما فلا يكون في البين إطلاق و تقييد بل إجمال و تفصيل من دون وقوع فصل في البين فاللازم- ح- قصر النظر على الآية اللاحقة المشتملة على حكمين لعنوانين الحلية لصيد البحر مطلقا و الحرمة لصيد البرّ في حال الإحرام أو انه لا تكون كذلك بل هو بمنزلة دليل مقيد منفصل يجري فيه ما ذكرناه في المثال المتقدم و لازمة وجوب الرجوع الى إطلاق الآية السابقة الناهية في صورة الشبهة المفهومية و الحكم بحرمة

المورد المشكوك فيه وجهان.

و الظاهر هو الوجه الأوّل لأنه- مضافا الى ان تعاقب الآيتين ظاهر في اتصالهما و عدم وقوع فصل بينهما- انه على تقدير الوجه الأخر يشكل الأمر من جهة ان قوله تعالى وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً لا يصلح لتقييد الإطلاق في قوله تعالى لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ لعدم المنافاة بينهما بعد كونهما مثبتين و عدم ثبوت المفهوم للآية الثانية و عليه فالنسبة بين الآية السابقة و بين قوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ .. تكون عموما من وجه لعدم اختصاص دليل الحلية بحال الإحرام و عدم اختصاص دليل الحرمة بصيد البحر فيقع التعارض في مادة الاجتماع و هو صيد البحر في حال الإحرام و عليه فلا يستفاد من الآية جواز صيد البحر في حال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 343

..........

______________________________

الإحرام مع ان الظاهر الذي يؤيده بعض الروايات المتقدمة التي وقع فيه الاستشهاد بالآية هو دلالتها على الجواز في المورد المذكور و هو لا ينطبق على الوجه الثاني و عليه فليس في الكتاب إطلاق حتى يجوز له الرجوع إليه في مورد الشك بل عنوانان أحدهما محكوم بالحلية و الأخر بالحرمة و لم يحرز شي ء منهما فلا مجال للرجوع إلى شي ء من الدليلين.

نعم يوجد في بعض الروايات المتقدمة في أصل البحث و هي حرمة الصيد على المحرم بعض المطلقات مثل صحيحة الحلبي المشتملة على قوله- ع-: لا تستحلّن شيئا من الصيد و أنت حرام .. فإنه مطلق شامل لصيد البحر و البرّ و يجب الرجوع إليه في مورد الشك بناء على ما هو مقتضى التحقيق.

ثمّ انه ربما يستدلّ على ثبوت الحرمة في مورد

الشك بوجهين آخرين:

إحديهما: ما هو المحكي عن المحقق النائيني- قده- من تأسيسه لقاعدة يكون المقام من مصاديقها و هو انه إذا كان هناك حكم إلزامي أعمّ من التكليفي أو الوضعي الذي يترتب عليه حكم إلزامي و كان في مقابله حكم ترخيصي معلق على أمر وجودي فإذا شك في ذلك الأمر الوجودي و لم يحرز عنوانه يؤخذ بذلك الحكم الإلزامي و الوجه في ذلك هو فهم العرف.

و لتلاميذه في توجيه الفهم العرفي وجهان مختلفان:

أحدهما: ما يظهر من بعض الأعاظم- قده- على ما في تقريرات بحثه من ان العرف يفهم الملازمة بين إنشاء الحكم المعلّق على الأمر الوجودي بعنوانه الواقعي و بين إنشاء الحكم الظاهري الذي هو ضدّ ذلك الحكم فيما إذا كان الأمر الوجودي مشكوكا فالحكم الأوّل مدلول مطابقي لدليل الترخيص و الحكم الثاني مدلول التزامي عرفيّ له.

ثانيهما: ما يظهر من بعض الاعلام- قده- على ما في تقريرات بحثه أيضا من ان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 344

..........

______________________________

المتفاهم العرفي مدخلية الإحراز في الحكم بالجواز و انّه لا يترتب الحكم بالجواز ما لم يحرز الموضوع فإذا قال المولى لعبده لا تدخل عليّ أحدا إلّا أصدقائي لا يجوز له إدخال أحد على مولاه إلّا إذا أحرز كونه صديقا له و الّا فلا يجوز.

و الفرق بين الوجهين هو ظهور الوجه الأوّل في ثبوت أحكام ثلاثة اثنان منها واقعيان و الثالث حكم ظاهري مجعول للمولى في صورة الشك و عدم الإحراز و ظهور الوجه الثاني في عدم ثبوت الزائد على حكمين غاية الأمر مدخلية الإحراز في متعلق الحكم الثاني فالعنوان الوجودي لا يكون بنفسه مرخّصا فيه بل بضميمة الإحراز و بدونه لا يتحقق الترخيص

واقعا بل الحكم الثابت هو الحكم الإلزامي المجعول أوّلا من دون ان يكون في البين حكم ظاهري.

و قد رتّب المحقق المذكور على هذه القاعدة التي اسّسها فروعا كثيرة في أبواب الفقه:

منها: ما لو شك في ماء كونه كرّا أم لا فحكم بالنجاسة. و منها ما لو شك في كون اليد يد ضمان أم لا فحكم بالضمان، و منها ما لو شك في ماء أنه غسالة الاستنجاء أو غسالة سائر النجاسات فقد حكم بالنجاسة أيضا.

و عليه فمقتضى هذه القاعدة في المقام ثبوت الحرمة لأنّ إحلال صيد البحر في مقابل ما يدل على حرمة الصيد على المحرم لا بدّ في ثبوته من إحراز كونه صيد البحر و مع عدم الإحراز يترتب الحكم بالحرمة بأحد الوجهين المذكورين.

و الجواب: هو منع الكبرى و عدم ثبوت حكم العرف بشي ء من الوجهين فإن الملازمة بين الحكم الترخيصي المذكور الذي هو حكم واقعي في مقابل الحكم الواقعي الإلزامي و بين الحكم الظاهري الذي هو ضدّه في صورة الشك مما لم تثبت بوجه كما انّ حكم العرف بمدخلية الإحراز في متعلق الحكم الترخيصي مع انّ ظاهره كونه عنوانا وجوديّا واقعيا غير ثابت قطعا فلا مجال لهذه القاعدة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 345

..........

______________________________

خصوصا مع وجود قاعدة الطهارة و أصالة الحلية و البراءة في مقابلها كما في كثير من الموارد التي رتبها عليها في الفقه.

نعم ربما يجاب عنه في خصوص المقام بمنع الصغرى أيضا نظرا الى ان دليل الحرمة قد علق الحكم فيه أيضا على أمر وجودي و هو البريّة فيكون كلا الحكمين الحرمة و الحلية معلقين على أمر وجودي و عليه فكما لا يمكن الحكم بالحلّية إلا

بعد إحراز ذلك العنوان الوجودي كذلك الحكم بالحرمة أيضا لا يمكن الّا بعد إحراز العنوان الوجودي الذي يكون متعلقا له.

و يرد عليه- مضافا الى ان الظاهر لزوم إحراز العنوان في خصوص الحكم الترخيصي الواقع في مقابل الحكم الإلزامي لا لزوم إحراز العنوان في جميع الموارد فتدبر- ان الظاهر كما عرفت كون متعلق الحرمة في المقام هو نفس عنوان الصيد و ان كان هذا لا يظهر من الآيتين الواردتين في الصيد على ما تقدم وجهه الّا انه يكون في البين بعض الروايات الصحيحة الدالة على ذلك فالاستشكال عليه بمنع الصغرى في غير محلّه بل العمدة هي منع الكبرى.

الوجه الثاني: قاعدة المقتضى و المانع بتقريب أن الصيدية مقتضية للحرمة و البحرية مانعة عنها فإذا أحرز المقتضي لا يلزم في الحكم بوجود المقتضى (بالفتح) و ترتب الأثر من إحراز عدم المانع بل يكفي عدم العلم به و الشك في وجوده.

و الجواب عدم ثبوت هذه القاعدة بوجه في محلّ البحث عنها مضافا الى منع الصغرى لعدم الدليل على كون الصيدية مقتضية و الإطلاق و التقييد غير مسألة المقتضي و المانع كما هو ظاهر.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا ان الحكم في الشبهة المفهومية هي الحرمة التي هي مقتضى بعض الإطلاقات و لزوم الرجوع اليه على ما تقدم.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 346

..........

______________________________

المورد الثاني: الشبهة المصداقية التي مرجعها الى تردد الحيوان الخارجي بين كونه صيد البحر أو غيره و ظاهر الجواهر الحرمة مستندا الى مثل ما ذكرنا في الشبهة المفهومية من التمسك بالإطلاق مع انه غير خفي ان التمسك بالإطلاق في هذا المورد إنّما يبتنى على جواز التمسك بالعام أو المطلق في الشبهة

المصداقية للمخصص أو المقيد و هو و ان كان موردا للاختلاف الّا ان مقتضى التحقيق عدم الجواز كما قد قرّر في محلّه.

نعم القاعدة التي اسّسها المحقق النائيني- قده- و كذا قاعدة المقتضى و المانع المتقدمتان تشملان هذا المورد أيضا لكن عرفت عدم تماميتهما في المورد الأوّل أيضا.

و ما يختصّ به هذا المورد هو استصحاب عدم كون الحيوان المشكوك صيد البحر فان قلنا باعتباره كما اختاره المحقق الخراساني- قده- في مورد الشك في قرشية المرأة و عدمها و اختاره جماعة من المتأخرين عنه فاللازم هنا الأخذ به و إثبات عدم كونه صيد البحر فيترتب عليه الحرمة التي هي مقتضى الإطلاق و ان صار معنونا بعنوان غير المقيد و بنقيضه الذي هو عدم كونه صيد البحر. و ان لم نقل باعتباره كما حققناه في محلّه و نبهنا عليه في هذا الكتاب مرارا نظرا الى عدم تحقق وحدة القضيتين: المتيقنة و المشكوكة لان القضية المتيقنة هي السالبة بانتفاء الموضوع و القضية المشكوكة هي السالبة بانتفاء المحمول و لا مجال لدعوى وحدة السالبتين و لو بنظر العرف الذي يكون هو المعيار في تشخيص الوحدة و عدمها فاللازم بعد قصور اليد عن التمسك بالأدلة اللفظية و لو بمعونة الاستصحاب لعدم جريانه، الرجوع الى أصالة البراءة عن الحرمة و أصالة الحلية و الحكم بثبوتها في الشبهة المصداقية كما في سائر موارد الشبهات الموضوعية كالمايع المردد بين الخل و الخمر مع عدم ثبوت الحالة السابقة المتيقنة له و عليه فيفترق الموردان من جهة الحرمة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 347

..........

______________________________

و الحلية كما انهما يفترقان من جهة كون الحكم بالحرمة في المورد الأول مقتضى أصالة الإطلاق و

الحكم بالحلية في المورد الثاني مقتضى الأصل العملي.

الجهة الثامنة: لا شبهة في جواز ذبح الحيوانات الأهليّة غير الممتنعة بالأصالة الواقعة في مقابل الصيد للمحرم و لو كان في الحرم لأنّ مقتضى عموم قوله- ع- في بعض الروايات المعتبرة المتقدمة: اتّق قتل الدوابّ كلها إلّا الأمور الثلاثة المذكورة فيها: الأفعى و العقرب و الفأرة و ان كان لزوم اتقاء قتل الحيوانات الأهلية أيضا الّا انه لا شبهة في جوازه للنصوص الخاصة و للسيرة على ذبح الهدى أو نحره في منى قبل الخروج عن الإحرام المتحقق بالحلق أو التقصير بعده و للضابطة المستفادة من صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال المحرم يذبح ما حلّ للحلال في الحرم ان يذبحه و هو في الحلّ و الحرم جميعا «1». فإنه من الواضح جواز ذبح الحيوانات الأهلية للمحلّ في الحرم فيجوز للمحرم مطلقا و لو في الحلّ.

فرع: لو تردد حيوان بين كونه صيدا بريّا يحرم ذبحه و بين كونه حيوانا أهليّا يجوز ذبحه فاللازم الرجوع الى أصالة البراءة و أصالة الحلية بعد عدم جواز الرجوع الى الضابطة المستفادة من صحيحة حريز لانه شبهة مصداقية له و عدم جواز الرجوع الى العموم المذكور لعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص فترجع الى الأصل العملي و هو ليس الّا مقتضيا للحلّية.

و لكنه ذكر بعض الاعلام- قده- انه يرجع الى الضابطة التي يدل عليها صحيحة حريز و هي ان كلّما جاز ذبحه للمحلّ في الحرم جاز ذبحه للمحرم في الحلّ

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثاني و الثمانون ح- 2 و الظاهر اتحادها مع الرواية الثالثة المذكورة فيها.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 348

..........

______________________________

و الحرم لان هذا الحيوان المشكوك المردّد بين الأهلي و الوحشي يجوز ذبحه للمحلّ في الحرم للبراءة فيجوز ذبحه للمحرم في الحلّ و الحرم للكلية المذكورة.

و يرد عليه- مضافا الى ان ظاهر الصحيحة كون المراد من الجواز للمحلّ في الحرم هو الجواز بعنوان الحكم الواقعي لا الأعم منه و من الحكم الظاهري كيف و لازمة الجواز للمحرم و لو مع عدم الشبهة له و ثبوت الشبهة للمحل و لا مجال للالتزام به فهل يحتمل الحكم بالجواز للمحرم مع العلم بعدم كونه أهليّا لأجل شك المحل و الحكم بالجواز عليه.

انّه لا حاجة الى ما افاده على فرض صحته لما عرفت من كون المرجع بعد عدم جواز الرجوع الى شي ء من الدليلين هو الأصل العملي و هو يقتضي الحلّية.

الجهة التاسعة: في انه هل العبرة في حرمة صيد البرّ على المحرم هي الحالة الأصليّة فلو تبدّل الامتناع و التوحش المأخوذ في مفهوم الصيد إلى الأهلية و عدم الامتناع كما في الظبي الذي صار أهليّا بالتربية و التمرين لا ينقلب الحكم إلى الحلية و كذا في جواز قتل الحيوان الأهلي للمحرم تكون العبرة بالحالة الأصليّة فلو صار متوحّشا لا ينقلب الى الحكم بالحرمة أو ان العبرة بالحالة الفعلية من الوحشية و الأهلية؟ المعروف و المشهور بقاء حكم الأصل و عدم التبدل لعدم خروج مثل الظبي بالأهلية عن عنوان الصيد بل المأخوذ في مفهومه الممتنع بالأصالة و كذا لا يصدق عنوانه على الإبل- مثلا- الذي صار وحشيّا بالعرض مع ان مقتضى إطلاق الأدلة الدالة على جواز ذبح الحيوانات الأهلية الجواز و لو مع عروض التوحش لها فهل يحتمل عدم جواز نحر الإبل الوحشي الذي أخذه و استولى عليه في منى

بعنوان الهدى فالظاهر انه لا يتحقق التبدل و انقلاب الحكم بوجه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 349

[الثاني: النساء وطءا و تقبيلا و لمسا و نظرا بشهوة]

اشارة

الثاني: النساء وطءا و تقبيلا و لمسا و نظرا بشهوة بل كل لذّة تمتع منها (1).

______________________________

ثم انه بقي في الصيد بعض أحكام أخر كما انه لم يقع التعرض في المتن لكفارات الصيد و قد عرفت في أوّل البحث انه عقد صاحب الوسائل فصلا خاصّا لكفارات الصيد و أورد فيه ما يتجاوز عن خمسين بابا و لعلّنا نتعرض لما بقي من احكام الصيد و لكفاراته في المحلّ المناسب له لو ساعدنا التوفيق إن شاء اللّٰه تعالى.

(1) في حرمة النساء في حال الإحرام جهات من الكلام:

الجهة الاولى: في الجماع و لا شبهة في حرمته في الإحرام بل هو أمر مقطوع به بين الأصحاب و الإجماع بقسميه عليه و الأصل في حرمته كالصيد هو الكتاب قال اللّٰه تعالى:

الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ «1».

و الكلام في الآية يقع في مقامات:

المقام الأوّل: في معنى الرفث و المراد منه هو الجماع و يدل عليه مضافا الى انه معناه لغة و يؤيده قول صاحب مجمع البحرين فإنه بعد ان نسب الى القيل ان معناه هو الفحش من القول عند الجماع قال: و الأصحّ أنه الجماع و الى ان الظاهر كونه هو المراد من قوله تعالى أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيٰامِ الرَّفَثُ إِلىٰ نِسٰائِكُمْ «2». تفسير آية الحج بذلك في بعض الروايات الصّحيحة مثل صحيحة معاوية بن عمّار قال:

قال أبو عبد اللّٰه- ع- إذا أحرمت فعليك بتقوى اللّٰه و ذكر اللّٰه و قلة الكلام الّا بخير فان تمام الحج و

العمرة ان يحفظ المرء لسانه الّا من خير كما قال اللّٰه- عزّ و جلّ-

______________________________

(1) سورة البقرة آية 197.

(2) سورة البقرة 178.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 350

..........

______________________________

فان اللّٰه يقول: فمن فرض فيهن الحجّ فلا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج فالرفث الجماع و الفسوق الكذب و السّباب و الجدال قول الرّجل لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه «1».

و صحيحة عليّ بن جعفر قال سألت أخي موسى- عليه السلام- عن الرفث و الفسوق و الجدال ما هو؟ و ما على من فعله؟ فقال الرفث جماع النساء، و الفسوق الكذب و المفاخرة، و الجدال قول الرجل: لا و اللّٰه و بلى و اللّٰه قال فمن رفث فعليه بدنة ينحرها، و ان لم يجد فشاة و كفارة الفسوق يتصدق به إذا فعله و هو محرم «2». قال في الجواهر بعد نقل الرواية: «و لعلّه سقط من الخبر شي ء كما احتمله في الوافي و عن قرب الاسناد للحميري: و كفارة الجدال و الفسوق شي ء يتصدق به فيمكن كون الساقط هنا «شي ء» و عن المنتقي انه تصحيف «يستغفر ربّه» و هو كما ترى».

و بالجملة لا شبهة في ان المراد بالرفث في آية الحج هو الجماع.

المقام الثاني: ان التعبير في الآية و ان كان بصورة الجملة الخبرية و بلسان «لا» النافية للجنس كقوله لا رجل في الدّار و لكن الظاهر انّ المراد به هو النهي و كون الآية في مقام بيان الحكم و قد تقرر في محلّه ان دلالة الجملة الخبرية الواقعة في مقام افادة البعث أو الزجر أقوى من دلالة صيغتي الأمر و النهي و عليه فالآية تدل على النهي عن

الرفث في الحج و عدم جوازه فيه و قد استظهر بعض مشايخ أساتيدنا من حديث نفي الضرر ذلك و ان المراد منه مجرد جعل حكم تحريمي اوّلي متعلق بالضرر و الضّرار و استشهد بهذه الآية التي لا محيص عن حملها على كون المراد منها ذلك و كيف كان لا شبهة أيضا في هذا المقام في ان المراد هو النهي و جعل الحكم

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثاني و الثلاثون ح- 1.

(2) أورد صدرها في الوسائل في أبواب تروك الإحرام الباب الثاني و الثلاثون ح- 4 و ذيلها في أبواب كفارات الاستمتاع باب 3 ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 351

..........

______________________________

خلافا لما ذكره القرطبي في تفسيره الكبير حيث قال: «قال ابن العربي المراد بقوله فَلٰا رَفَثَ نفيه مشروعا لا موجودا فانا نجد الرفث فيه و نشاهده و خبر اللّٰه سبحانه لا يجوز ان يقع بخلاف مخبره و انما يرجع النفي إلى وجوده مشروعا لا الى وجوده محسوسا الى ان قال: و هذه الدقيقة هي التي فاتت العلماء فقالوا ان الخبر يكون بمعنى النهي و ما وجد ذلك قطّ و لا يصح ان يوجد فإنهما مختلفان حقيقة و متضادان وصفا».

و يرد عليه- مضافا الى ان لازمة عدم صحة وقوع الجملة الفعلية الخبرية أيضا في مقام الإنشاء و افادة الحكم مع انه قد تقرّر في الأصول صحته و استعملت كذلك كثيرا في الروايات الواردة عن العترة الطاهرة- صلوات اللّٰه عليهم أجمعين- مثل يعيد و يغتسل و يتوضّأ و أشباهها و الى ان اختلاف الحقيقة و تضاد الخبر و الإنشاء وصفا لا يمنع عن استعمال أحدهما مكان الأخر مجازا أو كناية

فإنّ ماهية الأسد- مثلا- مختلفة مع ماهية الرجل الشجاع و بينهما التضاد بحسب الوصف مع ان استعمال الأوّل في الثاني استعارة صحيح مشتمل على اللطافة و الظرافة الخاصة- انّ نفي الفسوق مع عدم مشروعية في غير الحج أيضا ينفى حمل النفي على نفي المشروعية فلا محيص عن حمل الآية على ما ذكرنا و هذه دقيقة فاتت من صاحب التفسير و ان نسب فوتها الى العلماء.

المقام الثالث: انّ المدّعى في باب محرّمات الإحرام هي المحرمات التي يجب الاجتناب عنها على كل محرم سواء كان محرما بإحرام الحج أو بإحرام العمرة و سواء كانت العمرة عمرة التمتّع أو عمرة مفردة و ان كان بين المحرمات اختلاف من جهة ثبوت الكفارة و عدمه كما ان بينها فرقا من جهة إفساد الحج أو العمرة كما في الجماع في بعض صوره و عدم الإفساد بوجه، مع ان الآية بلحاظ التعبير بالحج فيها مكررا و كون الحج مذكورا في الكتاب في مقابل العمرة كقوله تعالى:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 352

..........

______________________________

وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ و قوله تعالى فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمٰا و غيرهما من الموارد و بلحاظ صدرها و هو قوله تعالى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ مع ان الأشهر الخاصة مرتبطة بالحج لعدم اختصاص العمرة بشهر خاص و عليه فالآية لا تشمل العمرة المفردة و ان كان يمكن دعوى شمولها لعمرة التمتع لارتباطها بالحج و عدم صحة وقوعها في غير أشهر الحج الّا انّها لا تشمل العمرة المفردة غير المختصة بشهر خاص.

هذا و لكن يمكن استفادة العموم و ان الحكم مرتبط بالإحرام ايّ إحرام كان مضافا الى انه

أيضا مقطوع به بين الأصحاب من جملة من الروايات الواردة في الباب مثل:

صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في الرجل يقع على اهله بعد ما يعقد الإحرام و لم يلبّ قال: ليس عليه شي ء «1».

و مرسلة جميل بن درّاج عن بعض أصحابنا عن أحدهما- عليهما السلام- في رجل صلّى الظهر في مسجد الشجرة و عقد الإحرام ثم مسّ طيبا أو صاد صيدا أو واقع اهله قال ليس عليه شي ء ما لم يلبّ «2».

و صحيحة معاوية بن عمّار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل وقع على اهله فيما دون الفرج قال: عليه بدنة و ان كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه. الحديث «3». و ثبوت الكفارة في الأفعال التي لا يكون مضطرا إليها لضرورة كمرض و نحوه يستفاد منه الحرمة و يدل عليها بالملازمة كما أشرنا إليه مرارا كما ان الجواب قرينة على كون مورد السؤال هو حال الإحرام فتدبر.

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الحادي عشر ح- 1.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الحادي عشر ح- 2.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثاني عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 353

..........

______________________________

و صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في الرجل إذا تهيّأ للإحرام فله ان يأتي النساء ما لم يعقد التلبية أو يلبّ «1».

و مرسلة الصدوق المعتبرة قال: قال الصادق- عليه السلام- ان وقعت على أهلك بعد ما تعقد الإحرام و قبل ان تلبّي فلا شي ء عليك الحديث «2».

و رواية سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: سألته عن رجل باشر امرأته و هما

محرمان ما عليهما؟ فقال: ان كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدى جميعا و يفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك و حتى يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، و ان كانت المرأة لم تعن بشهوة و استكرهها صاحبها فليس عليها شي ء «3». و غير ذلك من الروايات و قد ورد في خصوص العمرة المفردة أيضا بعض الروايات مثل صحيحة بريد بن معاوية العجلي قال سألت أبا جعفر- عليه السلام- عن رجل اعتمر عمرة مفردة فغشي أهله قبل ان يفرغ من طوافه و سعيه قال عليه بدنة لفساد عمرته و عليه ان يقيم الى الشهر الآخر فيخرج الى بعض المواقيت فيحرم بعمرة «4». و غيرها من الروايات.

المقام الرّابع: الظاهر انه لا فرق في الجماع المحرّم حال الإحرام بين القبل و الدبر كما صرّح به في الجواهر و حكى انه لا خلاف فيه بل الإجماع بقسميه عليه و يدل عليه ان الجماع الذي هو معنى الرفث في الآية بمقتضى الروايات الصحيحة مطلق شامل للقبل و الدبر و لم يقع فيه التقييد بالأوّل و يؤيّده اشتراكهما في جلّ الاحكام و ثبوت الافتراق في بعض الموارد فقط.

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الأوّل ح- 1.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الأوّل ح- 2.

(3) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الرابع ح- 1.

(4) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثاني عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 354

..........

______________________________

المقام الخامس: انه لا شبهة بمقتضى الآية و الرواية في ان الجماع مع الأهل الذي يكون حلالا في غير حال الإحرام محرّم في حال الإحرام و تكون حرمته من أحكام الإحرام و امّا الجماع المحرّم

مع قطع النظر عن الإحرام كالزنا بالأجنبيّة فهل تكون حرمته أيضا من أحكام الإحرام أم لا تكون له حرمة بهذا العنوان و لا تكون حرمته من أحكام الإحرام بوجه؟ ربما يقال بالثاني نظرا الى ان ما يكون محرّما في حدّ نفسه لا يمكن ان يصير محرّما أيضا بالحرمة الإحرامية لكون الحكم و هو الحرمة منتزعا عن إنشاء النسبة الذي لا يكون قابلا للشدة و الضعف حتى يقال بأشدية الحرمة في مجامعته مع الأجنبية في حال الإحرام من الحرمة المترتبة عليها في غير حال الإحرام.

و التحقيق ان يقال انه قد مرّ مرارا ان مثل النذر الذي يجب الوفاء به إذا تعلق بمستحب كصلاة الليل أو واجب كصلاة اليومية لا يوجب تعلّق حكمين وجوبين بمتعلق واحد بل متعلق الوجوب الجائي من قبل النذر عنوان الوفاء به و متعلق الاستحباب أو الوجوب صلاة الليل و صلاة الظهر- مثلا- و هما متغايران في عالم المفهومية الذي هو عالم تعلق الحكم و تحقق الوفاء بالصلاة و توقفه عليها لا يستلزم اتحاد متعلقي الحكمين ففي مثل النذر لا إشكال أصلا.

و امّا في مثل المقام الذي يكون العنوان المتعلق للحكمين واحدا و هو عنوان الرّفث فعلى ما حققناه في الأصول من ان العموم و الخصوص المطلق أيضا مثل العموم من وجه داخل في مسألة اجتماع الأمر و النهي لاختلافهما من جهة العنوانية فلا مانع في المقام ان يقال بان الرفث المنهي عنه في الآية بلسان نفى الجنس هو مطلق الرفث و طبيعته من دون قيد زائد و امّا المجامعة المنهي عنها في غير حال الإحرام هي المجامعة مع الأجنبيّة و لا مانع من ثبوت حكمين لاختلاف المتعلقين و لو بالإطلاق و التقييد

و عليه فمقتضى إطلاق الآية ثبوت حكم آخر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 355

..........

______________________________

و لازمة ان المجامعة مع الأجنبية في حال الإحرام تكون مخالفة لحكمين.

هذا و لكن الّذي يبعّد ما ذكر اشتمال الآية على النهى عن الفسوق في الحج أيضا مع ان حرمته مطلقة في غير حال الإحرام فكيف يجتمع حكمين مع عدم تعدد المتعلقين فانّ الفسوق- كما سيأتي- امّا بمعنى خصوص الكذب أو هو مع السباب أو المفاخرة التي ترجع الى السباب أيضا نعم فيه بعض الاحتمالات الضعيفة الأخر و لا يعقل تعلق حكمين بعنوان الكذب بعد عدم تحقق الاختلاف و لو بنحو الإطلاق و التقييد و عليه فاللازم حمل حرمة الفسوق في الآية على الشدة و التأكد في حال الإحرام و مقتضى وحدة السّياق حمل حرمة الرفث أيضا على ذلك.

هذا و لكن الظاهر انّ لزوم حمل حرمة الفسوق على ما ذكر لا يوجب حمل حرمة الرفث أيضا على ذلك بعد وجود الاختلاف في الرفث بين المتعلقين فان المجامعة مع الأجنبية المحرّمة في غير حال الإحرام أيضا تغاير مطلق المجامعة و لا مجال للحمل على التأكد.

و مما ذكرنا يظهر النظر فيما افاده بعض الأعاظم- قده- حيث انّه بعد حكمه باستحالة التأكد بناء على ما اختاره في معنى الحكم من انه هو إنشاء النّسبة كما أشرنا إليه آنفا، اختار في ذيل كلامه، انّ حرمة الرفث تاكيدية شاملة للمجامعة مع الأجنبية أيضا بقرينة حرمة الفسوق.

وجه النظر ان الأمر المستحيل لا يمكن ان يصار اليه بمجرد اقتضاء وحدة السياق له مع ان الوحدة ممنوعة أيضا لوجود الفرق بين الأمرين و المغايرة بين المتعلقين بالإطلاق و التقييد فان الممنوع في غير حال

الإحرام هو خصوص المجامعة مع الأجنبية غير المحللة و المحرم في حال الإحرام هو مطلق المجامعة و هذا المقدار يكفي في ثبوت الحكمين.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 356

..........

______________________________

المقام السادس: المشهور بل المدعى عليه الإجماع هو اختصاص الحكم بمجامعة النساء و لا يشمل وطي البهائم و ان كان محرّما في غير حال الإحرام أيضا و قد ورد تفسير الرفث في الآية في صحيحة علي بن جعفر- ع- المتقدمة بجماع النساء نعم ورد تفسيره في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة أيضا بمطلق الجماع و الظاهر لزوم حمل الثانية على الاولى و لا مجال لدعوي كونهما مثبتين و لا وجه لحمل المطلق على المقيد فيهما فان وقوع الصحيحتين في مقام التفسير و التحديد و بيان المراد من الآية الشريفة يوجب تحقق التهافت و التنافي المستلزم لحمل المطلق على المقيد و عليه فمقتضى القاعدة الحكم بالاختصاص بمجامعة النّساء و لا ينافي ما ذكرنا اضافة النساء الى الرفث في قوله تعالى. أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيٰامِ الرَّفَثُ إِلىٰ نِسٰائِكُمْ نظرا إلى انه لو كان عنوان النساء مأخوذا في معنى الرفث لما كان وجه لذكر النّساء.

وجه عدم المنافاة أنّ ذكرهن انّما هو بلحاظ الإضافة إلى ضمير الجمع الموجب لاختصاص متعلق الحكم بخصوص المجامعة مع الأهل فإنه لو لم يقع التعرض لذلك لكان مقتضى الآية حلية مطلق الجماع في ليلة الصيام و لو مع غير الأهل و هذا لا يكون مرادا قطعا فلا محيص عن ذكرهن كذلك، ثم ان عدم شمول الحكم للمساحقة انما يكون بنحو أوضح لعدم كونها مصداقا للجماع بل هو عنوان آخر لا يشمله شي ء من الروايتين الواردتين في تفسير الآية.

المقام السّابع: انّه لا

شبهة في توقف حلّية الجماع في الحج و مثله من العمرة المفردة على طواف النساء بل هو من المقطوع به بين الأصحاب و طواف النساء و ان كان واجبا مستقلّا و لا يكون جزء للحج لانه يتحقق تماميته بالطواف و السعي بعد مناسك منى يوم النحر و عليه فالآية الدالة على حرمة الرفث في الحج لا يقتضي بقاء الحرمة بعد تماميّته و فرض عدم كون طواف النساء جزء له الّا ان عنوانه يدلّ على عدم حصول حلّية النساء قبله مضافا الى ما دل على ان تشريع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 357

..........

______________________________

طواف النساء منّة و عناية على الناس ليسوغ لهم الجماع و الى ما دلّ من الروايات الكثيرة على ثبوت الكفارة على من واقع قبل طواف النساء التي منها رواية خالد بيّاع القلانس قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل أتى اهله و عليه طواف النساء قال: عليه بدنة ثم جاءه آخر فقال عليك بقرة ثم جاءه آخر فقال:

عليك شاة فقلت بعد ما قاموا: أصلحك اللّٰه كيف قلت عليه بدنة فقال أنت موسر و عليك بدنة و على الوسط بقرة و على الفقير شاة» «1».

الجهة الثانية: في حرمة التقبيل حال الإحرام و الظاهر انه لا شبهة فيها في الجملة نصّا و فتوى إنّما الاشكال و الخلاف في انه هل يختص الحكم بالحرمة في التقبيل بما إذا كان بشهوة أو يعم ما إذا لم يكن بشهوة؟ ذكر في الجواهر ان صريح بعض و ظاهر آخر هو الثاني لكن المحكي عن الذخيرة انه استظهر الأول و تبعه في الرياض حاكيا له عن جماعة و اللازم ملاحظة الروايات في هذا

المجال فنقول:

منها: صحيحة مسمع أبي سيّار قال: قال لي أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- يا أبا سيّار انّ حال المحرم ضيّقة، ان قبّل امرأته على غير شهوة و هو محرم فعليه دم شاة، و ان قبّل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور و يستغفر اللّٰه. و من مسّ امرأته و هو محرم على شهوة فعليه دم شاة و من نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور، و ان مسّ امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شي ء عليه «2».

و ظاهر الفقرة الاولى و ان كان هو ثبوت الكفارة على من قبّل امرأته على غير

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب العاشر ح- 1.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثاني عشر ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 358

..........

______________________________

شهوة و لازمة ثبوت الحرمة له للملازمة التي أشرنا إليها مرارا الّا ان الظاهر انه لا يكون المراد بها هو التقبيل بغير شهوة و ذلك لان حملها على ظاهرها البدوي يقتضي ان لا تكون الرواية متعرضة لحكم الفرد الغالب من تقبيل الزوجة و هو التقبيل بشهوة من دون ان يتعقبه خروج المنيّ و هذا بخلاف الفرضين اللذين وقع التعرض لهما في الرواية و هما التقبيل من غير شهوة و التقبيل مع الشهوة و خروج المني بعده فإنهما من الموارد التي قلّما يتفق بالنسبة إلى الفرد الغالب المذكور و عليه فمن البعيد جدّا ان تكون الرواية متعرضة لحكم الفرضين المزبورين و لم يقع التعرض فيها لحكم الفرد الغالب خصوصا مع تعرضها في الذيل لحكم المسّ و الملازمة و النظر و ذلك يصير قرينة على ان المراد بالشهوة المضافة إليها لفظة «الغير» في الفقرة

الأولى هي الشهوة التي يتعقبها خروج المنيّ و لا أقل من ان يكون ما ذكر مانعا عن ثبوت الظهور لها في مطلق التقبيل أو خصوص التقبيل بغير أصل الشهوة.

و منها: رواية علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن- عليه السلام- قال سألته عن رجل قبّل امرأته و هو محرم قال: عليه بدنة و ان لم ينزل و ليس له ان يأكل منها «1».

و الرواية- مع كونها ضعيفة السند- لا دلالة لها على الإطلاق لأنه مضافا الى انه لا يبعد دعوى انصراف إطلاق تقبيل الزوجة إلى التقبيل مع شهوة يكون قوله- ع- في الجواب: و ان لم ينزل، شاهدا على كون المراد هو خصوص التقبيل بشهوة فتدبر.

و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته قال: نعم يصلح عليها خمارها، و يصلح عليها ثوبها و محملها، قلت أ فيمسّها و هي محرمة؟ قال: نعم، قلت المحرم يضع يده بشهوة

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثامن عشر ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 359

..........

______________________________

قال: يهريق دم شاة قلت فان قبّل قال هذا أشدّ ينحر بدنة «1».

و الظاهر ان المراد من السؤال الأخير هو التقبيل مع الشهوة لأنه مضافا الى ظهوره فيه على ما مرّ يكون الحكم بالأشدية في الجواب الموجبة للزوم نحر بدنة قرينة على كون المراد خصوص التقبيل بشهوة لأنه لا مجال لأشدية التقبيل من غير شهوة من وضع اليد مع الشهوة كما لا يخفى.

و منها: رواية العلاء بن الفضيل قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل و امرأة تمتّعا جميعا فقصّرت امرأته و لم

يقصّر فقبّلها قال: يهريق دما، و ان كانا لم يقصّرا جميعا فعلى كل واحد منهما ان يهريق دما «2».

و الرواية- مضافا الى ضعف سندها بمحمد بن سنان- لا إطلاق لها يشمل التقبيل من غير شهوة لما ذكرنا.

و منها: رواية الحسين بن حمّاد قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن المحرم يقبّل امّه قال: لا بأس به، هذه قبلة رحمة، إنّما تكره قبلة الشهوة «3».

و حسين بن حمّاد من الموثقين بنحو العموم و عليه فالرواية معتبرة و قد استدل القائلون باختصاص التقبيل المحرّم في حال الإحرام بما إذا كان عن شهوة بهذه الرواية و الكلام في مفادها و مدلولها من جهات:

الاولى: الظاهر ان المراد بالكراهة المتعلقة بقبلة الشهوة هي الحرمة دون الكراهة الاصطلاحية الفقهية الواقعة في مقابل الحرمة.

الثانية: الظاهر ان المراد بقبلة الشهوة هي القبلة الناشئة عن الشهوة في مقابل

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع أورد صدرها في الباب السابع عشر ح- 2 و ذيلها في الباب الثامن عشر ح- 1.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثامن عشر ح- 6.

(3) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثامن عشر ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 360

..........

______________________________

قبلة الرحمة الناشئة عن محبة و عطوفة و لا مجال لما صنعه صاحب الجواهر- قده- من الحمل على إرادة: إنما يكره ما يحتمل الشهوة بخلاف الام و غيرها من المحارم، و مراده حمل الرواية على ان مراده تعلق القبلة بمن يجري في حقّها الشهوة نوعا و يحتملها كذلك من دون فرق بين ان تكون القبلة الخاصة الواقعة في حال الإحرام مع الشهوة أو بدونها.

و أنت خبير بوضوح فساد هذا الحمل و لا وجه لاحتماله أصلا فضلا

عن حمل الرواية عليه.

الثالثة: ان قوله: انما تكره .. في مقام بيان الضابطة و إفادة القاعدة خصوصا مع التصدير بكلمة الحصر فهل مورد هذه الضابطة خصوص الامّ التي هي مورد سؤال الرّواية أو يعم سائر المحارم النسبية كالأخت- مثلا- أو ان موردها مطلق التقبيل و لو كان الطرف هي الزوجة بل الأجنبية بل الغلام و الرجل إذا كان قبلتهما بشهوة؟ فيه وجوه و الظاهر هو الوجه الأخير لأنها كما تدلّ على ان مطلق قبلة الرحمة لا مانع منه في الإحرام كذلك تدلّ على حرمة كل قبلة وقعت بشهوة من دون فرق بين مواردها أصلا.

ثم انه لو فرض كون الروايات السّابقة على هذه الرواية دالّة على حرمة التقبيل مطلقا لكان مقتضى هذه الرّواية المشتملة على الضابطة المذكورة تقييد إطلاق تلك الروايات و الحكم باختصاص الحرمة بما إذا كان التقبيل عن شهوة كما هو ظاهر.

الرّابعة انّ مورد أكثر الروايات المتقدمة بل هذه الرواية أيضا هو تقبيل الرجل المرأة و امّا تقبيل المرأة المحرمة لزوجها- مثلا- فقد ذكر بعض الأعاظم- قده- على ما في تقريرات بحثه انه لا دليل على حرمته لان مورد النصوص هو تقبيل الرجل المحرم امرأته و لا وجه للتعدي عنه الى غيره الّا دعوى كون حرمة التقبيل من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 361

..........

______________________________

احكام المحرم مطلقا سواء كان رجلا أم امرأة لكن هذه الدعوى غير مسموعة لإناطتها بإلغاء خصوصية الرّجولية و هو موقوف على إحراز عدم دخل هذه الخصوصيّة، و كون الرجل مذكورا من باب المثال.

و أنت خبير بملاحظة ما ذكرنا ان تعميم الحكم للمرأة لا يتوقّف على إلغاء الخصوصيّة بوجه بل نفس هذه الضابطة المذكورة في رواية

حسين بن حمّاد تدل على انّ المحرّم على المحرم هو التقبيل بشهوة من دون فرق بين الرجل و المرأة بل قد عرفت شمولها لتقبيل الغلام و الرجل أيضا فلا مجال للترديد في الحكم.

و قد ظهر من جميع ما ذكرنا ان حرمة القبلة بشهوة من أحكام الإحرام و لا فرق بين مواردها و بين الرجل و المرأة.

الجهة الثالثة: في حرمة مسّ المرأة و لمسها إذا كان بشهوة من دون فرق بين ان يتعقبه خروج المني و بين ما إذا لم يتعقبه الخروج و يدل على ذلك روايات متعددة:

منها: ذيل صحيحة مسمع أبي سيار المتقدمة في الجهة الثانية «1» المشتملة على التفصيل صريحا بين المس بشهوة و ثبوت دم شاة فيه و بين المس و الملازمة من دون شهوة و انه لا شي ء عليه.

و منها: صحيحة سعيد الأعرج انه سئل أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن الرجل ينزل المرأة من المحمل فيضمّها اليه و هو محرم فقال: لا بأس الّا ان يتعمّد و هو أحق ان ينزلها من غيره «2». و الظاهر ان المراد من التعمد هو كون الضم مطلوبا له في

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثاني عشر ح- 3.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثالث عشر ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 362

..........

______________________________

نفسه لأجل اللذة و التمتع لا لأجل الإنزال من المحمل.

و منها: صحيحة الحلبي المتقدمة في الجهة الثانية «1» المشتملة على التفصيل في وضع اليد على المرأة بين ما إذا لم يكن بشهوة فلا شي ء عليه و بين ما إذا كان بشهوة فيهريق دم شاة و من المعلوم ان وضع اليد من مصاديق المسّ و اللمس و

لا خصوصية فيه بوجه.

و منها: صحيحة أخرى للحلبي قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام- المحرم يضع يده على امرأته قال لا بأس، قلت فينزلها من المحمل و يضمّها اليه قال لا بأس، قلت فإنه أراد ان ينزلها من المحمل فلما ضمّها إليه أدركته الشهوة قال ليس عليه شي ء الّا ان يكون طلب ذلك «2».

و الظاهر اتحادها مع الرواية السابقة و عدم كونها رواية واحدة بعد كون السائل هو الحلبي و السؤال الأوّل عن وضع المحرم يده على امرأته غاية الأمر ان الراوي عن الحلبي في الرواية السّابقة هو الحماد و في هذه الرواية هو عبد اللّٰه بن مسكان و هو لا يوجب تعدد الرواية كما ان عدم اشتمال الاولى على السؤال على إنزالها من المحمل لا يوجب ذلك فتدبر.

ثم انّ مقتضى إطلاق هذه الروايات انه لا فرق في حرمة المس بشهوة بين صورة إنزال المني و صورة عدمه لكن هنا رواية ربما يتوهم دلالتها على الاختصاص بصورة الانزال و هي صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته عن محرم نظر الى امرأته فأمنى أو أمذى و هو محرم قال لا شي ء عليه و لكن ليغتسل و يستغفر ربّه، و ان حملها من غير شهوة فأمنى أو أمذى و هو محرم فلا شي ء

______________________________

(1) وسائل قد عرفت انه أورد صدرها في الباب السابع عشر من أبواب كفارات الاستمتاع ح- 2 و ذيلها في الباب الثامن عشر ح- 1.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 363

..........

______________________________

عليه، و ان حملها أو مسّها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم شاة،

و قال في المحرم ينظر إلى امرأته أو ينزّلها بشهوة حتى ينزل قال عليه بدنة «1». فان قوله- ع- و ان حملها أو مسّها بشهوة فأمنى .. و ان كان ظاهره بدوا مدخليّة الأمناء زائدا على الشهوة في حرمة المسّ و الحمل الّا ان التأمّل يقضي بعدم المدخلية أصلا بل الملاك هو مجرد كون اللمس بشهوة لوجهين: أحدهما عطف الإمذاء على الأمناء لان الإمذاء لا يترتب عليه أثر أصلا فهو قرينة على عدم مدخلية الأمناء أيضا. ثانيهما قوله- ع- بعد ذلك في المحرم ينظر إلى امرأته أو ينزلها بشهوة حتّى ينزل .. فان ظاهر الانزال فيه هو إنزال المني لأنه المنصرف اليه من إطلاق لفظ «الانزال» و عليه فمقتضى ثبوت البدنة و أشدية الحكم بالإضافة إلى لزوم دم شاة مع اشتراك الفقرتين في إنزال المرأة و حملها و اختصاص الفقرة الثانية بالنظر الذي هو أخف من المسّ، لا محالة عدم كون إنزال المني دخيلا في الفقرة الاولى و ثبوت المدخلية له في الفقرة الثانية الّا ان يقال ان التعبير بقوله: و قال، في الفقرة الأخيرة، لعلّه يكون قرينة على عدم صدورها متصلة بما قبلها و لكن الظاهر بعد هذا الاحتمال و الا يلزم ان تكون رواية أخرى مستقلة مع ان ظاهر الوسائل و غيرها العدم.

هذا و لو فرض ظهورها في مدخلية الأمناء لكن في مقابلها رواية صريحة في انه لا فرق بين صورة الأمناء و عدمها و هي رواية محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل حمل امرأته و هو محرم فأمنى أو أمذى قال ان كان حملها أو مسّها بشي ء من الشهوة فأمنى أو لم يمن، أمذى أو لم

يمذ فعليه دم يهريقه، فان حملها أو مسّها لغير شهوة فأمنى أو أمذى فليس عليه شي ء «2».

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 1.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 364

..........

______________________________

و قد رواها الشيخ بطريقين أحدهما صحيح و الأخر ضعيف باعتبار اشتماله على عليّ بن أبي حمزة البطائني الكذاب المعروف فهي قرينة على عدم مدخلية الأمناء في حرمة المس بشهوة و ان المناط نفس هذا العنوان. ثم انّ الظاهر بملاحظة روايات الباب انه لا دليل على حرمة مسّ المرأة الأجنبية بالحرمة الإحراميّة لورود الروايات في مسّ امرأته أو حملها أو ضمّها أو وضع اليد عليها و قول السائل في صحيحة الحلبي المتقدمة في مسألة التقبيل المحرم يضع يده بشهوة و ان كان ظاهره مطلقا الّا ان قوله في الصدر سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرئته قرينة على ان مورد هذا السؤال أيضا ذلك و مسّ المرأة الأجنبية و ان كان محرّما في غير حال الإحرام الّا ان الكلام في حرمته من حيث الإحرام و هنا محرمات كثيرة بل كبيرة لا ارتباط لها بالإحرام كالغيبة و شرب الخمر و مثلها كما ان الظاهر انه لا دليل على حرمة مسّ المرأة زوجها في حال الإحرام لورود الروايات في مسّ الرجل زوجته و لا دليل على التّسوية بينهما و قيام الدليل عليها في الجماع و التقبيل على ما عرفت لا يستلزم التساوي في المسّ و مثله مما اختص مورد دليله بعمل الرجل بالنسبة إلى زوجته.

الجهة الرابعة: في حرمة النظر و فيها أقوال ثلاثة الحرمة مطلقا من دون فرق بين

الشهوة و عدمها، و عدم الحرمة كذلك و التفصيل كما في المتن و قد صرّح به غير واحد منهم المحقق- قده- في الشرائع و ان قيل- كما في الجواهر- خلا كتب الشيخ و الأكثر عن تحريمه مطلقا اى التعرض لتحريمه و حكى القول الأوّل عن بعض و الثاني عن الصدوق و الميل اليه عن كشف اللثام.

و ربما استدل على التفصيل بوجوه أشار إليها في الجواهر:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 365

..........

______________________________

منها: نصوص الدعاء عند التهيؤ للإحرام المشتملة على تحريم الاستمتاع عليه بالنساء مثل صحيحة معاوية بن عمار «1» المشتملة على قوله: أحرم لك شعري و بشري و لحمي و دمي و عظامي و مخّي و عصبي من النساء و الثياب و الطيب.

و قد اعتمد على هذا الوجه بعض الاعلام- قده- و استند اليه في حرمة تقبيل الزوجة عن شهوة نظرا الى ان المستفاد من هذه الكلمات حرمة مطلق الاستمتاع بجميع أعضائه و عدم اختصاصها بالعضو الخاص فجميع ما يستمتع به حرام لا خصوص الجماع ببعض الأعضاء و لكن يرد على هذا الوجه ان مثل هذه الرواية ليس في مقام البيان من هذه الجهة بل في مقام بيان بعض المحرمات بنحو الإجمال من ناحية و بيان كون دائرة الإحرام أوسع من الأعضاء و الجوارح الظاهرة من ناحية أخرى و يؤيد بل يدل على ما ذكرنا مضافا الى ظهورها في نفسها في ذلك ذكر الثياب عطفا على النساء مع ان المحرم منها خصوص الثياب المخيطة لا جميع الأعمال المتعلّقة بها مثل بيعها و شرائها و تنظيفها بل خصوص لبسها و لعمري ان هذا من الوضوح بمكان.

و منها: فحوى ما دلّ من النصوص

على حرمة المسّ و الحمل إذا كان بشهوة لا بدونها.

و يرد عليه انه ان أراد الاستدلال لعدم الحرمة في صورة النظر لا بشهوة فلا مانع منه و لكنه بعض المدّعى، و ان أراد الاستدلال على الحرمة في صورة النظر فمن الواضح منع الفحوى لو كان المراد بها الأولوية و كذا لو كان المراد بها إلغاء الخصوصيّة لأنه لا مجال له أيضا نعم لو ثبت حرمة النظر بشهوة من دليل لأمكن استفادة حرمة مطلق الالتذاذ من النساء سواء كان بالجماع أو بالتقبيل أو

______________________________

(1) وسائل أبواب الإحرام الباب السادس عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 366

..........

______________________________

باللمس أو بالنظر أو بغيرها و امّا مع عدم قيام الدّليل على حرمة النظر كذلك فالاستفادة المذكورة ممنوعة جدّا و لو بالإضافة إلى خصوص النظر.

و منها: صحيحة مسمع أبي سيار المتقدمة المشتملة على قوله (ع) و من نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور، و من مسّ امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شي ء عليه «1».

و لكن حيث ان موردها النظر بشهوة المتعقب للإمناء بدون عطف الإمذاء عليه حتى يصير العطف قرينة على عدم مدخلية الأمناء فلا مجال للاستدلال به على حرمة النظر بشهوة مطلقا و لو لم يكن متعقّبا للإمناء الّا ان يقال بعدم الفصل بينهما في أصل الحرمة.

و منها: و هو العمدة صدر صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة أيضا و هو قوله:

سألته- يعني أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن محرم نظر الى امرأته فأمنى أو أمذى و هو محرم قال لا شي ء عليه و لكن ليغتسل و يستغفر ربّه الحديث «2».

بتقريب ان عطف الإمذاء على الأمناء شاهد على عدم مدخليّة

الأمناء بوجه لعدم ترتب اثر على الإمذاء و عليه فاللازم ان يقال انّهما كاشفان عن كون النظر بشهوة لعدم تحقّقهما بدونها نعم يبقى الإشكال في الحكم بوجوب الاغتسال الشامل لصورة خروج المذي أيضا مع انه لا يكون المذي موجبا للاغتسال و يمكن حمله على الأعمّ من الوجوب و الاستحباب و كيف كان فالحكم بوجوب الاستغفار الكاشف عن ثبوت الذنب و المعصية دليل على حرمة النظر بشهوة سواء ترتب عليه خروج المنيّ أم لم يترتب و ما افاده بعض الاعلام- قده- من انه يظهر من

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 3.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 367

..........

______________________________

استعمال الاستغفار في القرآن و الروايات و الأدعية المأثورة عن الأئمة- ع- عدم اعتبار ارتكاب الذنب في الاستغفار بل يصحّ الاستغفار في كل مورد فيه حزازة و مرجوحيّة و ان لم تبلغ مرتبة الذنب و المعصية و لو بالإضافة إلى صدور ذلك من الأنبياء و الأئمة- ع- فإنهم ربما يرون الاشتغال بالمباحات و الأمور الدنيوية منقصة و يعدونه خطيئة و قد ورد الاستغفار في كثير من الآيات الكريمة في موارد لا يمكن فيها ارتكاب المعصية كقوله تعالى مخاطبا لنبيّه- ص- فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ اسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كٰانَ تَوّٰاباً ..

فيرد عليه ان استعمال الاستغفار في الكتاب و السنة في موارد عدم إمكان ارتكاب المعصية لوجود القرينة لا يدلّ على كونه كذلك مطلقا مع كون ظاهر عنوانه الكشف عن الذنب و المعصية.

و يؤيّده بل يدل عليه كون الاستغفار كفارة لبعض محرّمات الإحرام و عليه فلا مجال لرفع اليد عن ظاهر الرواية في ثبوت الحرمة

و كون الكفارة هي الاستغفار و هو بضميمة وجوب الاغتسال استدراك بالإضافة إلى قوله- ع- لا شي ء عليه و مرجعه إلى انه لا شي ء عليه سوى الاغتسال و الاستغفار.

و قد استدل للقول بالجواز مطلقا بموثقة إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في محرم نظر الى امرأته بشهوة فأمنى قال ليس عليه شي ء «1». و تقريب الاستدلال بها ان عدم ثبوت شي ء عليه مع وقوع الأمناء عقيب النظر بشهوة يدل على عدم ثبوت شي ء عليه مع عدم الأمناء بطريق أولى فالأولوية في جانب النفي متحقّقة و ان لم يكن لها مجال في صورة الإثبات كما هو ظاهر و ذكر صاحب الوسائل بعد نقل الرّواية انّ الشيخ حملها على السهو دون العمد و قد وصفها

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 368

..........

______________________________

صاحب الجواهر- قده- بأنّها قاصرة عن معارضة غيره من وجوه ثم ذكر ان نفي الشي ء عليه لا يدل على نفي الحرمة.

و استبعد بعض الاعلام- قده- حمل الشيخ- قده- بان الظاهر ان السؤال عن المحرم بما هو محرم و ملتفت إلى إحرامه لا ذات المحرم و شخصه كما انه أورد على صاحب الجواهر بانّا لا نعرف الوجوه التي كانت في نظره الشريف.

و يدفع الاستبعاد مضافا الى منع الظهور الذي أفاده، انه يمكن ان يكون مراد الشيخ هو نسيان حرمة النظر إلى الزوجة بشهوة فتدبر لا نسيان أصل الإحرام.

كما انّه أورد بعض الأعاظم- قده- على صاحب الجواهر بان قوله- ع-: لا شي ء عليه يفيد العموم لدلالة النكرة الواقعة في حيّز النفي على العموم و عليه فهو يدل على نفي الحكم التكليفي

و الوصفي معا و نفي أحدهما بقرينة في مقام لا دلالة له على عدم العموم في مورد آخر.

أقول: انّه حيث يكون المفروض في مورد الرّواية وقوع النظر الكذائي خارجا و محطّ نظر الرواية انّما هو بيان الوظيفة بعد الوقوع لا يبقى مجال لحمل قوله- ع- لا شي ء عليه، على العموم المشتمل على الحرمة التكليفية ضرورة ان الحرام بعد ارتكابه لا تبقى حرمته بالإضافة إلى المحرّم الذي ارتكبه نعم لو كان مورد الرواية عبارة عن المحرم الذي يريد ان ينظر كذلك لكان مقتضى العموم نفي الحكم التكليفي أيضا لكن موردها فرض الوقوع و التحقق فلا موقع للعموم- ح- نعم يمكن ان يقال ان مقتضى العموم نفي وجوب التوبة عليه بعده أيضا و عليه فبناء على القول بوجوب التوبة عقيب ارتكاب المعصية يكون نفي الوجوب كاشفا عن عدم تحققها فيستكشف عدم ثبوت الحرمة لكن ظاهر كلام بعض الأعاظم استفادة نفي الحرمة بلا واسطة لا معها كما لا يخفى هذا و لكن الجواب عن صاحب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 369

..........

______________________________

الجواهر- قده- انه لو كان مورد الرواية هو مجرد النظر بشهوة من دون مدخلية التعقب للإمناء لكان حمل قوله- ع- لا شي ء عليه على نفي الكفارة غير الملازم لنفي الحرمة لعدم ثبوت الكفارة في جميع محرمات الإحرام في محلّه و امّا مع فرض كون مورد الرواية هو النظر بشهوة المتعقب للإمناء كما هو ظاهرها فلا يبقى مجال للحمل على نفي الكفارة مع صراحة روايات متعددة في ثبوت الكفارة في نفس هذا الفرض ففي ذيل صحيحة معاوية بن عمّار التي استدل بها للمشهور قال في المحرم ينظر إلى امرأته أو ينزلها بشهوة حتى

ينزل قال عليه بدنة.

و في ذيل صحيحة مسمع المتقدمة أيضا و من نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور، و عليه فكيف يمكن حمل الموثقة على نفي الكفارة نعم لو لم يكن موردها مشتملا على ذكر الأمناء و كان مقصورا على مجرد النظر بشهوة لكان مقتضى الجمع بين دليل المشهور و الموثقة حمل قوله: لا شي ء عليه، على عدم ثبوت الكفارة و حمل دليل المشهور على مجرّد الحرمة مع الالتزام بعدم كون الاستغفار المأمور به فيه مأخوذا بعنوان الكفّارة و الّا فلا يبقي مجال للجمع أيضا.

و مما ذكرنا ينقدح انه لا بد من الاعراض عن الرواية للتسالم على ثبوت الكفارة في موردها حتى الصدوق القائل بجواز النظر بشهوة لا ينفى ثبوت الكفارة نعم سيأتي في شرح المسألة الثالثة انه قد حكى عن المفيد و المرتضى إطلاق القول بعدم ثبوت الكفارة و لعلّهما استندا الى هذه الرّواية و لكن موافقة الشهرة الفتوائية لسائر الروايات توجب الأخذ بها و طرح هذه الرّواية فلا تصلح لمعارضتها بوجه.

و هنا رواية أخرى استدل بها أيضا للقول المزبور و هي صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن- عليه السلام- قال سألته عن رجل قال لامرأته أو لجاريته بعد ما حلق و لم يطف و لم يسع بين الصفا و المروة: اطرحي ثوبك و نظر الى فرجها، قال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 370

..........

______________________________

لا شي ء عليه إذا لم يكن غير النظر «1». و يجري ما ذكره صاحب الجواهر من حمل نفي الشي ء عليه على الكفارة من دون ان يرد عليه ما أوردناه عليه في حمل الموثقة و يمكن ان يقال بدلالته على جواز النظر مطلقا

و إطلاقه يقيد بما يدل على حرمته إذا كان بشهوة و دعوى كون النظر الى الفرج المذكور في الرواية ملازما للشهوة مدفوعة بمنع ذلك و عدم كون الغلبة موجبة للانصراف كما حقق في محلّه و عليه فاللازم هو الالتزام بما هو المشهور من الحكم بحرمة النظر إذا كان بشهوة دون ما إذا لم يكن كذلك هذا كلّه في النّظر بشهوة إلى الزوجة أو الأمة.

و امّا النظر بشهوة إلى غيرهما فقد ذكر صاحب المدارك في شرح عبارة الشرائع التي هي مطلقة خالية عن الإضافة إلى الزوجة كعبارة الماتن- قدس سره الشريف- ما هذا لفظه: «قال الشارح- يعني صاحب المسالك- قده- و لا فرق في ذلك- يعني تحريم النظر بشهوة- بين الزوجة و الأجنبيّة بالنّسبة إلى النظرة الاولى ان جوّزناها و الّا فالحكم مخصوص بالزوجة، و كان وجه الاختصاص عموم تحريم النظر إلى الأجنبيّة على هذا التقدير و عدم اختصاصه بحالة الشهوة و هو جيّد الّا ان ذلك لا ينافي اختصاص التحريم الإحرامي بما كان بالشهوة كما أطلقه المصنّف- رحمه اللّٰه-». و قد تبعه في عدم المنافاة المذكور في ذيل كلامه صاحب الجواهر- قده- و ان كان صاحبا كشف اللثام و الحدائق قد تبعا الشهيد في الإطلاق بالإضافة إلى الأجنبيّة و انه لا فرق في حرمة النظر إليها في حال الإحرام بين صورة كونه بشهوة و عدم كونه كذلك.

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 371

..........

______________________________

أقول هنا مطلبان: أحدهما: ان المستفاد من هذه الكلمات و كذا صريح كلام الجواهر ان عدم الفرق بين الزوجة و الأمة و بين كل امرأة يجوز النظر إليها في

غير حال الإحرام كالأمة التي يريد ابتياعها و المرأة المخطوبة التي يريد تزويجها و الأجنبيّة بالإضافة إلى النظرة الأولى على تقدير جوازها أمر مسلّم و انّ الجميع مشترك في التفصيل الموجود في الزوجة بين صورة الشهوة و صورة عدمها من دون ترديد.

مع انك عرفت ان مورد الروايات امّا الزوجة أو هي مع الأمة المملوكة للمحرم و مجرد اشتراكهما مع المذكورات في جواز النظر في غير حال الإحرام لا يوجب الاشتراك في الحرمة الإحرامية فمن الممكن ان لا يكون النظر إلى الأجنبيّة في حال الإحرام محرّما من جهة الإحرام بوجه و ان كان محرّما في نفسه و لذا نقول حيث ان مورد الروايات الرجل المحرم الّذي ينظر الى زوجته أو أمته لا مجال لدعوى تعميم الحكم بالإضافة إلى المرأة المحرمة إذا نظرت الى زوجها بشهوة و كذا الأمة المحرمة إذا نظرت الى مولاها كذلك لعدم الدليل على إلغاء الخصوصية و عدم الإحاطة بالملاك أصلا و بالجملة فهذه الجهة التي هي كالمسلّمة بينهم لم ينهض عليها دليل أصلا.

ثانيهما: في الأجنبية التي لا يجوز النظر إليها في غير حال الإحرام من دون فرق بين ما إذا كان بشهوة و ما إذا لم يكن كذلك فهل الحرمة الإحراميّة المتعلّقة بالنظر إليها مختصة بما إذا كان بشهوة كالزوجة أو تعم صورة عدم الشهوة أيضا، و البحث فيها انّما هو بعد الفراغ عن ثبوت حرمة إحرامية بالإضافة إليها و ذلك لوجود بعض الروايات الدالة على ذلك و لولاها لكان مقتضى القاعدة نفى هذا الحكم رأسا لما عرفت في المطلب الأوّل و عليه فاللازم ملاحظتها من هذه الجهة فنقول:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 372

..........

______________________________

امّا الرّوايات فمنها:

موثقة أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام- رجل محرم نظر الى ساق امرأة فأمنى فقال ان كان موسرا فعليه بدنة و ان كان وسطا فعليه بقرة، و ان كان فقيرا فعليه شاة ثم قال: اما انّى لم اجعل عليه هذا لأنّه أمنى إنما جعلته عليه لانه نظر الى ما لا يحلّ له «1». و فيما رواه الصدوق بإسناده عن أبي بصير عطف قوله الى فرجها على ساق امرأة.

و قد ذكر بعض الاعلام- قده- ان مراده- ع- يعني من التعليل ان الحكم بالكفارة لم يجعل لمجرد الأمناء بل للإمناء المترتّب على النظر المحرم فموضوع الحكم بوجوب الكفارة، النظر المنتهى الى الأمناء لا الأمناء فقط و لو كان خاليا عن النظر المحرم و لا النظر المحرم وحده و بالجملة ليس معنى الرواية ان مجرد ارتكاب الحرام يوجب الكفارة بل معناها ان النظر المحرم المترتب عليه الأمناء يوجب الكفارة.

و يرد عليه أوّلا: ان كلامه يشعر بل يدلّ على انه جعل معنى التعليل الذي نفاه، كون ارتكاب الحرام موجبا للكفارة و ظاهره ان ارتكاب كلّ محرم يكون كذلك مع انه على هذا التقدير لا بدّ من فرض وجود النظر و تعميم الحكم في مورده بمعنى ان النظر الى كل ما لا يحلّ كذلك سواء كان ساق امرأة أجنبيّة أو بعض أعضائها الأخر أو عورة الرجل- مثلا- أو غيرها من الأمور التي لا يجوز النظر اليه.

و ثانيا: و هو العمدة- انّ ظاهره كون الرواية المشتملة على العلة المذكورة ظاهرة في نفسها في ثبوت الكفارة على النظر المحرم الذي يتعقّبه الأمناء مع ان الانصاف انّ الرواية لو خلّى و طبعها ظاهرة في كون العلة لثبوت الكفارة مجرد تحقق

النظر الى ما لا يحلّ له و لا مدخلية للإمناء فيه بوجه و حمل قوله- ع- اني لم اجعل عليه لأنّه أمنى، على كون المراد نفي مدخلية الأمناء فقط مع كون الضمير يرجع الى الرجل

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السادس عشر ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 373

..........

______________________________

المحرم الذي نظر الى ساق امرأة أجنبية لا مطلق الرجل المحرم في غاية البعد كما ان حمل قوله- ع- انّما جعلته عليه لانه نظر الى ما لا يحلّ له على كون المراد هو النظر المحرم الذي يتعقبه الأمناء أيضا كذلك و لو كان المراد ذلك لما كان للنفي و الإثبات المذكورين في الرّواية مع كون موردها هو النظر المحرم الخاص مجال أصلا كما لا يخفى.

و بعبارة أخرى لو كان المراد من التعليل ما ذكر لما كان لدفع التوهم الواقع في ذيل الرواية فائدة أصلا لدلالة الصدر بنفسه على مدخلية النظر المحرم المتعقب للإمناء من دون حاجة الى الذيل فإنّه لا دلالة لها على ثبوت الكفارة على الأعمّ من موردها فتصير الرواية- ح- نظير صحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر- عليه السلام- عن رجل محرم نظر الى غير أهله فأنزل قال عليه جزور أو بقرة فان لم يجد فشاة «1».

هذا و لكن هنا رواية أخرى صحيحة تدل على ان المراد من التعليل الواقع في الموثقة ما افاده بعض الاعلام- قده- و هي ما رواه معاوية بن عمّار في محرم نظر الى غير أهله فأنزل قال عليه دم لانه نظر الى غير ما يحلّ له، و ان لم يكن انزل فليتق اللّٰه و لا يعد و ليس عليه شي ء «2».

و ربما يستشكل

في كونها رواية عن الامام- عليه السلام- لعدم التعرض له- ع- و لو بالإضمار و عليه فيحتمل كون الرواية فتوى شخص معاوية بن عمّار و هي فاقدة للحجية و الاعتبار.

و لكن يدفع الاشكال ظهور كون الرواية تتمة لصحيحة معاوية بن عمار

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السادس عشر ح- 1.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السادس عشر ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 374

..........

______________________________

المتقدمة المشتملة على الأسئلة المتعددة في نظر الرجل المحرم و لمسه و مسّه مع انّ الكليني- قده- الذي نقل الحديث التزم في ديباجة كتابه بان لا يروي فيه الّا ما كان منتهيا الى الإمام- ع- و الانصاف انه لا مجال لهذا الاشكال.

و امّا الدلالة فلا ينبغي الارتياب في كون مفادها عدم ثبوت الكفارة في صورة عدم الانزال مع النظر الى غير اهله و هذا يدل على ان المراد من التعليل الواقع في الفرض الأوّل هو النظر المتعقب للإنزال و ان لم يقع التعرض له في العلة بوجه و الحكم بوجوب الاتقاء و النهي عن العود لأجل كون النظر محرّما في ذاته من دون فرق بين ما إذا كان بشهوة و بين ما إذا لم يكن كذلك فهذه الرواية تصير قرينة على كون المراد من الموثقة ما افاده بعض الاعلام- قده.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انّه لا دلالة للموثقة و كذا صحيحة معاوية على ان النظر إلى الأجنبية إذا كان بشهوة، محرم حال الإحرام من دون فرق بين الأمناء و عدمها كما استفاد منهما صاحب الجواهر- قده- و تبعه بعض الأعاظم- قده- فإنه قد ظهر لك عدم انطباق الروايتين على المدّعى فان المدّعي التفصيل

بين صورة الشهوة و عدمها كما انه مطلق من جهة الأمناء و عدمها و الروايتان مطلقتان من جهة الشهوة و مقيدتان بالامناء و لا ملازمة بين الأمناء و بين الشهوة فإنه قد وقع التصريح في بعض الروايات بحصول الأمناء من دون شهوة مثل رواية محمد بن مسلم المتقدمة المشتملة على قوله- ع-: فان حملها- يعني امرأته- أو مسّها لغير شهوة فأمنى أو أمذى فليس عليه شي ء «1».

و كيف كان فظاهر قوله في المتن: أو نظرا بشهوة كما في الشرائع و نحوها و ان كان هو جريان التفصيل في الأجنبية من دون تقييد بالامناء كما في الزوجة إلّا

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 375

[مسألة 1- لو جامع في إحرام عمرة التمتّع قبلا أو دبرا، بالأنثى أو الذكر عن علم]

مسألة 1- لو جامع في إحرام عمرة التمتّع قبلا أو دبرا، بالأنثى أو الذكر عن علم و عمد فالظاهر عدم بطلان عمرته و عليه الكفارة لكن الأحوط إتمام العمل و استئنافه لو وقع ذلك قبل السّعي، و لو ضاق الوقت حجّ افرادا و اتى بعده بعمرة مفردة و أحوط من ذلك اعادة الحج من قابل، و لو ارتكبه بعد السّعي فعليه الكفارة فقط، و هي على

______________________________

انه لم ينهض دليل عليه بل مقتضى الدليل هو النظر المتعقب للإمناء و لو لم يكن بشهوة بخلاف الزوجة فتدبر.

الجهة الخامسة: في حرمة كل لذّة تمتّع من النساء قد ظهر لك مما ذكرنا في بعض الجهات السابقة انّه بعد دلالة الروايات المتقدمة على حرمة النظر بشهوة إلى الزوجة زائدا على اللمس و التقبيل كذلك يستفاد منها حرمة كل لذة تمتع منها و لو لم تكن بالنظر فضلا عن غيره فان المتفاهم العرفي

منها على هذا التقدير ذلك نعم لو لم ينهض دليل على حرمة النظر و لو كان بشهوة لما كان تحريم التقبيل و اللمس مستلزما عرفا لذلك و موجبا لفهمهم الحرمة المطلقة و امّا بعد قيام الدليل على حرمة النظر لكان المفهوم منها عرفا ذلك.

نعم هذا يتمّ بالإضافة الى الرجل المحرم بالنسبة إلى زوجته أو أمته و امّا بالإضافة إلى الأجنبيّة فلا مجال لاستفادة ذلك منها لعدم قيام الدليل على حرمة النظر إليها بشهوة بعنوان الإحرام كما عرفت آنفا كما ان نظر المرأة المحرمة الى الرجل و لو كان هو زوجها و كان النظر بشهوة لم يقم دليل على حرمته الإحرامية نعم مقتضى عموم التعليل في رواية القبلة عموم الحرمة فيها و لكن حرمة التقبيل لا دلالة لها عرفا على حرمة النظر فضلا عما هو دونه فتدبّر فان مقتضى إطلاق المتن الشمول للجميع مع انه لم يقم دليل عليه و لا سبيل إلى إدراك الملاك و لا لإلغاء الخصوصية بوجه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 376

الأحوط بدنة من غير فرق بين الغنيّ و الفقير (1).

______________________________

(1) ينبغي قبل التعرض لحكم الجماع في أثناء عمرة التمتّع بيان حكم الجماع في العمرة المفردة لوقوع التعرض لكليهما في الكلمات ظهورا أو نصّا و وقوع البحث عنه قبل عمرة التمتّع في كلام صاحب الجواهر «1». فنقول:

قال المحقّق في الشرائع: «و من جامع في إحرام العمرة قبل السّعي فسدت عمرته و عليه بدنة و قضائها و الأفضل ان يكون في الشهر الداخل» و مقتضى إطلاق «العمرة» في الصدر و ان كان هو الشمول لعمرة التمتع أيضا لكنه ربما استظهر صاحب الجواهر من قوله: و الأفضل .. ان

يكون المراد خصوص العمرة المفردة و لعلّ منشأ الاستظهار الروايات الواردة في العمرة المفردة الدالة على ان لكل شهر أو في كل شهر عمرة المتقدمة في بحث العمرة المفردة.

و يرد على هذا الاستظهار مضافا الى ان لازمة عدم التعرض لحكم الجماع في عمرة التمتع من مثل المحقق مع كونه من المسائل المهمّة و كثير الابتلاء لان وجوب حج التمتّع ثابت بالإضافة إلى جلّ المستطيعين مضافا الى كونه أفضل من قسيميه في صورة الدّوران و التخيير عدم كون الذيل قرينة على ما افاده بوجه لأن عمرة التمتع و ان كان ظرف وقوعها أشهر الحج كما مرّ الّا انه في صورة التعدد امّا لأجل فساد الأولى أو لجهة أخرى لا بدّ من دخول شهر آخر و قد تقدم في بعض المسائل السابقة بعض الروايات الواردة فيمن خرج من مكة بعد عمرة التمتّع و مضى من الميقات الدالّة على انّه ان كان رجوعه إلى مكة في غير شهر الخروج لا بد من الإتيان بعمرة التمتع ثانيا التي يكون شروعها من أحد المواقيت المعروفة أو محاذيه و عليه فالاستظهار المذكور ممنوع.

و قال العلّامة في القواعد: «و لو جامع في إحرام العمرة المفردة أو المتمتع بها

______________________________

(1) ج- 20 ص- 380.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 377

..........

______________________________

- على اشكال- قبل السّعي عامدا عالما بالتحريم بطلت عمرته و وجب إكمالها و قضائها و بدنة».

و كيف كان فالظاهر انّ فساد العمرة المفردة بالجماع قبل السعي سواء كان قبل الطواف أو بعده مما وقع التصريح به من غير واحد بل في المدارك: «هذا مذهب الأصحاب لا اعلم فيه مخالفا بل ظاهر عبارة المنتهى انه موضع وفاق، و نقل

عن ابن أبي عقيل انه قال: و إذا جامع الرجل في عمرته بعد ان طاف لها و سعي قبل ان يقصر فعليه بدنة و عمرته تامّة، فامّا إذا جامع في عمرته قبل ان يطوف لها و يسعى فلم احفظ عن الأئمة- عليهم السلام- شيئا أعرفكم به فوقفت عند ذلك و رددت الأمر إليهم- ع-».

و يدلّ على فساد العمرة المفردة بالجماع في الصورة المذكورة روايات متعددة:

منها: صحيحة بريد بن معاوية العجلي قال سألت أبا جعفر- ع- عن رجل اعتمر عمرة مفردة فغشي أهله قبل ان يفرغ من طوافه و سعيه قال: عليه بدنة لفساد عمرته، و عليه ان يقيم الى الشهر الأخر فيخرج الى بعض المواقيت فيحرم بعمرة «1».

و منها: صحيحة مسمع عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في الرجل يعتمر عمرة مفردة ثم يطوف بالبيت طواف الفريضة ثم يغشى أهله قبل ان يسعى بين الصفا و المروة قال: قد أفسد عمرته و عليه بدنة، و عليه ان يقيم بمكة حتّى يخرج الشهر الذي اعتمر فيه ثم يخرج الى الوقت الذي وقّته رسول اللّٰه- ص- لأهله فيحرم منه و يعتمر «2».

و منها: رواية أحمد بن أبي علي عن أبي جعفر عليه السلام في رجل اعتمر عمرة مفردة و وطي اهله و هو محرم قبل ان يفرغ من طوافه و سعيه، قال: عليه بدنة لفساد

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثاني عشر ح- 1.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثاني عشر ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 378

..........

______________________________

عمرته و عليه ان يقيم بمكّة حتى يدخل شهر آخر فيخرج الى بعض المواقيت فيحرم منه ثم يعتمر «1».

و هذه الروايات كما تدلّ

على فساد العمرة المفردة بالجماع قبل السعي و على ثبوت الكفّارة لأجله كذلك تدل على لزوم القضاء و انّه لا بد ان يؤتي به في غير الشهر الذي اعتمر فيه و هذه الجهة تؤيد ما ذكرنا سابقا في مبحث العمرة المفردة من ان الفصل المعتبر بين العمرتين هو عبارة عن تغير عنوان الشهر و خروج شهر و دخول آخر و لو كانت العمرتان في يومين متعاقبين كآخر شهر و أوّل شهر آخر كما انّها تدل على ان قوله- ع- لكل شهر عمرة يشمل ما إذا وقعت عمرة شهر فاسدة بالجماع و نحوه و لا يختص بما إذا كانت العمرتان صحيحتين.

و امّا لزوم الخروج الى بعض المواقيت فان كان المراد بالبعض ما يشمل ادنى الحلّ الذي هو ميقات العمرة المفردة امّا مطلقا لمن لم يمرّ على الميقات أو محاذيه أو في أكثر الموارد فلا بأس به و ان كان المراد به خصوص المواقيت الخمسة أو الستّة التي وقّتها رسول اللّٰه- ص- و قد مرّ البحث عنها تفصيلا فلا يبعد ان يقال باختصاص مورد الروايات بما إذا كان إحرام العمرة التي أفسدها منها و امّا لو فرض كون إحرامها من ادنى الحلّ كالتنعيم و الجعرانة و نحوهما فالظاهر أنّ إفسادها لا يوجب الخروج الى بعض تلك المواقيت فتدبّر هذا كله في العمرة المفردة.

و امّا عمرة التمتّع فقد قال صاحب المدارك: «انّ ظاهر الأكثر و صريح البعض عدم الفرق بينها- يعني العمرة المفردة- و بين عمرة التمتّع و ربما أشعر به صحيحة معاوية بن عمّار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السّلام- عن رجل متمتّع وقع على امرأته و لم يقصّر قال: ينحر جزورا و قد خشيت ان

يكون ثلم حجّه ان

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثاني عشر ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 379

..........

______________________________

كان عالما، و ان كان جاهلا فلا شي ء عليه «1» فان الخوف من تطرق الفساد الى الحج بالوقاع بعد السعي و قبل التقصير ربما اقتضى تحقق الفساد و بوقوع ذلك قبل السّعي».

و أورد عليه صاحب الجواهر- قده- أوّلا بأنه لم يعرف إطلاقا لغير المصنّف- يعني المحقق في الشرائع- بل قد يظهر من ذيل كلامه ارادة خصوص العمرة المفردة نعم عن أبي الصلاح التصريح بفساد المتعة بالجماع قبل طوافها و سعيها و انّ عليه بدنة.

و ثانيا بان الوقاع بعد السّعي قبل التقصير لا يوجب الفساد بل البدنة خاصّة بمقتضى الصّحيحة و غيرها فكيف يثلم به الحج و الفحوى لو تمسّك بها انما تكون حجة لو قلنا بحجية أصلها و الّا فلا كما هنا ثم مال الى وجود الإشعار في الرواية بالفساد في ذيل كلامه.

أقول: امّا الفتاوى فالظاهر عدم ثبوت شهرة على الفساد في عمرة التمتّع لما عرفت من انّ كلام المحقّق في الشرائع و ان كان يمكن استظهار العموم منه الّا ان صريح العلامة في القواعد الاستشكال فيه و ان حكى عن فخر المحقّقين في شرحه ان الاشكال في فساد الحج بعدها لا في فساد العمرة و ان الاشكال ينشأ من دخول العمرة في الحج، و من انفراد الحج بالإحرام و نسب ذلك الى تقرير والده لكنّه استضعفه صاحب المدارك بان حج التمتّع لا يعقل صحّته مع فساد العمرة المتقدمة عليه نعم وجّهه صاحب الجواهر بأن المراد بالفساد النقص و عدم الكمال و هو كما ترى في غاية البعد كما انّ ما

حكى عن الرياض من ان عدم إشكالهم في الفساد لعدم الخلاف فيه و الّا فالنصوص مختصة بالمفردة غير تام و كيف كان فلم تثبت الشهرة على الفساد بوجه.

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث عشر ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 380

..........

______________________________

و امّا النص فالرواية المنحصرة في هذا الباب هي صحيحة معاوية المذكورة في كلام المدارك و امّا سائر الروايات فهي دالة على ثبوت الكفارة و لا ملازمة بينها و بين الفساد كما هو ظاهر و قد عرفت وقوع البحث فيها من حيث دلالتها على الفساد أو إشعارها به أو عدمهما معا لكن الّذي أوجب حمل الرواية على عمرة التمتع قول السائل: و لم يقصر بلحاظ تعين القصر في خصوص عمرة التمتّع مع انّ الظاهر كما نقل الرواية بعينها صاحب الوسائل في باب آخر ان قوله كان: و لم يزد مكان و لم يقصّر. و إليك بملاحظتها قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن متمتّع وقع على اهله و لم يزر قال ينحر جزورا و قد خشيت ان يكون قد ثلم حجّه ان كان عالما و ان كان جاهلا فلا شي ء عليه، و سألته عن رجل وقع على امرأته قبل ان يطوف طواف النساء قال عليه جزور سمينة، و ان كان جاهلا فليس عليه شي ء الحديث «1».

و أنت خبير بأن الرواية على هذا النقل واردة في حج التمتع و لا ارتباط لها بعمرته فان قوله لم يزر يكون المراد به عدم إتيانه بطواف الحج الذي يسمّى بطواف الزيارة كما ان سؤاله عن الوقاع قبل طواف النساء عقيب السؤال الأول يختص بالحج و الفرق بينه و بين السؤال الثاني

هو تحقق الوقاع في السؤال الأول قبل طواف الحج و في السؤال الثاني قبل طواف النساء و هذا يناسب مع التعبير بالثلمة في الحج و الّا فلا ارتباط ظاهرا بين تحقق الوقاع في العمرة و ثبوت خشية الثلمة في الحج كما لا يخفى نعم في نقل الصدوق: و لم يقصر لكن الرواية التي تردد نقلها بين أمرين لا يكون أحدهما مرتبطا بعمرة التمتّع لا مجال للتمسك بها كما هو ظاهر.

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب التاسع ح- 1 و أورد ذيلها في باب 18 من هذه الأبواب ح- 2 و هو قوله سألته عن رجل قبل امرأته و قد طاف طواف النساء و لم تطف هي قال عليه دم يهريقه من عنده.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 381

..........

______________________________

نعم هنا وجوه أخر استدل بها لفساد عمرة التمتع ينبغي التعرض لها و ملاحظة صحّتها و سقمها فنقول:

منها: انّك عرفت ان مقتضى النص و الفتوى بطلان العمرة المفردة بالجماع قبل السّعي و الظاهر انه لا فرق بينها و بين عمرة التمتّع بعد كونهما طبيعة واحدة و اشتراكهما في جلّ الاعمال و مجرد الاختلاف في وجوب طواف النساء في الاولى و استحبابه في الثانية و في لزوم وقوع الثانية قبل الحج و في أشهره و ارتباطها بالحج دون الاولى لا يوجب الاختلاف في هذه الجهة التي هي مورد البحث.

و الجواب عنه واضح فإنه لم ينهض دليل على اشتراكهما في جميع الاحكام الّا ما خرج بدليل خاص و مجرّد اشتراكهما في عنوان العمرة و في جلّ الاعمال لا يقتضي ذلك بوجه كما هو ظاهر.

و منها: ما سيأتي من دلالة روايات متعددة على ان الجماع قبل

الوقوف بالمشعر يوجب فساده و لزوم إعادته في العام القابل و حيث انّ عمرة التمتّع جزء للحج و واقعة قبله يكون مقتضى إطلاق تلك الروايات الشمول للجماع فيها لانه يصدق عليه انّه جماع قبل الوقوف بالمشعر.

و فيه: مضافا الى ان مقتضى ذلك البطلان بسبب الجماع بعد السعي و قبل التقصير مع انّ الظاهر انه لم يقل به أحد انّ عمرة التمتّع و ان كانت جزء للحج الّا ان عنوان العمرة مطلقا مغاير لعنوان الحج في الكتاب و السنّة قال اللّٰه تعالى:

وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ و قال أيضا فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ و قال أيضا في ذيل الآية الأولى: فمن تمتّع بالعمرة إلى الحج و عليه فالأحكام الثابتة في مورد الحج لا تشمل العمرة بوجه الّا مع قيام الدّليل فالمراد من تلك الروايات هو الجماع قبل الوقوف في الحجّ.

و منها: إطلاق بعض الرّوايات الدالة على الفساد و عدم اختصاصها بالحجّ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 382

..........

______________________________

كصحيحة زرارة قال سألته عن محرم غشي امرأته و هي محرمة قال: جاهلين أو عالمين؟ قلت: أجنبي في (عن خ) الوجهين جميعا قال: ان كانا جاهلين استغفرا ربّهما و مضيا على حجّهما و ليس عليهما شي ء، و ان كانا عالمين فرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه و عليهما بدنة و عليهما الحجّ من قابل، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرّق بينهما حتّى يقضيا نسكهما، و يرجعا الى المكان الّذي أصابا فيه ما أصابا، قلت فأيّ الحجتين لهما؟ قال: الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا، و الأخرى عليهما عقوبة «1». فإن مقتضى إطلاق السؤال الشمول لعمرة التمتّع أيضا.

و أجاب عنه بعض

الاعلام بما حاصله: «ان كان المراد بالأمر بالحج من قابل فساد الحج الذي وقع فيه الجماع فسادا حقيقيا و مرجعه الى ان ما اتى به لا يحسب من الحج و ان وجب عليه إتمامه و يجب عليه الحج من قابل فعدم صحّة الاستدلال بالرواية بالنسبة إلى عمرة المتعة واضح جدّا لان فسادها لا يوجب عليه الحج من قابل لان تداركها أمر سهل غالبا فيخرج الى خارج الحرم كالتنعيم و نحوه و مع عدم التمكّن ينقلب حجّه الى الافراد فذكر الحج من قابل قرينة على وقوع الجماع في إحرام الحج.

و ان قلنا بان الحج الأوّل حجّة و الثاني عقوبة عليه و الحكم بالفساد تنزيلي باعتبار لزوم الإتيان به في القابل و لو عقوبة فهذا يمكن فرضه في عمرة المتعة بأن يجب عليه الحج من قابل عقوبة عليه و لكن الروايات لا تشملها لأن الأمر بالتفريق في الحج الثاني حتى يقضيا نسكهما و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا قرينة قطعية على وقوع الجماع في الحج لا العمرة إذ لا يتصور في عمرته الرجوع الى المكان المذكور غالبا بخلاف الحاجّ فإنه إذا حدث هذا الحدث في مكّة

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 383

..........

______________________________

- مثلا- يتحقّق بالنسبة إليها ذلك لان الغالب في الحجاج الرجوع الى مكّة و هذا المعنى لا يتحقق بالنسبة إلى المتمتع الذي يحرم من أحد المواقيت فإنه إذا جامع بعد الإحرام في طريقه الى مكة لا يتقيّد بالرجوع الى نفس هذا المكان بل يمكن ان يرجع من مكان آخر».

و يرد عليه- مضافا الى انه لا مجال للترديد في الرّواية

بالإضافة الى ان الحج الأول فاسد و الثاني واجبه أو بالعكس بعد تصريح ذيل الرّواية بالثاني في الجواب عن السؤال عن انّ ايّ الحجّتين لهما و الى انه لا تعرض فيها للفساد بالإضافة إلى الحج الأوّل حتى يحمل على الفساد التنزيلي نعم يجرى الترديد في مثل رواية جميل بن درّاج قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن محرم وقع على اهله قال: عليه بدنة قال: فقال له زرارة: قد سألته عن الذي سألته عنه فقال لي: عليه بدنة، قلت: عليه شي ء غير هذا؟ قال عليه الحج من قابل «1»- انّ ما افاده من القرينة القطعية ممنوع جدّا فإنه كما يمكن وقوع الجماع في إحرام عمرة التمتّع في طريقه الى مكة كذلك يمكن وقوعه في إحرام حج القران أو الافراد في الطريق المذكور فانّ تعيّن وقوع إحرام عمرة التمتّع من أحد المواقيت الخمسة أو الستّة لا يلازم الانحصار فانّ مريد أحد الحجين إذا مرّ من أحدها يجب عليه الإحرام له منه كما هو ظاهر.

كما انه في عمرة التمتّع ربما يتحقق الجماع في مكّة الذي يجب على الحاج الرجوع إليها بعد قضاء المناسك فالقرينة المذكورة ممنوعة جدّا و في بعض الروايات بعد حكمه (ع) بلزوم التفريق حتى يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ذكر الرّاوي: قلت أ رأيت إن أخذا في غير ذلك الطريق إلى أرض أخرى يجتمعان

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 384

..........

______________________________

قال: نعم «1». لكن في بعض الروايات قوله: يفرق بينهما و لا يجتمعان في خباء حتى يبلغ الهدى محلّه «2». و هذا يختص بالحج و في كلامه-

قده- مواضع اخرى للنظر و الاشكال فتدبر.

و العمدة في الجواب ان يقال انّ الجواب المتعرض للحكم بوجوب الحج من قابل قرينة على كون مراد السائل الوقاع في إحرام الحج و ان كان مقتضى إطلاقه الشمول للعمرة و يؤيّده انه لا مجال للحكم المذكور بالإضافة إلى العمرة المفردة مع ان إطلاق السؤال شامل لها أيضا.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لم ينهض دليل على بطلان عمرة التمتع بالجماع قبل السّعي كما انه لم يثبت شهرة فتوائية على ذلك و لكن يظهر من بعض الكلمات اقامة الدليل على الصّحة في خصوص صورة ضيق الوقت عن إعادة عمرة التمتّع و هو ما حكاه صاحب الجواهر- قده- من انه يلزم- اى على تقدير البطلان في الصورة المذكورة- أحد أمرين امّا تأخير الحج الى قابل أو الإتيان به مع فساد عمرته و هو يستلزم امّا فساده مع الإتيان بجميع أفعاله و التجنب فيه عن المفسد، أو انتقاله الى الافراد و إذا انتقل الى الافراد سقط الهدي و انتقلت العمرة مفردة فيجب لها طواف النساء و في جميع ذلك إشكال.

أقول: أمّا في صورة سعة الوقت فلا مانع من الالتزام بوجوب عمرة مستأنفة و الظاهر ان إحرامها لا بد و ان يكون من أحد المواقيت الخمسة أو الستّة المعروفة مع التمكّن لا ادنى الحلّ كالتنعيم و نحوه كما عرفت في كلام بعض الاعلام- قده.

و امّا في صورة الضيق عن الاستيناف فلا مانع من الانتقال الى الافراد كما في

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 14.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 385

..........

______________________________

نظائره مثل ما إذا ضاق

الوقت عن إتمام عمرة التمتّع بعد الإحرام لها من أحد المواقيت و قد تقدم البحث عنه تفصيلا حيث ينقلب الى الافراد فالمقام أيضا مثله و عليه فكما لم ينهض دليل على البطلان، لا مجال للاستدلال على الصحة بما ذكر لكن لا حاجة الى إقامة الدليل على الصّحة و مما ذكرنا ينقدح صحّة ما استظهره في المتن من عدم البطلان و لكن الظاهر انه لا يجتمع الاستظهار المذكور مع جعل الاحتياط في صورة الضيق الحج افرادا و الإتيان بعده بعمرة مفردة فإنه مع تعين حج التمتع عليه و استظهار عدم بطلان عمرته بالجماع كيف يكون الاحتياط في الحج الأفرادي الذي هو أدنى أنواع الحج كما لا يخفى نعم الإعادة في العام القابل لا شبهة في كونه أعلى مراتب الاحتياط. ثم انّه بعد استظهار صحّة العمرة بالجماع قبل السّعي تظهر صحّتها بالجماع بعد السعي و قبل التقصير بطريق أولى.

بقي الكلام في الكفارة فالمشهور انّها بدنة على الموسر و بقرة على المتوسط و شاة على الفقير و في المتن جعل الأحوط اللزومي البدنة مطلقا من دون فرق بين الغنيّ و الفقير و ظاهر العبارة المتقدمة المحكية عن ابن أبي عقيل تعين البدنة بنحو الفتوى و حكى عن سلّار وجوب البقرة لا غير و عن الصدوق في المقنع الاقتصار على الفتوى بمضمون صحيح التخيير. و الدليل على الكفارة بعد ما عرفت من كون مورد صحيحة معاوية بن عمّار المتقدمة الحج و لا أقل من عدم ثبوت ورودها في عمرة التمتع ينحصر في روايتين:

إحديهما: صحيحة ابن مسكان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال قلت متمتع وقع على امرأته قبل ان يقصّر فقال عليه دم شاة «1».

ثانيتهما: صحيحة عمران الحلبي

انه سئل أبا عبد اللّٰه- ع- عن رجل طاف بالبيت

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث عشر ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 386

..........

______________________________

و بالصفا و المروة و قد تمتّع ثم عجل فقبل امرأته قبل ان يقصر من رأسه قال عليه دم يهريقه و ان جامع فعليه جزور أو بقرة «1». و احتمال كون الترديد من الرّاوي لا مجال للاعتناء به.

أقول: امّا الحكم بتعين البدنة فتوى أو احتياطا لزوميّا فمنشؤه ظاهرا صحيحة معاوية بن عمّار الّتي قد عرفت عدم ثبوت ورودها في عمرة التمتع فلا مجال للاتكال عليها.

و امّا الحكم بتعين البقرة فلعلّ وجهه عدم معقولية التخيير بين الأقل و الأكثر و انّ مرجعه الى وجوب الأقلّ و استحباب الزائد عليه.

و يرد عليه- مضافا الى ما حقق في محلّه من علم الأصول، انّ التخيير بين الأقل و الأكثر أمر معقول غير مستحيل و كما ان الأقل فيما إذا اقتصر عليه أحد طرفي الواجب و الإتيان به يكون مجزيا كذلك الأكثر يكون طرفا آخر للواجب و إذا اتى به يكون الجميع متصفا بالوجوب و الموافقة تحصل بالمجموع لا بالأقل الذي في ضمنه- انّ البقرة و الجزور ليسا من الأقل و الأكثر بل هما نوعان متباينان و ان اختلفا في المالية لكن الملاك ليس مجرد المالية بل نفس العنوانين و عليه فلا مجال لرفع اليد عن ظهور الرواية في التخيير بعد كونهما من الأمرين المتبائنين مضافا الى ظهور الصحيحة الاولى في أن الكفارة هي شاة التي هي أقل من البقرة بحسب الماليّة.

و اللازم الجمع بين الروايتين و هو يحصل بأحد وجهين:

أحدهما: ما ذهب اليه المشهور من الحمل على اختلاف حالات

المكلف من جهة كونه موسرا أو متوسطا أو فقيرا و يؤيده ورود هذا النحو من الكفارة فيمن

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث عشر ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 387

..........

______________________________

نظر الى ساق امرأة بشهوة فأمنى و في الجماع قبل طواف النساء في الحجّ.

و يرد عليه انه لا إشعار في شي ء من الروايتين بذلك و ثبوت مثله في مثل الموردين لا دلالة له على الثبوت في المقام مضافا الى ان قرينة المقابلة في الصحيحة الثانية الدالة على ثبوت مطلق الدم على من قبّل امرأته قبل ان يقصّر تقتضي عدم ثبوت الشاة في المقام بوجه فلا مجال لهذا الوجه و ان ذهب اليه المشهور.

ثانيهما: التخيير بين الأمور الثلاثة من دون فرق بين الغني و المتوسط و الفقير قال في الجواهر: و لو لا مخالفة خرق الإجماع كان المتجه التخيير مترتبة في الفضل.

قلت لا مجال لدعوى ثبوت الإجماع بعد ما عرفت من اختلاف الفتاوى الّا ان يراد به الإجماع المركب مع انه على تقديره لا مانع من مخالفته لاستناد المجمعين الى الروايات الواردة في المسألة فلا أصالة للإجماع و- ح- فالأظهر في مقام الجمع هو هذا الوجه فتدبر.

بقي في أصل المسألة أمور ينبغي التنبيه عليها: أحدها: انّ ظاهر المتن ثبوت الكفارة في الفرض الأوّل الذي هو الجماع قبل السعي مع ان الظاهر انه لم يقم دليل على ثبوت الكفارة في هذا الفرض الّا ان يستدل له بالأولوية نظرا الى ان ثبوتها في الجماع بعد السعي و قبل التقصير يقتضي ثبوتها في هذا الفرض بطريق اولى.

و لكن يرد عليه ان الأولوية القطعية ممنوعة و الأولوية الظنية غير معتبرة.

و يمكن ان يستدل

له بشمول إطلاق قوله قبل ان يقصر لقبل السعي أيضا و لم يقع الاستفصال في الجواب و لكن ذكر صاحب الجواهر- قده- في ذيل صحيحة معاوية بن عمار التي نقلها بصورة: و لم يقصر، ان المتبادر منها الوقاع بعد السعي قبل التقصير و لا يشمل إطلاقها لصورة ما إذا لم يتحقق منه السّعي هذا و لكن مع ذلك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 388

[مسألة 2- لو ارتكب ذلك في إحرام الحجّ عالما عامدا بطل حجّه]

مسألة 2- لو ارتكب ذلك في إحرام الحجّ عالما عامدا بطل حجّه ان كان قبل وقوف عرفات بلا اشكال، و ان كان بعده و قبل الوقوف بالمشعر فكذلك على الأقوى فيجب عليه في الصورتين إتمام العمل و الحج من قابل و عليه الكفّارة و هي بدنة، و لو كان ذلك بعد الوقوف بالمشعر فان كان قبل تجاوز النصف من طواف النساء صحّ حجّه و عليه الكفارة و ان كان بعد تجاوزه عنه صحّ و لا كفارة على الأصحّ (1).

______________________________

لا يبعد دعوى الإطلاق في مثل هذا التعبير و عليه فثبوت الكفارة لو لم يكن أقوى يكون مقتضى الاحتياط اللّزومي.

ثانيها: انّ الظاهر انه لا فرق في الجماع الموجب للكفارة بين ما إذا كان في القبل و ما إذا كان في الدبر لصدق الجماع على كليهما و دعوى الانصراف الى خصوص القبل ممنوعة خصوصا بعد اشتراكهما في مثل الزّنا و نحوه.

ثالثها: ان تعميم الحكم للجماع مع الذكر لم يقم عليه دليل لما عرفت في أوّل بحث كون الجماع من محرمات الإحرام انه قد فسر الرفث المنفي في الآية في الحج بجماع النّساء و لم يقم دليل على كون وطي الذكر من محرمات الإحرام كما انه لم ينهض دليل

على شمول الحكم للأجنبية و مجرد كونه أغلظ و أفحش لا يستلزم كونه من محرمات الإحرام و الّا يلزم ان تكون المعاصي خصوصا الكبيرة منها من محرّمات الإحرام و العجب من المتن انه جعل عنوان المحرّم في الإحرام «النساء» ثم صرّح في هذه المسألة بعدم الفرق بين الذكر و الأنثى فتدبّر.

(1) قد وقع عنوان المسألة في الشرائع هكذا: «فمن جامع زوجته في الفرج قبلا أو دبرا عامدا عالما بالتحريم فسد حجّه و عليه إتمامه و بدنة و الحج من قابل سواء كان حجته التي أفسدها فرضا أو نفلا» و هذا التعبير أحسن مما في المتن حيث ان ظاهره ان الاحكام الثلاثة وجوب الإتمام و الحج من قابل و لزوم الكفارة انّما هي متفرعة على الفساد في الصورتين الأوليين مع ان القائل بعدم الفساد أيضا يقول بترتب هذه الاحكام على الجماع فيهما و امّا تعبير الشرائع فخال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 389

..........

______________________________

عن هذا الاشكال للعطف بالواو مكان التفريع بالفاء.

و كيف كان ففي المسألة اربع صور:

الصورة الأولى: ما إذا تحقق الجماع عامدا عالما قبل الوقوف بعرفات بعد تحقق الإحرام قال في الجواهر بعد عبارة الشرائع بلا خلاف أجده فيه في الجملة بل الإجماع بقسميه عليه بل المحكي منهما مستفيض كالنصوص و يأتي التعرض لها في الصورة الثانية.

الصورة الثانية: ما إذا تحقق الجماع المذكور بين الوقوفين و في هذه الصورة أيضا قد حكى الإجماع عن الشيخ و السيدين و القاضي في شرح الجمل و الجواهر لكن المحكي عن المفيد و سلّار و الحلبي و السيّد في الجمل الخلاف حيث انهم اعتبروا تقدّمه على عرفة لما سيأتي.

و كيف كان يدل على ما

هو المشهور روايات مستفيضة:

منها: صحيحة معاوية بن عمّار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل محرم وقع على اهله فقال ان كان جاهلا فليس عليه شي ء و ان لم يكن جاهلا فان عليه ان يسوق بدنة و يفرق بينهما حتى يقضيا المناسك و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا و عليه الحجّ من قابل «1».

و منها: صحيحة زرارة قال سألته عن محرم غشي امرأته و هي محرمة قال جاهلين أو عالمين؟ قلت أجنبي في (عن خ) الوجهين جميعا قال ان كانا جاهلين

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 390

..........

______________________________

استغفرا ربّهما و مضيا على حجّهما و ليس عليهما شي ء و ان كانا عالمين فرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه و عليهما بدنة و عليهما الحج من قابل، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرق بينهما حتى يقضيا نسكهما، و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، قلت فأيّ الحجتين لهما قال الأولى الّتي أحدثا فيها ما أحدثا و الأخرى عليهما عقوبة «1».

و منها: صحيحة أخرى لمعاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في المحرم يقع على اهله، قال ان كان أفضى إليها فعليه بدنة و الحجّ من قابل، و ان لم يكن افضى فعليه بدنة و ليس عليه الحج من قابل «2».

و الظاهر اتحادها مع روايته الاولى و عدم كونها رواية أخرى و ان كان بينهما الاختلاف في الجواب.

و منها: رواية عليّ بن أبي حمزة قال سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن محرم واقع اهله قال قد اتى عظيما قلت: أفتني (قد ابتلى) فقال: استكرهها

أو لم يستكرهها؟ قلت أفتني فيهما جميعا، قال ان كان استكرهها فغليه بدنتان و ان لم يكن استكرهها فعليه بدنة و عليها بدنة و يفترقان من المكان الّذي كان فيه ما كان حتى ينتهيا إلى مكة و عليهما الحج من قابل لا بدّ منه قال: قلت فإذا انتهيا إلى مكة فهي امرأته كما كانت فقال نعم هي امرأته كما هي فإذا انتهيا الى المكان الذي كان منهما ما كان افترقا حتى يحلّا فإذا أحلّا فقد انقضى عنهما فإنّ أبي كان يقول ذلك «3».

و منها: صحيحة جميل بن درّاج قال سألت أبا عبد اللّٰه- ع- عن محرم وقع على

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 9.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع ح- 2.

(3) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الرابع ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 391

..........

______________________________

اهله قال: عليه بدنة، قال فقال له زرارة: قد سألته عن الذي سألته عنه فقال لي عليه بدنة قلت عليه شي ء غير هذا قال عليه الحج من قابل «1».

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال إذا وقع الرجل بامرئته دون مزدلفة أو قبل ان يأتي مزدلفة فعليه الحج من قابل «2». و الفرق بين هذه الرواية و الروايات السّابقة ان شمول تلك الروايات لهذه الصّورة التي هي محلّ البحث انّما كان بالإطلاق و امّا هذه الرواية فالقدر المتيقن من موردها انّما هي هذه الصورة و ان كان مقتضى إطلاقه الشمول لما قبل الوقوف بعرفات و الظاهر ان الترديد انّما هو من الرّاوي لعدم الفرق بين التعبيرين في المدلول.

و منها: مرسلة الصدوق المعتبرة قال: قال الصادق- عليه

السلام- ان وقعت على أهلك بعد ما تعقد الإحرام و قبل ان تلبّي فلا شي ء عليك، و ان جامعت و أنت محرم قبل ان تقف بالمشعر فعليك بدنة و الحج من قابل، و ان جامعت بعد وقوفك بالمشعر فعليك بدنة و ليس عليك الحج من قابل، و ان كنت ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليك «3».

و قد ظهر لك بعد ملاحظة هذه الرّوايات انّ الظاهر ما ذهب اليه المشهور و تبعه المتن من اتّحاد الصورتين في الحكم و ترتّب الأحكام الثلاثة من لزوم الإتمام و ثبوت الكفارة و وجوب الحجّ من قابل على كلتيهما نعم لا بدّ من الالتفات الى ان أكثر الرّوايات المتقدمة مشتركة في ثبوت الحكمين الأخيرين و بعضها يدل على خصوص الحكم الأخير و امّا ما يدل على لزوم الإتمام فمضافا إلى

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 3.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 1.

(3) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع أورد صدرها في الباب الأوّل ح- 2 و وسطها في الباب السادس ح- 2 و ذيلها في الباب الثاني ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 392

..........

______________________________

انه لو لم يلزم الإتمام و كان الحج فاسدا غير واجب الإكمال يلزم ان يكون المفسد موجبا لحصول التحلل و الخروج عن الإحرام مع انّ التحلّل في الحج يتوقّف على قضاء مناسكه بأجمعها نعم قد يتحقق بدونه كما في مورد الإحصار و لكنه لم يعهد جعل مثل الجماع موجبا لحصول التحلّل و الى وجود روايات ظاهرا دالة على لزوم الإتمام في جميع الموارد سواء كان الحج صحيحا أو فاسدا ففي المقام مثل رواية زرارة المتقدّمة الدالة

على لزوم التفريق بينهما فان لزوم التفريق يدل بالدلالة الالتزامية على وجوب الإتمام ضرورة انه لا مجال مع فساد الحج و عدم لزوم الإتمام للزوم التفريق و عليه فالروايات مع ملاحظة مجموعها تدلّ على الأحكام الثلاثة.

و يدلّ على لزوم التفريق أيضا رواية معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في المحرم يقع على اهله فقال: يفرق بينهما و لا يجتمعان في خباء الّا ان يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدي محلّه «1».

و امّا مستند القائلين باعتبار تقدم الجماع على الوقوف بعرفات في ترتّب الأحكام المذكورة فهو مثل ما روي من انّ الحجّ عرفة «2». و هو مع ضعفه لا يكون المراد به ما هو ظاهره قطعا و الّا يلزم كفاية الاقتصار على الوقوف في حال العمد و الاختيار و ترك سائر المناسك كلّها كذلك فاللازم الحمل على ان الوقوف بعرفات من أعظم أركان الحجّ و هو لا يستلزم عدم ترتب الأحكام المذكورة على الجماع بعده و قبل الوقوف بالمشعر و كيف يصح الاستدلال بمثله في مقابل الروايات الكثيرة المتقدمة الصريحة بعضها فلا محيص عن الأخذ بما عليه المشهور.

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 5.

(2) المستدرك أبواب إحرام الحج الباب الثامن عشر ح- 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 393

..........

______________________________

بقي الكلام في هاتين الصورتين في أمور:

الأمر الأوّل: في فساد الحج بالجماع فيهما و عدمه ففي المتن تبعا للمحقّق في الشرائع بل المحكي عن الأكثر بل قد ادعى الإجماع في محكي التنقيح عليه هو الفساد لكن قد حكى عن النهاية و الجامع و عن المحقق في النافع بل في الشرائع في أحكام الصيد عدم الفساد و ان الحج

الثاني عقوبة و اختاره غير واحد من متأخري المتأخرين و قد عرفت انه لا اختلاف بين القولين في ترتب الأحكام الثلاثة المذكورة بل الثمرة بينهما تظهر في أمور أخر.

منها: و هو العمدة النيّة فإنه لو كان الفرض هو الحجّ في العام القابل لكان اللازم حال الإحرام نيّة حجة الإسلام- مثلا- و لو كان الحج الثاني عقوبة لكان اللّازم نيّة ما وجب عليه بالإفساد.

و منها: ما لو مات بين العامين فعلى تقدير القول بفساد الأول كان الفرض و هي حجة الإسلام- مثلا- على عهدته و يعامل معه معاملة من مات و لم يأت بالحج أصلا مع استقراره عليه و على فرض القول بالصحة لكان التكليف المتعلّق بالحج المتوجه اليه قد امتثل و صارت الذمة بريئة بخلاف القول الأخر فإنه عليه عقوبة و كفارة لعلّها تخرج من الثلث لا من الأصل فتدبّر.

و منها: ما لو كان الجماع واقعا من الأجير الذي كان متعلق إجارته الحج في خصوص السنة الأولى فإنه لا يستحق الأجرة على تقدير فساده بخلاف القول بالصحة فإنه يستحق الأجرة و يجب عليه الحج في القابل من مال نفسه.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 3، ص: 393

و منها: غير ذلك من الثمرات المتعددة المترتبة على القولين المذكورة في مطاوي الكتب الفقهية.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن ذيل رواية زرارة المتقدمة ظاهر بل صريح في انّ الحج الذي وقع الجماع فيه هو واجبه و ان الثاني عقوبة و الاشكال فيها من جهة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3،

ص: 394

..........

______________________________

الإضمار لا يعتني به بعد كون المضمر هو زرارة و ليس من شأنه السؤال و الاستفتاء عن غير الامام- عليه السلام- هذا لو لم نقل بأن الإضمار وقع في الجامع الروائي و بيد مؤلّفه بلحاظ ذكر المروي عنه في الرواية السابقة و الإشارة بالضمير اليه و الّا فلا موقع له بوجه أصلا.

و يدلّ عليه أيضا موثقة إسحاق بن عمار الواردة في الحج النيابي قال سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة فيعطي رجل دراهم يحج بها عنه فيموت قبل ان يحج ثم اعطى الدّراهم غيره فقال: ان مات في الطريق أو بمكّة قبل ان يقضي مناسكه فإنه يجزى عن الأوّل قلت: فان ابتلى بشي ء يفسد عليه حجّه حتى يصير عليه الحج من قابل أ يجزى عن الأوّل قال نعم قلت لأن الأجير ضامن للحج؟ قال: نعم «1».

و إضمارها أيضا لا يقدح لما ذكر و دلالتها على صحة الحج الأوّل أظهر من دلالة رواية زرارة لأنّ الاجزاء عن المنوب عنه لا يكاد يتحقّق من دون اتصاف بالصحة كما ان السؤال فيها يدلّ على ان المرتكز في ذهن السائل من الفساد الذي عبّر عنه هو لزوم الحج عليه من قابل لا البطلان و الّا فلا مجال للجمع بين التعبير بالفساد و بين السؤال عن الاجزاء عن المنوب عنه الكاشف عن الشك فيه فان الباطل كيف يتوهّم كونه مجزيا.

و يؤيد الرّوايتين انه ليس في شي ء من الروايات الدالة على لزوم الحج عليه من قابل، التعبير بالإعادة الظاهر في البطلان كما في مثل حديث لا تعاد المعروف في باب الصلاة الدال على لزوم الإعادة بالإضافة إلى الأمور الخمسة المستثناة فيه الدالّ على بطلان الصلاة بسبب الإخلال بواحد من

تلك الأمور و مجرد اللزوم أي لزوم الحج عليه من قابل لا يساوق البطلان كما هو ظاهر.

______________________________

(1) وسائل أبواب النيابة في الحج الباب الخامس عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 395

..........

______________________________

و من جميع ما ذكرنا يظهر الجواب عن الاستدلال للبطلان بصحيحة سليمان بن خالد قال سمعت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- يقول في الجدال شاة و في السباب و الفسوق بقرة و الرفث فساد الحجّ «1». فان كلمة «الفساد» و لو كانت ظاهرة في نفسها في البطلان كما في مثل الصلاة و الصوم الّا ان مقتضى الجمع بين هذه الصحيحة و بين الروايتين حمل الفساد فيها على التنزيل و كون الإطلاق من باب الاستعارة لأنه كما ان العبادة الباطلة يجب عليه قضائها و الإتيان بها ثانية كذلك الحج إذا وقع فيه الجماع يترتب عليه لزوم التكرار من دون ان يكون فاسدا بخلاف الجدال و الفسوق لعدم ترتب لزوم التكرار على مثلهما.

و يؤيد ما ذكرنا إطلاق عنوان الفساد في بعض الروايات في بعض الموارد الذي أجمع على عدم الفساد فيه مثل صحيحة حمران بن أعين عن أبي جعفر- ع- قال سألته عن رجل كان عليه طواف النساء وحده فطاف منه خمسة أشواط ثم غمزه بطنه فخاف ان يبدره فخرج الى منزله فنقض ثم غشي جاريته قال يغتسل ثم يرجع فيطوف بالبيت طوافين تمام ما كان قد بقي عليه من طوافه و يستغفر اللّٰه و لا يعود و ان كان طوف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثم خرج فغشي فقد أفسد حجه و عليه بدنة و يغتسل ثم يعود فيطوف أسبوعا «2».

فإن الإجماع قائم على عدم بطلان الحج بالجماع

بعد الموقفين مع انه قد وقع التعبير بالفساد في الجماع أثناء طواف النساء قبل تجاوز النصف.

و من الروايات الّتي عبر فيها بالفساد مع كون المراد به هو عدم أداء الكفارة مع وضوح عدم كونه موجبا للفساد رواية أبي بصير انه سئل الصادق- عليه

______________________________

(1) وسائل أورد صدره فيه في الباب الأوّل من أبواب بقية كفارات الإحرام ح- 1 و ذيله في الباب الثاني منها ح- 1.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الحادي عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 396

..........

______________________________

السلام- عن رجل واقع امرأته و هو محرم قال عليه جزور كوماء فقال لا يقدر فقال ينبغي لأصحابه ان يجمعوا له و لا يفسدوا حجّه «1».

فإنها ظاهرة في إطلاق الفساد مع عدم أداء الجزور المذكور مع انه من الواضح عدم كونه موجبا للفساد بمعنى البطلان و لم يقل به أحد.

و قد انقدح مما ذكرنا ان الأظهر كون الحج الذي وقع فيه الجماع قبل الوقوف بالمشعر صحيح و ان كان قبل الوقوف بعرفة و ان الثاني عقوبة محضة.

الأمر الثاني: في لزوم التفريق بينهما و الكلام فيه يقع من جهات:

الجهة الاولى: في أصل اللزوم في الجملة و عدمه فالمحكي عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه قال في الجواهر بعد ذلك: و لعلّه كذلك إذ لا أجد فيه خلافا محقّقا و ان عبّر عنه في محكي النهاية و المبسوط و السرائر و المهذب بلفظ «ينبغي» فإنه يمكن ارادة الوجوب منه و يدل على الوجوب كثير من الروايات المتقدمة المتعرضة لذلك التي وقع فيها التعبير بقوله- ع- و يفرق بينهما .. أو يفترقان فإن الجملة الخبرية الواقعة في مقام افادة الحكم ظاهرة في الوجوب

بل لعلّه كانت دلالتها على الوجوب أشد و آكد من دلالة هيئة افعل كما قرر في محلّه و لا موجب لرفع اليد عن مقتضى ظاهرها و الحمل على الاستحباب بل قد عرفت انّ لزوم إتمام الحج الذي وقع فيه الجماع انّما استفيد من لزوم التفريق لأنّ لزوم التفريق لا يجتمع مع عدم لزوم الإتمام لعدم تعرض الروايات المتقدمة مع كثرتها للزوم الإتمام بالمطابقة و من البعيد ان لا يكون فيها تعرض للزوم الإتمام و لو بالدلالة الالتزامية مع ان الإتمام و عدمه أوّل ما يبتلى به من ارتكب الجماع فان لزوم الحج عليه في القابل و ثبوت الكفارة أمران متأخران عن مسألة الإتمام و عليه فلا مجال لدعوى عدم

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 397

..........

______________________________

وقوع التعرض له في الروايات بالكلية فاللازم الالتزام بلزوم التفريق حتى يكون طريقا إلى استفادة لزوم الإتمام فافهم و اغتنم.

الجهة الثانية: في العنوان الذي هو متعلق اللزوم فان التعبير الواقع في كثير من الروايات المتقدمة هو عنوان التفريق و في رواية علي بن أبي حمزة عنوان الافتراق و الظاهر ان متعلّق اللزوم هو العنوان الثاني الذي لازمة كون التكليف متوجّها الى نفس الزوجين دون الأوّل الذي لازمة كون التكليف متوجها الى الثالث لانّه- مضافا الى ان الجماع قلّ ما يتفق ان يطّلع عليه غير الزوجين خصوصا في حال الإحرام الذي يكون فيه محرّما بل من أعظم محرمات الإحرام و عليه فتوجيه التكليف الى الغير لا يترتب عليه اثر غالبا- تكون مناسبة الحكم و الموضوع مقتضية لتوجه التكليف الى الزوجين المرتكبين للمحرّم و عليه فالظاهر كون متعلق اللزوم

هو الافتراق كما وقع التعبير به في مثل الشرائع نعم لو اطلع عليه الغير و لم يفترقا يجب عليه ذلك من باب الأمر بالمعروف فتدبّر.

الجهة الثالثة: هل الواجب هو الافتراق في خصوص الحج الأوّل أو في خصوص الحج الثاني كما هو ظاهر الشرائع بل صريحها أو في كليهما؟ فنقول مقتضى روايتي معاوية بن عمار المتقدمتين الدالتين على التفريق هو كون التفريق في الحج الأوّل و مقتضى صحيحته الثالثة كون التفريق في الحج الثاني و هي ما رواه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته عن رجل وقع على امرأته و هو محرم قال ان كان جاهلا فليس عليه شي ء، و ان لم يكن جاهلا فعليه سوق بدنة و عليه الحج من قابل فإذا انتهى الى المكان الذي وقع بها فرّق محملا هما فلم يجتمعا في خباء واحد الا ان يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدى محلّه «1».

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 398

..........

______________________________

و لكن حيث ان الظاهر اتحاد هذه الرواية مع الروايتين كما ان الظاهر اتحادهما أيضا فالرواية التي رواها معاوية في هذه المسألة واحدة و عليه يتردد الأمر بين كون التفريق المأمور به هو التفريق في الأول أو التفريق في الثاني فلا يصح للاستدلال بها على خصوص واحد منهما.

نعم مقتضى جملة من الروايات كون التفريق في الأوّل من دون تعرض للتفريق في الثاني كمرفوعة ابان بن عثمان الى أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه- عليهما السلام- قالا: المحرم إذا وقع على اهله يفرق بينهما يعني بذلك لا يخلوان و ان يكون معهما ثالث «1». و قد نقلها في الوسائل في

موضعين و جعلها روايتين مع وضوح عدم تعدّد في البين.

و كصحيحة عبيد اللّٰه بن عليّ الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث قال: قلت أ رأيت من ابتلى بالجماع ما عليه؟

قال عليه بدنة و ان كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما بدنتان ينحرانهما، و ان كان استكرهها و ليس بهوى منها فليس عليها شي ء و يفرق بينهما حتى ينفر الناس و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا قلت: أ رأيت إن أخذا في غير ذلك الطريق إلى أرض أخرى يجتمعان؟ قال نعم الحديث «2».

و رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر- عليه السلام- في حديث قال قلت له:

أ رأيت من ابتلى بالرفث و الرفث هو الجماع ما عليه؟ قال يسوق الهدى و يفرق بينه و بين اهله حتى يقضيا المناسك و حتى يعودا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا فقلت أ رأيت إن أرادا أن يرجعا في غير ذلك الطريق قال فليجتمعا إذا قضيا المناسك «3».

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 6.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 14.

(3) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 15.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 399

..........

______________________________

و صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: سألته عن رجل باشر امرأته و هما محرمان ما عليهما؟ فقال ان كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدى جميعا و يفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك و حتى يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، و ان كانت المرأة لم تعن بشهوة و استكرهها صاحبها فليس عليها شي ء «1».

و ليس في شي ء

من الروايات الحكم بلزوم التفريق في خصوص الحج الثاني سوى صحيحة معاوية التي عرفت حالها نعم في روايتان ثبوت التفريق في كلا الحجين و هما صحيحة زرارة و رواية علي بن أبي حمزة المتقدمتان و عليه فاللازم الحكم على طبقهما و الفتوى باللزوم في كليهما نعم يمكن ان يقال بالفرق بينهما في غاية الافتراق و سيأتي البحث عنها إن شاء اللّٰه تعالى.

الجهة الرابعة: هل الحكم بلزوم التفريق ينحصر بما إذا كانت المرأة محرمة مطاوعة أو يشمل ما إذا كانت مكرهة على الوقاع؟ ظاهر الشرائع هو الأوّل حيث قال: «و لو كانت امرأته محرمة مطاوعة لزمها مثل ذلك- يعني الكفارة و الحج من قابل- و عليهما ان يفترقا إذا بلغا ذلك المكان حتى يقضيا المناسك إذا حجّا على تلك الطريق» فإنّها كما تدل على ان لزوم الافتراق انّما هو في الحج الثاني كذلك تدلّ على انّ مورده صورة المطاوعة فلا يجب في غير هذه الصّورة.

هذا و لكن مقتضى إطلاق بعض الروايات الشمول لصورة الاستكراه أيضا مثل صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة عن أبي عبد اللّٰه- ع- في المحرم يقع على اهله فقال: يفرق بينهما و لا يجتمعان في خباء الا ان يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدي

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الرابع ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 400

..........

______________________________

محلّه «1». نعم قد عرفت اتحاد الصحيحتين الآخرتين له و لازمة الترديد و عدم ثبوت ما هو الصادر منه- ع- مشخّصا فلا مجال للاستدلال بشي ء منهما على المقام و كذا المرفوعتان المتقدمتان اللتان عرفت وحدتهما أيضا تدلان بالإطلاق على ما ذكر.

و دعوى انصراف الإطلاق إلى صورة المطاوعة ممنوعة خصوصا بعد

كون المنشأ للانصراف هي غلبة الاستعمال لا مجرد غلبة الوجود كما قرّر في محلّه.

و أظهر من ذلك صحيحة عبيد اللّٰه بن على الحلبي المتقدمة آنفا فإنه بعد التفصيل بين صورتي الإعانة بشهوة مع شهوة الرجل و الاستكراه و الحكم بثبوت بدنتين عليهما في الاولى و عدم ثبوت شي ء عليها في الثانية، ذكر عقيبه: و يفرق بينهما حتى ينفر الناس و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا «2». فإنّها تدل بالدلالة الظاهرة القوية على كون الحكم بلزوم التفريق مترتبا على كلتا الصورتين خصوصا بعد نفي ثبوت شي ء عليها.

و عليه فيظهر ان المراد من قوله- ع- في صحيحة سليمان بن خالد المتقدمة كذلك: و ان كانت المرأة لم تعن بشهوة و استكرهها صاحبها فليس عليها شي ء «3» هو نفي ثبوت الهدى لا هو مع لزوم التفريق كما هو ظاهر.

هذا و لكن ذكر في الجواهر انه قد يدلّ مفهوم مضمر زرارة- المتقدم في صدر البحث- على عدم الافتراق بينهما إذا لم يكونا عالمين سواء كانا جاهلين كما في صدر الرواية أو أحدهما عالما و الآخر جاهلا و المكره بحكم الجاهل و يؤيده انه على تقدير كون متعلق الحكم هو الافتراق الذي هو فعل الزوجين لا التفريق الذي ظاهره كونه فعلا للثالث يبعد كون المكره- بالفتح- متوجّها اليه حكم لزومي

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 5.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 14.

(3) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 401

..........

______________________________

خصوصا بعد عدم ثبوت الكفارة عليه و عدم لزوم الحجّ من قابل.

و لكنه مع ذلك كلّه لا مجال لرفع اليد عن الروايات

الدالة بالإطلاق على جريان الحكم في صورة الإكراه أو كالصريحة في ذلك على ما عرفت.

الجهة الخامسة: في معنى الافتراق فنقول مقتضى النصوص و كثيرة من الفتاوى عدم كون المراد بالافتراق هنا معناه الحقيقي الذي قد أريد في مثل: البيعان بالخيار حتى يفترقا فإذا افترقا وجب البيع بل المراد معناه الكنائي الذي مرجعه الى ان لا يخلوا الّا و معهما ثالث و قد وقع التصريح به في صحيحتي معاوية بن عمّار و مرفوعتي ابان المتقدّمان و مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع ان يكون المراد بالثالث هو المميّز المانع حضوره عرفا عن تحقق المواقعة فلا يشمل غير المميز و لا المميز غير المانع حضوره كذلك كالزوجة.

الجهة السادسة: في غاية الافتراق بعد وضوح كون مبدئه مكان المواقعة و المحلّ الذي أحدثا فيه فنقول قد انقدح لك من ملاحظة الروايات المتقدمة وجود الاختلاف بينها من جهة الغاية ففي بعضها جعلها بلوغ الهدى محله الذي معناه حصول التحلل له بالذبح في منى في الجملة و في بعضها جعلها قضاء المناسك الذي قد عبّر عنه بالانتهاء إلى مكة و حصول الإحلال لهما و في بعضها قد جعلت الغاية قضاء المناسك و الرجوع الى المحلّ الذي كان فيه ما كان و في بعضها نفر الناس و الرجوع الى المحل المذكور و المحكيّ عن الحدائق و الرياض: «انّ الذي يقتضيه النظر في الجمع بين هذه الاخبار حمل تعدّد هذه الغايات على تفاوت مراتب الفضل و الاستحباب فاعلاه الرجوع الى موضع الخطيئة و ان أحلّا و قضيا المناسك قبله ثم قضاء المناسك ثم بلوغ الهدي محلّه كما في الصحيحين و هو كناية عن الإحلال بذبح الهدي كما وقع التصريح به في بعض الاخبار المتقدمة

و لكن الاحتياط يقتضي المصير إلى المرتبة العليا ثم الوسطى سيّما في الحجّة الأولى لكثرة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 402

..........

______________________________

أخبارها و اشتهارها».

و أورد عليهما صاحب الجواهر- قده- بأن الذي يقتضيه النظر في النصوص بعد تقييد المفهوم في بعضها بالمنطوق في آخر ان لم يكن إجماع كون الغاية العليا في الأداء و القضاء هي محل الخطيئة نعم يمكن تحصيل الإجماع على وجوب الافتراق في حجة القضاء الى قضاء المناسك لا أزيد.

و مراده ان ما دل على كون الغاية بلوغ الهدى محلّه يكون مفهومه عبارة عن انّه إذا بلغ الهدى محله لا يجب الافتراق و مقتضى إطلاق المفهوم انه لا فرق بين صورة قضاء المناسك بأجمعها و بين صورة عدمه و يقيد هذا الإطلاق بمنطوق ما دلّ على ان الغاية قضاء المناسك كما انّ إطلاق مفهومه يقيد بمنطوق ما دلّ على ان الغاية هو الرجوع الى محلّ المواقعة و الوصول اليه و مختاره- قده- هو كون الغاية هي محلّ الخطيئة و احتمل وجود الإجماع على وجوب الافتراق الى قضاء المناسك في حجة القضاء و ثبوت الاستحباب بعده الى محلّ الحدث إذا رجعا الى ذلك الطريق و ذكر في ذيل كلامه: «اللّٰهم الا ان يدعى ان المفهوم من النصوص اتّحاد الغاية فيهما و الفرض الإجماع على عدم وجوب الزائد على قضاء المناسك في القضاء فيكون الأداء مثله مؤيّدا ذلك بأنه لا إحرام بعد قضاء المناسك فليس الّا التعبد المحض فالأولى حمله على الندب فيهما».

هذا و قد أورد بعض الاعلام- قده- على الأوّلين بأنّ ظاهر الأوامر المذكورة في الرّوايات هو الوجوب فرفع اليد عنه و حمله على الاستحباب بلا موجب.

و على صاحب

الجواهر- قده- بان الظاهر من الروايات ان كل واحد من الأمور المذكورة عنوان مستقل فحمل أحدها على الآخر بلا وجه بل يقتضي إلغاء العنوان الأخر بالمرّة فإن مقتضى حمل بلوغ الهدى على محلّ الخطيئة عدم الاعتداد ببلوغ الهدى أصلا و ان العبرة بمحلّ الخطيئة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 403

..........

______________________________

ثم قال في تحقيق المسألة ما ملخّصه: «ان الروايات الواردة في هذا المجال على طوائف ثلاث:

الطائفة الأولى: ما جعل الغاية قضاء المناسك و الرجوع الى المكان الذي فيه الجماع مثل صحيحة زرارة و غيرها و مقتضى إطلاقها الشمول للمكان الذي هو قبل ارض منى و بعده يعني الحاج لمّا يتوجه من مكّة الى عرفات يذهب إليها من طريق منى لاستحبابه شرعا و عليه فالجماع قد يقع قبل الوصول إلى منى و قد يقع بعده كما انه يشمل ما إذا وقع الجماع بعد الميقات إذا كان الحج إفرادا أحرم له من الميقات.

و الطائفة الثانية: ما جعل الغاية بلوغ الهدى محلّه مثل صحيحتي معاوية بن عمار و مقتضى إطلاقها الشمول لجميع الموارد الّتي يشملها الطائفة الأولى فبينهما التعارض بالكلية.

و الطائفة الثالثة: ما تدل على ان الجماع إذا كان قبل الوصول إلى منى فغاية الافتراق يوم النفر و هو اليوم الثاني عشر كما في صحيحة الحلبي: و يفرق بينهما حتى ينفر الناس و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، فإن ظاهرها ان مكان الجماع قبل الوصول إلى منى.

و عليه فهذه الصحيحة تخصص الطائفة الثانية فيكون موردها غير صورة وقوع الجماع قبل الوصول إلى منى فالجماع إذا وقع قبل الوصول إلى منى فغاية الافتراق يوم النفر و الرجوع الى محلّ الخطيئة و إذا

وقع بعد الوصول إلى منى فغايته بلوغ الهدى محلّه اي يوم النحر و بعد ذلك تكون نسبة الطائفة الثانية بعد التخصيص بالإضافة إلى الطائفة الأولى العموم و الخصوص مطلقا لانقلاب النسبة- بناء عليه- فيصير الحاصل من المجموع انّ الجماع إذا وقع قبل الوصول إلى منى كما إذا وقع في مكة أو في طريقه ما بين مكّة و منى فغاية الافتراق يوم النفر المذكور و إذا وقع بعد تجاوزه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 404

..........

______________________________

من منى الى عرفات فالغاية بلوغ الهدى محلّه.

ثمّ ان الجماع قد يقع قبل الوصول إلى مكة و بعد الإحرام كما في حج الافراد فاللازم ان يرجع الحاج بعد قضاء تمام المناسك الى محلّ الخطيئة و امّا إذا وقع في حج التمتع بعد الخروج من مكة فيقضى المناسك من الوقوفين و يرجع الى ذلك المكان و ينتهى الافتراق و لا حاجة الى إتيان الطواف و السعي لأن الظاهر من قضاء المناسك و الرجوع الى محلّ الجماع قضاء المناسك التي يأتي بها قبل الوصول الى ذلك المكان و ان كان مقتضى الاحتياط الاستمرار الى الفراغ عن تمام الاعمال».

و الظاهر انّ عدم تعرضه لما يدلّ عليه رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة من كون غاية الافتراق هو الانتهاء إلى مكة الذي قد فسّر في ذيلها بحصول الإحلال لهما انّما هو لأجل عدم اعتبارها بسبب علي بن أبي حمزة البطائني و الّا فكان في هذا المجال طائفة رابعة مغايرة للطوائف الثلث الاولى.

و يرد على ما افاده وجوه من النظر و الاشكال.

منها: انّ دعوى شمول الطائفة الأولى لما إذا تحقق الجماع بعد الحركة من منى بعد البيتوتة المستحبّة فيها ليلة عرفة

ممنوعة جدّا لانه- مضافا الى ان جعل المبنى في الحكم اللزومي الشديد الذي جعل عقوبة و مجازاة للعمل الذي عبّر عنه في الروايات بكون العامل اتى عظيما هو الأمر الاستحبابي الذي ربما يتحقق تركه لفرض الاستحباب ممّا لا مجال له انّ جعل غاية الافتراق هو قضاء المناسك و الرجوع الى محلّ الخطيئة و الجماع لا يجتمع مع وقوعها في طريق منى الى عرفات أو في نفس عرفات أو في المشعر لعدم رجوع الحاج الى واحد منها بعد قضاء المناسك و ظاهر انّ المراد هو الرجوع الى محل الخطيئة المتحقق بالطبع بعد قضاء المناسك بان يكون محل الجماع واقعا في طريق الرّجوع أو أحد طرقي الرجوع أو طرقه و من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 405

..........

______________________________

الظاهر انّ الحاج بعد قضاء المناسك لا يرجع الى الموقفين لعدم الحاجة إليه بوجه.

و منها: و هو العمدة انّ جعل الطائفة الثالثة مغايرة للطائفة الأولى ممّا لم يعلم وجهه لانّه بالنفر من منى يوم الثاني عشر يتحقق قضاء المناسك لانّه لو كان المراد بقضاء المناسك هو قضاء المناسك التي لا بد من الإتيان بها قبل الرجوع الى محل الجماع كما فسّره به في ذيل كلامه فبالنفر يتحقق قضاء المناسك بهذا المعنى و عليه فما الفرق بين جعل الغاية قضاء المناسك و الرجوع الى المحل المذكور و بين النفر في اليوم المذكور و الرجوع اليه الّا في مجرد العبارة و العنوان.

و ان كان المراد بقضاء المناسك هو قضائها بأجمعها الشامل لطواف الحج و السّعي- نعم طواف النساء خارج لعدم كونه من اعمال الحج و ان كان واجبا فيه و في العمرة المفردة و يتوقف عليه حلية

النساء- فنقول بعد كون المستحب بل مقتضى الاحتياط الوجوبي بل الفتوى هو الإتيان بهما يوم العيد بعد الفراغ عن مناسكه الثلاثة و هو رمي جمرة العقبة و الذبح أو النحر و الحلق أو التقصير لمن يتمكن من العود إلى مكة و الإتيان بهما يكون النفر في اليوم الثاني عشر مرجعه الى قضاء المناسك و لا فرق بينهما أيضا.

و الانصاف ان الطائفة الاولى و الطائفة الثالثة متحدتان من دون ان يكون بينهما فرق إلّا في مجرد التعبير و مقتضى ما ذكرنا بعد اعترافه باختصاص مورد الطائفة الثالثة بما إذا كان الجماع قبل منى لمن يريد الوقوفين و بعد كون الطائفة الأولى أيضا مختصة بهذه الصورة و لو فرضت المغايرة بين الطائفتين و بعد ثبوت الاتّحاد بينهما على ما ذكرنا ان تكون النسبة بينهما و بين الطائفة الثانية هو الخصوص و العموم مطلقا و اللازم تقييدها بهما و الحكم بالفرق بين ما إذا كان محلّ الجماع قبل منى فاللازم الافتراق الى الرجوع الى ذلك المحلّ بعد الإتيان بالأعمال و المناسك و بين ما إذا كان محلّه نفس مني أو بعده من الفروض المذكورة فاللازم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 406

..........

______________________________

الافتراق الى ان يبلغ الهدى محلّه كما لا يخفى.

و منها: انه بناء على ثبوت المغايرة بين الطائفتين كما ادّعاه- قده- ما الدليل على انّه إذا جامع في حج التمتّع بعد الخروج من مكّة كما إذا جامع بعد طيّ فرسخ منها يكون المرجع هي الطائفة الأولى التي جعلت الغاية فيها قضاء المناسك حتى يكون تفسيره بما لا بد من الإتيان به قبل الرجوع الى محل الجماع امرا لا بد من استظهاره فلم لا

يكون المرجع هي الطائفة الثالثة الظاهرة في ذلك من دون حاجة الى التفسير أصلا.

و الانصاف وجود الاضطراب في كلامه و ان كان مثل هذه الاضطرابات ينسب الى المقرّر نوعا على خلاف ما هو الواقع و اللّٰه العالم.

و قد انقدح لك مما ذكرنا لزوم التفصيل في غاية الافتراق بين ما إذا كان الجماع قبل منى سواء كان في طريق مكة إليها أو في مكة أو قبلها كما في غير حج القران و بين ما إذا كان في منى أو بعدها لمن يريد الحركة منها الى عرفات و منها الى المشعر من دون فرق بين أنواع الحجّ.

و امّا ما افاده صاحب الجواهر- قده- في عبارته المتقدمة من ثبوت الإجماع على كون الغاية في حج القضاء هو قضاء المناسك فقط لا أزيد فيرد عليه- مضافا الى انّه من المستبعد جدّا ثبوت الإجماع و انعقاده على ذلك- انّ الظاهر كون الإجماع في مثل هذه المسألة التي وردت فيها الروايات المتكثرة لا أصالة له بل هو مستند إليها و الى ما استفادوا منها فلا مجال للاتكال عليه في مقابل تلك الروايات خصوصا مع تعميم معقده بالنسبة إلى الحج الأوّل و الحكم بأن الغاية فيه هو قضاء المناسك لا أزيد لكون المفهوم من النصوص اتّحاد الغاية فيهما فالظاهر ان الحكم في المسألة هو التفصيل المتقدم المستفاد من الجمع بين الرّوايات من دون فرق بين العامين.

الجهة السّابعة: هل اللّازم في مورد كون الغاية هي قضاء المناسك و الرجوع الى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 407

..........

______________________________

محلّ الخطيئة ان يرجع من الطريق الذي يكون فيه محلّها حتى تتحقق غاية الافتراق بالبلوغ اليه أو انه لا يجب عليه ان

يكون رجوعه من تلك الطريق و عليه فلا بد ان تكون الغاية غير ذلك كما انّه في الحج من قابل، لا شبهة في انّه إذا كان من الطريق التي سلكها في الحج الأوّل و وقعت فيها المواقعة يجب ان يفترقا بمجرد البلوغ الى محلّ الخطيئة و استمراره الى قضاء المناسك و العود اليه على تقدير لزوم العود في الفرض الأول لكن البحث في انّه هل يجب سلوك تلك الطريق أو يجوز له السلوك من طريق آخر فلا يلزم فيه الافتراق أصلا فنقول:

امّا الفرض الأوّل: فمقتضى صحيحة الحلبي و موثقة محمد بن مسلم المتقدمتين عدم اللزوم و ان الغاية في هذه الصورة هو قضاء المناسك أو نفر الناس و قد عرفت اتّحاد المراد منهما لاشتمال الثانية بعد جعل الغاية قضاء المناسك و العود الى المكان الّذي أصابا فيه ما أصابا على قوله: فقلت أ رأيت إن أرادا أن يرجعا في غير ذلك الطريق قال: فليجتمعا إذا قضيا المناسك «1». و اشتمال الاولى بعد جعل الغاية نفر الناس و الرجوع الى ذلك المحلّ على قوله: قلت أ رأيت إن أخذا في غير ذلك الطريق إلى أرض أخرى يجتمعان؟ قال: نعم «2». فانّ المراد من الجواب في كلتيهما هو جواز الرجوع من غير ذلك الطريق و تحقق الغاية بمجرّد قضاء المناسك.

و امّا الفرض الثاني: فالتعبير الوارد في صحيحة زرارة المتقدمة التي هي العمدة في لزوم التفريق في الحج الثاني بعد الحكم بلزوم الحج عليهما من قابل في صورة كونهما عالمين قوله- ع- فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرّق بينهما حتى يقضيا نسكهما و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا «3». و من الظاهر انه لا

دلالة له على

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 15.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 14.

(3) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 408

..........

______________________________

لزوم سلوك تلك الطريق حتى يتحقق البلوغ اليه بل مدلولها انه على تقدير السلوك و البلوغ الى ذلك المكان لا بد من التفريق و مثلها صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة المشتملة على قوله: فإذا انتهى الى المكان الذي وقع بها فرّق محملاهما فلم يجتمعا في خباء واحد الّا ان يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدى محلّه «1». فانّ ظاهرها أيضا لزوم التفريق في العام القابل إذا انتهى الى ذلك المكان لا لزوم الانتهاء إليه أيضا لعدم وجوب تحصيل شرط الوجوب في القضية الشرطية.

ثم ان هذه الرّواية كما عرفت في مقام الجمع بين الروايات يختص موردها بما إذا كان الجماع واقعا بعد منى في طريقها الى عرفات أو في نفس عرفات أو في طريقها الى المشعر أو في نفس المشعر و عليه ففي الحج الثاني يمكن البلوغ الى محل الخطيئة فيلزم الافتراق الى بلوغ الهدي محله و يمكن ان لا يبلغ اليه كما إذا ذهب في الفرض الأول من طريق آخر الى عرفات نعم على تقدير الوقوع في نفس الموقفين يتحقق البلوغ لا محالة كما لا يخفى لكن مرّ الإشكال في أصل الرواية من جهة استظهار كونها هي الرواية الأخرى لمعاوية بن عمار المشتملة على لزوم التفريق في الحج الأوّل فقط.

الأمر الثالث: ظاهر جملة من النصوص المتقدمة و كذا ظاهر من اقتصر من الفقهاء مثل الشرائع و المتن على خصوص البدنة انه لا بدل لها مع العجز عنها

فيسقط لزومها و قد حكى التصريح بذلك عن ابن حمزة و سلار و انه لا بدل لها إلّا في صيد النعامة و انّما عليه الاستغفار و العزم على الأداء لو تمكن.

و المحكي عن الشيخ في الخلاف انّ من وجب عليه دم في إفساد الحج فلم يجد فعليه بقرة فان لم يجد فسبع شياة على الترتيب، فان لم يجد فقيمة البدنة دراهم أو

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 409

..........

______________________________

ثمنها يتصدق به فان لم يجد صام عن كلّ مدّ يوما و قال دليلنا إجماع الفرقة و اخبارهم و طريقة الاحتياط.

و أورد عليه بانّ الإجماع مخدوش بخلوّ الكلمات عنه بل تصريح ابن حمزة و سلّار بالعدم و اخبار الفرقة لم يعثر عليها الّا ما ورد في كفارة الصيد و يرد عليه أيضا اضطراب العبارة فإن الدم الواجب يشمل غير البدنة و ليس في الكلام ذكر المدّ حتى يصوم عن كلّ مدّ يوما. و عن الفقيه و ابن إدريس وجوب سبع شياة عند عدم وجدان البدنة.

هذا و لكن في المقام روايات واردة في هذه الجهة:

منها: صحيحة علي بن جعفر المتقدمة المشتملة على تفسير الرفث بجماع النّساء حيث انّ فيها: فمن رفث فعليه بدنة ينحرها فان لم يجد فشاة «1».

و منها: ما رواه الصدوق بإسناده عن أبي بصير انه سئل الصادق- عليه السلام- عن رجل واقع امرأته و هو محرم قال عليه جزور كوماء فقال: لا يقدر فقال ينبغي لأصحابه ان يجمعوا له و لا يفسدوا حجّه «2». و هذه الرواية أيضا شاهدة على ما تقدم من عدم كون المراد بإفساد الرفث هو بطلان الحجّ لأنّ

مفادها ان عدم نحر البدنة يوجب فساد الحج مع انه من الواضح عدم كونه كذلك بل الفساد على تقديره انّما يكون مستندا الى الجماع لا ترك النحر فالمراد بالفساد هو النقصان و انحطاط درجة الحج و مرتبته و عليه فالظاهر انّ المراد بقوله: ينبغي هو الاستحباب و الرواية- ح- لا تكون مخالفة للرواية المتقدمة لعدم التنافي بين مفادهما بوجه كما لا يخفى هذا و المراد من الكوماء السمينة كما ورد في بعض الروايات توصيف الجزور بها.

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 16.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 410

..........

______________________________

و منها: ما رواه الكليني بعد رواية على بن أبي حمزة المتقدمة حيث قال: و في رواية أخرى: فان لم يقدر على بدنة فإطعام ستين مسكينا لكل مسكين مدّ فان لم يقدر فصيام ثمانية عشر يوما، و عليها أيضا كمثله ان لم يكن استكرهها «1». قال صاحب الوسائل بعد نقلها عن الكليني كذلك: و رواه الشيخ مرسلا أيضا.

و هذه الرواية بلحاظ الإرسال لا مجال للاتكال عليها فاللازم الأخذ بمفاد صحيحة علي بن جعفر المتقدمة و لم تثبت شهرة على خلافها هذا تمام الكلام في الصورتين الأولتين من المسألة.

الصورة الثالثة: ما إذا جامع بعد الوقوف بالمشعر قبل تجاوز النصف من طواف النّساء و المذكور في المتن تبعا للشرائع صحة الحج و ثبوت الكفارة عليه و في الجواهر: بلا خلاف أجده في الأوّل- يعني قبل الشروع في طواف النساء- بل الإجماع بقسميه عليه فهنا أمران:

أحدهما: ثبوت الكفارة و يدلّ عليه مضافا الى الإطلاقات الواردة الدالة على ثبوت الكفارة في مطلق الجماع في إحرام الحجّ و

قد تقدمت جملة منها بل أكثرها مثل صحيحة معاوية بن عمّار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن متمتّع وقع على اهله و لم يزر قال ينحر جزورا و قد خشيت ان يكون قد ثلم حجّه ان كان عالما، و ان كان جاهلا فلا شي ء عليه، و سألته عن رجل وقع على امرأته قبل ان يطوف طواف النساء قال عليه جزور سمينة، و ان كان جاهلا فليس عليه شي ء الحديث «2».

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الرابع ح- 3.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب التاسع ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 411

..........

______________________________

و رواية زرارة قال سألت أبا جعفر- عليه السلام- عن رجل وقع على امرأته قبل ان يطوف طواف النساء قال عليه جزور سمينة الحديث «1».

و رواية سلمة بن محرز قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل وقع على اهله قبل ان يطوف طواف النساء قال ليس عليه شي ء فخرجت إلى أصحابنا فأخبرتهم فقالوا اتّقاك هذا ميسّر قد سأله عن مثل ما سألت فقال له عليك بدنة قال: فدخلت عليه فقلت جعلت فداك إني أخبرت أصحابنا بما أجبتني فقالوا اتّقاك هذا ميسّر قد سأله عما سألت فقال له: عليك بدنة فقال: انّ ذلك كان بلغه فهل بلغك قلت لا قال ليس عليك شي ء «2». و رواه الشيخ في الصحيح اليه مفصّلا «3». و غير ذلك من النصوص الواردة في هذا المجال فلا شبهة في هذا الأمر.

ثانيهما: صحّة الحج التي يكون المراد منها عدم لزوم الحج من قابل و بعبارة أخرى الصحة في مقابل الفساد بمعناه الحقيقي و كذا بالمعنى التنزيلي الذي مرجعه الى ترتب آثاره التي

عمدتها لزوم الإعادة و التكرار في العام القابل و يدل عليها مفهوم صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال إذا وقع الرّجل بامرأته دون مزدلفة أو قبل ان يأتي مزدلفة فعليه الحجّ من قابل «4». فان المستفاد منه عرفا عدم لزوم الحج من قابل إذا كان الجماع واقعا بعد مزدلفة و الوقوف بها و لا تتوقف على القول بثبوت المفهوم في مطلق القضايا الشرطية و عدمه كما اخترناه في الأصول.

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب العاشر ح- 3.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب العاشر ح- 2.

(3) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب العاشر ح- 5.

(4) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 412

..........

______________________________

و كذا صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن متمتع وقع على اهله و لم يزر قال: ينحر جزورا و قد خشيت ان يكون قد ثلم حجّه ان كان عالما، و ان كان جاهلا فلا شي ء عليه، و سألته عن رجل وقع على امرأته قبل ان يطوف طواف النساء قال عليه جزور سمينة، و ان كان جاهلا فليس عليه شي ء الحديث «1».

نظرا الى ان المراد بالزيارة هو طوافها الذي هو طواف الحج و زمان وقوعه بعد قضاء مناسك منى يوم النحر و مقتضى قوله: قد خشيت هي خشية وقوع الثلمة في الحج و مرجعه الى عدم وقوعها فلا مجال لإعادته و التكرار في العام القابل.

ان قلت: مقتضى ما مرّ في بحث الجماع في عمرة التمتع عدم جواز الاستدلال بهذه الصحيحة لا في عمرة التمتّع و لا في الحج لانه قد تقدّم اتّحاد هذه

الصحيحة مع صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللّٰه- ع- عن متمتع وقع على امرأته و لم يقصّر قال ينحر جزورا و قد خشيت ان يكون قد ثلم حجّه ان كان عالما، و ان كان جاهلا فلا شي ء عليه «2». لدوران مورد السؤال بين عمرة التمتّع و الحج فلا مجال للاستدلال بها في شي ء منهما نعم لو قلنا بتعدد الروايتين و ان الاولى واردة في الحج و الثانية في عمرة التمتّع كما هو ظاهر الوسائل و أصرّ عليه بعض الاعلام- قده- و حكى ان الكليني نقلهما في بابين مستقلين لجاز الاستدلال بها في المقام و لكنّه خلاف ما تقدم في بحث عمرة التمتع.

قلت: الظاهر هو الاتّحاد و عدم التعدّد و انّ «لم يقصر» «تصحيف» «لم يزر» و الرواية واردة في الحج لأنّ وقوع الجماع في عمرة التمتّع لا يكون فيه خشية وقوع الثلمة في

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب التاسع ح- 1.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث عشر ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 413

..........

______________________________

الحج بل غايته وقوعها في نفس العمرة و هي قابلة للتكرار و مع ضيق الوقت ينتقل الى حج الافراد فخوف وقوع الثلمة في الحج شاهد على كون الرواية واردة فيه لا في العمرة فهي صالحة للاستدلال بها في المقام هذا و يدل على الصحة في هذه الصورة أيضا الإطلاقات الواردة في الجماع حال الإحرام المقتصر فيها على ثبوت الكفارة فإن ظاهرها عدم ثبوت شي ء غير الكفارة و تقييدها بأدلة الصورتين الأوّلتين لا يقدح في بقاء إطلاقها بالإضافة الى هذه الصورة كما هو ظاهر و يدل على كلا الأمرين ذيل مرسلة

الصدوق المعتبرة المتقدمة قال: و ان جامعت بعد وقوفك بالمشعر فعليك بدنة و ليس عليك الحج من قابل.

الصورة الرّابعة: ما إذا جامع بعد الوقوف بالمشعر و بعد تجاوز النصف و في المتن انّ الأصح انه لا كفارة عليه أيضا بعد مفروغية الصحّة و عدم لزوم الإعادة.

و ليعلم انّ عنوان هذه الصورة على ما في المتن ما عرفت من وقوع الجماع بعد تجاوز النصف من طواف النساء و عنوانها في الشرائع هكذا: «و لو جامع بعد الوقوف بالمشعر و لو قبل ان يطوف طواف النساء أو طاف منه ثلاثة أشواط فما دون ..» و ذكر بعض الاعلام- قده- في مناسكه: «و كذلك- يعني تجب الكفارة دون الإعادة- إذا كان جماعه قبل الشوط الخامس من طواف النساء و امّا إذا كان بعده فلا كفارة عليه أيضا».

و المستند الوحيد في هذه الصورة- بعد عدم شمول الإطلاقات التي أشرنا إليها لهذه الصورة لعدم كون طواف النساء جزء للحج و معدودا من اعماله بل هو واجب ظرفه الحج و العمرة المفردة و يتوقف عليه حلية النساء من دون ان يكون الإحلال به إخلالا بالحج أو العمرة نعم مقتضى إطلاق ذيل صحيحة معاوية بن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 414

..........

______________________________

عمار المتقدمة في الصورة الثالثة الوارد في الجماع قبل طواف النساء الشمول للجماع قبل إكماله من دون فرق بين الأشواط- هي موثقة حمران بن أعين عن أبي جعفر- عليه السلام- قال سألته عن رجل كان عليه طواف النساء وحده فطاف منه خمسة أشواط ثم غمزه بطنه فخاف ان يبدره فخرج الى منزله فنقض ثم غشي جاريته قال: يغتسل ثم يرجع فيطوف بالبيت طوافين تمام ما كان

قد بقي عليه من طوافه و يستغفر اللّٰه و لا يعود، و ان كان طوف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثم خرج فغشي فقد أفسد حجه و عليه بدنة و يغتسل ثم يعود فيطوف أسبوعا «1».

و ما في الجواهر من انّ الإجماع بقسميه عليه مع ضعفه مدفوع بان ذيلها الدال على الاقتصار على لزوم اعادة الطواف لفرض كون الخروج قبل تمامية الشوط الرّابع دليل على عدم كون المراد بالفساد فيه هو الفساد و لو بالمعنى التنزيلي بل مجرد النقص و انحطاط المرتبة و الرواية موثقة لكون حمران موثقا بالتوثيق العام و ان كان النظر الى وقوع «سهل» في طريقها فنقول انّ الرواة عنه رووها عن احمد بن محمد و سهل جميعا فلا يكون وجوده في الطريق بقادح مضافا الى الاستناد إليها لعدم كون التفصيل مستندا الى غيرها من دون فرق بين معانيه المختلفة على ما عرفت في عنوان هذه الصّورة.

ثم انه بعد ذلك يقع الكلام في مفاد الرواية و التحقيق فيه ان يقال:

انّ عنوان خمسة أشواط واقع في كلام السائل و في مورد سؤاله و مجرد الحكم بعدم ثبوت الكفارة فيه غاية الأمر وجوب الاستغفار لا دلالة له على كون هذا المقدار هو المعيار في الحكم.

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الحادي عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 415

..........

______________________________

نعم لا بد من التأمل في الجملة الشرطية التي ذكرها الامام عليه السلام مع عدم كون الشرط فيها مذكورا في كلام السائل و مورد سؤاله بوجه و ان جعل الشرط فيها لترتب الجزاء و هو الحكم بثبوت الكفارة و الفساد بالمعنى المتقدم هو الطواف ثلاثة أشواط، هل يكون الغرض

منه شرطية العدد المذكور فما دون فلا يترتب على الزائد عنه و لو كان شوطا واحدا أو أقلّ منه أو يكون الغرض منه شرطيّة العدد المذكور فما فوق؟ الظاهر هو الأوّل لاستلزام الاحتمال الثاني ثبوت الكفارة في خمسة أشواط مع ان صدر الرواية ظاهر في خلافه مضافا الى انّ ثبوت الكفارة في الثلاثة فما فوقها و عدمها في الأقلّ مما لا مجال لاحتماله في نفسه فيتعين ان يكون المراد هو الاحتمال الأوّل فالمعيار في ثبوت الكفارة هو الثلاثة فما دون كما استفاد منه المحقق في الشرائع على ما هو ظاهر عبارته المتقدمة.

و العجب من بعض الاعلام- قده- انه جعل المعيار هي الخمسة مع انّك عرفت أنّها مأخوذة في عنوان مورد السؤال و المعيار ما ذكره الامام- عليه السلام- في الجملة الشرطية التي أضافها في الذيل.

و امّا العنوان المذكور في المتن و هو التجاوز عن النصف و عدمه فقد حكاه العلّامة في المختلف عن الشيخ- قده- و ذكر انه عوّل في ذلك على رواية حمران بن أعين مع انه من الواضح عدم دلالتها عليه بوجه نعم لو كانت كلتا الشرطيتين مذكورتين في كلام الامام- ع- لأمكن أن يستفاد منه ذلك على تأمل أيضا و امّا بهذه الصورة فلا مجال لتوهم دلالتها عليه أصلا.

و ما يمكن ان يستدل به على هذا العنوان أمران:

الأمر الأوّل: انّ هذا العنوان مأخوذ فيما يرتبط بصحة الطواف و بطلانه بمعنى انّ فقد ان شرط الصّحة كالطهارة من الحدث- مثلا- أو رفع اليد عن الطواف إذا كان قبل التجاوز عن النصف يوجب بطلانه رأسا و قد ورد هذا العنوان في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 416

..........

______________________________

روايات عروض

الحيض في أثناء الطواف و في روايات اخرى و الظاهر انّه الموضوع للمقام الذي يكون البحث فيه عن الكفارة و عدمها.

و الجواب انه لم ينهض دليل على الملازمة بين الأمرين فإن الصحة و البطلان أمر و ثبوت الكفارة و عدمها أمر آخر لا ارتباط بينهما.

الأمر الثاني: ما رواه الصدوق عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في رجل نسي طواف النساء قال إذا زاد على النصف و خرج ناسيا أمر من يطوف عنه، و له ان يقرب النساء إذا زاد على النصف «1». فان جواز المقاربة في صورة الزيادة على النصف يستلزم عدم ثبوت الكفارة في هذه الصّورة.

و لكن حيث انّ في السند علي بن أبي حمزة لا مجال للاعتماد على الرواية و الاستناد إليها بوجه مضافا الى ان مقتضى رواية حمران المتقدمة الدالة على وجوب الاستغفار بعد ما طاف خمسة أشواط عدم الجواز لانه لا معنى للاستغفار مع الجواز مع ان ظاهر أدلة توقف حلية النساء على طوافهن توقفها على إكمال الطواف و عدم تحققها قبل الإكمال.

فانقدح من جميع ما ذكرنا ان مقتضى التحقيق ما ذكره المحقق في الشرائع ممّا عرفت و لكن المحقق ذكر في الشرائع بعد ذلك: «و إذا طاف المحرم من طواف النّساء خمسة أشواط ثم واقع لم تلزمه الكفارة و بنى على طوافه و قيل يكفي في ذلك مجاوزة النصف و الأوّل مرويّ» و هو يشعر باختياره للأوّل و عليه فيرد عليه ما أوردناه على بعض الاعلام مما مرّ.

و العجب من صاحب الجواهر انّه مع تضعيفه رواية حمران و حكمه بثبوت الإجماع على خلافها ذكر في شرح هذا الكلام من المحقق ما حاصله انه لا مجال

______________________________

(1) وسائل

أبواب الطواف الباب الثامن و الخمسون ح- 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 417

..........

______________________________

للمناقشة في سندها للانجبار و كونها رواية حسنة بل في سندها من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه و في دلالتها بأنه لا ينفى الكفارة لا عمية عدم الذكر من ذلك لكونها مدفوعة بأنه في مقام البيان وقت الحاجة و لم تعرف المناقشة في دلالتها.

أقول قد عرفت ما هو التحقيق في سند الرواية و دلالتها و لا نطيل بالإعادة.

و هاهنا فرع لم يقع التعرض له في المتن و هو ما لو جامع فيما دون الفرج في الصور الثلاثة التي كانت الكفارة فيها ثابتة و قد ورد فيه روايتان:

إحديهما: صحيحة معاوية بن عمّار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل محرم وقع على اهله فيما دون الفرج قال: عليه بدنة و ليس عليه الحج من قابل، و ان كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه، و ان كان استكرهها فعليه بدنتان و عليه الحج من قابل «1». و المحكيّ عن التهذيب في ذيل الرواية:

«و عليهما (عليه) الحج» و في نقل صاحب الجواهر «عليهما» فقط.

و كيف كان فمقتضى إطلاق مورد السؤال و ترك الاستفصال في الجواب انه لا فرق بين وقوع الجماع المذكور قبل الوقوفين أو بينهما أو بعدهما نعم الظاهر خروج الصورة الأخيرة بلا شبهة و يؤيد بل يدل على عدم الفرق نفى وجوب الحج عليه من قابل الظاهر في انه في مقابل الصورتين اللتين وجب فيهما الحج من قابل.

نعم يبقى الإشكال في المراد من الجماع في القضية الشرطية في كلام الامام- ع- فإنه ان كان المراد به هو الجماع في الفرج الذي

ينصرف إليه إطلاق

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السّابع ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 418

[مسألة 3- لو قبل امرأة بشهوة فكفارته بدنة]

مسألة 3- لو قبل امرأة بشهوة فكفارته بدنة، و ان كان بغير شهوة فشاة و ان كان الأحوط بدنة، و لو نظر الى أهله بشهوة فأمنى فكفّارته بدنة على المشهور، و ان لم يكن بشهوة فلا شي ء عليه، و لو نظر الى غير أهله فأمنى فالأحوط ان يكفر ببدنة مع الإمكان و الّا فببقرة و الّا فبشاة، و لو لا مسها بشهوة فأمنى فعليه الكفارة، و الأحوط بدنة و كفاية الشاة لا تخلو عن قوة، و ان لم يمن فكفارته شاة (1).

______________________________

لفظ الجماع يرد عليه انه لم يكن الجماع بهذا المعنى موردا للسؤال حتى يقع التعرض لصورة متابعة الزوجة و استكراهها بل كان مورده هو الجماع فيما دون الفرج.

فلا بدّ ان يقال بكون اللام في الجماع للعهد الذكرى و مراده الجماع المفروض في مورد السؤال و إطلاق الجماع عليه لا مانع منه إذا كان مع القرينة لكن في الجواهر انه لا قائل بما في الذيل لان وجوب الحج عليهما في صورة الاستكراه لم يكن ثابتا في الجماع الحقيقي فضلا عن المقام و التفصيل في الكفارة بين الصورتين لم يوجد مصرّح به هنا و لذا احتمل تطرق بعض التحريف من النساخ و كيف كان فإجمال ذيل الرواية أو الاعراض عنه لا يقدح في صحة الاستدلال بصدرها كما لا يخفى.

ثانيتهما: صحيحة أخرى لمعاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في المحرم يقع على اهله قال: ان كان أفضى إليها فعليه بدنة و الحج من قابل، و ان لم يكن أفضى إليها فعليه

بدنة و ليس عليه الحجّ من قابل «1». و الرواية ظاهرة الدلالة على ان الجماع فيما دون الفرج يترتب عليه الكفارة فقط و مقتضى إطلاقها الشمول للصور الثلاثة.

(1) في هذه المسألة فروع:

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 419

..........

______________________________

الفرع الأوّل: التقبيل المحرّم في حال الإحرام و انه ما ذا يترتب عليه من الكفارة و ما في المتن موافق لما في الشرائع و لما هو المحكي عن النهاية و المبسوط و القواعد و التحرير و الدروس و غيرها بل نسب إلى الأكثر، و عن الصدوق في الفقيه إطلاق وجوب الشاة بالتقبيل، و عن المفيد و السيّد و الصدوق في المقنع إطلاق وجوب البدنة مع احتمال ارادة مع الشهوة خصوصا الأوّل منهم، و عن سلار و سعيد اعتبار الأمناء و عن ابن إدريس انه قال: «من قبّل امرأته بغير شهوة كان عليه دم فان قبّلها بشهوة كان عليه دم شاة إذا لم يمن، فإن أمنى كان عليه جزور.

و اللازم ملاحظة الروايات الواردة في هذا المجال التي تكون عمدتها روايتان لكن البحث فيهما تارة يقع على المبنى الذي اخترناه و هو عدم حرمة التقبيل إذا لم يكن بشهوة و ان القبلة المحرمة منحصرة بما إذا كان بشهوة و اخرى على المبنى الذي هو حرمة التقبيل مطلقا سواء كان بشهوة أو بدونها.

فنقول امّا الروايتان.

فإحداهما: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته قال: نعم يصلح عليها خمارها و يصلح عليها ثوبها و محملها قلت أ فيمسّها و هي محرمة؟ قال نعم، قلت المحرم يضع يده بشهوة

قال:

يهريق دم شاة، قلت فان قبّل، قال: هذا أشدّ ينحر بدنة «1». و الظاهر ان المراد من التقبيل الواقع في السؤال الأخير هو التقبيل بشهوة لأنه مضافا الى ان التقبيل

______________________________

(1) وسائل أورد صدرها في الباب السابع عشر من أبواب كفارات الاستمتاع ح- 2 و ذيلها في الباب الثامن عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 420

..........

______________________________

يكون غالبا بشهوة بخلاف وضع اليد و لأجله فرض السائل فيه صورتين دون القبلة يكون الحكم في الجواب باشديّته من وضع اليد بشهوة قرينة على كون المراد هي قبلة الشهوة لأن القبلة بدونها لا تكون أشد من وضع اليد بشهوة فالجواب قرينة على كون المراد خصوص هذه الصورة و تؤيّده المسبوقية بالسؤال عن وضع اليد بشهوة.

لكن الرواية مطلقة من جهة الأمناء و عدمه و ظاهره ثبوت كفارة النحر في كلتا الصورتين.

ثانيتهما: صحيحة مسمع أبي سيّار قال قال أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- يا أبا سيّار انّ حال المحرم ضيّقة، فمن قبّل امرأته على غير شهوة و هو محرم فعليه دم شاة، و من قبّل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور و يستغفر ربّه الحديث «1».

و الاختلاف بين المبنيين انّما يكون مرتبطا بهذه الرواية و مبتنيا على مفادها و مدلولها و قد ذكرنا سابقا ان ظاهر ذيلها مدخليّة الأمناء في ثبوت كفارة الجزور و مقتضى قرينة المقابلة ان يكون المراد بالتقبيل في الصدر هو التقبيل مع شهوة مع عدم تحقق الأمناء بعده و ذلك لانه مضافا الى ما عرفت من كون الغالب في التقبيل هو صدوره عن شهوة يكون حمل الصدر على ظاهره موجبا للالتزام بعدم تعرض الرواية للفرض الغالب و تعرضها للفرضين غير

الغالبين و هما التقبيل على غير شهوة و التقبيل على شهوة مع الأمناء و لا مجال للالتزام به فاللازم الحمل على كون المراد من الصّدر هو التقبيل مع الشهوة بدون الأمناء فالرّواية على هذا التقدير تدل على التفصيل بين صورة الأمناء و عدمها مع اشتراك الصّورتين في الشهوة و عليه فلا بدّ من حمل الرواية الأولى الدالة على نحر البدنة على خصوص

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثامن عشر ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 421

..........

______________________________

صورة الأمناء و هي و ان كان ظهورها في نفسها في أشدية نفس التقبيل بشهوة عن وضع اليد كذلك الّا انه لا بد من الالتزام بخلاف هذا الظاهر بناء على ما ذكرنا.

هذا و امّا القائلون بثبوت الكفارة في مطلق التقبيل فقد استندوا الى هذه الرّواية مع حمل الذيل على عدم مدخليّة الأمناء في الكفارة الخاصة لأنه مضافا الى عدم كون القبلة بشهوة موجبة للإمناء نوعا تكون الرواية الأولى الظاهرة في أشدّية نفس التقبيل بشهوة و لو مع عدم الأمناء قرينة على عدم مدخلية الأمناء هذا و لكن التحقيق ما ذكرنا فتدبّر.

الفرع الثاني: النظر بشهوة و هو تارة يكون الى الأهل من الزوجة أو الأمة و اخرى الى غير الأهل كالمرأة الأجنبيّة ففي هذا الفرع صورتان:

الاولى النظر الى الأهل كذلك أي بشهوة و قد ورد في كفارته روايات:

إحداها: صحيحة مسمع أبي سيار المتقدمة المشتمل ذيلها على قوله- ع-: و من مسّ امرأته بيده و هو محرم على شهوة فعليه دم شاة، و من نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور، و من مسّ امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شي ء عليه «1».

و هو ظاهر في ثبوت كفارة الجزور على النظر بشهوة مع تعقبه للإمناء و خروج المنيّ.

ثانيتها: ذيل صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في بحث حرمة النظر و هو قوله:

و قال في المحرم ينظر إلى امرأته أو ينزلها بشهوة حتّى ينزل قال: عليه بدنة «2». و قد مرّ

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 3.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 422

..........

______________________________

في ذلك البحث التحقيق في وجه الجمع بين هذا الذيل و بين صدرها و هو قوله:

سألته- يعني أبا عبد اللّٰه عليه السلام- عن محرم نظر الى امرأته فأمنى أو أمذى و هو محرم قال: لا شي ء عليه و لكن ليغتسل و يستغفر ربّه و ان قرينة الذيل و عطف الإمذاء على الأمناء شاهدان على كون المراد من النظر في الصدر المحكوم بالحرمة بلحاظ وجوب الاستغفار و عدم ثبوت الكفارة هو النظر بشهوة مع عدم تعقبه للإمناء و عليه فهذه الصحيحة تطابق الصحيحة المتقدمة في الحكم بثبوت البدنة التي هي عبارة عن الجزور الذي عبر به في الرواية السابقة.

ثالثتها: صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن- عليه السلام- قال سألته عن رجل قال لامرأته أو لجاريته بعد ما حلق و لم يطف و لم يسع بين الصّفا و المروة:

اطرحي ثوبك و نظر الى فرجها قال لا شي ء عليه إذا لم يكن غير النظر «1». و مفهومها و ان كان مطلقا من جهة ثبوت الكفارة إذا كان هناك غير النظر لكنّه يقيّد بالصحيحتين الأوليين بما إذا كان هناك شهوة و أمناء فلا تنافي بينها بوجه.

رابعتها: موثقة إسحاق بن عمّار عن أبي

عبد اللّٰه- عليه السلام- في محرم نظر الى امرأته بشهوة فأمنى، قال: ليس عليه شي ء «2».

و هذه الرواية ظاهرة في نفي ثبوت الكفارة في مورد الروايات المتقدمة الدالة على الثبوت فيتحقق التعارض و لأجله حكى عن الشيخ- قده- انه بعد نقل الرواية حملها على صورة السّهو دون العمد و لعلّها تكون مستند المفيد و المرتضى فيما حكى عنهما من إطلاق نفي الكفارة و لكن حيث انّ الشهرة الفتوائية المحققة على طبق الروايات السّابقة و هي أوّل المرجحات في الخبرين المتعارضين فاللازم الأخذ بها

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 4.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 423

..........

______________________________

و طرح هذه الرّواية.

و قد انقدح من ذلك انه لا مجال للمناقشة في ثبوت كفارة البدنة فيما إذا كان النظر بشهوة متعقبا للإمناء و عدم ثبوتها في غير هذه الصورة و ان كان مطلق النظر بشهوة من محرمات الإحرام و عليه فيرد على المتن انّ النسبة إلى المشهور المشعرة بتردده فيه لا مجال لها كما ان الحكم بعدم ثبوت الكفارة في النظر بغير شهوة لا وجه للتعرض له بعد عدم كون النظر الكذائي محرّما أصلا و قد صرّح بتقييد النظر بالشهوة في عنوان المحرم الثاني من محرّمات الإحرام مع انه يرد عليه أيضا انّ مقتضاه عدم التعرض لحكم النظر بشهوة مع عدم تعقّبه للإمناء كما لا يخفى و كيف كان فمقتضى التحقيق ما ذكرنا.

الصورة الثانية: النظر الى غير الأهل و قد عرفت في بحث حرمة النظر في حال الإحرام انّ المحرّم منه بالإضافة إلى الأجنبيّة هو ما كان متعقّبا للإمناء و لو لم

يكن بشهوة و عليه فالكلام يقع في كفارته فنقول: ذكر في الشرائع: «و لو نظر الى غير أهله فأمنى كان عليه بدنة ان كان موسرا و ان كان متوسطا فبقرة و ان كان معسرا فشاة» و حكى في الجواهر اعتراف غير واحد بأنه خيرة الأكثر و قال بل هو المشهور.

و عن المفيد و سلّار و ابن زهرة انه ان عجز عن الشاة صام ثلاثة أيام و في محكيّ الرّياض الحكم به معلّلا له بأنه أصل عام.

و عن ابن حمزة ترك الشاة رأسا و عن المقنع الفتوى على طبق صحيحة زرارة الآتية الظاهرة في التخيير بين الجزور و البقرة و ان لم يجد فشاة و تبعه بعض متأخري المتأخرين، و عن بعض الناس قوة احتمال الاكتفاء بالشاة مطلقا استنادا الى بعض الروايات الآتية.

و مستند المشهور موثقة أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّٰه- عليه السلام- رجل محرم نظر الى ساق امرأة فأمنى فقال ان كان موسرا فعليه بدنه،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 424

..........

______________________________

و ان كان وسطا فعليه بقرة، و ان كان فقيرا فعليه شاة ثم قال اما انّي لم اجعل عليه هذا لأنّه أمنى إنّما جعلته عليه لانه نظر الى ما لا يحلّ له، و في رواية الصدوق الى ساق امرأة أو الى فرجها فأمنى «1». و هي ظاهرة الدلالة على مرام المشهور نعم الاشكال انّما هو في الذيل المشتمل على التعليل و قد فصلنا الكلام فيه سابقا فراجع و مستند القائل بكفاية الشاة مطلقا صحيحة معاوية بن عمّار في محرم نظر الى غير أهله فأنزل، قال عليه دم لانه نظر الى غير ما يحلّ له، و ان لم يكن

انزل فليتق اللّٰه و لا يعد و ليس عليه شي ء «2».

هذا و لكن الرواية لو فرض كونها مطلقة و في مقام البيان و لم يكن بصدد ثبوت الدّم بنحو الإجمال في مقابل الشرطيّة الأخيرة التي يكون جزأيها مشتملا على عدم ثبوت الكفارة مع عدم الانزال لكان مقتضى قاعدة حمل المطلق على المقيد لزوم تقييدها بالموثقة الظاهرة في التفصيل كما هو مرام المشهور.

و مستند المقنع و من تبعه صحيحة زرارة قال سألت أبا جعفر- عليه السلام- عن رجل محرم نظر الى غير أهله فأنزل قال: عليه جزور أو بقرة فان لم يجد فشاة «3».

هذا و لكن اللازم بملاحظة الموثقة تقييد إطلاق قوله- ع- أو بقرة بما إذا لم يتمكن من الجزور لقاعدة حمل المطلق على المقيّد فاللّازم الأخذ بما عليه المشهور و الفتوى على طبقه.

نعم ربما يتوهّم أن الأمناء في الروايات المتقدمة قرينة على اقتران النظر بالشهوة خصوصا مع كون المنظور إليها امرأة أجنبية و لكن يدفع التوهم المزبور دلالة بعض الروايات على فرض الأمناء بدون الشهوة و هي رواية محمد قال

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السادس عشر ح- 2.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السادس عشر ح- 5.

(3) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السادس عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 425

..........

______________________________

سألت أبا عبد اللّٰه- ع- عن رجل حمل امرأته و هو محرم فأمنى أو أمذى قال ان كان حملها أو مسّها بشي ء من الشهوة فأمنى أو لم يمن، أمذى أو لم يمذ فعليه دم يهريقه، فان حملها أو مسّها لغير شهوة فأمنى أو أمذى فليس عليه شي ء «1». فان التفصيل في الجواب ظاهر في كون الأمناء

أعمّ من الشهوة و عليه فإطلاق الروايات المتقدمة بحاله و مجرد كون الغالب في النظر إلى الأجنبية خصوصا مع تعقب الأمناء هو كونه بشهوة لا يوجب الانصراف و لذا لم يقع هذا القيد في كلام المشهور و المتن و ان كان يرد على مثل المتن ممّا وقع فيه تقييد النظر بشهوة في أصل عنوان المحرم الثاني من محرمات الإحرام انه لا يجتمع التقييد هناك مع الإطلاق هنا فإنه مع عدم كون النظر واقعا بشهوة لا يكون محرّما حتى يترتب عليه الكفارة و الحرمة الأصلية المطلقة لا تستلزم الحرمة الإحرامية بوجه كما نبهنا عليه مرارا و حمل الأمناء في الروايات على خصوص صورة قصد خروج المني و انّ الكفارة انما هي لأجله مدفوع مضافا الى ان كلمة «الأمناء» لا دلالة فيها على وجود قصد خروج المني بل معناها مجرد الخروج و لو لم يكن مقرونا بالقصد بان موثقة أبي بصير بضميمة صحيحة معاوية بن عمار ظاهرة في مدخليّة النظر في ترتب الكفارة غاية الأمر مدخلية الإنزال أيضا و ان النظر المتعقب للإنزال يوجب الكفارة فلا يبقى مجال للحمل المذكور بوجه.

بقي في هذا الفرع أمران:

الأمر الأوّل: ذكر في المسالك بعد شرح كلام الشرائع: «هذا كلّه إذا لم يكن معتاد الأمناء عند النظر أو قصد الأمناء به و الّا كان حكمه حكم مستدعى المنيّ» و مراده حكم الاستمناء الذي تكون كفارته بدنة مطلقا و قد وقع فيه

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 426

..........

______________________________

الخلاف في فساد الحج به كالجماع الذي يترتب عليه لزوم الحج من قابل.

أقول ان كان مراده اختصاص الروايات الواردة في المقام

بذلك في نفسها فالظاهر انه لا مجال لدعويه لظهورها في الإطلاق و قد عرفت انه ليس معنى قوله:

فأمنى إلّا مجرد خروج المنى و القصد خارج عن معناه كما انّ عدم الاعتياد أيضا كذلك و ان كان مراده تقييد إطلاق هذه الروايات بما ورد في الاستمناء فاللازم ملاحظته و سيأتي البحث عنه إن شاء اللّٰه تعالى.

الأمر الثاني: ان ظاهر الموثقة التي عرفت انّها مستند المشهور انّ الاختلاف انّما هو بحسب اختلاف حالات المكلف من كونه موسرا أو متوسطا أو فقيرا و عليه فلا ترتيب في الكفارة بل لكل مكلف حكم يخصه و الرجوع في تشخيص العناوين الثلاثة انّما هو الى العرف كما في سائر الموارد و لكن ربما يقال بتنزيل ذلك على الترتيب و معناه وجوب البدنة على القادر عليها و مع عدم القدرة عليها فالبقرة و مع عدم القدرة عليها فالشاة و حكي عن العلامة و الشهيد القطع به و هو ظاهر المتن و الظاهر انّ الوجه في ذلك صحيحة زرارة المتقدمة المشتملة على قوله:

فان لم يجد فشاة حيث ان ظاهرها بعد التقييد الذي عرفت كون الانتقال إلى البقرة انّما هو مع عدم إمكان الجزور و الانتقال إلى الشاة انّما هو مع عدم إمكان البقرة.

و لكن الظاهر ان ظهور الموثقة في عدم الترتيب و كون الاختلاف في الكفارة انّما هو بحسب اختلاف حالات المكلف أقوى من ظهور الصحيحة في الترتيب و عليه فيحمل قوله- ع- فان لم يجد على عدم كونه واجدا للمال بهذا المقدار نوعا و لا محالة ينطبق على الفقير لا على العجز لعدم الوجدان أو لعدم القدرة المالية الشخصية فتدبّر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 427

..........

______________________________

الفرع الثالث:

لمس الزوجة أو الأمة بشهوة و المنسوب إلى الأكثر بل المشهور ثبوت الشاة فيه من دون فرق بين صورة الأمناء و عدمها و حكى عن ابن إدريس التفصيل بين الصورتين بالحكم بثبوت البدنة مع الأمناء و الشاة مع عدمها و اللازم ملاحظة الروايات الواردة في هذه الجهة فنقول:

منها: صحيحة مسمع أبي سيّار قال: قال لي أبو عبد اللّٰه- عليه السلام- يا أبا سيّار انّ حال المحرم ضيّقة ان قبل امرأته على غير شهوة و هو محرم فعليه دم شاة، و ان قبّل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور و يستغفر اللّٰه، و من مسّ امرأته و هو محرم على شهوة، فعليه دم شاة، و من نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور، و ان مسّ امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شي ء عليه «1». و مقتضى إطلاق قوله:

و من مسّ .. ثبوت الشاة مطلقا من دون فرق بين صورتي الأمناء و عدمها و يؤيّد الإطلاق تقييد نظر الشهوة بالامناء في الفقرة اللاحقة في ثبوت كفارة الجزور فان قرينة المقابلة تقتضي ثبوت الشاة في المسّ بشهوة مطلقا لعدم التعرض للقيد المذكور فيه.

و منها: ذيل صحيحة معاوية بن عمّار المتقدمة و هو قوله- ع- و ان حملها أو مسّها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم و قال في المحرم ينظر إلى امرأته أو ينزلها بشهوة حتى ينزل قال عليه بدنة «2». و الظاهر انه مستند ابن إدريس للتفصيل الذي ذكره نظرا الى انّ الأمناء في الفقرة الاولى لا مدخليّة لها أصلا لعطف الإمذاء عليها و عليه

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الثاني عشر ح- 3.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 1.

تفصيل

الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 428

..........

______________________________

فالحكم مترتب على نفس الحمل أو المس بشهوة و امّا الفقرة الأخيرة فالقيد فيها خصوص الانزال المنصرف إلى إنزال المنيّ فقط كما في سائر الروايات التي أطلق فيها الانزال فالرواية- ح- ظاهرة في ثبوت البدنة في المسّ بشهوة إذا كان متعقبا للإمناء و تصلح لان تكون مقيدة لإطلاق الصحيحة السّابقة و حمل قوله: حتى ينزل على الاستمناء في غاية البعد بل الظاهر ان المراد من التعبير ب «حتى» هو ترتب الانزال و الأمناء فقط.

و يظهر من الجواهر- قده- انّ النسخة التي حكى الرواية عنها كانت «واو» مكان «أو» في قوله- ع- أو ينزلها بشهوة حيث استظهر من الرّواية اعتبار النظر و النزول بشهوة حتى ينزل لا النزول خاصّة و استفاد منها انّ البدنة- ح- للنظر خاصّة و لكن يرد عليه مضافا الى انّ لازمة كون اضافة النزول الى النظر بلا وجه انّ الرواية في الوسائل المطبوعة بالطبع الحديث المشتملة على التذييلات الحاكية عن مراجعة المصادر الأصلية التي أخذ منها الرواية صاحبها تكون مشتملة على «أو» و ليس في الذيل إشارة إلى وجود «الواو» في الكافي أو التهذيب أو الاستبصار مع كونها منقولة في الجميع.

فالظاهر- ح- انّ الرواية تدل على ثبوت البدنة في المسّ بشهوة المتعقب للإمناء و تصلح ان تكون مستندة لابن إدريس نعم لا مجال للاستدلال له بأنه أفحش من النظر الذي فيه بدنة فان مثل هذا الاستدلال لو سلم و لم يكن خاليا عن الإشكال فإنّما يكون مورده ما إذا لم يكن دليل لفظي على الخلاف و لو كان هو الإطلاق فتدبر.

و منها: رواية محمد- يعنى ابن مسلم- قال سألت أبا عبد اللّٰه-

عليه السلام- عن رجل حمل امرأته و هو محرم فأمنى أو أمذى قال ان كان حملها أو مسّها بشي ء من الشهوة فأمنى أو لم يمن، أمذى أو لم يمذ فعليه دم يهريقه، فان حملها أو مسّها لغير

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 429

..........

______________________________

شهوة فأمنى أو أمذى فليس عليه شي ء «1». و في هذا الطريق علي بن أبي حمزة البطائني الكذاب المعروف لكن ذكر في الوسائل بعد نقل الرواية: «و عنه- يعني الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم- عن عبد الرحمن عن علاء عن محمّد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللّٰه- ع- و ذكر مثله الّا انه قال في آخره فأمنى أو لم يمن- يعنى ترك قوله أمذى أو لم يمذ- و رواه الصدوق بإسناده عن محمد بن مسلم نحوه الّا انه قال: دم شاة، و رواه في المقنع كذلك» و عليه فالرّواية مروية بطرق ثلاثة و طريق الشيخ أي الثاني صحيح و المراد بعبد الرحمن فيه هو عبد الرحمن أبي نجران كما ان طريق الصدوق الى محمد بن مسلم أيضا ضعيف لوجود فردين غير موثقين فيه و هما على بن احمد و أبوه أحمد بن عبد اللّٰه.

و كيف كان فالرواية على الطريق الصحيح تشتمل على خصوصيتين: إحديهما إطلاق الدم فيها و عدم الإضافة إلى الشاة و ثانيتهما التصريح بعدم الفرق بين الأمناء و عدمه و عدم عطف الإمذاء على الأمناء إثباتا و نفيا.

و عليه فصحيحة معاوية بن عمار كما تكون صالحة لتقييد صحيحة مسمع كذلك تصلح لتقييد إطلاق الدم في هذه الرواية و حملها على خصوص البدنة في صورة الأمناء و الشاة في صورة عدمها كما لا يخفى

و التصريح بعدم الفرق انما هو بالإضافة إلى أصل ثبوت كفارة الدم لا خصوصيته.

و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته قال نعم يصلح عليها خمارها و يصلح عليها ثوبها و محملها قلت: أ فيمسّها و هي محرمة؟ قال نعم، قلت المحرم يضع يده بشهوة قال

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 430

..........

______________________________

يهريق دم شاة قلت: فان قبّل قال هذا أشدّ ينحر بدنة «1».

و الظاهر في بادي النظر ان صحيحة معاوية بن عمار تصلح لتقييد هذه الرواية المصرحة بكون الكفارة دم شاة بما إذا لم يتحقق الأمناء عقيب وضع اليد بشهوة لكن مقتضى الدقة انه لا يجوز تقييدها بذلك لأنّك عرفت في مسألة كفارة التقبيل أن ملاحظة الروايات الأخر الواردة في كفارة التقبيل تقتضي حمل هذه الرواية على التقبيل بشهوة مع التعقب للإمناء و ان كان خلاف الظّاهر فإذا حملنا الفقرة السّابقة على وضع اليد بشهوة مع عدم تعقب الأمناء لا يبقى مجال للحكم بالأشدية الموجبة للزوم نحر البدنة لأنه لا يبقى فرق- ح- بين التقبيل و وضع اليد لأنه في كليهما تكون الكفارة البدنة مع الأمناء و الشاة مع عدمها فلا وجه لتوصيفه بالأشديّة.

و الانصاف أنّ الدّقة في هذه الرواية توجب المصير الى ما عليه المشهور من ثبوت الشاة في المس بشهوة الذي يكون وضع اليد كذلك أحد مصاديقه و عليه فيشكل الأمر في الكفارة في هذا الفرع من جهة ان مقتضى قاعدة حمل المطلق على المقيد في الرّوايات هو الأخذ بما عليه ابن إدريس من التفصيل

و من ان المشهور شهرة عظيمة بل كما في الجواهر: كادت تبلغ الإجماع هو ثبوت الشاة مطلقا فهل الشهرة الكذائية تعدّ بمنزلة الاعراض عن صحيحة معاوية بن عمار القادح في حجّيتها بالإضافة إلى الفقرة الأخيرة و ان كان لا يضرّ ذلك بالإضافة إلى النظر لوجود التعرض له في روايات أخرى أيضا و انه إذا كان بشهوة و متعقبا للإمناء تكون كفارته بدنة.

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع أورد صدرها في الباب السابع عشر ح- 2 و ذيلها في الباب الثامن عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 431

[مسألة 4- لو جامع امرأته المحرمة فإن أكرهها فلا شي ء عليها]

مسألة 4- لو جامع امرأته المحرمة فإن أكرهها فلا شي ء عليها و عليه كفّارتان، و ان طاوعته فعليها كفارة و عليه الكفارة (1).

______________________________

أو ان الشهرة تكشف عن كون الرواية مطابقة لما حكاه في الجواهر من وجود «الواو» دون «أو» أو عن كون المراد بقوله: حتى ينزل هو الاستمناء كما مرّت الإشارة إليه فلا ترتبط الرواية بالمقام.

و كيف كان فالمسألة مشكلة من جهة ثبوت الشهرة الكذائية المؤيدة بما تقتضيه الدقّة في الرواية الأخيرة و من جهة كون الجمع الدلالي بين الروايات مقتضيا للأخذ بخلاف ما عليه المشهور فالأحوط وجوبا رعاية التفصيل و الفرق في الكفارة بين صورتي الأمناء و عدمها.

(1) قد نفي وجد ان الخلاف بل الإشكال في الجواهر في صحّة حجّ الزوجة المكرهة على الجماع و كذا في ثبوت كفارتين على الزوج المحرم المكره بل حكى عن الخلاف الإجماع على لزوم كفارتين بجماعها محرمين.

و الرّوايات الواردة في هذا المجال بين ما هو ظاهر الدلالة على كلا الحكمين و بين ما يدل على الحكم الأوّل و هو عدم ثبوت الكفارة على المكرهة و

بين ما لا تتضح دلالته و ربما تكون معرضا عنها.

امّا الأوّل: فالظاهر انحصاره في رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة قال سألت أبا الحسن- عليه السلام- عن محرم واقع اهله قال: قد اتى عظيما، قلت أفتني «قد ابتلى» فقال استكرهها أو لم يستكرهها؟ قلت أفتني فيهما جميعا قال ان كان استكرهها فعليه بدنتان، و ان لم يكن استكرهها فعليه بدنة و عليها بدنة الحديث «1».

و حيث ان مستند المشهور منحصر في هذه الرّواية فلا محالة ينجبر ضعفها بعلي بن أبي حمزة و يكون الاستناد جابرا له على ما هو التحقيق عندنا.

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الرابع ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 432

..........

______________________________

و امّا الثاني: فمثل صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- المتقدمة أيضا قال سألته عن رجل باشر امرأته و هما محرمان ما عليهما؟ فقال ان كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدى جميعا، و يفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك و حتى يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، و ان كانت المرأة لم تعن بشهوة و استكرهها صاحبها فليس عليها شي ء «1».

و صحيحة عبيد اللّٰه بن عليّ الحلبي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في حديث المتقدمة أيضا قال: قلت أ رأيت من ابتلى بالجماع ما عليه؟ قال عليه بدنة، و ان كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما بدنتان ينحرانهما، و ان كان استكرهها و ليس بهوى منها فليس عليها شي ء الحديث «2». و لأجل عدم دلالة هذه الطائفة على أزيد من الحكم الأوّل حكى عن صاحب المدارك الدغدغة و الشبهة في ثبوت الحكم الثاني مع

انه لو كان الدليل منحصرا بهذه الطائفة لكان عدم التعرض للحكم الثاني كاشفا عن عدمه و امّا مع وجود الدليل و هي الرواية الأولى على ثبوته لا يبقى مجال للإشكال فيه الّا ان لا يكون استناد المشهور إلى رواية ضعيفة جابرا لضعفها لما عرفت من انحصار الدليل الظاهر في كلا الحكمين في خصوص تلك الرّواية.

و امّا الثالث: فصحيحة معاوية بن عمّار قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل محرم وقع على اهله فيما دون الفرج قال عليه بدنة و ليس عليه الحج من قابل، و ان كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه، و ان كان استكرهها

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الرابع ح- 1.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 14.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 433

..........

______________________________

فعليه بدنتان و عليه الحج من قابل «1». هكذا في الوسائل و لكن حكي في حاشيتها عن الاستبصار انه ترك فيه قوله: و ان كانت الى آخر الحديث، و عن التهذيب تمام الحديث و في آخره: و عليهما «عليه» الحج، و في نقل صاحب الجواهر: و عليهما الحج من قابل.

و الاشكال في الرواية انه ان كان المراد بالجماع هو الجماع الحقيقي فيرد عليها مضافا الى عدم ارتباطه بما هو مورد السؤال و هو المواقعة فيما دون الفرج انّ ثبوت الحج عليه فقط من قابل ان كان في مورد المتابعة و المطاوعة فقد مرّت دلالة روايات كثيرة على ثبوت الحج عليهما من قابل و ان كان في مورد الاستكراه فلا مجال لتخصيص لزوم القضاء بهذه الصورة و ان كان الضمير بنحو التثنية فهو لا يتمّ في مورد الاستكراه

الذي دلت روايات متعددة على انه لا شي ء على المستكرهة.

و ان كان المراد بالجماع هو الجماع فيما دون الفرج الذي هو مورد السؤال نظرا الى صدق عنوان الجماع عليه لغة فمضافا إلى انه لم يقل أحد بثبوت القضاء فيه بل ذكر صاحب الجواهر- قده- ان وجوب البدنة عليها مع المطاوعة و تحمله عنها مع الإكراه لم أجد به مصرّحا هنا لا يبقى مجال للاستدلال بها على حكم الجماع الحقيقي الذي هو مورد البحث في المقام الّا ان يقال باستفادة حكم المقام من طريق الأولوية أو إلغاء الخصوصية و كلتاهما كما ترى فالإنصاف انّه لا مجال لاستفادة شي ء من الرواية بالإضافة الى هذه الجهة.

و قد ظهر من جميع ما ذكرنا انّ الحقّ ما عليه المتن تبعا للمشهور.

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب السابع ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 434

[مسألة 5- كلّ ما يوجب الكفارة لو وقع عن جهل بالحكم]

مسألة 5- كلّ ما يوجب الكفارة لو وقع عن جهل بالحكم أو غفلة أو نسيان لا يبطل به حجّه و عمرته و لا شي ء عليه (1).

______________________________

بقي في هذه المسألة أمران: أحدهما: انّ الظاهر خصوصا بملاحظة صحيحتي سليمان و الحلبي المتقدمتين انّ المراد بالاستكراه هنا أوسع من الإكراه المذكور في حديث الرّفع المعروف فانّ المراد بالإكراه هناك ما يكون مقرونا بالتوعيد على ترك المكره عليه بإيقاع الضرر النفسي أو العرضي أو المالي على المكره- بالفتح- إذا ترك المكره عليه و امّا الاستكراه هنا فالمراد به مجرد عدم كون المرأة معينة للزوج على الجماع و عدم وقوعه بهوى منها في مقابل ما إذا تحققت الإعانة و كونه بهوى منها كما في الرّوايتين و عليه فلا مجال لاستفادة حكم المقام من حديث الرفع

كما صنعه بعض الاعلام- قده- في بعض فروع المسألة.

ثانيهما: الظاهر اختصاص مورد التحمل بما إذا كان الإكراه متحققا من ناحية الزوج بالإضافة إلى الزوجة لأن التحمل أمر على خلاف القاعدة و اللازم الاقتصار فيه على مورد الدليل و الدليل في المقام وارد في خصوص هذا المورد و امّا إذا كان الإكراه من ناحية الزوجة بالنسبة إلى الزوج فالظاهر انه لا تتحمل عنه بوجه بل عليها كفارة واحدة نظير إكراه الزوج زوجته الصائمة على الإفطار في شهر رمضان فإنه يتحمّل عنها الكفارة و لا دليل على التحمل في العكس و امّا عدم ثبوت شي ء على الزوج المكره- بالفتح- فقد ادّعى في الجواهر ضرورة عدم الفرق و ان التعرض للعكس في الروايات باعتبار غلبة وقوع الإكراه من ناحية الزوج دون العكس و هذا هو الفرع الذي ذكر بعض الاعلام انه لا حاجة في استفادة حكمه الى النصوص بل حديث الرفع كاف في ذلك و قد مرّ ما فيه.

(1) قال في الجواهر في ذيل مسألة ثبوت الكفارة و مثلها في الجماع: «و لا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 435

..........

______________________________

خلاف في اعتبار العلم و العمد في ترتب الأحكام المزبورة فلا شي ء على الجاهل بالحكم و الناسي للإحرام و السّاهي بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه في الناسي ..».

أقول: امّا صورة الجهل و عدم العلم فيدل على عدم ثبوت شي ء فيها مضافا الى إطلاق قوله- ع- في صحيحة عبد الصمد المتقدمة الواردة فيمن كان محرما و قد دخل المسجد الحرام كذلك و عليه قميصه: ايّ رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه «1». روايات واردة في خصوص المقام:

منها: صحيحة معاوية بن عمّار قال

سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن رجل محرم وقع على اهله فقال: ان كان جاهلا فليس عليه شي ء و ان لم يكن جاهلا فان عليه ان يسوق بدنة، و يفرّق بينهما حتى يقضيا المناسك و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا و عليه الحجّ من قابل «2».

و منها: صحيحة زرارة المفصلة المتقدمة المشتملة على قوله- ع- ان كانا- يعني الزوج المحرم الذي غشي امرأته و هي محرمة- جاهلين استغفرا ربّهما و مضيا على حجّهما و ليس عليهما شي ء «3».

و لا إشكال في دلالة مثلها على صحة الحج و عدم لزومه من قابل و على عدم ثبوت الكفارة إنّما الإشكال في ان ظاهره وجوب الاستغفار و هو يكشف عن ثبوت الحرمة الفعلية مع الجهل المستتبعة للعصيان عند مخالفته و لذا استدللنا على ثبوت الحرمة في النظر الى زوجته بشهوة بدلالة الرواية على وجوب الاستغفار عقيبه مع تصريحها بأنه لا شي ء عليه اي لا يكون عليه كفارة و ذكرنا هناك ان ما

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الخامس و الأربعون ح- 3.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 2.

(3) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 436

..........

______________________________

افاده بعض الاعلام- قده- من استعمال الاستغفار في الكتاب و السنّة كثيرا في غير موارد ثبوت المعصية ليس في محلّه لأنّ استعماله فيهما في غير تلك الموارد انما كان مقرونا بقرينة عقلية أو لفظية و امّا بدون القرينة خصوصا في مقام بيان الأحكام الفقهية و خصوصا في باب الحج الذي تكون كفارة بعض محرمات الإحرام مجرد الاستغفار فلا مجال لهذه الدعوى بل هو كاشف عن

ثبوت المعصية و المخالفة للحكم الفعلي و عليه فيشكل مفاد الرّواية و لا وجه لحمل قوله- ع- استغفرا ربّهما على الاستحباب خصوصا بعد عطف قوله- ع-: و مضيا على حجّهما، عليه لوضوح كون الإتمام و المضي واجبا عليهما و قوله: لا شي ء عليهما لا يصلح ان يكون قرينة على الاستحباب بعد كون الجمع بينه و بين ما ظاهره لزوم الاستغفار هو الحمل على كون المراد عدم ثبوت الكفارة و الحج من قابل و لزوم التفريق المذكورات في صورة كونهما عالمين.

نعم لو كان المذكور في الرّواية مجرد قوله: لا شي ء عليهما كما وقع التعبير بمثله في صحيحة معاوية بن عمّار لكان مقتضاه عدم لزوم الاستغفار أيضا و امّا مع الجمع بين الأمرين فالمتفاهم منهما ما ذكرنا من لزوم الاستغفار و عدم ثبوت شي ء آخر غيره.

و عليه فلزوم الاستغفار على الجاهل بعد رفع جهله يكشف عن تحقق المعصية الملازمة لثبوت الحرمة الفعلية مع ان المشهور كون العلم من شرائط فعلية التكليف و انّ الجاهل لا يكون التكليف بالإضافة إليه فعليّا فلا تتحقق منه المعصية فلا مجال لوجوب الاستغفار و الّذي يدفع الاشكال ما حققناه تبعا لسيدنا الأستاذ الامام- قدس سره الشريف- من عدم انحلال الخطابات العامة إلى الخطابات المتعددة المتكثرة حسب تعدد المكلفين المخاطبين بل الخطاب واحد و المخاطب متعدّد و لا تكون القدرة و العلم و مثلهما شرطا لثبوت التكليف و فعليته غاية الأمر كون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 437

..........

______________________________

مثل الجهل و العجز عذرا للمكلف بالنسبة إلى المخالفة و العصيان و الا فاصل العصيان متحقّق و عليه فمقتضى الصحيحة كون الجهل عذرا بالإضافة إلى أصل التكليف التحريمي المتعلق بالجماع

حال الإحرام و مرجعه الى عدم استحقاق العقوبة على المخالفة في هذه الصورة و هذا لا ينافي وجوب الاستغفار بعد ارتفاع الجهل لتحقق العصيان بالنسبة إلى التكليف الفعلي فالجاهل و ان كان معذورا في المخالفة لكن يجب عليه الاستغفار بعد زوال عذره و لهذا المبني ثمرات كثيرة في الفقه و الأصول قد تعرضنا لها في محالّها.

و مثلها رواية أخرى لزرارة قال قلت لأبي جعفر- عليه السلام- رجل وقع على اهله و هو محرم قال جاهل أو عالم؟ قلت جاهل، قال يستغفر اللّٰه و لا يعود و لا شي ء عليه «1»، و هي أيضا ظاهرة في لزوم الاستغفار و النهي عن العود معناه النهي عن العود بعد ما ارتفع جهله و صار عالما كما ان المراد بقوله لا شي ء عليه عدم ثبوت مثل الكفارة كما ذكرنا و امّا صورة الغفلة و النسيان فيدلّ على صحة العمل معهما و عدم ثبوت كفارة فيهما مضافا الى حديث الرفع في الجملة روايات خاصّة واردة فيهما:

منها: ذيل مرسلة الصدوق المعتبرة المتقدمة حيث قال: قال الصادق- عليه السلام- في حديث: ان جامعت و أنت محرم الى ان قال و ان كنت ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليك «2».

و منها: رواية زرارة عن أبي جعفر- عليه السلام- في المحرم يأتي أهله ناسيا قال لا شي ء عليه انّما هو بمنزلة من أكل في شهر رمضان و هو ناس «3».

______________________________

(1) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثاني ح- 2.

(2) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثاني ح- 5.

(3) وسائل أبواب كفارات الاستمتاع الباب الثاني ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 438

[الثالث: إيقاع العقد لنفسه أو لغيره]

اشارة

الثالث: إيقاع العقد لنفسه أو لغيره و

لو كان محلّا، و شهادة العقد و إقامتها عليه على الأحوط و لو تحمّلها محلّا و ان لا يبعد جوازها، و لو عقد لنفسه في حال الإحرام حرّمت عليه دائما مع علمه بالحكم، و لو جهله فالعقد باطل لكن لا تحرم عليه دائما و الأحوط ذلك سيّما مع المقاربة (1).

______________________________

و منها: غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال.

(1) قد وقع التعرض في هذا الأمر لأحكام ثلاثة:

الحكم الأوّل: و هو المهمّ المقصود في محرّمات الإحرام التي هي الغرض في هذا المجال هي الحرمة التكليفية المتعلقة بإيقاع العقد لنفسه أو لغيره و لو كان محلا و كذا الشهادة و الإقامة على احتمال و قد ذكر في الجواهر بعد قول المحقق: و عقدا لنفسه أو لغيره: «بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه بل المحكيّ منهما مستفيض ان لم يكن متواترا كالنصوص».

و المحكي عن أبي حنيفة و الثوري و الحكم جواز نكاحه لنفسه فضلا عن غيره و ذكر صاحب الجواهر بعد ذلك انه من جملة إحداثهم في الدين.

و العمدة في الروايات الواردة في هذا الباب صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المروية بطرق متعددة و مع اختلاف في التعبير و ثبوت الزيادة في البعض و لأجله جعلها صاحب الوسائل روايات متعددة و تبعه صاحب الجواهر حيث عبّر بصحاح ابن سنان مع انه من الواضح وحدة الرواية و عدم تعددها بوجه.

و هي على نقل الشيخ- قده- ما رواه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال ليس للمحرم ان يتزوّج و لا يزوّج، و ان تزوج أو زوّج محلا فتزويجه باطل «1». و رواه الصدوق بإسناده عن عبد اللّٰه بن سنان مثله الّا انه قال: و لا يزوج محلا

و زاد: و انّ

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 439

..........

______________________________

رجلا من الأنصار تزوج و هو محرم فأبطل رسول اللّٰه- ص- نكاحه «1».

هذا و قد ذكر بعض الاعلام- قده- أنّ نسخة الوسائل غلط جزما و ان الجملة الثانية معطوفة على الجملة الأولى بالفاء دون الواو كما في التهذيب في الطبعة الجديدة و القديمة و في الفقيه و في الاستبصار و عليه فدلالة الصحيحة على التحريم أظهر من العطف بالواو لان العطف بالواو يحتمل فيه التأكيد بخلاف العطف بالفاء لان الظاهر منها التفريع و لا معنى للتفريع على نفسه.

أقول: احتمال التأكيد في العطف بالواو خلاف الظاهر جدّا لانه مضافا الى ان الإتيان بجملة مستأنفة مستقلة بعنوان التأكيد خلاف الظاهر تكون الفقرة الأولى ظاهرة في نفسها على ما هو المتفاهم منها عند العرف في ان التزوج و التزويج من محرّمات الإحرام فإنّ حقيقة الإحرام و ان لم تكن عبارة عن ترك المحرمات المعهودة أو نية الترك على ما سلف من التحقيق في ماهية الإحرام إلّا ان العمدة فيه هي حرمة تلك المحرمات و لزوم الاجتناب عنها و عليه فإذا سمع العرف انه ليس للمحرم ان يفعل كذا و كذا لا يفهم منه الّا الحرمة التكليفية المتعلقة به من دون فرق بين ان يكون ذلك الأمر المحرم امرا قابلا للاتصاف بالصحة و الفساد كالعقد أو لا يكون قابلا لذلك كالجماع و الاستمناء- مثلا.

و بالجملة لو كان المذكور في الرواية خصوص الفقرة الأولى لما كان مجال للإشكال في دلالتها على الحكم التكليفي و اضافة الفقرة الثانية بصورة الجملة المستأنفة لا توجب ضعف هذا الظهور بوجه.

و

يؤيد ما ذكرنا انه قد وقع في أحد نقلي الشيخ عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع عشر ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 440

..........

______________________________

عبد اللّٰه- ع- قوله: سمعته يقول ليس ينبغي للمحرم ان يتزوّج و لا يزوّج محلا «1». فان قوله ليس ينبغي بعد وضوح عدم كون المراد منه هي الكراهة دون الحرمة لا ينطبق الّا على الحرمة التكليفية و لا يجري فيه احتمال البطلان بوجه كما لا يخفى.

ثمّ انّه و ان وقع التعبير في كلمات الفقهاء- رض- بإيقاع العقد لنفسه الّا انه ليس المراد ان يكون اجراء العقد و إنشائه بلسان المحرم بل المراد هو تزوج المحرم و صيرورته زوجا في حال الإحرام و ان شئت قلت ان إيقاع العقد كذلك أعم من ان يكون مباشرة أو تسبيبا و عليه فكما انّه لو تحقق التوكيل في إجراء الصيغة فقط أو في تحصيل الزوجة له ثم إنشاء العقد في حال الإحرام و تحقق من الوكيل ذلك في هذا الحال يكون المحرم قد ارتكب محرّما لأجل تحقق التزوج كذلك لو تحقق التوكيل كذلك قبل الإحرام و تحقق متعلق الوكالة في حال الإحرام يتحقق متعلق الحرمة التكليفية الإحرامية لصدق عنوان التزوج حاله نعم لو تحقق التوكيل في حال الإحرام و لم يكن متعلّق الوكالة مقيدا بحال الإحرام بل كان مقيّدا بما بعد الإحرام أو مطلقا و لكن تحقق التزويج من الوكيل بعد الإحرام لا يوجب ذلك تحقق المحرّم الإحرامي لفرض كون الاتصاف متحققا بعده و لم ينهض دليل على كون مجرد التوكيل محرّما على المحرم لعدم تحقق عنوان التزوج بمجرده و عدم تحقق

إيقاع العقد لنفسه الذي قد وقع التعبير به في كلمات الفقهاء على ما عرفت.

نعم لو كانت الوكالة مقيدة بحال الإحرام أو مطلقة و لكن وقع العمل من الوكيل في حال الإحرام لا مجال لتوهّم عدم الحرمة بوجه كما هو ظاهر و امّا إيقاع العقد لغيره الذي وقع التعبير عنه بالتزويج اي تزويج الغير فلا شبهة في تحققه إذا

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع عشر ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 441

..........

______________________________

صار المحرم وكيلا عن الغير و لو في مجرد إيقاع الصيغة و ذلك لأنّ تعبير الوكيل كذلك بقوله: زوجت و أنكحت شاهد على صدق عنوان التزويج و الإنكاح على الوكيل و لا يتوقف صدقه على كون الزوج متصديا لإجراء الصيغة بالمباشرة و عليه فلا إشكال في صدقه على الوكيل و لو كذلك.

نعم هنا شبهة و هي انه لو فرض انّ المحرم اذن في حال الإحرام في ان تتزوج ابنته مع رجل و تحقق النّكاح بينهما من دون ان يكون المحرم مباشرا لإجراء العقد و إيقاع الصيغة و قلنا بمدخليّة إذن الأب في نكاح البنت فلا إشكال في انّه لا يتحقق العنوان المأخوذ في الفتاوى و هو إيقاع العقد لغيره لان المفروض عدم تحقق العقد منه و امّا العنوان المأخوذ في الروايات مثل الصحيحة المتقدمة و هو تزويج الغير فالظاهر تحققه لأنّ صدق عنوان التزويج على الأب خصوصا مع مدخلية اذنه في نكاح بنته لا مجال لإنكاره مع انّ الظاهر عدم التزامهم بذلك و عدم حكمهم بان مجرّد الاذن محرّم على المحرم و لأجله يتحقق الاشكال من جهة ان العنوان المأخوذ في الكلمات لم يقم عليه دليل و

لو فرض ثبوت الإجماع فالظاهر كونه مستندا الى الروايات الواردة في المسألة التي ادّعى صاحب الجواهر- قده- تواترها و العنوان المأخوذ في النص الظاهر تحقّقه فإنّه إذا كان الوكيل في مجرد إجراء الصيغة يصح له اسناد التزويج الى نفسه فالأب المذكور يصدق عليه ذلك بطريق اولى و لذا عدّ في الرواية المعروفة المشتملة على انّ الآباء ثلاثة عنوان الأب الذي زوّجك من جملتهم فانّ مصداق الأب الكذائي يكون المورد المفروض من افراده قطعا و الّا فلا يبقي له مورد أصلا و إطلاق الأب عليه و ان كان على نحو التسامح و التجوّز الّا انّ وصف كونه مزوّجا انّما هو على نحو الحقيقة كالتوليد و التعليم و عليه فالظاهر صدق عنوان المزوّج على الأب في المورد المفروض و مقتضاه عدم جواز الاذن له فيه و ان كان ظاهر الفتاوى لا يساعده بوجه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 442

..........

______________________________

و أظهر من ذلك ما لو تحقق التزويج من المحرم بعنوان الولاية كما إذا زوّج ابنته الصّغيرة بأن وكّل محلا في تزويجها مع رعاية الغبطة فإنه يصدق عليه عنوان المزوّج مع انه لم يتحقق منه إيقاع العقد لغيره و لعلّه لذا استقرب في محكي القواعد جواز توكيل الجدّ المحرم محلّا في تزويج المولّي عليه و الظاهر وقوعه في حال إحرام الجدّ.

لكنّه أورد عليه صاحب الجواهر- قده- مضافا الى انه لا خصوصية للجدّ في ذلك بل الجواز على تقديره يعمّ الأب أيضا بأنّ الوكيل نائب الموكّل و لا نيابة فيما ليس له فعله من التزويج المنهي عنه في النصوص الذي يشمل التوكيل و لذا قطعوا بحرمة توكيل المحرم على التزويج لنفسه و بطلان العقد.

هذا و

الجواب الظاهر عن القواعد ما عرفت من صدق عنوان «المزوّج» على الوليّ حقيقة و امّا ما افاده صاحب الجواهر من انّه لا نيابة فيما ليس له- اى للموكّل- فعله فيرد عليه انّه قد لا يجوز للموكّل العمل مع انه يجوز للوكيل إيقاعه و تصحّ الوكالة فيه كما إذا استأجرت الحائض التي لا يجوز لها كنس المسجد غيرها الذي يجوز له ذلك فإنه لا إشكال في جواز الاستيجار و الاستنابة في مثله فالعمدة ما ذكرنا في الجواب.

هذا و الظاهر انه لو زوّج المحرم للغير فضوليّا من الجانبين أو من الجانب الواحد فالحكم هي الحرمة لتطابق العنوانين المأخوذين في النص و الفتوى عليه امّا عنوان إيقاع العقد لغيره فواضح و امّا عنوان التزويج فالظاهر أيضا صدقه و لذا يقول الفضولي في الصيغة «زوّجت» كما يقول في البيع «بعت» و لأجله وقع النهي عن بيع ما ليس عنده سواء كان المراد به هو الفساد مطلقا بحيث لا تؤثر فيه الإجازة اللّاحقة كما يقول به القائل ببطلان الفضولي بالمرّة أو كان المراد به هو الفساد بمعنى عدم ترتب الأثر المقصود عليه اى عدم وقوع التمليك و التملك بمجرد تمامية العقد بحيث لا ينافي التأثير مع الإجازة اللّاحقة كما استظهره منه الشيخ الأعظم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 443

..........

______________________________

الأنصاري- قدس سرّه- و لو أريد بالنّهي المذكور مجرد الحكم التكليفي على خلاف ما هو ظاهر النواهي المتعلقة بالمعاملات من كونها إرشادا إلى الفساد لكان دالا على ما ذكرنا أيضا من صدق عنوان البائع على البائع الفضولي كما لا يخفى و عليه فصدق عنوان تزويج الغير على المحرم العاقد فضوليّا لا مجال للمناقشة فيه فيكون محرّما

بالحرمة الإحراميّة.

هذا و لو انعكس الأمر بأن عقد الفضولي للمحرم فأراد المحرم ان يجيزه في حال الإحرام فإن قلنا بأن الإجازة ناقلة أي جزء للسّبب المؤثر و لا يتم السبب بدونها و لا يتحقق التأثير إلّا بعد وجودها و من زمنها فلا إشكال في حرمتها لصدق عنوان «التزوج» عليها لانه يصير متزوجا بسببها في حال الإحرام و لا فرق بين ان يتزوج بنفسه أو يجيز عقد الفضولي بناء على ذلك.

و ان قلنا بأن الإجازة كاشفة فإن وقع العقد و الإجازة كلاهما في حال الإحرام فلا شبهة في حرمة الإجازة لأنّها على جميع الأقوال و المباني قد تحقق تزوج المحرم في حال الإحرام و هو منهي عنه في الرواية من دون فرق بين الالتزام بما عليه المشهور من الكشف الحقيقي و التزام كون الإجازة شرطا متأخرا و ان اعترض عليهم جمال المحققين في حاشيته على الرّوضة بأن الشرط لا يتأخر و بين الالتزام بكون الشرط تعقب العقد بالإجازة لا نفس الإجازة و لازمة جواز التصرف قبل الإجازة لو علم تحققها فيما بعد و بين الالتزام بالكشف الحكمي و هو إجراء أحكام الكشف بقدر الإمكان مع عدم تحقق الملك في باب البيع في الواقع الّا بعد الإجازة كما اختاره شريف العلماء- قده- في بعض تحقيقاته، و ذلك لما عرفت من تحقق التزوّج في حال الإحرام على جميع الأقوال كما هو واضح.

و لو وقع العقد من الفضولي في حال الإحرام و صدرت الإجازة بعد الإحلال و الخروج من الإحرام فلا إشكال في جوازها تكليفا و وضعا لو قلنا بأن الإجازة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 444

..........

______________________________

ناقلة بالمعنى الذي أشرنا إليه لتحقق التزوج

بالإضافة إلى الزوج بعدها و المفروض كونه خارجا عن الإحرام حال الإجازة و الظاهر ان الأمر يكون كذلك بناء على الكشف الحكمي.

و امّا بناء على الكشف الحقيقي بأحد المعنيين فالظاهر انه لا مجال لاحتمال كون الإجازة محرّمة التكليفية الإحرامية التي هي محلّ البحث فعلا لكون المفروض صدورها بعد الخروج من الإحرام و مجرد تأثيرها في حصول التزويج و التزوج من حين العقد الصادر من الفضولي لا يوجب اتصاف الإجازة بالحرمة بعد كون زمن وقوعها حال عدم الإحرام نعم يمكن البحث فيه من جهة الحكم الوضعي و هو البطلان لوقوع التزوج في حال الإحرام و هو موضوع للحكم بعدم الصحة كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى و الانصاف وقوع الخلط في الكلمات بين الحكمين مع انه لا ملازمة بينهما و بالجملة لا وجه لدعوى ثبوت الحرمة التكليفية بعد كون الأمر المستند الى الزوج هي الإجازة الصادرة منه في غير حال الإحرام.

هذا و لو انعكس الأمر بأن وقع العقد من الفضولي قبل الإحرام و صدرت الإجازة في حال الإحرام فإن قلنا بكون الإجازة ناقلة فالظاهر حرمتها لتحقق التزوج بسببها فيصدق العنوان المنهي عنه في الرّواية و كذا على تقدير القول بالكشف الحكمي.

و امّا على تقدير القول بالكشف الحقيقي بأحد المعنيين فيمكن ان يقال بعدم الحرمة لأن ظرف حصول التزوج انّما هو حال العقد و هو لا يكون محرما حينه و مجرد تأثير الإجازة في ذلك بنحو الشرط المتأخر أو بنحو التعقب لا دليل على حرمته لعدم نهوض دليل على حرمة كل ما له تعلق بالنكاح و التزوّج و الّا لكان اللازم الحكم بحرمة التوكيل في التزويج حال الإحرام إذا كان متعلق الوكالة صدور العمل من الوكيل بعد

الإحرام مع انه من الواضح عدم الحرمة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 445

..........

______________________________

اللّٰهم الّا ان يقال بما ذكره بعض الاعلام- قده- من ان التقدم للمتعلّق و الّا فنفس الزوجية حاصلة حال الإجازة و بعد الإحرام فإنه من الان يتزوج و ان كانت الزوجية تحصل من السّابق.

هذا و يظهر من الجواهر التفصيل بين هذين الوجهين حيث قال: «بل لا تؤثر إجازته في حال الإحرام للعقد الفضولي الواقع حال الحلّ في وجه من وجهي الكشف بل يحتمل مطلقا بناء على انه نوع تعلق في النكاح ممنوع منه الى ان قال و يحتمل الجواز لانه ليس تزويجا حال الإحرام بناء على الكشف و الأحوط الأوّل و ان كان الثاني لا يخلو من قوة».

و الظاهر ان مراده من الوجه من وجهي الكشف هو الذي اختاره في بحث الإجازة في بيع الفضولي و هو الوجه الثاني الذي عبّر عنه هناك بكون الشرط حصول الرّضا و لو في المستقبل الذي يعلم بوقوعه من المالك أو بإخبار المعصوم أو نحو ذلك لكن الظاهر انه لا فرق بين الوجهين من هذه الجهة مضافا الى ان قوله في الذيل: لانه ليس تزويجا حال الإحرام بناء على الكشف لا يخلو عن تهافت مع الصدر و الا لكان اللازم التعبير بقوله: مطلقا لتحقق المقابلة بين هذا الاحتمال و بين التفصيل الذي ذكره أوّلا فتدبّر جيّدا.

بقي الكلام في الحكم التكليفي في ثلاثة عناوين وقع التعرض لاثنين منها في المتن هنا و للثالث في المسألة الآتية.

العنوان الأوّل: ما عبّر عنه في المتن بشهادة العقد و في الشرائع ب «شهادة على العقد» عطفا على الوطي و اللمس و مثلهما مما يتعلق بالنساء و تعبير

المتن أولى لأنّ المراد مجرد الحضور عند عقد النكاح الصادر من غيره و يكون بين محرمين أو محلّين أو مختلفين و الشهادة بهذا المعني الذي يرجع الى مجرّد الحضور و التحمل لا تتوقف الّا على وجود شاهد و مشهود فإذا شهد شرب الخمر الصادر من زيد- مثلا- فهو شاهد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 446

..........

______________________________

و شرب خمره مشهود و عليه فالشهادة بهذا المعنى تضاف الى العقد من دون الافتقار إلى وساطة حرف الجر بخلاف الشهادة في مقام الأداء و الإقامة كما سيأتي توضيحه إن شاء اللّٰه تعالى.

و كيف كان فقد ذكر في الجواهر: «بلا خلاف محقق أجده فيه بل في المدارك نسبته الى قطع الأصحاب بل عن محتمل الغنية الإجماع عليه بل عن الخلاف دعواه صريحا».

و قد ورد في هذا المجال روايتان:

إحديهما: ما رواه الشيخ بإسناده عن احمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن على عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: المحرم لا ينكح و لا ينكح و لا يشهد فان نكح فنكاحه باطل. قال في الوسائل: و رواه الكليني عن عدّة من أصحابنا عن احمد بن محمّد مثله و زاد: و لا يخطب «1».

ثانيتهما: ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن عثمان بن عيسى عن ابن (أبي- خ ل) شجرة عمّن ذكره عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في المحرم يشهد على نكاح محلّين قال لا يشهد ثم قال: يجوز للمحرم ان يشير بصيد على محلّ قال في الوسائل: «و رواه الصدوق مرسلا أقول ذكر الشيخ و الصدوق ان هذا إنكار و تنبيه على انه لا يجوز «2».

أقول: امّا ضعف سند

الروايتين بالإرسال فهو منجبر باستناد المشهور إليهما لأنه لو لم تكن المسألة اجماعية و لا ممّا قطع به الأصحاب كما ربما يؤيده عدم التعرض لها في جملة من الكتب الفقهية كالمقنع و المقنعة و جمل العلم و العمل و غيرها و ان

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع عشر ح- 7.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الأوّل ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 447

..........

______________________________

ذكر في الجواهر انه لا يقتضي الخلاف فيه لكن الظاهر لزوم التعرض لكل ما يكون محرّما في حال الإحرام الّا انه لا مجال للمناقشة في ثبوت الشهرة الفتوائية مستندة الى هاتين الروايتين فالضعف فيهما منجبر و العجب ممّن لا يرى استناد المشهور إلى رواية ضعيفة جابرا لضعفها و لا الشهرة الفتوائية حجة في نفسها كما قد قرّر في محلّه كيف حكم بالاحتياط الوجوبي في هذا العنوان مع انّ مقتضى مرامه الحكم بالاحتياط الاستحبابي دون الوجوبي.

و امّا الدّلالة فالظاهر ان المراد من قوله- ع- و لا يشهد في الرواية الأولى بعد وضوح عدم كون المراد هي حرمة مطلق الشهادة و لو كان المشهود غير النكاح بل المراد بقرينة السّياق هي شهادة العقد بل في الجواهر نقل الرواية هكذا:

«و لا يشهد النكاح، هو مقام التحمل و الحضور و الشهود لا مقام الأداء و الإقامة و لا الأعم منهما و ان كان الأعم يكفي لنا في مقام الاستدلال لكن الظاهر اختصاصها بهذا العنوان و ذلك لما عرفت من ان الشهادة المطلقة الخالية عن ذكر حرف الجر معها مثل اللّام و على يكون المتفاهم العرفي و اللغوي منها مجرد الحضور و الشهود و لا يحتاج الى غير المشهود بخلاف

الشهادة في مقام الأداء و الإقامة فإنّها تحتاج مضافة الى ذلك الى المشهود له و المشهود عليه و عليه لا مجال لإنكار ظهور هذه الرواية في المقام.

و امّا الرواية الثانية فظاهرها أيضا ذلك و ان وقع التعبير فيها بالشهادة على نكاح محلّين الّا ان المراد كون النكاح بينهما مشهودا لان اللام و على الدالتين على النفع و الضرر انما تكونان مرتبطتين بالمدعى و المنكر لا بالدعوى و مورد الادّعاء و عليه فهذه الرّواية أيضا ظاهرة فيما ذكرنا و يؤيده عدم ذكر كلمة «على» في نقل صاحب الجواهر- قده.

فإذا كان حضور نكاح محلّين محرّما على المحرم فحضور نكاح محرمين أو

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 448

..........

______________________________

مفترقين يكون محرّما بطريق اولى نعم يبقي الكلام في هذه الرّواية في التنظير و التشبيه بإشارة المحرم الصيد على المحلّ الذي قد عرفت كون الحكم بالجواز فيها في الرواية انما هو على سبيل الإنكار و التنبيه و سيأتي التكلم فيه في العنوان الثاني و لكن لو فرض دلالة الرواية على حكم ذلك العنوان فالرواية الأولى كافية في المقام و مقتضاها مجرد حرمة الحضور مطلقا لا خصوص الحضور لأجل الشهادة كما عن المدارك من انه ينبغي قصر الحكم عليه فتدبّر نعم ربما احتمل فيها ان يكون قوله: لا يشهد بصيغة المجهول فلا دلالة له على حرمة الشهادة على المحرم لا تحملا و لا اقامة و لكن هذا الاحتمال خلاف الظاهر جدّا و لا يعبأ به بوجه.

العنوان الثاني: إقامة الشهادة على عقد النكاح في حال الإحرام و نفي البعد عن جوازها في المتن و لو تحملها محلّا و ان احتاط قبله و ظاهره الاحتياط الاستحبابي و لكن

المحقق- قده- في الشرائع عطف الإقامة على الشهادة في الحرمة و صرّح بالتعميم لما إذا تحمّلها محلّا و في محكيّ الرياض نسبة الحرمة إلى المشهور بل عن الحدائق استظهار الاتفاق عليه و لكن ذكر صاحب الجواهر- قده- انّ النسبة إلى الشهرة لم نتحقّقها و عليه فالظاهر عدم ثبوت شهرة محققة في هذا العنوان.

و ما يمكن ان يستدل به للحكم بالحرمة في هذا العنوان أمران:

أحدهما: دعوى ان قوله- ع- في مرسلة ابن فضال المتقدمة: و لا يشهد، مطلق يشمل أداء الشهادة و إقامتها كما يشمل تحمّلها الراجع الى مجرّد الشهود و يؤيده عطف الإقامة على التحمل بعد كلمة الشهادة فيقال كما في بعض كلمات الفقهاء: الشهادة تحملا و أداء فيدل ذلك على ان إطلاق هذه الكلمة كما في الرواية يشمل كلتا الجهتين و حيث ان سند الرواية منجبر بما عرفت فلا يبقى مجال للإشكال في الاستدلال بالرواية في هذا المقام أيضا.

و يرد على هذا الأمر ما عرفت من ان الشهادة المطلقة الخالية عن التعقب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 449

..........

______________________________

لحرف الجرّ ظاهرة في نفس الحضور و الشهود و لا تحتاج الّا الى شاهد و مشهود بخلاف الإقامة و الأداء و عليه فدعوى الإطلاق ربما ترجع الى استعمال اللفظ في معنيين كما لو فرض ثبوت الحرمة لعنوان السجود في مورد فإنّه حيث يكون في السجود أمران أحدهما ما يسجد عليه و ثانيهما ما يسجد له أو من يسجد له و لا ارتباط بين الأمرين بوجه لا مجال لدعوى التمسك بالإطلاق و إثبات الشمول لكلا الأمرين بل ما نحن فيه اولى لعدم افتقار تحمل الشهادة إلى عنوان غير الشهادة الراجعة إلى الحضور

و الشهود بخلاف الأداء و الإقامة فدعوى الإطلاق غير صحيحة بل الرواية ظاهرة في العنوان المتقدمة كما مرّ.

ثانيهما: مرسلة ابن أبي شجرة المتقدمة بلحاظ اشتمالها على كلمة «على» بعد الشهادة حيث يقول في المحرم يشهد على نكاح محلين و بلحاظ التشبيه و التنظير الواقع في ذيلها نظرا الى ان تنظير مجرد الحضور في مجلس العقد مع عدم مدخليته في صحة النكاح عندنا بالإشارة بالصيد من المحرم على محلّ ممّا لا يكون له وجه لأنّ الإشارة دخيلة في تحقق الصيد بحيث لو لا الإشارة لما كان يتحقق الصيد من المحل بخلاف مجرّد الحضور في مجلس العقد الّذي لا يترتب عليه أثر بالنسبة إلى صحته و تأثيره في الزّوجية و هذا بخلاف أداء الشهادة و إقامتها فإنّها دخيلة في إثبات النكاح عند الحاكم فالمناسبة المصحّحة للتنظير موجودة فيه.

و العجب من المجلسي الأوّل في شرح من لا يحضره الفقيه حيث فسّر ذيل الرواية هكذا: «اي كما انه لا يجوز ذلك و ان لم يكن هو الصائد كذلك لا يجوز عقد المحلين و ان لم يكن هو المجامع و كما انّ ذلك مقدّمة و سبب للصيد كذلك العقد بالنظر الى الجماع و ليس هنا من القياس بل هو تشبيه حكم بحكم للتفهيم أو للمباحثة مع العامة».

و ذلك لانّه لا إشعار في الرّواية بصدور العقد من المحرم أصلا حتى يكون شبيها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 450

..........

______________________________

بإشارته إلى الصيد بل الموجود في الرّواية الشهادة سواء كان معناها الأداء أو التحمل أو كليهما و الشهادة غير العقد كما هو ظاهر.

و يرد على هذا الأمر- مضافا الى عدم ثبوت كلمة «على» في نقل الصدوق و كذا

في نقل صاحب الجواهر و الى انه على تقدير الثبوت يكون مجرورها النكاح الواقع بين محلين و أداء الشهادة و إقامتها في مقام الترافع و التخاصم انّما يكون المشهور عليه فيها هو الشخص المنكر كما ذكرنا- انّ التنظير على كلا التقديرين لا يكون تامّا امّا على التقدير الأوّل فواضح كما مرّ و اما على التقدير الثاني فلان الإقامة دخيلة في الإثبات و ربما لا يكون النكاح بحسب الواقع بثابت بخلاف الإشارة التي لها دخل في أصل وجود الصيد و تحققه الّا ان يقال انّ مجرد الإشارة أيضا لا يوجب تحقق الاصطياد تكوينا لانه ربما لا يتحقق الصيد من المحلّ عقيبها أو لا يصيب سهمه- مثلا- اليه.

هذا و لو فرض غمض النظر عن هذا الاشكال و قلنا بان التنظير في الإقامة أنسب من التحمل و لذا تحمل الرّواية عليه لا مجال للإشكال على الرواية بالإرسال و عدم ثبوت الجابر له لعدم تحقق شهرة على الحرمة في هذا العنوان و ذلك لانه بعد المراجعة إلى الفقيه ظهر ان الرّواية و ان كانت منقولة فيه بنحو الإرسال الّا انها من قسم المرسلات المعتبرة حيث انه يسند الصدوق الرواية الى الامام- ع- بقوله و قال- ع- في المحرم .. و عليه فالرواية معتبرة في نفسها و لا تحتاج إلى الشهرة الجابرة لكن دلالتها غير واضحة خصوصا مع ملاحظة ما عرفت من عدم اشتمال نقل الصدوق على اضافة كلمة «على» و عليه فلا دليل على الحرمة و هو يكفي دليلا على العدم و لا حاجة الى استفادة عدم الحرمة من أدلة حرمة كتمان الشهادة و وجوب أدائها عند الحاجة و لا الى التمسك بكون الشهادة خبرا لا إنشاء مثل إيقاع

العقد لنفسه أو لغيره و الخبر الصادق إذا لم يترتب عليه ضرر لا يحسن تحريمه و لا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 451

..........

______________________________

الى لزوم ترتب مفاسد عظيمة على عدم الشهادة لأنه ربما يترتب على العدم الحكم بالخلاف الموجب لترتب مفاسد عليه و لا إلى أولوية جواز الإقامة من جواز الرجوع في طلاق المعتدة بالعدة الرجعية لأنّه رجوع الى النكاح و كأنه بمنزلة العقد فإذا كان جائزا تكون إقامة الشهادة عليه جائزة بطريق اولى.

و ذلك لجريان المناقشة في جميع ما ذكر فإنه يمكن ان يقال بتخصيص أدلّة حرمة الكتمان و وجوب الأداء بالدليل الدال على الحرمة في المقام لو فرض وجوده و كون الشهادة خبرا لا تنافي حرمتها فانّ الحضور بمجرّده مع عدم ترتب اثر عليه أصلا كان محرّما مع انّه ليس بخبر و لا إنشاء و القائل بالحرمة انّما يقيدها بما إذا لم يترتب على تركها مفسدة عظيمة لانّه- ح- يكون الترجيح بعد ثبوت المزاحمة بين الحكمين للمزاحم الأهم.

نعم مع إمكان تأخير الحكم الى ما بعد الإحرام يتعين ذلك و بالجملة البحث انّما هو في صورة عدم ترتب المفسدة الكذائية و أولوية المقام من مسألة جواز الرجوع في العدة مضافا الى منعها لكون الرجعية لم تخرج من الزوجية و لذا يجب على الزوج النفقة و السكنى لا تكون قطعية و اولى من هذه الأولويّة مقايسة الإقامة بالتحمل الذي لا يترتب عليه اثر نظرا إلى انه لو كان التحمل حراما فالإقامة محرمة بطريق اولى و لكن مع ذلك لا مجال لها لما ذكرنا من عدم كونها قطعية.

لكن الذي يسهّل الخطب ما ذكرنا من انه لا حاجة بعد عدم قيام الدليل

على الحرمة إلى استفادة الجواز من مثل الوجوه المذكورة.

ثم انه أشار في المتن بعد الحكم بالاحتياط في الإقامة و ان تحمّلها محلّا الى خلاف الشيخ- قده- حيث انه قد قيد الحكم بحرمة الإقامة بما إذا تحمّلها و هو محرم و ظاهره ثبوت الإطلاق من جهة كون الزوجين محلّين أو محرمين أو مفترقين و لكن الظاهر انه على تقدير القول بالحرمة لدلالة الرواية أو غيرها لا مجال لهذا التقييد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 452

..........

______________________________

و لذا قال في الجواهر: «ثم على التحريم قيل تحرم الإقامة حاله و لو تحمّلها محلا أو كان بين محلّين لانتفاء دليل المخصص و ان تأكد المنع إذا تحمّلها محرما أو كان على محرمين».

ثمّ ان هنا اشكالا يرد على كل من قال بحرمة الإقامة و من قال بعدمها في خصوص ما إذا تحمّلها محرما و هو انه بالتحمل يصير فاسقا لفرض الحرمة فلا تسمع شهادته و لو قيل بحرمة الإقامة أيضا يتحقق موجبان للفسق و لو تحملها محلا يرد الاشكال المزبور على خصوص القائل بحرمة الإقامة فقط.

و لكن يدفع الاشكال ما في كلام صاحب الجواهر- قده- من انه يمكن ان يكون الحضور جهلا و غفلة أو علما مع التوبة بعده لأنّ ارتكاب الصغيرة مع عدم الإصرار المتحقق بالتوبة لا يقدح في العدالة بوجه كما انه يمكن أداء الشهادة أيضا كذلك اي جهلا أو غفلة و لا يلزم على الحاكم رفع الجهل أو الغفلة لو فرض عدم علمه بكونه محرما بل و مع العلم أيضا فتدبّر فلا مجال لهذا الاشكال.

العنوان الثالث: الخطبة سواء كانت لنفسه أو لغيره محلّين كانا أو محرمين أو مفترقين و قد حكم في

المتن في المسألة الآتية بجوازها ثم قال: و الأحوط تركها قال في الجواهر: «و تكره للمحرم الخطبة كما في القواعد و محكيّ المبسوط و الوسيلة للنهي عنه في النبوي: لا ينكح المحرم و لا ينكح و لا يشهد و لا يخطب، و المرسل السابق المحمول عليها بعد القصور عن إثبات الحرمة مؤيّدا بأنها تدعو الى المحرم كالصرف الداعي إلى الرّبا فما عن ظاهر أبي علي من الحرمة واضح الضعف ..».

و مراده بالنبوي ما رواه البيهقي في السنن الكبرى لكن ليس فيه: و لا يشهد، و بالمرسل هي مرسلة ابن فضّال المتقدّمة لكن عرفت انّ المرسلة المزبورة انّما تكون مشتملة على قوله: و لا يخطب فيما رواه الكليني و امّا على نقل الشيخ- قده- فخالية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 453

..........

______________________________

عن هذه الجملة و- ح- فان عدّت روايتين فنقول انّ ما يكون ضعفه مجبورا باستناد المشهور اليه و الفتوى على طبقه انّما هي الرّواية التي رواها الشيخ- قده- لكونها موافقة لفتوى المشهور و امّا الرواية التي رواها الكليني المشتملة على النهي عن الخطبة فلا جابر لضعف سندها بعد عدم حكاية القول بالحرمة الّا من أبي على نعم ظاهر صاحب الوسائل أيضا ذلك لعطفه الخطبة على إيقاع العقد لنفسه أو لغيره أو الشهادة في الحرمة فرواية الكليني ضعيفة غير منجبرة.

و ان لم تعدّ روايتين بل لا يكون في البين إلّا رواية واحدة غاية الأمر كونها مروية بكيفيتين فنقول ان استناد المشهور الجابر للضعف انّما يجدي بالمقدار الذي يكون موافقا لفتوى المشهور و امّا الخارج عن ذلك المقدار فلا تكون الرواية الضعيفة حجة بالإضافة إليه أيضا فلو فرض كون رواية واحدة ضعيفة

مروية بطريق واحد فقط مشتملة على حكمين مستقلين غير مرتبطين و لا متلازمين و كان فتوى المشهور مطابقا لأحدهما فقط دون الآخر لا يجدي ذلك في اعتبار الرواية بالنسبة إلى كلا الحكمين بحيث يجوز التمسك بها للحكم الآخر أيضا فتدبّر و عليه فهذه المرسلة لا تصلح لإثبات الحرمة بوجه.

نعم يمكن التمسك بمرسلة الصدوق المتقدمة التي عرفت كونها معتبرة في نفسها بحيث لا تحتاج الى الانجبار نظرا الى ان موردها و ان كان هي الشهادة و قد حكم فيها بالنهي عنها الظاهر في الحرمة الّا ان ذيلها المشتمل على الاستفهام الإنكاري الذي هو بمنزلة التعليل للحكم ربما يدل على حرمة الخطبة بل انطباق التعليل على الخطبة أوضح من انطباقه على الشهادة تحمّلا و أداء و ذلك لأنّ تحمل الشهادة الذي معناه مجرد الحضور و الشهود لا دخالة له لا في أصل تحقّق النكاح و لا في اتصافه بالصّحة لأن مرجعه الى مجرد النظارة دون الدخالة و أداء الشهادة و إقامتها و ان كان له مدخلية لكن مدخليته انّما هي بالإضافة إلى مقام الإثبات عند

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 454

..........

______________________________

الحاكم بخلاف الإشارة إلى الصيد و امّا الخطبة فمدخليتها في أصل النكاح و تحققه انّما هي كمدخلية الإشارة في وجود الصيد و تحققه لأن الخطبة من مقدمات النكاح و وجوده فهي أشبه بالإشارة من الشهادة و عليه فيمكن التمسك بهذه المرسلة المعتبرة للقول بالحرمة.

و لكن يمكن الإيراد عليه بان كون الذيل بمنزلة التعليل الذي كان الحكم دائرا مداره سعة و ضيقا محلّ نظر لان لازمة الحكم بحرمة الإعانة على تحقق النكاح و لو بين محلّين باية كيفية سواء كانت اعانة مالية

أو إرشادية أو نحوهما و لا يمكن الالتزام به.

و مع ذلك فالاحتياط في ترك الخطبة انّما هو على سبيل الوجوب دون الاستحباب كما في المتن.

ثمّ انه لو لم نقل بحرمة الخطبة لعدم نهوض دليل معتبر عليها فالظاهر انه لا دليل على الكراهة أيضا لأنّ منشأ الكراهة امّا قاعدة التسامح و امّا ما أشار إليه في الجواهر من انّها تدعو الى الحرام كالصرف مع انّ قاعدة التسامح إنّما تجري في السنن و المستحبات و لا تشمل رواياتها للكراهة بوجه و الدعوة الى الحرام مع أنها ممنوعة صغرى في بعض الموارد لان النكاح قد يقع بين محلين و العاقد غير محرم ممنوعة كبرى لانه لا دليل على كراهة شي ء يدعو الى الحرام بعد كون الدعوة لا تتجاوز عن حدّ الاعداد كما لا يخفى فلا وجه للكراهة على تقدير عدم الحرمة هذا تمام الكلام في الحكم الأوّل من الأحكام الثلاثة التي وقع التعرض لها في هذا الأمر.

الحكم الثاني: هي الحرمة الأبدية و القدر المتيقن من موردها ما إذا تزوج المحرم لنفسه و كان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 455

..........

______________________________

عالما بالحرمة التكليفية الإحرامية المتقدمة و ان لم يدخل بها و في الجواهر: إجماعا بقسميه بل المحكي منه مستفيض أو متواتر.

و المحكيّ عن المرتضى و سلّار تعميم الحكم لصورة الجهل أيضا مطلقا من دون فرق بين صورة الدخول و عدمه لكن المحكيّ عن الخلاف و الكافي و الغنية و السرائر و الوسيلة الحكم بالتحريم في صورة الجهل فيما إذا تحقق الدخول كذات العدّة بل عن الخلاف الإجماع عليه و ان نفى في الجواهر تحققه في المقام.

و كيف كان فاللازم ملاحظة الروايات الواردة في الباب

و هي على ثلاث طوائف:

الطّائفة الأولى: ما ظاهره بمقتضى الإطلاق تحقق الحرمة الأبدية مطلقا من دون فرق بين صورتي العلم و الجهل مثل صحيحة أديم بن الحرّ الخزاعي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال ان المحرم إذا تزوج و هو محرم فرّق بينهما و لا يتعاودان ابدا، و الذي يتزوج المرأة و لها زوج يفرق بينهما و لا يتعاودان ابدا «1».

و رواية إبراهيم بن الحسن عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال ان المحرم إذا تزوج و هو محرم فرّق بينهما ثم لا يتعاودان ابدا «2». و الرواية ضعيفة لأن إبراهيم بن الحسن مجهول لكن يغلب على الظنّ انّها هي الرواية المتقدمة و ان إبراهيم تصحيف أديم و الحسن تصحيف الحرّ لشدة شباهتهما في الكتابة و يؤيده اتحادهما في المتن و التعبير و كذا كون الراوي عن كليهما هو ابن بكير و عليه فلا تكون هذه رواية ضعيفة بل متحدة مع الرواية السّابقة.

و مرسلة الصدوق المعتبرة قال قال- عليه السلام- من تزوج امرأة في إحرامه

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الخامس عشر ح- 2.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الخامس عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 456

..........

______________________________

فرق بينهما و لم تحلّ له «1». و لكن يمكن المناقشة في دلالتها بعد ظهورها في الحرمة الأبدية لأنه يمكن ان يكون المراد هو عدم كونها حلالا له بالإضافة الى هذا النكاح لا مطلقا لكن الرواية الأولى كافية لتماميتها سندا و دلالة كما انه بعد المراجعة إلى المصدر و هو كتاب الفقيه ظهر ان فيه زيادة قوله- ع- ابدا و عليه فهذه الرواية أيضا تامة كذلك.

الطائفة الثانية: ما تقابل الطائفة

الاولى و تدل على عدم تحقق الحرمة الأبدية مطلقا و هي صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر- ع- قال: قضى أمير المؤمنين- عليه السلام- في رجل ملك بضع امرأة و هو محرم قبل ان يحلّ فقضى ان يخلّي سبيلها، و لم يجعل نكاحه شيئا حتى يحلّ فإذا أحلّ خطبها ان شاء، و ان شاء أهلها زوّجوه و ان شاءوا لم يزوجوه «2».

و لا مجال للمناقشة في إطلاقها بأنه يمكن ان يكون المورد الذي قضى أمير المؤمنين- ع- فيه بما في الرواية خصوص صورة الجهل و ذلك لما ذكرنا مرارا من انه لو كان الحاكي لمثل هذا القضاء هو الامام- عليه السلام- و كان غرضه من الحكاية بيان الحكم و افادته من هذا الطريق الذي هو أحد الطرق في مقام بيان الحكم لا بد من الأخذ بإطلاق كلامه ضرورة انه مع مدخلية المقيد كان عليه البيان كما في سائر الطرق فالرواية مطلقة في نفسها.

الطائفة الثالثة: ما تدل على عدم ثبوت شي ء على المحرم في صورة الجهل مطلقا أو على مدخلية العلم في الحرمة الأبدية في المقام فالأولى مثل صحيحة عبد الصّمد بن بشير المتقدمة المشتملة على قوله- ع- ايّ رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الخامس عشر ح- 4.

(2) وسائل أبواب بقية كفارات الإحرام الباب الثامن ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 457

..........

______________________________

عليه. فان النكرة في سياق النفي تفيد العموم و لا مجال لدعوى اختصاصه بالكفارة فإنّ الحرمة الأبدية أشد من الكفارة بمراتب.

و الثانية ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد و عن محمد بن يحيى، (و ظ) عن

احمد بن محمّد جميعا عن احمد بن محمد بن أبي نصر عن المثنى عن زرارة بن أعين و داود بن سرحان عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- و عن عبد اللّٰه بن بكير عن أديم بياع الهروي عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- في الملاعنة إذا لاعنها زوجها لم تحلّ له ابدا الى ان قال: و المحرم إذا تزوج و هو يعلم انه حرام عليه لم تحلّ له ابدا «1». و الظاهر ان أديم- بضم الالف و فتح الدال- بياع الهروي هو أديم بن الحرّ الخزاعي المتقدم و ليسا برجلين و الرواية معتبرة و مدلولها مدخلية العلم بالحرمة الإحرامية في ثبوت الحرمة الأبدية كمدخلية التزوج لنفسه و عليه فالرواية تدل على التفصيل و لا تتوقف دلالتها على التفصيل على القول بثبوت المفهوم للقضية الشرطية الراجع الى كون الشرط علة منحصرة لثبوت الجزاء و لم يكن الجزاء متحققا بدونه أصلا بل بعد وضوح انه لا يكون في هذا المقام الّا حكم واحد فإذا كان مقتضى القضية الشرطية مدخلية أمرين في ثبوته: التزوج لنفسه و كون المحرم المتزوج عالما بحرمة التزوج في حال الإحرام فلا محالة يكون الحكم منتفيا بانتفاء واحد منهما.

و عليه فهذه الرواية المفصلة كما انّها تصلح لتقييد الطائفة الثانية النافية للحرمة الأبدية مطلقا و مقتضى التقييد اختصاصها بصورة عدم العلم و ان كان مقتضاها في نفسها هو الإطلاق كما عرفت كذلك تصلح لتقييد الطائفة الأولى المثبتة للحرمة الأبدية مطلقا لأنّهما و ان كانا مثبتين الّا انه حيث يكون الحكم

______________________________

(1) وسائل أبواب ما يحرم بالمصاهرة و نحوها الباب الواحد و الثلاثون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 458

..........

______________________________

واحدا

غير متعدد يتحقق التقييد لا محالة كما في سائر موارد وحدة الحكم في المطلق و المقيد المثبتين سواء كان الكاشف عنها وحدة السبب أو غيرها من الأمور الأخر.

و قد انقدح مما ذكرنا انّ الرواية المفصلة شاهدة للجمع في نفسها و تتصرف في كلتا الطائفتين في عرض واحد فلا حاجة الى جعلها مقيدة للطائفة الثانية و جعل تلك الطائفة بعد التقييد و انقلاب النسبة مقيدة للطائفة الأولى بحيث يكون التصرّف فيها طولا كما لا يخفى.

ثم انّ هذه الرواية المفصلة تكون مطلقة من جهتين إحديهما الدخول و عدمه و مقتضاها ثبوت الحرمة الأبدية في كلتا الصورتين في فرض العلم، ثانيتهما كون المرأة المتزوج بها محرمة أم محلّة و على كلا التقديرين عالمة أم غير عالمة و من الفروض كونها محلة جاهلة بإحرام الزوج أو بحرمة تزوجه في حال الإحرام.

كما ان الطائفة الثانية التي عرض لها التقييد و صارت مقيدة بصورة الجهل يكون مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين صورة الدخول و عدمه فإذا دخل مع الجهل لا تتحقق الحرمة الأبدية و التشبيه بالتزوج في حال العدة لم ينهض عليه دليل فانّ المقدار الذي يوجب دليل التفصيل التضييق في هذه الطائفة هو التحديد بصورة الجهل فقط و امّا إطلاقها من جهة الدخول و عدمه فباق بحاله كإطلاقها من سائر الجهات.

نعم هنا كلام يأتي التعرض له إن شاء اللّٰه تعالى في بعض المسائل الآتية و هو انّه إذا تزوجت المرأة المحرمة بزوج في حال الإحرام مع علمها بحرمة التزوج في حال الإحرام هل يترتب على ذلك الحرمة الأبديّة أم لا بل يختص موردها بما إذا كان المتزوج المحرم هو الرجل فانتظر.

ثم ان الظاهر كما قد صرّح به غير واحد- على

ما حكى- انه لا فرق في ثبوت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 459

..........

______________________________

الحرمة الأبديّة بين ما تحقق التزوج في أثناء الإحرام الصحيح أو تحقق بعد إفساده كما لو تحقق بعد الجماع مع زوجته عالما عامدا قبل أحد الوقوفين و قلنا بان الحج الذي يجب عليه قضائه في العام القابل هو فرضه و انّ الأوّل فاسد غاية الأمر وجوب إكماله و لزوم إتمامه فإنّ الظاهر- ح- انه كما يكون سائر محرّمات الإحرام حراما عليه كذلك يكون إيقاع العقد لنفسه أيضا حراما و يترتب عليه ما يترتب على الإيقاع في الإحرام الصحيح من الحرمة الأبدية كما ان الظاهر ترتب الكفارة عليه إذا اتى بموجبها فعلى ذلك لا فرق بين الإحرامين من هذه الجهة أيضا.

ثمّ انه حكى عن العلّامة في التحرير انه استظهر ان مراد علمائنا بالعقد في المحرم و ذات العدّة انّما هو العقد الصحيح الذي لو لا المانع لترتب عليه أثره.

و أورد عليه بان لفظ التزويج و النكاح موضوع للأعم من الصحيح و الفاسد.

و يدفعه انّ الوضع للأعم لا ينافي كون المتفاهم العرفي و المنساق من النصوص و الفتاوي العقد الصحيح في نفسه الذي لو لا هذه الجهة لكان مؤثرا في حصول الزوجية و تحقق النكاح فإذا كانت ذات العدّة أخت زوجة العاقد لها لنفسه مع بقائها في حبالته فهل يؤثر ذلك في تحقق الحرمة الأبديّة فإنّها لو لم تكن ذات العدة لما كان نكاحها مؤثرا لحرمة الجمع بين الأختين و كذلك بالإضافة إلى سائر شرائط الصحة المعتبرة فيها بحيث لولاها لم يتحقق النكاح الصحيح كما إذا قلنا باعتبار العربية- مثلا- في صحة عقد النكاح فهل العقد بغير العربية يؤثر

في حرمة ذات العدة و مثلها.

نعم لو اجتمع عنوانان يكفى كل واحد منهما في ثبوت الحرمة الأبدية كما إذا تزوج المحرم بذات العدة عالما بالحرمة من الجهتين فالظاهر عدم كون اجتماع العنوانين مانعا عن ثبوتها بل المتفاهم العرفي بعد ملاحظة أدلة العنوانين ثبوت الحرمة الأبدية بطريق أولى فإن الظاهر انه لا يكون المتفاهم من أدلة المحرم اعتبار

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 460

..........

______________________________

استقلال الإحرام في إيجاب الحرمة الأبدية و كذلك من أدلة ذات العدة غاية الأمر ان المقام يصير من قبيل العلل التكوينية التي يكون اجتماعها مانعا عن التأثير في المعلول بوصف الاستقلال بل المعلول يصير- ح- مستندا الى كليهما و مترشحا من مجموعهما و المقام الذي لا يتجاوز عن كونه امرا اعتباريا أيضا كذلك فالحرمة الأبدية في المثال مستندة الى كلا الأمرين من دون ان يكون هناك ترجيح في البين و يؤيد ذلك رواية الحكم بن عيينة قال سألت أبا جعفر- عليه السلام- عن محرم تزوّج امرأة في عدّتها قال يفرق بينهما و لا تحلّ له ابدا «1».

الحكم الثالث: هو البطلان و عدم تأثير عقد المحرم في تحقق الزوجية و لو بين محلّين و الدليل عليه في مورد ثبوت الحرمة الأبدية و هو ما إذا تزوج لنفسه عالما بالحرمة التكليفية الإحرامية هو نفس ثبوت هذه الحرمة الأبدية فإنّها لا تجتمع مع الصحّة بوجه فالدليل عليها دليل عليه أيضا كما في سائر موارد الحرمة الأبديّة المسببة عن النكاح فانّ لازمها البيّن عدم الصحة.

و امّا في غير مورد ثبوتها فروايات كثيرة واردة في هذا المجال بعد وضوح ان الروايات الدالة على الحكم الأوّل أعني الحرمة التكليفية الإحرامية لا دلالة لها

على البطلان لما قرّر في محلّه من الأصول من انّ النّهي المتعلق بالمعاملة بالمعنى الأعم الشامل لمثل النكاح إذا لم يكن إرشادا إلى فساد المعاملة و عدم ترتب الأثر المترقب مع وجود متعلق النّهي بل كان مفيدا لمجرد الحكم التكليفي التحريمي لا دلالة له على الفساد لعدم الملازمة بين الحرمة و الفساد بخلاف الحرمة الأبدية

______________________________

(1) وسائل أبواب ما يحرم بالمصاهرة الباب السابع عشر ح- 15.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 461

..........

______________________________

التي لا تتصور مع الصحة بوجه و عليه فاللازم اقامة الدليل على البطلان في غير مورد الحرمة الأبدية و هي روايات متعددة على ما أشرنا إليه:

منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة التي رواها الشيخ- قده- بطريقين عنه عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال ليس للمحرم ان يتزوج و لا يزوّج، و ان تزوج أو زوّج محلّا فتزويجه باطل «1». و فيما رواه الصدوق بإسناده عنه مثله الّا انه قال:

و لا يزوّج محلّا و زاد: و ان رجلا من الأنصار تزوج و هو محرم فأبطل رسول اللّٰه- ص- نكاحه «2» فان صدر الرواية ظاهر في الحرمة الإحرامية و ذيلها صريح في البطلان و التعبير بالتزويج في الجزاء في الذيل مع ان المذكور في الشرط التزوج و التزويج معا انّما هو لأجل كون المراد به الأعم من ان يكون لنفسه أو لغيره كما هو ظاهر، و لا فرق في دلالة الذيل على البطلان بين ان يكون عطفها على الجملة الأولى بالواو أو بالفاء كما جزم به بعض الاعلام- قده- فيما تقدّم.

و منها: صحيحة أبي الصباح الكناني قال سألت أبا عبد اللّٰه- عليه السلام- عن محرم يتزوّج، قال: نكاحه باطل

«3».

و منها: صحيحة معاوية بن عمّار قال: المحرم لا يتزوج و لا يزوّج فان فعل فنكاحه باطل «4». و التعبير في التفريع بقوله: فان فعل شامل لكلا الأمرين التزوج و التزويج و هو اولى من التعبير بالتزويج الوارد في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان و ان كان المراد منه الأعم أيضا على ما عرفت.

و منها: ذيل رواية مرسلة ابن فضال المتقدمة عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام-

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع عشر ح- 1.

(2) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع عشر ح- 2.

(3) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع عشر ح- 3.

(4) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع عشر ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 462

..........

______________________________

قال: المحرم لا ينكح و لا ينكح و لا يشهد، فان نكح فنكاحه باطل «1». و التعبير في القضية الشرطية بالنكاح مع ان المنهي عنه في الفقرة الأولى النكاح و الإنكاح معا يمكن ان يكون المراد به الأعم بقرينة الصدر و الغرض كون البطلان من آثار نكاح المحرم في مقابل الشهادة التي لا تؤثر في البطلان بوجه و ان كانت محرمة بالحرمة التكليفية الإحرامية على ما عرفت و يمكن ان يكون المراد به التعرض لهذا الفرض من دون ان يكون له مفهوم الّا على القول بثبوت مفهوم اللقب الذي لا طريق إليه أصلا.

ثم انه لو فرض ثبوت المفهوم له بالإضافة إلى الإنكاح أيضا كالشهادة فنقول انه لا جابر لإرسالها و ضعف سندها من هذه الجهة كما عرفت بالإضافة إلى الزيادة الواقعة في نقل الكليني- قده- و هو قوله: و لا يخطب على ما مرّ.

و هنا رواية ربما يتوهم دلالتها على عدم البطلان

و هي صحيحة عمر بن أبان الكلبي قال: انتهيت الى باب أبي عبد اللّٰه- ع- فخرج المفضل فاستقبلته فقال:

مالك؟ قلت: أردت أن أصنع شيئا فلم اصنع حتى يأمرني أبو عبد اللّٰه- ع- فأردت أن يحصن اللّٰه فرجي و يغضّ بصري في إحرامي فقال: كما أنت، و دخل فسأله عن ذلك فقال: هذا الكلبي على الباب و قد أراد الإحرام و أراد ان يتزوّج ليغض اللّٰه بذلك بصره إن أمرته فعل و الّا انصرف عن ذلك فقال لي: مره فليفعل و ليستتر «2».

و لكن الظاهر ان المراد من مورده صورة وقوع النكاح قبل دخوله في الإحرام لأنّ السؤال كان في المدينة و الظاهر الذي يساعده العرف ارادة وقوع النكاح فيها

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع عشر ح- 7.

(2) نقل صدرها في حاشية الوسائل عن التهذيبين و ذيلها في متن الوسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع عشر ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 463

[مسألة 6- تجوز الخطبة في حال الإحرام و الأحوط تركها]

مسألة 6- تجوز الخطبة في حال الإحرام و الأحوط تركها و يجوز الرجوع في الطلاق الرجعي (1).

______________________________

مع انّ كون الهدف ان يغض اللّٰه بذلك بصره لا يكاد يتحقق الّا مع وقوع النكاح قبل الشروع في الإحرام و الّا فبعد الشروع يكون الخوف باقيا في الآنات السّابقة و عليه فلا دلالة للرواية على عدم بطلان نكاح المحرم بوجه بل ذكر في الوافي انّ الأمر بالاستتار يرشد إلى انّه أراد تزويج المتعة و من المعلوم انه لا يلائم النكاح في حال الإحرام.

و قد انقدح من جميع ما ذكرنا في الأحكام الثلاثة ان مورد الحكم التكليفي التحريمي أوسع من موردي الحكمين الآخرين لشموله مضافا الى النكاح و الإنكاح

للشهادة بل الخطبة على احتمال.

و مورد الحكم الوسط و هي الحرمة الأبدية أضيق الموارد لاختصاصه بما إذا كان مشتملا على قيدين: كون التزوج لنفسه و كونه عالما بالحرمة الإحرامية و مورد الحكم الأخير هو الوسط بين الموردين لشموله النكاح و الإنكاح معا و عدم شموله للشهادة و الخطبة ضرورة ان الشهادة و ان كانت محرمة على المحرم الّا انّها لا تؤثر في بطلان العقد الواقع بين محلّين كما ان الظاهر شمول مورده لصورة الجهل كصورة العلم فإنه لا فرق في الحكم بالبطلان بين الصّورتين.

كما انك عرفت ان النكاح أعم من ان يكون بالمباشرة أو بالتوكيل أو بالإجازة في الفضولي على ما مرّ تفصيله و الإنكاح أعم من ان يكون بالولاية أو بالوكالة أو بالفضولي كما مرّ أيضا.

(1) امّا الخطبة فقد وقع البحث عن جوازها و عدمه في المسألة الخامسة المتقدمة في ذيل البحث عن الحكم التكليفي الإحرامي و تقدم ان مقتضى الاحتياط الوجوبي تركها.

و امّا جواز رجوع المحرم في الطلاق الرجعي الذي أنشأه قبل الإحرام أو في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 464

[مسألة 7- لو عقد محلّا على امرأة محرمة فالأحوط ترك الوقاع و نحوه]

مسألة 7- لو عقد محلّا على امرأة محرمة فالأحوط ترك الوقاع و نحوه و مفارقتها بطلاق، و لو كان عالما بالحكم طلّقها و لا ينكحها ابدا (1).

______________________________

حاله لعدم حرمة التطليق عليه فالوجه فيه كما مرّت الإشارة إليه أيضا عدم كون الرجوع تزوجا و نكاحا بل رفعا للطلاق و آثاره فان المعتدة الرجعية زوجة حقيقة قبل انقضاء العدة و لا معنى لحصول الزوجية ثانيا بالرجوع و لو فرض عدم كونها زوجة حقيقة بل بحكم الزوجة فالأمر أيضا كذلك لان الرجوع يوجب بقاء اثر النكاح المتحقق قبل الطلاق

و لا يكون تزوّجا جديدا حتى تشمله الأخبار المانعة عن تزوّج المحرم.

و الظاهر عدم اختصاص الحكم بالطلاق الرجعي بالأصالة بل يشمل الطلاق الخلعي إذا رجعت الزوجة في بذلها حيث ان رجوعها موجب لثبوت حق الرجوع للزوج في الطلاق فالفرق بين الطلاقين انّما هو في ثبوت حق الرجوع في أحدهما مطلقا و ثبوته في الآخر مشروطا برجوعها في البذل و امّا ماهية الرجوع فلا اختلاف فيها بينهما و انّها لا تكون تزوجا جديدا أصلا.

(1) ما مرّ من الأحكام الثلاثة في المسألة الخامسة كان موردها ما إذا كان المحرم رجلا و أراد ان يتزوّج أو يزوج- مثلا- و امّا إذا كان المحرم مرأة و أراد المحلّ ان يعقد عليها و يتزوّجها فالظاهر انه لم تتحقق المناقشة في ثبوت الحرمة التكليفية الإحرامية بالإضافة إلى المرأة المحرمة و كذلك في ثبوت الحكم الوضعي أي البطلان و الفساد و قد نفي السيد- قده- في العروة تبعا لصاحب الجواهر- قده- الإشكال في البطلان في هذه الصورة مع انه لم يرد فيهما نص بالخصوص و لو كان ضعيفا بل المستند فيهما الروايات المتقدمة الواردة في تزوج المحرم الدالة على حرمته و بطلانه و هذا يكشف عن ان مفاد الروايات عندهم انّما هو ثبوت الحكم للشخص المتصف بوصف الإحرام من دون فرق بين كونه رجلا أو مرية نعم يظهر من المتن الشبهة في ثبوت البطلان حيث جعل مقتضى الاحتياط الوجوبي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 465

..........

______________________________

عدم ترتيب آثار الزوجية من الوقاع و نحوه و مفارقتها بسبب الطلاق و يرد عليه انه ما الفرق بين الحكم الوضعي و بين الحرمة التكليفية الإحرامية مع كون المورد لكليهما عنوان المحرم

و التزوج و التزويج بل مثل صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة مشتملة على كلا الحكمين بعنوان واحد و عليه فلم لم يناقش المتن في الحكم التكليفي و ناقش في الحكم الوضعي و لو كان الحكم التكليفي مختصّا بالرجل المحرم لكان اللازم التصريح به كما في بعض المحرمات الذي يختص بالرجال كالتظليل و نحوه و بعض المحرمات الذي يختص بالنساء كما في ستر الوجه و نحوه فإنه مع عدم التعرض للاختصاص يكون الظاهر عدمه و- ح- فيرد عليه سؤال الفرق بين الحكمين و الحكم بنحو العموم في التحريم الإحرامي و المناقشة في الحكم الوضعي كما لا يخفى.

و امّا الحرمة الأبدية في هذا الفرض فقد ذكر في الجواهر: «صرّح غير واحد بعدم الحرمة ان عقد عليها و هي محرمة و هو محلّ للأصل خلافا للخلاف فحرّمها أيضا مستدلا عليه بالإجماع و الاحتياط و الاخبار و ردّه في الرّياض بأن الاخبار لم نقف عليها و دعوى الوفاق غير واضحة و الاحتياط ليس بحجة».

و مما ذكرنا يظهر الجواب عن إيراد الرياض بأن الاخبار لم نقف عليها فإنّ الأخبار الدالة على الحرمة الأبدية التي عرفت انّ ملاحظة الطوائف الثلاث الواردة فيها هو ثبوتها فيما إذا تزوج المحرم لنفسه و كان عالما بالحرمة الإحرامية يكون موردها أيضا تزوّج المحرم و هذا العنوان كما يصدق على الزوج كذلك يصدق على الزوجة لأن الزوجية- و التزوج- متقومة بالطرفين فإذا أضيفت إلى الزوج يكون معناها اتخاذه زوجة و إذا أضيفت إلى الزوجة يكون معناها اتخاذها زوجا و لم يرد في شي ء من الاخبار الدالة على الحرمة الأبدية اضافة التزوج الى المرأة حتى يقال بأنه لا دلالة عليها في غير موردها نعم وردت في

مرسلة الصدوق المتقدمة التي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 466

[مسألة 8- لو عقد لمحرم فدخل بها فمع علمهم بالحكم]

مسألة 8- لو عقد لمحرم فدخل بها فمع علمهم بالحكم فعلى كلّ واحد منهم كفارة و هي بدنة، و لو لم يدخل بها فلا كفارة على واحد منهم و لا فرق فيما ذكر بين كون العاقد و المرأة محلّين أو محرمين، و لو علم بعضهم الحكم دون بعض يكفّر العالم عن نفسه دون الجاهل (1).

______________________________

عرفت كونها معتبرة قوله: من تزوج امرأة في إحرامه فرّق بينهما و لم تحلّ له ابدا و لكن ذلك لا ينافي إطلاق الروايات الأخر الوارد في موردها عنوان المحرم و التزوج الشامل للمذكر و المؤنث كما عرفت في الحكمين الآخرين و هذا كما في التزويج في العدّة و نكاح ذات البعل حيث انه لا اشكال عندهم- كما في الجواهر- بين نكاح الرّجل إحديهما و بين نكاح إحديهما الرجل و ان اختلفا في أوّليّة الحرمة ابدا من العالم القادم و تبعيّة الآخر له لكن لا اختلاف في أصل الحرمة الأبديّة.

فالإنصاف انّه لا مجال للمناقشة في هذا الحكم و لا للمناقشة في البطلان كما انه لم يناقش أحد في الحكم التكليفي الإحرامي فلا وجه للاحتياط الوجوبي في المتن في هذا الحكم أيضا كما يظهر من الجمع بين الطلاق و بين عدم نكاحها ابدا فتدبّر.

بل الظاهر كون الحكم بصورة الفتوى ثم الظاهر ان قوله- قده- في المتن: و لو كان عالما بالحكم من سهو القلم لان ثبوت الحرمة الأبدية في صورة كون المرأة محرمة سواء كانت بنحو الفتوى كما اخترناه أو بنحو الاحتياط الوجوبي كما اختاره- قده- انّما يكون موردها التزوج لنفسه مع كون المحرم عالما بالحرمة الإحرامية

و المفروض انّ المحرم في هذا الفرض هي المرأة فاللازم اعتبار علمها كما انه في العكس يعتبر علم الرجل المحرم.

و قد وقع التعبير في المتن في كتاب النكاح الذي تعرض فيه لهذا الفرض بكون المرأة المحرمة عالمة بالحرمة و هو الصحيح كما عرفت.

(1) أقول عنوان المسألة في الشرائع هكذا: «و إذا عقد المحرم لمحرم على امرأة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 467

..........

______________________________

و دخل بها المحرم فعلى كل واحد منهما كفارة، و كذا لو كان العاقد محلا على رواية سماعة» و يظهر منه ان الفرض الأوّل مما لا مجال للتوقف فيه و ان الفرض الذي ورد فيه رواية سماعة محلّ للشك و الترديد بل عن العلامة في المنتهى: و في سماعه قول و عندي في هذه الرواية توقف بل عن الإيضاح ان الأصل خلافه للأصل و لانه مباح بالنسبة اليه و تحمل الرواية على الاستحباب.

و كيف كان فالرواية الوحيدة الواردة في هذا المجال رواية سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّٰه- عليه السلام- قال: لا ينبغي للرجل الحلال ان يزوّج محرما و هو يعلم انه لا يحلّ له، قلت: فان فعل فدخل بها المحرم، فقال: ان كانا عالمين فان على كل واحد منهما بدنة، و على المرأة ان كانت محرمة بدنة، و ان لم تكن محرمة فلا شي ء عليها الّا ان تكون هي قد علمت ان الّذي تزوّجها محرم، فان كانت علمت ثم تزوجت فعليها بدنة «1».

و الكلام فيها تارة من جهة السّند و اشتماله على سماعة و اخرى من حيث الدلالة.

امّا من الجهة الأولى: فالظاهر انه لا إشكال في وثاقته و قد صرّح النجاشي بكونه ثقة ثقة بل عدّه

الشيخ المفيد- قده- في رسالته العددية من الاعلام الرّؤساء المأخوذ عنهم الحلال و الحرام و الفتيا و الاحكام الذين لا يطعن عليهم و لا طريق الى ذمّ واحد منهم مضافا الى وروده في اسناد كتاب كامل الزيارات و تفسير علي بن إبراهيم القمي و عليه فهو من الموثقتين بالخصوص و العموم و لم يناقش أحد في وثاقته بل وقع الكلام في انه واقفي أم لا فالمحكي عن الصّدوق في الفقيه انه واقفي و تبعه الشيخ في رجاله و لكن عدم تعرض النجاشي و الكشي و البرقي و ابن الغضائري

______________________________

(1) وسائل أبواب تروك الإحرام الباب الرابع عشر ح- 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 468

..........

______________________________

لوقفه يكشف عن عدمه خصوصا الأوّل الذي مرّ انه صرّح بتكرير الثقة و يؤيده أيضا بعض الروايات و الظاهر ترجيح هذا على تصريح الصدوق و الشيخ لعدم تمحضهما في خصوص علم الرجال خصوصا الشيخ الذي يكون جامعا لجميع العلوم الإسلامية و مؤلّفا فيه و لذا يقال في ترجيح رواية الكليني على رواية الشيخ مع الاختلاف ان الكليني أضبط من الشيخ لما ذكرنا من تمحض الأول في علم الحديث دون الثاني.

هذا مع ان الوثاقة بمجرّدها تكفي في حجية الرواية و اعتبارها و لا تتوقف الحجية على كون الراوي عادلا كما قرّر في محلّه و عليه فلا مجال للإشكال في الرواية من جهة السّند مع انّها على تقدير الضعف منجبرة بالشهرة المحكية عن غير واحد كما في الجواهر بل في محكي التنقيح نسبته الى عمل الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه نعم على هذا التقدير يمكن المناقشة في تحقق الشهرة و ان كانت منقولة فتدبّر.

و امّا من جهة الدّلالة: فظاهر

صدرها ان تزويج المحلّ للرجل المحرم حرام مع العلم بأنّه لا يحلّ له و مقتضى إطلاقه انه لا فرق في ذلك بين صورة تحقق الدخول و عدمه و عليه فالحكم التكليفي التحريمي لا يتوقف على الدخول بل الموضوع نفس التزويج المزبور مع العلم فالفرق- ح- بين حرمة تزويج المحرم لنفسه أو لغيره و بين حرمة تزويج المحلّ للمحرم انّما هو من جهتين: إحديهما أن تزويج المحرم للمحلّ أيضا حرام بخلاف تزويج المحلّ فإن الحرمة فيه تختص بما إذا كان التزويج لمحرم، ثانيتهما اختصاص المقام بصورة العلم بحرمة التزوج للمحرم و عدم اختصاص الحرمة الإحرامية بهذه الصّورة كما لا يخفى و لأجل هذه الجهة الثانية لا يمكن تعميم مفاد هذه الفقرة المتضمنة للحكم التكليفي غير المسبوقة بالسؤال بالإضافة الى ما كان العاقد محرما أيضا نظرا إلى الأولوية القطعية و ذلك لان حرمة التزويج علي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 469

..........

______________________________

العاقد المحرم لا تختص بصورة العلم بل لا تختص بما إذا كان الزوج محرما لما عرفت من ان إيقاع المحرم العقد و لو بين محلّين حرام فالحرمة لا تكون مقيدة بالعلم و ان كان ترتب العقوبة على مخالفتها و ثبوت الكفارة في موارده متفرعين على العلم.

و العجب من المتن تبعا لسائر المتون حيث لم يتعرضوا للحكم التكليفي المستفاد من صدر الرواية المقيد بالعلم و غير المشروط بالدخول مع ظهور الرواية أوّلا في هذا الحكم و دلالتها على ثبوت الكفارة في الفقرة الثانية الواقعة جوابا عن سؤال الدخول بعد وقوع العقد المحرم المذكور في الصّدر و لا مجال لاحتمال كون كلمة «لا ينبغي» غير ظاهرة في الحرمة خصوصا مع وقوع التعبير بها

في أصل الأمر الثالث من الأمور المحرمة في حال الإحرام و هو إيقاع العقد لنفسه أو لغيره على ما عرفت في الروايات المتقدمة و خصوصا مع ثبوت الكفارة في بعض صورها نعم لا ينبغي المناقشة في ظهور الصدر في اعتبار مدخلية العلم بالموضوع و هو كون الزوج محرما أيضا و لا يكفى مجرد العلم بالكبرى مع عدم العلم بالصغرى كما لا يخفى و امّا الجملة الثانية المشتملة على ثبوت الكفارة على العاقد المحلّ و الزوج المحرم إذا كانا عالمين فالظاهر ان الحكم بالإضافة إلى كليهما يكون على خلاف القاعدة امّا العاقد فلكونه محلّا و ان كان تزويج المحرم حراما عليه بمقتضى الفقرة الأولى إلّا انك عرفت انّ دائرة الحكم التكليفي المشروط بالعلم أوسع من دائرة الكفارة المشروطة به و بالدخول معا، و امّا الزوج فلفرض بطلان العقد و عدم كون المدخول بها زوجة له شرعا و الاخبار المتقدمة في باب الجماع الدالة على ثبوت الكفارة فيه مع العلم و العمد انّما كان موردها الجماع مع الزوجة أو الأمة و اغلظية الزنا و اشديته لا يقتضي الارتباط بباب الإحرام من جهة أصل الحرمة الإحرامية و من جهة الكفارة و الّا لكانت المعاصي الكبيرة بل السبع التي هي أكبرها محكومة بالأمرين في باب الإحرام بطريق اولى و عليه فالحكم بثبوت الكفارة بالإضافة إلى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 470

..........

______________________________

الزوج المحرم في المقام لا يكاد يستفاد من الأدلة الواردة في الجماع المتقدمة في بحثه و لكن حيث ان الرواية الموثقة بل الصحيحة تدل على الثبوت بالإضافة إلى كليهما لكان اللازم الالتزام به.

و في هذا المجال يمكن دعوى ثبوت الأولوية بالنسبة إلى العاقد

المحرم أيضا فإنه إذا كان العاقد المحلّ ثابتا عليه الكفارة في صورة العلم يكون العاقد المحرم كذلك بطريق اولى لا بالأولوية الظنية التي لا دليل على اعتبارها بل بالأولوية التي يعتمد عليها العرف فيما يتفاهم من الكلمات و مع قطع النظر عن هذه الأولوية فدعوى كون هذا الفرض مسلّما بينهم أو إجماعيّا لديهم كما ربما يظهر من عبارة الشرائع المتقدمة بعيدة جدّا. و امّا ذيل الرواية المتعرض لحكم المرأة فمفاده ثبوت الكفارة عليها ان كانت محرمة و لم يقع فيه التقييد بصورة العلم الّا ان تقييد ثبوت الكفارة على الزوج المحرم و العاقد بكونهما عالمين قرينة على ثبوت هذا القيد في هذا الفرض لانه لا مجال لتوهم الفرق بين الرجل المحرم و المرأة المحرمة من هذه الجهة بعد اشتراكهما في هذا الأمر المحرّم من محرّمات الإحرام كما وقع البحث فيه سابقا.

و دعوى ان التقييد بصورة العلم يوجب ان لا يكون فرق بين المحرمة و بين غيرها حيث علق الحكم بثبوت الكفارة فيه على العلم مع ظهور الرواية في الفرق بينهما كما لا يخفى.

مدفوعة- مضافا الى انه يعتبر في المرأة المحرمة علم واحد و هو العلم بأنها لا يجوز لها ان تتزوج في حال الإحرام و في المرأة المحلّة علمان: علم بالصغرى و علم بالكبرى لما عرفت من ان المستفاد من قوله- ع-: ان كانا عالمين هو اعتبار كلا العلمين- بانّ المعلوم الذي تعرض له في الرواية و تكون هي ناظرة إليه مختلف بالنسبة إليهما فإن المعلوم في المرأة المحرمة هو عدم جواز التزوج لها في حال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 471

..........

______________________________

الإحرام و لا يعتبر العلم بكون زوجها محرما

لعدم الفرق في حرمة تزوج المحرمة بين كون الزوج محرما أو محلّا كما في العكس حيث انه لا فرق في تزوج المحرم بين كون الزوجة محرمة أو محلّة، و امّا المعلوم في المرأة المحلّة كون زوجها محرما لأنه الأساس في هذه الجهة الراجعة إلى ثبوت الكفارة فالفرق بين الصورتين واضح.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 3، ص: 471

و مما ذكرنا ظهر انّ ما في المتن من الحكم بثبوت الكفارة على الثلاثة مع علمهم بالحكم غير تام بل اللازم ثبوت العلم بالموضوع في العاقد و المرأة المحلّة و لا يكفي مجرد العلم بالحكم بعد عدم العلم بالموضوع خصوصا مع كون المصرح به في الرواية في المرأة هو اعتبار العلم بالموضوع و ان كان قد عرفت دلالة نفس الرواية على اعتبار العلم بالحكم أيضا فتدبّر.

كما انه مما ذكرنا ظهرت المناقشة فيما جعله الشهيد الثاني- قده- ضابطا حيث قال في المسالك: «و الضابط ان الزوجين لا يجب عليهما الّا مع إحرامهما و الدخول و العلم، و العاقد لا يجب عليه شي ء إلّا مع إحرام الزوج و دخوله ففيه ما مرّ».

وجه المناقشة انه لا يعتبر في ثبوت الكفارة على الزوجة ان تكون محرمة بل يكفي علمها بكون الزوج محرما و انه لا يجوز له ان يتزوج في حال الإحرام فتخصيص الحكم بثبوتها عليهما بما إذا كان كلاهما محرمين لا وجه له كما ان الحكم في الذيل بثبوت الكفارة على العاقد في صورة إحرام الزوج و دخوله لا ينطبق على الرواية إذ مقتضاها اعتبار

العلم أيضا فهذه الضابطة غير تامّة.

ثم انه هل يمكن تسرية حكم الرّواية الى ما لو عقد لمحرمة مع العلم بأنّها محرمة سواء كان الزوج محلا أم محرما فيحكم بثبوت الحرمة و بعدها بثبوت الكفارة مع الشرائط المذكورة في الرواية أم لا؟ الظاهر هو الثاني لأن الحكم في الرواية على خلاف القاعدة و اللازم الاقتصار فيه على موردها و لا دليل لإلغاء الخصوصية أصلا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 3، ص: 472

[مسألة 9- الظاهر عدم الفرق فيما ذكر من الاحكام بين العقد الدائم و المنقطع]

مسألة 9- الظاهر عدم الفرق فيما ذكر من الاحكام بين العقد الدائم و المنقطع (1).

______________________________

(1) وجه الظهور كون النكاح على مذهب فقهائنا- رضوان اللّٰه تعالى عليهم أجمعين- على نوعين: الدائم و المنقطع و عليه يكون مقتضى إطلاق الروايات الواردة في الأمر الثالث الدالة على النهي عن تزوج المحرم و تزويجه و كذا تعبير الفقهاء بإيقاع العقد لنفسه و لغيره الشمول للعقد المنقطع أيضا فيثبت فيه الأحكام الثلاثة المتقدمة و هي الحرمة التكليفية الإحرامية و الحكم الوضعي و الحرمة الأبديّة بلا اشكال.

هذا تمام الكلام في الجزء الثالث من شرح مباحث الحج من كتاب تفصيل الشريعة الذي هو شرح تحرير الوسيلة للإمام الراحل الخميني قدس سره الشريف و قد وقع الفراغ من هذا الجزء في اليوم الثالث عشر من شهر جمادى الآخرة من شهور سنة 1414 من الهجرة النبوية على مهاجرها آلاف الثناء و التحيّة بيد العبد المفتاق إلى رحمة ربّه الغنيّ محمد الفاضل اللنكراني ابن العلّامة الفقيه الفقيد آية اللّٰه الشيخ فاضل اللنكراني تغمده اللّٰه بغفرانه و أسكنه بحبوحات جنانه و حشره اللّٰه مع من يحبّه و يتولاه من النبي و الأئمة المعصومين- عليه و عليهم الصلوات- و الرجاء من فضل اللّٰه

العميم ان يكون مقبولا عنده و من الفضلاء و المشتغلين ان ينظروا اليه بعين الإغماض و ان يتفضلوا عليّ بموارد الاشكال و الخطاء و الاشتباه فإنه ليس المعصوم الّا من عصمه اللّٰه تعالى و اصطفاه لهذه الفضيلة.

كما انّ الرجاء الواثق منه تعالى ان يحشر سيدنا الأستاذ الأعظم الماتن- قده- مع أجداده الطيبين الطاهرين المعصومين صلوات اللّٰه عليهم أجمعين و ان يوفقني لإتمام هذا الشرح الذي يمكن ان يكون ذخيرة ليوم فقري و فاقتي يوم لا ينفع مال و لا بنون الّا من اتى اللّٰه بقلب سليم و الحمد للّٰه رب العالمين.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.